فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والإذاقة: استعارة مكنية؛ شبه ما يصيبهم من الآلام فيُحسون بها بإصابة الطعام حاسة المطعم.
ولما كان ما عملوه لا يصيبهم بعينه تعين أن بعض الذي عملوا أطلق على جزاء العمل ولذلك فالبعضية تبعيض للجزاء، فالمراد بعض الجزاء على جميع العمل لا الجزاء على بعض العمل، أي أن ما يذيقهم من العذاب هو بعض ما يستحقونه.
وفي هذا تهديد إن لم يُقلعوا عن مساوىء أعمالهم كقوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر: 45]، ثم وراء ذلك عذاب الآخرة كما قال تعالى: {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: 127].
والعدول عن أن يقال: بعض أعمالهم إلى {بعضَ الذي عملوا} للإيماء إلى ما في الموصول من قوة التعريف، أي أعمالهم المعروفة عندهم المتقرر صدورها منهم.
والرجاء المستفاد من لعلَّ يشير إلى أن ما ظهر من فساد كاف لإقلاعهم عما هم اكتسبوه، وأن حالهم حال من يُرجى رجوعه فإن هم لم يرجعوا فقد تبين تمردهم وعدم إجداء الموعظة فيهم، وهذا كقوله تعالى: {أو لا يَرْون أنهم يُفْتَنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون} [التوبة: 126].
والرجوع مستعار للإقلاع عن المعاصي كأنَّ الذي عصى ربه عبد أبق عن سيّده، أو دابة قد أبدت، ثم رجع.
وفي الحديث «الله أفرحُ بتوبة عبده من رجل نزل منزلًا وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا دابته عنده».
وقرأ الجمهور {ليذيقهم} بالياء التحتية، أي ليذيقهم الله.
ومعاد الضمير قوله: {الله الذي خلقكم} [الروم: 40].
وقرأه قنبل عن ابن كثير وروح عن عاصم بنون العظمة.
{قُلْ سيرُوا في الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْركينَ (42)}.
لما وعظهم بما أصابهم من فساد الأحوال ونبههم إلى أنها بعض الجزاء على ما كسبت أيديهم عرَّض لهم بالإنذار بفساد أعظم قد يحلّ بهم مثله وهو ما أصاب الذين من قبلهم بسبب ما كانوا عليه من نظير حال هؤلاء في الإشراك فأمرهم بالسير في الأرض والنظر في مصير الأمم التي أشركت وكذبت مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم لأن كثيرًا من المشركين قد اجتازوا في أسفارهم بديار تلك الأمم كما قال تعالى: {وإنكم لتَمُرُّون عليهم مُصْبحين وبالليل أفلا تعقلون} [الصافات: 137 138].
فهذا تكرير وتأكيد لقوله السابق {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} [الروم: 9]، وإنما أعيد اهتمامًا بهذه العبرة مع مناسبة قوله: {ليذيقهم بعض الذي عملوا} [الروم: 41].
والعاقبة: نهاية الأمر.
والمراد بالعاقبة الجنس، وهو متعدد الأفراد بتعدد الذين من قبل، ولكل قوم عاقبة.
وجملة {كان أكثرهم مشركين} واقعة موقع التعليل لجملة {كيف كان عاقبة الذين من قبل} أي سبب تلك العاقبة المنظورة هو إشراك الأكثرين منهم، أي أن أكثر تلك الأمم التي شوهدت عاقبتُها الفظيعة كان من أهل الشرك فتعلمون أن سبب حلول تلك العاقبة بهم هو شركهم، وبعض تلك الأمم لم يكونوا مشركين وإنما أصابهم لتكذيبهم رسلهم مثل أهل مدين قال تعالى: {أكُفَّارُكُم خيرٌ من أولئكم} [القمر: 43].
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين الْقَيّم منْ قَبْل أَنْ يَأْتيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ منَ اللَّه يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)}.
تفرع على الإنذار والتحذير من عواقب الشرك تثبيتُ الرسول صلى الله عليه وسلم على شريعته، ووعد بأن يأتيه النصر كقوله: {واعبد ربك حتى يأتيَك اليقين} [الحجر: 99]، مع التعريض بالإرشاد إلى الخلاص من الشرك باتباع الدّين القيّم، أي الحق.
وهذا تأكيد للأمر بإقامة الوجه للدين في قوله: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا} [الروم: 30]، فإن ذلك لما فُرع على قوله: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} [الروم: 9]، وما اتصل من تسلسل الحجج والمواعظ فُرع أيضًا نظيره هذا على قوله: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل} [الروم: 42] وقد تقدم الكلام على نظير قوله: {فأقم وجهك للدّين} وعلى معنى إقامة الوجه عند قوله: {فأقم وجهك للدين حنيفًا} [الروم: 30].
و{القيّم} بوزن فَيْعل، وهي زنة تدل على قوة ما تصَاغ منه، أي: الشديد القيام، والقيام هنا مجاز في الإصابة لأن الصواب يشبَّه بالقيام، وضده يشبه بالعوج، وقد جمعهما قوله تعالى: {ولم يجعل له عوَجًا قيّمًا} [الكهف: 1، 2] فوصف الإسلام في الآية السابقة بالحنيف والفطرة ووصف هنا بالقيّم.
وبين {أقم} و{القيم} محسن الجناس.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر إعراضٌ عن صريح خطاب المشركين.
والمقصود التعريض بأنهم حَرموا أنفسهم من اتباع هذا الدين العظيم الذي فيه النجاة.
يؤخذ هذا التعريض من أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالدوام على الإسلام ومن قوله عقب ذلك {يومئذ يصَّدَّعون} الآية.
