فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

قَوْله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عنْدَ اللَّه}.
رُويَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ وَمُجَاهدٍ في قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس} هُوَ الرَّجُلُ يَهَبُ الشَّيْءَ يُريدُ أَنْ يُثَابَ أَفْضَلَ منْهُ فَذَلكَ الَّذي لَا يَرْبُو عنْدَ اللَّه وَلَا يُؤْجَرُ صَاحبُهُ فيه وَلَا إثْمَ عَلَيْه {وَمَا آتَيْتُمْ منْ زَكَاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه} وَعَنْ سَعيد بْن جُبَيْرٍ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُعْطي ليُثَابَ عَلَيْه وَرَوَى عَبْدُ الْوَهَّاب عَنْ خَالدٍ عَنْ عكْرمَةَ {وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس} قَالَ: الرّبَا ربوان فَربَا حَلَالٌ وَربًا حَرَامٌ فَأَمَّا الرّبَا الْحَلَالُ فَهُوَ الَّذي يُهْدَى يُلْتَمَسُ به مَا هُوَ أَفْضَلُ منْهُ وَرَوَى زَكَريَّا عَنْ الشَّعْبيّ {وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس} قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُسَافرُ مَعَ الرَّجُل فَيَخفُّ لَهُ وَيَخْدُمُهُ فَيَجْعَلُ لَهُ منْ ربْح مَاله ليَجْزيَهُ بذَلكَ.
وَرَوَى عَبْدُ الْعَزيز بْنُ أَبي رَوَّادٍ عَنْ الضَّحَّاك {وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس} قَالَ هُوَ الرّبَا الْحَلَالُ الرَّجُلُ يُهْدي ليُثَابَ أَفْضَلَ منْهُ فَذَلكَ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْه لَيْسَ فيه أَجْرٌ وَلَيْسَ عَلَيْه فيه إثْمٌ وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ إبْرَاهيمَ {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثرُ} قَالَ لَا تُعْط لتَزْدَادَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلكَ خَاصًّا للنَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ؛ لأَنَّهُ كَانَ في أَعْلَى مَرَاتب مَكَارم الْأَخْلَاق كَمَا حَرَّمَ عَلَيْه الصَّدَقَةَ، وَقَدْ رُويَ عَنْ الْحَسَن في قَوْله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثرُ} لَا تَسْتَكْثرْ عَمَلَك فَتَمُنَّ به عَلَى رَبّك. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عنْدَ اللَّه وَمَا آتَيْتُمْ منْ زَكَاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُولَئكَ هُمْ الْمُضْعفُونَ} فيهَا أَرْبَعُ مَسَائلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: بَيَّنَّا الرّبَا وَمَعْنَاهُ في سُورَة الْبَقَرَة، وَشَرَحْنَا حَقيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَهُنَا مُحَلَّلٌ، وَثَبَتَ بهَذَا أَنَّهُ قسْمَان؛ منْهُ حَلَالٌ وَمنْهُ حَرَامٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانيَةُ: في الْمُرَاد بهَذه الْآيَة: فيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الرَّجُلُ يَهَبُ هبَةً يَطْلُبُ أَفْضَلَ منْهَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّاني: أَنَّهُ الرَّجُلُ في السَّفَر يَصْحَبُهُ رَجُلٌ يَخْدُمُهُ وَيُعينُهُ، فَيَجْعَلُ الْمَخْدُومُ لَهُ بَعْضَ الرّبْح جَزَاءَ خدْمَته، لَا لوَجْه اللَّه؛ قَالَ الشَّعْبيُّ.
