فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزجاج: أي لكافرون بلقاء ربهم.
{أَوَلَمْ يَسيرُوا في الأرض فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين من قَبْلهمْ} هو تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية.
ثم وصف حالهم فقال: {كَانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرض} وحرثوها {وَعَمَرُوهَا} أي المدمرون {أَكْثَرَ} صفة مصدر محذوف.
وما مصدرية في {ممَّا عَمَرُوهَا} أي من عمارة أهل مكة {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} وتقف عليها لحق الحذف أي فلم يؤمنوا فأهلكوا {فَمَا كَانَ الله ليَظْلمَهُمْ} فما كان تدميره إياهم ظلمًا لهم {ولكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلمُونَ} ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم {ثُمَّ كَانَ عاقبة} بالنصب: شامي وكوفي {الذين أَسَآوُا السوأى} تأنيث الأسوأ وهو الأقبح كما أن الحسنى تأنيث الأحسن، ومحلها رفع على أنها اسم {كان} عند من نصب {عاقبة} على الخبر ونصب عند من رفعها، والمعنى أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ثم كانت عاقبتهم السوأى، إلا أنه وضع المظهر وهو {الذين أساؤوا} موضع المضمر أي العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة وهي النار التي أعدت للكافرين {أَن كَذَّبُوا} لأن كذبوا أو بأن وهو يدل على أن معنى أساؤوا كفروا {بآيات الله وكانوا بها يستهزئون} يعني ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها.
{الله يَبْدَأُ الخلق} ينشئهم {ثُمَّ يُعيدُهُ} يحييهم بعد الموت {ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ} وبالياء: أبو عمرو وسهل.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلسُ} ييأس ويتحير.
يقال: ناظرته فأبلس إذا لم ينبس ويئس من أن يحتج {المجرمون} المشركون {وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائهمْ} من الذين عبدوهم من دون الله.
وكتب {شُفَعَاؤا} في المصحف بواو قبل الألف كما كتب {علمؤا بني إسرائيل} [الشعراء: 197] وكذلك كتبت السوأى بالألف قبل الياء إثباتًا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها {وَكَانُوا بشُرَكَائهمْ كافرين} أي يكفرون بآلهتهم ويجحدونها أو وكانوا في الدنيا كافرين بسببهم.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ} الضمير في {يتفرقون} للمسلمين والكافرين لدلالة ما بعده عليه حيث قال: {فَأَمَّا الذين ءامَنُوا وَعَملُوا الصالحات فَهُمْ في رَوْضَةٍ} أي بستان وهي الجنة، والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه {يُحْبَرُونَ} يسرون.
يقال: حبره إذا سره سرورًا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره، ثم اختلف فيه لاحتمال وجوه المسار فقيل يكرمون، وقيل يحلون، وقيل هو السماء في الجنة {وَأَمَّا الذين كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا وَلقَاء الآخرة} أي البعث {فَأُوْلَئكَ في العذاب مُحْضَرُونَ} مقيمون لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم كقوله: {وَمَا هُم بخارجين منْهَا} [البقرة: 167] لما ذكر الوعد والوعيد أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجي من الوعيد فقال: {فَسُبْحَانَ الله} والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه الله من السوء والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعمة الله الظاهرة أو الصلاة، فقيل لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال: نعم وتلا هذه الآية.
وهو نصب على المصدر والمعنى نزهوه عما لا يليق به أوصلوا لله {حينَ تُمْسُونَ} صلاة المغرب والعشاء {وَحينَ تُصْبحُونَ} صلاة الفجر.
{وَلَهُ الحمد في السماوات والأرض} اعتراض ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السماوات والأرض أن يحمدوه، و{في السماوات} حال من {الحمد} {وَعَشيًّا} صلاة العصر وهو معطوف على {حين تمسون} وقوله: {عشيًا} متصل بقوله: {حين تمسون} {وَحينَ تُظْهرُونَ} صلاة الظهر أظهر أي: دخل في وقت الظهيرة والقول الأكثر أن الصلوات الخمس فرضت بمكة {يُخْرجُ الحي منَ الميت} الطائر من البيضة أو الإنسان من النطفة أو المؤمن من الكافر {وَيُخْرجُ الميت منَ الحي} أي: البيضة من الطائر أو النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن، و{الميت} بالتخفيف فيهما مكي وشامي وأبو عمرو وأبو بكر وحماد، وبالتشديد غيرهم {وَيحي الأرض} بالنبات {بَعْدَ مَوْتهَا} يبسها {وَكَذَلكَ تُخْرَجُونَ} {تخرجون} حمزة وعلي وخلف، أي: ومثل ذلك الإخراج تخرجون من قبوركم.
