فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: أيُّ: فرق بين منْ الأولى والثانية والثالثة في قوله تعالى: {من أنفسكم}؟.
أجيب: بأن الأولى: للابتداء كأنه قال: أخذ مثلًا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي من أنفسكم ولم يبعد، والثانية: للتبعيض، والثالثة: مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي، ثم بين المساواة بقوله تعالى: {تخافونهم} أي: معاشر السادة في التصرّف في ذلك الشيء المشترك {كخيفتكم أنفسكم} أي: كما تخافون بعض من تشاركونه ممن يساويكم في الحرية والعظمة أن تتصرّفوا في الأمر المشترك بشيء لا يرضيه وبدون إذنه، وظهر أنّ حالكم في عبيدكم مثل له فيما أشركتموهم به موضح لبطلانه، فإذا لم ترضوا هذا لأنفسكم وهو أن تستوي عبيدكم معكم في الملك فكيف ترضونه لخالقكم في هذه الشركاء التي زعمتموها فتسوّونها به وهي من أضعف خلقه أفلا تستحيون {كذلك} أي: مثل هذا التفصيل العالي {نفصل الآيات} أي: نبينها، فإنّ التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها {لقوم يعقلون} أي: يتدبرون هذه الدلائل بعقولهم، والأمر لا يخفى بعد ذلك إلا على من لا عقل له.
{بل اتبع الذين ظلموا} أي: أشركوا فإنهم وضعوا الشيء في غير موضعه.
فعل الماشي في الظلام {أهواءهم} وهي ما تميل إليه نفوسهم {بغير علم} أي: جاهلين لا يكفهم، شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه، ثم بين تعالى أنّ ذلك بإرادته بقوله تعالى: {فمن يهدي من أضل الله} أي: الذي له الأمر كله أي: لا يقدر أحد على هدايته {وما لهم من ناصرين} أي: مانعين يمنعونهم من عذاب الله لا من الأصنام ولا من غيرها، ولما تحرّرت الأدلة وانتصبت الأعلام أقبل تعالى على خلاصة خلقه إيذانًا بأنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره بقوله سبحانه.
{فأقم وجهك} أي: قصدك كله {للدين} أي: أخلص دينك لله قاله سعيد بن جبير، وقال غيره: سدّد عملك، والوجه ما يتوجه إليه، وقيل: أقبل بكلك على الدين، عبر بالوجه عن الذات كقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} أي: ذاته بصفاته.
وقوله تعالى: {حنيفًا} حال من فاعل أقم أو مفعوله أو من الدين، ومعنى حنيفًا أي: مائلًا إليه مستقيمًا عليه ومل عن كل شيء لا يكون في قلبك شيء آخر، وهذا قريب من معنى قوله تعالى: {ولا تكوننّ من المشركين} وقوله تعالى: {فطرت الله} أي: خلقته منصوب على الإغراء أو المصدر بما دلّ عليه ما بعدها وهي بتاء مجرورة، وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء، ثم أكد ذلك بقوله تعالى: {التي فطر الناس} قال ابن عباس: خلق الناس {عليها} وهو دينه وهو التوحيد. قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» فقوله على الفطرة على العهد الذي أخذه عليهم بقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها، وإن عبد غيره قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله}.
وقال: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.