الثَّالثُ: الرَّجُلُ يَصلُ قَرَابَتَهُ، يَطْلُبُ بذَلكَ كَوْنَهُ غَنيًّا، لَا صلَةً لوَجْه اللَّه؛ قَالَهُ إبْرَاهيمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالثَةُ: أَمَّا مَنْ يَصلُ قَرَابَتَهُ ليَكُونَ غَنيًّا فَالنّيَّةُ في ذَلكَ مُتَنَوّعَةٌ، فَإنْ كَانَ ليَتَظَاهَرَ به دُنْيَا فَلَيْسَ لوَجْه اللَّه تَعَالَى، وَإنْ كَانَ ذَلكَ لمَا لَهُ منْ حَقّ الْقَرَابَة وَبَيْنَهُمَا منْ وَشيجَة الرَّحم، فَإنَّهُ لوَجْه اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا مَنْ يُعينُ الرَّجُلَ بخدْمَته في سَفَره بجُزْءٍ منْ مَاله فَإنَّهُ للدُّنْيَا لَا لوَجْه اللَّه، وَلَكنَّ هَذَا الْمُرْبي لَيْسَ ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس، وَإنَّمَا هُوَ ليَرْبُوَ في مَال نَفْسه، وَصَريحُ الْآيَة فيمَنْ يَهَبُ يَطْلُبُ الزّيَادَةَ منْ أَمْوَال النَّاس في الْمُكَافَأَة، وَذَلكَ لَهُ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب: أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ هبَةً يَرَى أَنَّهَا للثَّوَاب فَهُوَ عَلَى هبَته حَتَّى يَرْضَى منْهَا.
وَقَالَ الشَّافعيُّ: الْهبَةُ إنَّمَا تَكُونُ للَّه أَوْ لجَلْب الْمَوَدَّة، كَمَا جَاءَ في الْأَثَر: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا».
وَهَذَا بَاطلٌ؛ فَإنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بأَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ الْهبَةَ لَا يَطْلُبُ إلَّا الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا، وَتَحْصُلُ في ذَلكَ الْمَوَدَّةُ تَبَعًا للْهبَة.
وَقَدْ رُويَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ أَثَابَ عَلَى لَقْحَةٍ، وَلَمْ يُنْكرْ عَلَى صَاحبهَا حينَ طَلَبَ الثَّوَابَ، إنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطَهُ للثَّوَاب، وَكَانَ زَائدًا عَلَى الْقيمَة.
وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فيمَا إذَا طَلَبَ الْوَاهبُ في هبَته زَائدًا عَلَى مُكَافَأَته، وَهيَ: الْمَسْأَلَةُ الرَّابعَةُ: فَإنْ كَانَتْ الْهبَةُ قَائمَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ، فَيَأْخُذُ مَا شَاءَ، أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْه.
وَقيلَ: تَلْزَمُهُ الْقيمَةُ، كَنكَاح التَّفْويض.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ فَوَات الْهبَة فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقيمَةُ اتّفَاقًا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثرْ} أَيْ لَا تُعْط مُسْتَكْثرًا عَلَى أَحَد التَّأْويلَات، وَيَأْتي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {وَإذَآ أَذَقْنا النَّاسَ رَحْمَةً} فيها وجهان:
أحدهما: أنها العافية والسعة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: النعمة والمطر، حكاه النقاش.
ويحتمل أنها الأمن والدعة.
{فَرحُوا بهَا} أي بالرحمة.
{وَإن تُصبْهُمْ سيّئَةً} فيها وجهان:
أحدهما: بلاء وعقوبة، قاله مجاهد.
الثاني: قحط المطر، قاله السدي.
ويحتمل ثالثًا: أنها الخوف والحذر.
{بمَا قَدَّمَتْ أَيْديهمْ} أي بذنوبهم.
{إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن القنوط اليأس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور.
الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن.
قوله: {فَئَات ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}.
فيهم وجهان:
أحدهما: أنهم قرابة الرجل، أن يصل رحمهم بماله ونفسه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: أنهم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب يعطون حقهم من الغنيمة والفيء، قاله السدي.
{وَالْمسْكينَ} هو الذي لا يجد كفايته.
{وَابْنَ السَّبيل} فيه قولان:
أحدهما: المسافر، قاله مجاهد فإن كان محتاجًا فحقه في الزكاة وإن كان غير محتاج فبرًّا وصلة.
الثاني: أنه الضيف الذي ينزل بك، قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة، فإن أطعمه كان برًّا وصلة ولم يجز أن يكون من الزكاة محتاجًا كان أو غير محتاج. وإن دفعت إليه مالًا جاز إذا كان فقيرًا أن يكون من الزكاة، ولم يجز إن كان غنيًّا.
قوله: {وَمَاءَ آتَيْتُم مّن رّبًا لّيَرْبُوَا في أَمْوَال النَّاس فَلاَ يَرْبُوا عندَ اللَّه} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الرجل يهدي هدية ليكافأ عليها أفضل منها، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: أنه في رجل صحبه في الطريق فخدمه فجعل له المخدوم بعض الربح من ماله جزاء لخدمته لا لوجه الله، قاله الشعبي.
