فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نعم ربَّيتني وليدًا، لكن الذي ربّاني وربّاك هو الذي بعثني إليك، فأنا أبرّ المربي الأعلى قبل أنْ أبرَّ بك، وفي هذا إشارة إلى أن عناية الله هي الأصل في تربية مَنْ تحب، فإياك أنْ تقول: ربَّيْتُ ولدي حتى صار كذا وكذا، بل عليك بالأَخْذ بأسباب التربية، وتترك المربّي الأعلى هو الذي يُربّي على الحقيقة.
وهذا المعنى فطن إليه الشاعر، فقال:
إذَا لَمْ تُصَادفْ في بَنيكَ عنَايةً ** فَقَدْ كذَبَ الرَّاجي وخَابَ المؤملُ

فَمُوسَى الذي ربَّاه جبْريلُ كَافرٌ ** ومُوسى الذي ربَّاهُ فرْعَونُ مُرسَل

ثم يقول سبحانه: {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] لأنه كفر ليتمتع بكفره في الدنيا؛ لأن للإيمان مطلوبات صعبة تشقُّ على النفس، فيأمرك بالشيء الثقيل على نفسك، وينهاك عن الشيء المحبب إليها، أما الأصنام التي عبدوها من دون الله وغيرها من الآلهة فلا مطلوبَ لها ولا منهج.
لكنه متاع الحياة الدنيا ومتاع الدنيا قليل؛ لأن الدنيا بالنسبة لك مدة بقائك فيها فلا تقُلْ إنها ممتدة من آدم إلى قيام الساعة، فهذا العمر الطويل لا يعنيك في شيء، الذي يعنيك عمرك أنت.
ومهما كان عمر الإنسان في الدنيا فهو قصير وتمتُّعه بها قليل، ثم إن هذا العمر القصير مظنون غير مُتيقن، فربما داهمك الموت في أيّ لحظة، ومَنْ مات قامت قيامته.
لذلك أبهم الحق- سبحانه وتعالى- الموت، ونثر أزمانه في الخَلْق: فهذا يموت قبل أن يولد، وهذا يموت طفلًا، وهذا يموت شابًا.
الخ وإبهام الموت سببًا وموعدًا ومكانًا هو عَيْن البيان؛ لأنه أصبح شاخصًا أمام كل منَّا ينتظره في أيّ لحظة، فيستعد له.
ونلحظ هنا أن الأسلوب القرآني عطف فعل الأمر {فَتَمَتَّعُوا} [الروم: 34] على الفعل المضارع {ليَكْفُرُوا} [الروم: 34]، وفي موضع آخر قال سبحانه: {ليَكْفُرُوا بمَآ آتَيْنَاهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا} [العنكبوت: 66] فجعل التمتُّع ليس خاضعًا لفعل الأمر، إنما للعلة: ليكفروا وليتمتعوا.
لذلك اختلفوا حول هذه اللام. أهي للأمر أم للتعليل، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] جاءت بعد {فَتَمَتَّعُوا} [الروم: 34] وهذه جاءتْ معطوفة على {ليَكْفُرُوا} [العنكبوت: 66] فكأنه قال: اكفروا وتمتعوا، لكن ستعلمون عاقبة ذلك.
والذي جعلهم يقولون عن اللام هنا لام التعليل أنها مكسورة، أما لام الأمر فساكنة، فلما رأوا اللام مكسورة قالوا لام التعليل، أما الذي فهم المعنى منهم فقال: ما دام السياق عطف فعل الأمر فتمتعوا على المضارع المتصل باللام، فاللام للأمر أيضًا، لأنه عطف عليها فعل الأمر، وهو هنا للتهديد.
لكن، لماذا كُسرَتْ والقاعدة أنها ساكنة؟ قال أحد النحاة: لام الأمر ساكنة، ويجوز أنْ تُكْسَر، واستشهد بهذه الآية: {ليَكْفُرُوا بمَآ آتَيْنَاهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا} [العنكبوت: 66].
ونقول لمن يقول: إنها لام التعليل: إذا سمعت لام التعليل فاعلم أنها تعني لام العاقبة؛ لأن الكفر والتمتّع لم يكُنْ سببًا في إذاقة الرحمة.