ولكن لا عبرة بالإيمان الفطريّ في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعيّ المأمور به، وهذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين، وقيل: الآية مخصوصة بالمؤمنين وهم الذين فطرهم الله تعالى على الإسلام، روي عن عبد الله بن المبارك قال: معنى الحديث: أن كل مولود يولد على فطرته أي: على خلقته التي جبل عليها في علم الله من السعادة والشقاء، وكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن علامات الشقاوة أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين فيحملانه لشقائه على اعتقاده دينهما، وقيل: معنى الحديث: أنّ كل مولود يولد في مبدأ الفطرة على الخلقة أي: الجبلة السليمة والطبع المتهيء لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها؛ لأنّ هذا الدين موجود حُسنه في العقول وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من النشوء والتقليد، فمن يسلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره. ذكر هذه المعاني أبو سليمان الخطابي في كتابه، ولما كانت سلامة الفطرة أمرًا مستمرًّا قال تعالى: {لا تبديل لخلق الله} أي: الملك الأعلى الذي لا كفء له فلا يقدر أحد أن يغيره، فمن حمل الفطرة على الدين قال معناه: لا تبديل لدين الله، فهو خبر بمعنى النهي أي: لا تبدّلوا دين الله. قاله مجاهد وإبراهيم. والمعنى: إلزموا فطرة الله أي: دين الله واتبعوه ولا تبدّلوا التوحيد بالشرك، ومن حملها على الخلقة قال: معناه لا تبديل لخلق الله أي: ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة، فلا يصير السعيد شقيًا ولا الشقي سعيدًا، وقال عكرمة: معناه تحريم إخصاء البهائم أي: في غير المأكول وفي المأكول الكبير، أمّا المأكول الصغير فإنه يجوز، ويلحق بالخصي المحرّم كل تغيير محرّم كالوشم {ذلك} أي: الشأن العظيم {الدين القيم} أي: المستقيم الذي لا عوج فيه توحيد الله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أن ذلك هو الدين المستقيم لعدم تدبرهم. اهـ.

.قال القاسمي:

سورة الروم:
بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم.
{غُلبَت الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْض وَهُم مّن بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ في بضْع سنين}.
اتفق المؤرخون من المسلمين وأهل الكتاب على أن ملك فارس كان غزا بلاد الشام، وفتح دمشق، وبيت المقدس، الأولى سنة 613، والثانية سنة 614؛ أي: قبل الهجرة النبوية بسبع سنين- فحدث أن بلغ الخبر مكة، ففرح المشركون، وشمتوا بالمسلمين، وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس وثنيون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنّ عليكم، فنزلت الآية، فتليت على المشركين، فأحال وقوع ذلك بعضهم، وتراهن مع الصديق رضي الله عنه على مائة قلوص، إن وقع مصداقها، فلم يمض من البضع- وهو ما بين الثلاث إلى التسع- سبع سنين إلا وقد نظم هرقل جنود الروم وغزا بهم بلاد فارس سنة 621؛ أي: قبل الهجرة بسنة، فدوّخها، واضطر ملكها للهرب، وعاد هرقل بالغنائم الوافرة.
ولا ريب أن ذلك أعظم معجزات القرآن؛ أعني إخباره عن غيب وقع مصداقه، واستبان للجاحدين من نوره إشراقه، وفي ضمنه أن سائر غيوبه كذلك من ظهور الإسلام على الدين كله، وزهوق الباطل، وعلوّ الحق، وجعل المستضعفين أئمة، وإيراثهم أرض عدوّهم، إلى غير ذلك.
وما ألطف ما قال الزبير الكلائيّ: رأيت غلبة فارس الرومَ، ثم رأيت غلبة الروم فارسَ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارسَ والرومَ، كل ذلك في خمس عشرة سنة- من أواخر غلبة فارس إلى أوائل غلبة المسلمين- والأرض، كما قال الزمخشري: أرض العرب؛ لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم. والمعنى: غلبوا في أدنى أرض العرب أي: أقربها منهم، وهي أطراف الشام: {للَّه الْأَمْرُ من قَبْل} أي: من قبل غلبة فارس على الروم: {وَمن بَعْدُ} أي: من بعد غلبة الروم على فارس. ويقال: لله العلم والقدرة والمشيئة من قبل إبداء الخلق، ومن بعد إفناء الخلق، والمعنى: أن كلًا من كونهم مغلوبين أولًا، وغالبين آخرًا، ليس إلا بأمره وقضائه، وعلمه ومشيئته، كما قال تعالى: {وَتلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاولُهَا بَيْنَ النَّاس} [آل عمْرَان: 140].
{وَيَوْمَئذٍ} أي: يوم إذ يغلب الروم على فارس، ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم {يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ بنَصْر اللَّه} أي: تغليبه من له كتاب على من لا كتاب له، وغيظ من شمت بهم من كفار مكة. ويقال: نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين: {يَنصُرُ مَن يَشَاء} أي: من عباده على عدوه: {وَهُوَ الْعَزيزُ} أي: القاهر الغالب على أمره، لا يعجزه من شاء نصره: {الرَّحيمُ} أي: من نصره وتغليبه من يشاء: {وَعْدَ اللَّه لَا يُخْلفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ} أي: بحكمته تعالى، في كونه وأفعاله المحكمة، الجارية على وفق العدل، لجهلهم وعدم تفكرهم.