الثالث: أنه في رجل يهب لذي قرابة له مالًا ليصير به غنيًّا ذا مال ولا يفعله طلبًا لثواب الله، قاله إبراهيم.
ومعنى قوله: {فَلاَ يَرْبُوا عنْدَ اللَّه} أي فلا يكون له ثواب عند الله.
قال ابن عباس: هما ربَوان أحدهما حلال والآخر حرام، فما تعاطيتم بينكم حلال ولا يصل إلى الله.
{وَمَا ءَآتَيْتُم مّن زَكَاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه} أي ثواب الله، وفيها قولان:
أحدهما: أنها الزكاة المفروضة وهو الظاهر.
الثاني: أنها الصدقة، قاله ابن عباس والسدي.
{فَأُوْلَئكَ الْمُضْعفُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: تضاعف لهم الحسنات لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، قاله السدي.
الثاني: تضاعف أموالهم في الدنيا بالزيادة فيها، وقال الكلبي: لم يقل مال رجل من زكاة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرحُوا بهَا}.
لما ذكر تعالى حالة الناس متى تأتيهم شدة وضر ونجوا منه إلى سعة ذكر في هذه الآية الأمر أيضًا من الطرف الآخر بأن تنال الرحمة ثم تعقب الشدة فلهم في الرتبة الأولى تضرع ثم إشراك وقلة شكر، ولهم في هذه فرج وبطر ثم قنط ويأس، وكل أحد يأخذ من هذه الخلق بقسط، والمقل والمكثر إلا من ربطت الشريعة جأشه ونهجت السنة سبيله وتأدب بأدب الله تعالى، فصبر عند الضراء، وشكر عند السراء، ولم يبطر عند النعمة، ولا قنط عند الابتلاء، وقوله تعالى: {بما قدمت أيديهم} أي إن الله يمتحن الأمم ويصيب منهم عند فشو المعاصي وظهور المناكر، وكذلك قد يصاب شخص بسوء أعماله يسيء وحده ويصاب وحده، وفي الأغلب يعفو الله عن كثير، والقنط اليأس الصريح، وقرأ أبو عمرو وجماعة {يقنطون} بكسر النون، وقرأ نافع والحسن وجماعة {يقنَطون} بفتحها، وجواب الشرط في قوله: {إن تصبهم} قوله: {إذا هم يقنطون} وذلك أنها للمفاجأة لا يبتدأ بها، فهي بمنزلة الفاء لا يبتدأ بها ويجاب بها الشرط، وأما {إذا} التي للشرط أو التي فيها معنى الشرط فهما يبدأ بهما ولا يكون فيهما جواب الشرط، ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره لم ييأس من روح الله على حال وهو أن الله تعالى يحض من يشاء من عباده ببسط الرزق ويقدر على من شاء منهم فينبغي لكل عبد أن يكون راجيًا ما عند ربه، ثم أمر تعالى نبيه أمرًا تدخل الأمة فيه وهذا على جهة الندب إلى إيتاء ذي القربى حقه من صلة المال وحسن المعاشرة ولين القول، قال الحسن: {حقه} المواساة في اليسر وقول ميسور في العسر.
قال الفقيه الإمام القاضي: ومعظم ما قصد أمر المعونة بالمال ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «في المال حق سوى الزكاة وذلك للمسكين وابن السبيل حق» وبين أن حق هذين إنما هو في المال وغير ذلك معهما لا غناء له وكذلك يلزم القريب المعدم الذي يقضي حقه أن يقضي أيضًا حق قريبه في جودة العشرة و{وجه الله} هنا جهة عبادته ورضاه و{المفلحون} الفائزون ببغيتهم البالغون لآمالهم.
{وَمَا آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عنْدَ اللَّه وَمَا آتَيْتُمْ منْ زَكَاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُولَئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ (39)}.
قرأ جمهور القراء {وما آتيتم} بمعنى وما أعطيتم، وقرأ ابن كثير {ما أتيتم} بغير مد بمعنى ما فعلتم كما تقول أتيت صوابًا وأتيت خطأ، وأجمعوا على المد في قوله: {وما آتيتم من زكاة}. والربا الزيادة، واختلف المتأولون في معنى هذه الآية فقال ابن عباس وابن جبير وطاوس: هذه آية نزلت في هبات الثواب.