ويا مَنْ تقول لام الأمر سيقولون لك: لماذا كُسرت؟ وفي القرآن شواهد كثيرة تدل على أنها قد تُكسر، واقرأ قوله تعالى: {وَأَذّن في الناس بالحج يَأْتُوكَ رجَالًا وعلى كُلّ ضَامرٍ يَأْتينَ من كُلّ فَجٍّ عَميقٍ لّيَشْهَدُوا مَنَافعَ} [الحج: 28] فاللام هنا مكسورة لأنها لام التعليل.
ثم قال بعدها: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] فاللام سُكّنَتْ لأنها لام الأمر.
وفي آيةٍ أخرى جُمعت اللامان: {ليُنفقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَته} [الطلاق: 7] فجاءتْ لام الأمر مكسورة؛ لأنها في أول الجملة، ولا يُبتدأ في اللغة بساكن، فحُرّكت بالكسر للتخلص من السكون، ثم يقول سبحانه: {وَمَن قُدرَ عَلَيْه رزْقُهُ فَلْيُنفقْ ممَّآ آتَاهُ الله} [الطلاق: 7] فجاءت لام الأمر ساكنة؛ لأنها واقعة في وسط الكلام.
لذلك يجب أن يتنبه إلى هذه المسألة كُتَّاب المصحف، وأن يعلموا أن كلام الله غالب، فقد فات أصحاب رسم المصحف أنه مبنيٌّ من أوله إلى آخره على الوصل، حتى في آخر آيات سورة الناس وأول الفاتحة نقول {الذى يُوَسْوسُ في صُدُور الناس منَ الجنة والناس بسم الله الرحمن الرَّحيم}.
فآخرُ القرآن موصول بأوله، حتى لا ينتهي أبدًا. وعليه فلا ترسم {ليُنفقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَته} [الطلاق: 7] بالكسر، إنما بالسكون، لأنها موصولة بما قبلها.
وكلمة {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] تدلُّ على التراخي واستيعاب كل المستقبل، سواء أكان قريبًا أم بعيدًا، فهي احتياط لمن سيموت بعد الخطاب مباشرة، أو سيموت بعده بوقت طويل.
ثم يقول الحق سبحانه: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سُلْطَانًا}.
كلمة {أم} لا تأتي بداية؛ لأنها أداة تفيد التخيير بين أمريْن، كما تقول: أجاء زيد أم عمرو؟ فلابد أن تأتي بين متقابلين، والتقدير: أهُمُ اتبعوا أهواءهم، أم عندهم كتاب أُنزل إليهم فهو حجة لهم على الشرك؟ وحيث إنهم لم ينزل عليهم كتاب يكون حُجَّة لهم فلم يَبْقَ إلا الاختيار الآخر أنهم اتبعوا أهواءهم.
والفعل {أَنزَلْنَا} [الروم: 35] الإنزال يقتضي عُلُوَّ المنزَّل منه، وأن المنزَّلَ عليه أَدْنى، فالإنزال من عُلُو الربوبية إلى ذُلّ العبودية. ونحن لم نَرَ الإنزال، إنما الذي تلقَّى القرآن أول مرة وباشر الوحي هو الذي رآه وأخبرنا به.
والأصل في الإنزال أن يكون من الله تعالى، وحين ينزل الله علينا إنما ليعطينا سبحانه شيئًا من هذا العُلْو، سواء أكان العُلُو معنويًا؛ لأن الله سبحانه ليس له مكان، أم عُلْوًا حسَّيًا كما في {وَأَنزَلْنَا الحديد فيه بَأْسٌ شَديدٌ وَمَنَافعُ للنَّاس} [الحديد: 25].
والسلطان: من التسلُّط، وهي تدلُّ على القوة، سواء أكانت قوة الحجة والبرهان، فمَنْ أقعنك بالحجة والبرهان فهو قويٌّ عليك، أو قوة قهر وإجبار كمَنْ يُرغمك على فعل شيء وأنت كاره، أما سلطان الحجة فتفعل وأنت راضٍ ومقتنع.
وإذا استقرأنا كلمة سلطان نجد أن الله تعالى عرضها لنا في موقف إبليس في الآخرة، حين يتبرأ من الذين اتبعوه: {وَمَا كَانَ ليَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَانٍ إلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لي فَلاَ تَلُومُوني ولوموا أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22].
أي: لم يكُنْ لي عليكم سلطان حجة وإقناع أستحوذ به على قلوبكم، ولم يكُنْ لي عليكم سلطان قهر، فأقهر به قوالبكم، والحقيقة أنكم كنتم على تشويرة مجرد أنْ دعوتكُم جئتم مُسرعين، وأطعتُم مختارين.