والكاف في محل النصب ب {تخرجون} والمعنى أن الإبداء والإعادة يتساويان في قدرة من هو قادر على إخراج الميت من الحي وعكسه، روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ فسبحان الله حين تمسون إلى الثلاث وأخر سورة والصافات دبر كل صلاة كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر الأمطار وورق الأشجار وتراب الأرض، فإذا مات أجري له بكل حرف عشر حسنات في قبره» قال عليه السلام: «من قرأ حين يصبح {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} إلى قوله: {وكذلك تخرجون} أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته» ومن آياته ومن علامات ربوبيته وقدرته {أَنْ خَلَقَكُمْ} أي: أباكم {مّن تُرَابٍ ثُمَّ إذَا أَنتُمْ بَشَرٌ} أي: آدم وذريته {تَنتَشرُونَ} تنصرفون فيما فيه معاشكم و{إذا} للمفاجأة وتقديره: ثم فاجأتم وقت كونكم بشرًا منتشرين في الأرض.
{وَمنْ ءاياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسكُمْ أزواجا لّتَسْكُنُوا إلَيْهَا} أي حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال، أو من شكل أنفسكم وجنسها لا من جنس آخر وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون وما بين الجنسين المختلفين من التنافر.
يقال: سكن إليه إذا مال إليه {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} أي جعل بينكم التواد والتراحم بسبب الزواج.
وعن الحسن: المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد.
وقيل: المودة للشابة والرحمة للعجوز.
وقيل: المودة والرحمة من الله والفرك من الشيطان أي بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة {إنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيعلمون أن قوام الدنيا بوجود التناسل {وَمنْ ءاياته خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسنَتكُمْ} أي اللغات أو أجناس النطق وأشكاله {وألوانكم} كالسواد والبياض وغيرهما، ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو تشاكلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح، وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون.
{إنَّ في ذلك لآيات للعالمين} {للعالمين} جمع عالَم، وبكسر اللام: حفص عالم ويشهد للكسر قوله تعالى: {وَمَا يَعْقلُهَا إلاَّ العالمون} (العنكبوت: 43) {وَمنْ ءاياته مَنَامُكُم باليل والنهار وابتغاؤكم مّن فَضْله} هذا من باب اللف، وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينين الأولين بالقرينين الآخرين، أو المراد منامكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما، والجمهور على الأول لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن {إنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي يسمعون سماع تدبر بآذان واعية.
{وَمنْ ءاياته يُريكُمُ البرق} في {يريكم} وجهان: إضمار أن كما في حرف ابن مسعود رضي الله عنه وإنزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أي أن تسمع أو سماعك {خَوْفًا} من الصاعقة أو من الإخلاف {وَطَمَعًا} في الغيث أو خوفًا للمسافر وطمعًا للحاضر، وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي إرادة خوف وإرادة طمع، أو على الحال أي خائفين وطامعين {وَيُنَزّلُ منَ السماء} وبالتخفيف: مكي وبصري {ماءً} مطرًا {فيحي به الأَرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} يتفكرون بعقولهم {وَمنْ ءاياته أَن تَقُومَ} تثبت بلا عمد {السماء والأرض بأَمْره} أي بإقامته وتدبيره وحكمته {ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ} للبعث {دَعْوَةً مّنَ الأرض إذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} من قبوركم هذا كقوله: {يريكم} في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى كأنه قال: ومن آياته قيام السماوات والأرض واستمساكها بغير عمد، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا، والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف.
وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض ب {ثم} بيانًا لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله وهو أن يقول: يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال: {ثُمَّ نُفخَ فيه أخرى فَإذَا هُمْ قيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68] وإذا الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط {ومن الأرض} متعلق بالفعل لا بالمصدر.
وقولك دعوته من مكان كذا يجوز أن يكون مكانك ويجوز أن يكون مكان صاحبك.
{وَلَهُ مَن في السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون} منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية.
{وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق} أي ينشئهم {ثُمَّ يُعيدُهُ} للبعث {وَهُوَ} أي البعث {أَهْوَنُ} أيسر {عَلَيْه} عندكم لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء فلم أنكرتم الإعادة، وأخرت الصلة في قوله: {وهو أهون عليه} وقدمت في قوله: {وَهُوَ عَليَّ هَيّنٌ} [مريم: 9] لقصد الاختصاص هناك، وأما هنا فلا معنى للاختصاص.
وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الأهون بمعنى الهين فيوصف به الله عز وجل وكان ذلك على الله يسيرًا كما قالوا: الله أكبر أي كبير، والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء، أو هو أهون على الخلق من الإنشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفًا ثم علقًا ثم مضغ إلى تكميل خلقهم {وَلَهُ المثل الأعلى في السماوات والأرض} أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره وقد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله: {وَهُوَ العزيز} أي القاهر لكل مقدور {الحكيم} الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المثل الأعلى {لَيْسَ كَمثْله شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11].
وعن مجاهد: هو قول لا إله إلا الله.
ومعناه وله الوصف الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مّنْ أَنفُسكُمْ} فهذا مثل ضربه الله عز وجل لمن جعل له شريكًا من خلقه.
و{من} للابتداء كأنه قال: أخذ مثلًا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم {هَلْ لَّكُمْ} معاشر الأحرار {مّن مَّا مَلَكَتْ أيمانكم} عبيدكم و{من} للتبعيض {مّن شُرَكَاء} {من} مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ومعناه: هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد أن يشارككم بعضهم {فى مَا رزقناكم} من الأموال وغيرها {فَأَنتُمْ} معاشر الأحرار والعبيد {فيه} في ذلك الرزق {سَوَاء} من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مماليككم في أموالكم كحكمكم {تَخَافُونَهُمْ} حال من ضمير الفاعل في سواء أي متساوون خائفًا بعضكم بعضًا مشاركته في المال، والمعنى: تخافون معاشرة السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكمًا دون إذنهم خوفًا من لائمة تلحقكم من جهتهم {كَخيفَتكُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني كما يخاف بعض الأحرار بعضًا فيما هو مشترك بينهم، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟ {كذلك} موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل {نُفَصّلُ الآيات} نبينها لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها {لّقَوْمٍ يَعْقلُونَ} يتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال: {بَل اتبع الذين ظَلَمُوا} أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى: {إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ} [لقمان: 13] {أَهْوَاءهُمْ بغَيْر علْمٍ} أي اتبعوا أهواءهم جاهلين {فَمَن يَهْدى مَنْ أَضَلَّ الله} أي أضله الله تعالى: {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} من العذاب.
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّينَ} فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يمينًا ولا شمالًا، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه {حَنيفًا} حال عن المأمور أو من الدين {فطْرَةَ الله} أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقة، ألا ترى إلى قوله: {لاَ تَبْديلَ لخَلْق الله} [الروم: 30] فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوبًا للعقل مساوقًا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينًا آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام: «كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري» وقوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه» وقال الزجاج: معناه أن الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث «إن الله عز وجل آخرج من صلب آدم كالذر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم» فقال: {وإذ أخذ ربك} إلى قوله: {قَالُوا بلى} [الأعراف: 172] وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى خالقها.
فمعنى فطرة الله دين الله {التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} أي خلق {لاَ تَبْديلَ لخَلْق الله} أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير.
وقال الزجاج: معناه لا تبديل لدين الله ويدل عليه ما بعده وهو قوله: {ذلك الدين القيم} أي المستقيم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} حقيقة ذلك. اهـ.

.قال البيضاوي:

{الم غُلبَت الروم في أَدْنَى الأرض}.
أرض العرب منهم لأنها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب واللام بدل من الإضافة. {وَهُم مّن بَعْد غَلَبهمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول، وقرىء {غَلَبهمْ} وهو لغة كالجلب والجلب. {سَيَغْلبُونَ}.
{فى بضْع سنينَ} روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى، وقيل بالجزيرة وهي أدنى أرض الروم من الفرس فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن عليكم فنزلت، فقال لهم أبو بكر: لا يقرن الله أعينكم فوالله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أبي بن خلف: كذبت اجعل بيننا أجلًا أناحبك عليه، فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبي من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قفوله من أحد وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصدق به. واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب، وأجيب بأنه كان قبل تحريم القمار، والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب. وقرىء {غَلَبَت} بالفتح و{سَيُغْلبُونَ} بالضم ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم وعلى هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل. {للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين أي له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون ليس شيء منهما إلا بقضائه، وقرىء {من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} من غير تقدير مضاف إليه كأنه قيل قبلًا وبعدًا أي أولًا وآخرًا. {وَيَوْمَئذٍ} ويوم تغلب الروم. {يَفْرَحُ المؤمنون}.
{بنَصْر الله} من له كتاب على من لا كتاب له لما فيه من انقلاب التفاؤل وظهور صدقهم فيما أخبرا به المشركين وغلبتهم في رهانهم وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم، وقيل بنصر الله المؤمنين بإظهار صدقهم أو بأن ولي بعض أعدائهم بعضًا حتى تفانوا. {يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى. {وَهُوَ العَزيزُ الرحيم} ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة ويتفضل عليهم بنصرهم أخرى.