{يَعْلَمُونَ ظَاهرًا مّنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} وهو ما يوافق شهواتهم وأهواءهم: {وَهُمْ عَن الْآخرَة} أي: التي هي المطلب الأعلى: {هُمْ غَافلُونَ} أي: لا يُخطرونها ببالهم، فهم جاهلون بها تاركون لعملها.
لطائف:
قال الزمخشري: قوله تعالى: {يَعْلَمُوْنَ} بدل من قوله: {لَا يَعْلَمُوْنَ} وفي هذا الإبدال من النكتة، أنه أبدل منه وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسدّ مسدّه، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. وقوله: {ظَاهرًا} يفيد أن للدنيا ظاهرًا وباطنًا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيقتها أنها مجازٌ إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة، والأعمال الصالحة. انتهى.
وناقش الكرخي في إبدال: {يَعْلَمُوْنَ} قال: إن الصناعة لا تساعد عليه؛ لأن بدل فعل مثبت من فعل منفيٍّ لايصح. واستظهر قول الحرفيّ؛ أن: {يَعْلَمُوْنَ} استئناف في المعنى. وأشار الناصر إلى جوابه بأن في تنكير: {ظَاهرًا} تقليلا لمعلومهم. وتقليلُه يقربه من النفي، فيطابق المبدل منه.
أقول: التقليل هو الوحدة المشار لها بقول الزمخشري: وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهرًا واحدًا، من جملة الظواهر.
أما قول أبي السعود: وتنكير: {ظَاهرًا} للتحقير والتخسيس دون الوحدة كما توهم. فغفلة عن مشاركتها للتعليل الذي به يطابق البدل المبدل منه. فافهم.
ثم أنكر عليهم قصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا، مع الغفلة عن الآخرة بقوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنفُسهمْ} أي: يحدثوا التفكر في أنفسهم، الفارغة من الفكر والتفكر. فالمجرور ظرف للتفكر، ذكره لزيادة التصوير؛ إذ الفكر لا يكون إلا في النفس، والتفكر لا متعلق له؛ لتنزيله منزلة اللازم. وجوز كون المجرور مفعول: {يَتَفَكَّرُوْا} لأنه يتعدى ب {في} أي: أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم. فالمعنى حثهم على النظر في ذواتهم وما اشتملت عليه من بديع الصنع، وقوله تعالى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلَّا بالْحَقّ} متعلق بقولٍ أو علمٍ، يدل عليه السياق؛ أي: ألم يتفكروا فيقولوا أو فيعلموا.
وقال السمين: {مَا} نافية، وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما- أنها مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها. والثاني- أنها معلقة للتفكر. فيكون في محل نصب على إسقاط الخافض. انتهى. والباء في قوله: {بالْحَقّ} للملابسة؛ أي: ما خلقها باطلًا ولا عبثًا بغير حكمةٍ بالغةٍ، ولا لتبقى خالدة، وإنما خلقها مقرونة بالحق، مصحوبة بالحق: {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: وبتقدير أجلٍ مسمى، لابد لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة، ووقت الحساب، والثواب، والعقاب. ولذا عطف عليه قوله: {وَإنَّ كَثيرًا مّنَ النَّاس بلقَاء رَبّهمْ لَكَافرُونَ}.