وهذا المعنى يُفسّر لنا شيئًا في القرآن خاض الناس فيه طويلًا- عن خُبْث نية أو عن صدق نية- هذا في قوله تعالى مرة لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} [ص: 75] ومرة أخرى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12].
فالأولى تدل على سُلْطان القهر، كأنك كنتَ تريد أنْ تسجد فجاء مَنْ منعك قهرًا عن السجود، والأخرى تدل على سلطان الحجة والإقناع، فلم تسجد وأنت راضٍ ومقتنع بعدم السجود.
وقوله تعالى: {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ} [الروم: 35] أي: ينطق بما كانوا به يشركون، يقول: اعملوا كذا وكذا، فجاء هذا على وَفْق هواهم. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَلَهُ مَنْ في السَّمَاوَات وَالْأَرْض كُلٌّ لَهُ قَانتُونَ (26)}.
{من في السموات والأرض} عام في كونهم تحت ملكه وقهره.
وقال الحسن: {قانتون} قائمون بالشهادة على وحدانيته، كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

وقال ابن عباس: مطيعون، أي في تصريفه، لا يمتنع عنه شيء يريد فعله بهم، من حياة وموت وصحة ومرض، فهي طاعة الإرادة لا طاعة العبادة.
وقيل: قائمون يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وإذا حمل القنوت على الإخلاص، كما قال ابن جبير، أو على الإقرار بالعبودية، أو قانتون من ملك ومؤمن، لأن كل عام مخصوص.
{وهو أهون عليه} أي والعود أهون عليه، وليست أهون أفعل تفضيل، لأنه تفاوت عند الله في النشأتين: الإبداء والإعادة، فلذلك تأوله ابن عباس والربيع بن خيثم على أنه بمعنى هين، وكذا هو في مصحف عبد الله.
والضمير في عليه عائد على الله.
وقيل: أهون للتفضيل، وذلك بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في المشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون من البداءة، للاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة؛ وهذا، وإن كان الاثنان عنده تعالى من اليسر في حيز واحد.
وقيل: الضمير في عليه عائد على الخلق، أي والعود أهون على الخلق: بمعنى أسرع، لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنسانًا، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات في الأطوار، إنما يدعوه الله فيخرج، فكأنه قال: وهو أيسر عليه، أي أقصر مدة وأقل انتقالًا.
وقيل: المعنى وهو أهون على المخلوق، أي يعيد شيئًا بعد إنشائه، فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق؟ قال ابن عطية: والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى، ويؤيده قوله تعالى: {وله المثل الأعلى} كما جاء بلفظ فيه استعاذة واستشهاد بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص جانب العظمة، بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به، فكيف ولا تمثال مع شيء؟ انتهى.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم أخرت الصلة في قوله: {وهو أهون عليه} وقدمت في قوله: {هو علي هين} قلت: هنالك قصد الاختصاص، وهو تجبره، فقيل: وهو على هين، وإن كان مستصعبًا عندك، وإن تولد بين هرم وعاقر.
وأما هنا لا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. انتهى.
ومبنى كلامه على أن تقديم المعمول يؤذن بالاختصاص، وقد تكلمنا معه في ذلك، ولم نسلمه في قوله: {إياك نعبد} {وله المثل الأعلى} قيل: هو متعلق بما قبله، قاله الزجاج، وهو قوله: {وهو أهون عليه} قد ضربه لكم مثلًا فيما يسهل أو يصعب.
وقيل: بما بعده من قوله: {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم}.
وقيل: المثل: الوصف الأرفع الأعلى الذي ليس لغيره مثله، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما.
{وهو العزيز} أي القاهر لكل شيء، الحكيم الذي أفعاله على مقتضى حكمته.
وعن مجاهد: المثل الأعلى قوله: {لا إله إلاّ الله} وله الوصف بالوحدانية، ويؤيده قول: {ضرب لكم}.
وقال ابن عباس وغيره: بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله، بضربه هذا المثل، ومعناه: أنكم أيها الناس، إذا كان لكم عبيد تملكونهم، فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ومهم أموركم، ولا في شيء على جهة استواء المنزلة، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم، أو يقاسمونكم إياها في حياتكم، كما يفعل بعضكم ببعض؛ فإذا كان هذا فيكم، فكيف تقولون: إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته وتثبتون في جانبه ما لا يليق عندكم بجوانبكم؟ وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير.