قال الفقيه الإمام القاضي: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلم وغيره فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى، وقال ابن عباس أيضًا وإبراهيم النخعي: نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم وليزيدوا في أموالهم على جهة النفع، وقال الشعبي: معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدًا وخف به لينتفع في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزى به الخدمة {لا يربو عند الله}.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا كله قريب جزء من التأويل الأول، ويحتمل أن يكون معنى هذه الآية النهي عن الربا في التجارات ما حض عز وجل على نفع ذوي القربى والمساكين وابن السبيل أعلم أن ما فعل المرء من ربا ليزداد به مالًا وفعله ذلك إنما هو في أموال الناس فإن ذلك {لا يربو عند الله} ولا يزكو بل يتعلق فيه الإثم ومحق البركة، وما أعطى الإنسان من زكاة تنمية لماله وتطهيرًا يريد بذلك وجه الله تعالى فذلك هو الذي يجازى به أضعافًا مضاعفة على ما شاء الله تعالى له، وقال السدي: نزلت هذه الآية في ربا ثقيف لأنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش، وقرأ جمهور القراء السبعة {ليربوا} بالياء وإسناد الفعل إلى الربا، وقرأ نافع وحده {لتُربوا} بضم التاء على وزن تفعلوا بمعنى تكونوا ذوي زيادة، وهذه قراءة ابن عباس وأهل المدينة الحسن وقتادة وأبي رجاء والشعبي، قال أبو حاتم هي قراءتنا، وقرأ أبو أبو مالك {لتربوها} بضمير المؤنث، والمضعف الذي هو ذو أضعاف من الثواب كما المؤلف الذي له آلاف، وكما تقول أخصب إذا كان ذا خصب. وهذا كثير، ومنه أربى المتقدم في قراءة من قرأ {لتُربوا} بضم التاء. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً فَرحُوا بهَا} يعني الخصْب والسّعة والعافية؛ قاله يحيى بن سلام.
النّقاش: النعمة والمطر.
وقيل: الأمن والدَّعة؛ والمعنى متقارب.
{فَرحُوا بهَا} أي بالرحمة.
{وَإن تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي بلاء وعقوبة؛ قاله مجاهد.
السُّدّي: قحط المطر.
{بمَا قَدَّمَتْ أَيْديهمْ} أي بما عملوا من المعاصي.
{إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أي ييأسون من الرحمة والفرج؛ قاله الجمهور.
وقال الحسن: إن القنوط ترك فرائض الله سبحانه وتعالى في السرّ.
قَنط يَقْنَط، وهي قراءة العامة وقَنَط يَقْنط، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ويعقوب.
وقرأ الأعمش: قَنطَ يَقْنط بالكسر فيهما؛ مثل حَسب يَحْسب.
والآية صفة للكافر، يقنط عند الشدّة، ويبطَر عند النعمة؛ كما قيل:
كحمار السَّوء إن أعلفته ** رَمَح الناس وإن جاع نهق

وكثير ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه بهذه المثابة؛ وقد مضى في غير موضع.
فأما المؤمن فيشكر ربّه عند النعمة، ويرجوه عند الشدّة.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لمَن يَشَاءُ وَيَقْدرُ} أي يوسع الخير في الدنيا لمن يشاء أو يضيق؛ فلا يجب أن يدعوهم الفقر إلى القنوط.
{إنَّ في ذَلكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمنُونَ}.
قوله تعالى: {فَآت ذَا القربى حَقَّهُ} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: لما تقدّم أنه سبحانه يبسط الرزق {لمن يشاء} ويقدر أمر مَن وسع عليه الرزق أن يوصل إلى الفقير كفايته ليمتحن شكر الغنيّ.
والخطاب للنبيّ عليه السلام والمراد هو وأمته؛ لأنه قال: {ذَلكَ خَيْرٌ للَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ اللَّه} وأمر بإيتاء ذي القربى لقُرب رَحمه؛ وخيرُ الصدقة ما كان على القريب، وفيها صلة الرّحم.
وقد فضّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدةً: «أما إنّك لو أعطيْتها أخوالَك كان أعظمَ لأجرك».
الثانية: واختلف في هذه الآية؛ فقيل: إنها منسوخة بآية المواريث.
وقيل: لا نسخ، بل للقريب حق لازم في البرّ على كل حال؛ وهو الصحيح.
قال مجاهد وقتادة: صلة الرّحم فرض من الله عز وجل، حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورَحمُه محتاجة.