{أَوَلَمْ يَسيرُوا في الْأَرْض فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الَّذينَ من قَبْلهمْ كَانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} أي قلبوها للزراعة، واستخراج المعادن، وغيرهما، مما كانوا أرقى فيه من أهل مكة: {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوهَا} أي: بالأبنية المشيدة، والصناعات الفريدة، ووفرة العَدد والعُدد، وتنظيم الجيوش، والتزيّن بزخارف أُعجبوا بها، واستطالوا بأبهتها، ففسدت ملكاتهم، وطغت شهواتهم، حتى اقتضت حكمته تعالى إنذارهم بأنبيائهم، كما قال: {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالْبَيّنَات} أي: الآيات الواضحات على حقيقة ما يدعونهم إليه: {فَمَا كَانَ اللَّهُ ليَظْلمَهُمْ} أي: فكذبوهم فأهلكهم، فما كان الله ليهلكهم من غير جرم منهم: {وَلَكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلمُونَ ثُمَّ كَانَ عَاقبَةَ الَّذينَ أَسَاؤُوا} أي: عملوا السيئات: {السُّوأَى} أي: العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة، وهي جهنم، و: {السُّوأَى} تأنيث الأسوأ، وهو الأقبح، كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ثم علل سوء عاقبتهم بقوله تعالى: {أَنْ} أي: لأن: {كَذَّبُوا بآيَات اللَّه وَكَانُوا بهَا يَسْتَهْزؤُون اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْق} أي: ينشئهم: {ثُمَّ يُعيدُهُ} أي: بعد الموت بالبعث: {ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ} أي: إلى موقف الحساب والجزاء: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ} أي: يسكتون متحيرين يائسين. يقال أبلس، إذا سكت وانقطعت حجته.
{وَلَمْ يَكُن لَّهُم مّن شُرَكَائهمْ شُفَعَاء} أي: يجيرونهم من عذاب الله، كما كانوا يزعمون: {وَكَانُوا بشُرَكَائهمْ كَافرينَ} أي: بإلهيتهم وشركتهم لله تعالى، حيث وقفوا على كنه أمرهم: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ} أي: يتميز المؤمنون والكافرون في المحال والأحوال: {فَأَمَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحَات فَهُمْ في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي: يسرّون: {وَأَمَّا الَّذينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتنَا وَلقَاء الْآخرَة فَأُوْلَئكَ في الْعَذَاب مُحْضَرُونَ} أي: لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم: {فَسُبْحَانَ اللَّه حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ في السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَعَشيًّا وَحينَ تُظْهرُونَ} لما ذكر الوعد والوعيد، تأثره بما هو وسيلة للفوز والنجاة، من تنزيهه تعالى عما لا يليق به، والثناء عليه بصفاته الجميلة، وأداء حق العبودية، والفاء للتفريع فكأنه قيل: إذا صح واتضح عاقبة المطيعين والعاصين، فقولوا: نسبح سبحان الخ. والمعنى فسبحوه تسبيحًا دائمًا. وسبحان: خبر في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى وحمده؛ أي: الثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتتجدد فيها نعمته.
وقوله تعالى: {وَعَشيًّا} معطوف على: {حينَ} وتقديمه على: {حينَ تُظْهرُونَ} لمراعاة الفواصل، وقوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ} معترض بينهما. والمراد بثبوت حمده فيهما، استحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهلها. قال أبو السعود: والإخبار بثبوت الحمد له، ووجوبه على المميزين من أهل السموات والأرض، في معنى الأمر به على أبلغ وجه وآكده، وتوسيطه بين أوقات التسبيح، للاعتناء بشأنه، والإشعار بأن حقهما أن يجمع بينهما، كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بحَمْدكَ} [البقرة: 30]، وقوله تعالى: {فَسَبّحْ بحَمْد رَبّكَ} [الحجر: 98]، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس:
{تُمْسُوْنَ} صلاة المغرب والعشاء. و: {تُصْبحُوْنَ} صلاة الفجر. و: {عَشيًّا} صلاة العصر. و: {تُظْهرُوْنَ} صلاة الظهر. فإن قيل: لم غيّر الأسلوب في: {عَشيًّا}؟ أجيب، كما قال أبو السعود: بأن تغير الأسلوب لما أنه لا يجيء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي، كالمساء والصباح والظهيرة، ولعل السرّ في ذلك أنه ليس من الأوقات التي تختلف فيها أحوال الناس، وتتغير تغيرًا ظاهرًا مصححًا؛ لوصفهم بالخروج عما قبلها، والدخول فيها، كالأوقات المذكورة. فإن كلًا منها وقت تتغير فيه الأحوال تغيرًا ظاهرًا، أما في المساء والصباح فظاهر، وأما في الظهيرة فلأنها وقت يعتاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة، كما مر في سورة النور. انتهى.