وقال السدي: كانوا يورثون آلهتهم، فنزلت.
وقيل: لما نزلت، قال أهل مكة: لا يكون ذلك أبدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلم يجوز لربكم»؟ ومن في: {من أنفسكم} لابتداء الغاية، كأنه قال: أخذ مثلًا، وافترى من أقرب شيء منكم، وهو أنفسكم، ولا يبعد.
ومن في: {مما ملكت} للتبعيض، ومن في: {من شركاء} زائدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي.
يقول: ليس يرضى أحد منكم أن يشركه عبده في ماله وزوجته وما يختص به حتى يكون مثله، فكيف ترضون شريكًا لله، وهو رب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد؟
وقال أبو عبد الله الرازي: وبين المثل والممثل به مشابهة ومخالفه.
فالمشابهة معلومة، والمخالفة من وجوه: قوله: {من أنفسكم} أي من نسلكم، مع حقارة الأنفس ونقصها وعجزها، وقاس نفسه عليكم مع عظمتها وجلالتها وقدرتها.
وقوله: {مما ملكت أيمانكم} أي عبيدكم، والملك ما قبل النقل بالبيع، والزوال بالعتق، ومملوكه تعالى لا خروج له عن الملك.
فإذا لم يجز أن يشرككم مملوككم، وهو مثلكم من جميع الوجوه ومثلكم في الآدمية، حالة الرق، فكيف يشرك الله مملوكه من جميع الوجوه المباين له بالكلية؟ وقوله: {فيما رزقناكم} يعني أن الميسر لكم في الحقيقة إنما هو الله ومن رزقه حقيقة، فإذا لم يجز أن يشرككم فيما هو لكم من حيث الاسم، فكيف يكون له تعالى شريك فيما له من جهة الحقيقة؟ انتهى، وفيه بعض تلخيص.
و{شركاء} في موضع رفع بالابتداء، و{فيما رزقناكم} متعلق به، و{لكم} الخبر، و{مما ملكت} في موضع الحال، لأنه نعت نكرة تقدم عليها وانتصب على الحال، والعامل فيها العامل في الجار والمجرور، والواقع خبرًا، وهو مقدر بعد المبتدأ.
وما في فيما {رزقناكم} واقعة على النوع، والتقدير: هل شركاء فيما رزقناكم كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم كائنون لكم؟ ويجوز أن يتعلق لكم بشركاء، ويكون مما رزقناكم في موضع الخبر، كما تقول: لزيد في المدينة مبغض، فلزيد متعلق بمبغض الذي هو مبتدأ، وفي المدينة الخبر، و{فأنتم فيه سواء} جملة في موضع الجواب للاستفهام المضمن معنى النفي، وفيه متعلق بسواء، و{تخافونهم} خبر ثان لأنتم، والتقدير: فأنتم مستوون معهم فيما رزقناكم، تخافونهم كما يخاف بعضكم بعضًا أيها السادة.
والمقصود نفي الشركة والإستواء والخوف، وليس النفي منسحبًا على الجواب وما بعده فقط، كأحد وجهي ما تأتينا فتحدثنا، أي ما تأتينا فتحدثنا، إنما تأتي ولا تحدث، بل هو على الوجه الآخر، أي ما تأتينا فكيف تحدثنا؟ أي ليس منك إتيان فلا يكون حديث.
وكذلك هذا ليس لهم شريك، فلا استواء ولا خوف.
وقرأ الجمهور: بالنصب، أضيف المصدر إلى الفاعل؛ وابن أبي عبيدة: بالرفع، أضيف المصدر للمفعول، وهما وجهان حسنان، ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل.
{كذلك} أي مثل ذلك التفصيل، {نفصل الآيات} أي نبينها، لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها، لأنه بمنزلة التصوير والتشكيل لها.
ألا ترى كيف صور الشرك بالصورة المشوهة؟ وقرأ الجمهور: نفصل، بالنون، حملًا على رزقناكم؛ وعباس عن ابن عمر: بياء الغيبة، رعيًا لضرب، إذ هو مسند للغائب.
وذكر بعض العلماء في هذه الآية دليلًا على صحة أصل الشركة بين المخلوقين، لافتقار بعضهم إلى بعض، كأنه يقول: الممتنع والمستقبح شركة العبيد لساداتهم؛ أما شركة السادات بعضهم لبعض فلا يمتنع ولا يستقبح.