والمردّ: مصدر ميمي من الردّ وهو الدفع، و{له} يتعلق به، و{من الله} متعلق ب {يأتي} و{من} ابتدائية.
والمراد باليوم يوم عذاب في الدنيا وأنه إذا جاء لا يردّه عن المجازَيْن به رادّ لأنه آت من الله.
والظاهر أن المراد به يوم بدر.
و{يصدعون} أصله يَتصَدَّعون فقلبت التاء صادًا لتقارب مخرجيهما لتأتي التخفيف بالإدغام.
والتصدع: مطاوع الصدع، وحقيقة الصدع: الكسر والشق، ومنه تصدع القدح.
والمراد باليوم: يوم الحشر.
والتصدع: التفرق والتمايز.
ويكون ضمير الجمع عائدًا إلى جميع الناس، أي يومئذ يفترق المؤمنون من الكافرين على نحو قوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يُحْبَرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآمرة فأولئك في العذاب محضرون} [الروم: 14 16].
{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْه كُفْرُهُ وَمَنْ عَملَ صَالحًا فَلأَنْفُسهمْ يَمْهَدُونَ (44)}.
هذه الجملة تتنزل منزلة البيان لإجمال الجملة التي قبلها وهي {فأقم وجهك للدّين القيم} [الروم: 43]، إذ التثبيت على الدين بعد ذكر ما أصاب المشركين من الفساد بسبب شركهم يتضمن تحقير شأنهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فبين ذلك بأنهم لا يَضرون بكفرهم إلا أنفسهم، والذي يكشف هذا المعنى تقديم المسند في قوله: {فعليه كفره} فإنه يفيد تخصيصه بالمسند إليه، أي فكفره عليه لا عليك ولا على المؤمنين، ولهذا ابتدىء بذكر حال من كَفر ثم ذُكر بعدَه {من عمل صالحًا}.
واقتضى حرف الاستعلاء أن في الكفر تبعة وشدة وضَرًّا على الكافر، لأن عَلى تقتضي ذلك في مثل هذا المقام، كما اقتضى اللام في قوله: {فلأنفسهم يمهدون} أن لمجرورها نفعًا وغنمًا، ومنه قوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286].
وقال توبة بن الحُمَيّر:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ** لنفسي تُقاها أو عليها فجورها

وأفرد ضمير {كفره} رعيًا للفظ {مَن}.
وهذا التركيب من جوامع الكلم لدلالته على ما لا يحصى من المضارّ في الكفر على الكافر وأنه لا يَضُر غيره، مع تمام الإيجاز، وهو وعيد لأنه في معنى: من كفر فجزاؤه عقاب الله، فاكتفي عن التصريح بذلك اكتفاء بدلالة على من قوله: {فعليه كفره} وبمقابلة حالهم بحال من عمل صالحًا بقوله: {ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من فضله}.
وأما قوله: {ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} فهو بيان أيضًا لما في جملة {فأقم وجهك للدّين القيّم} [الروم: 43] من الأمر بملازمة التحلّي بالإسلام وما في ذلك من الخير العاجل والآجل مع ما تقتضيه عادة القرآن من تعقيب النذارة بالبشارة والترهيب بالترغيب فهو كالتكملة للبيان.
وإنما قوبل {من كَفر} ب {من عَمل صَالحًا} ولم يقابل ب مَن ءامن للتنويه بشأن المؤمنين بأنهم أهل الأعمال الصالحة دون الكافرين.
فاستغني بذكر العمل الصالح عن ذكر الإيمان لأنه يتضمنه، ولتحريض المؤمنين على الأعمال الصالحة لئلا يتّكلوا على الإيمان وحده فتفوتهم النجاة التامة.
وهذا اصطلاح القرآن في الغالب أن يَقرن الإيمان بالعمل الصالح كما في قوله تعالى قبل هذه الآية: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يُحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب مُحضَرون} [الروم: 14 16] حتى توهمت المعتزلة والخوارج أن العمل الصالح شرط في قبول الإيمان.
وتقديم {فلأنفسهم} على {يمهدون} للاهتمام بهذا الاستحقاق وللرعاية على الفاصلة وليس للاختصاص.
و{يمهدون} يجعلون مهادًا، والمهاد: الفراش.
مثلت حالة المؤمنين في عملهم الصالح بحال من يتطلب راحة رقاده فيوطىء فراشه ويسويه لئلا يتعرض له في مضجعه من النتوء أو اليبس ما يستفز منامه.
وتقديم {لأنفسهم} على {يمهدون} للرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بذكر أنفس المؤمنين لأن قرينة عدم الاختصاص واضحة.
وروعي في جمع ضمير {يمهدون} معنى {مَن} دون لفظها مع ما تقتضيه الفاصلة من ترجيح تلك المراعاة.
ويتعلق {ليجزي الذين ءامنوا} ب {يمهدون} أي يمهدون لعلة أن يجزي الله إياهم من فضله.
وعدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله: {الذين ءامنوا وعملوا الصالحات} للاهتمام بالتصريح بأنهم أصحاب صلة الإيمان والعمل الصالح وأن جزاء الله إياهم مناسب لذلك لتقرير ذلك في الأذهان، مع التنويه بوصفهم ذلك بتكريره وتقريره كما أنبأ عن ذلك قوله عقبه {إنه لا يحب الكافرين}.
وقد فهم من قوله: {منْ فَضْله} أن الله يجازيهم أضعافًا لرضاه عنهم ومحبته إياهم كما اقتضاه تعليل ذلك بجملة {إنه لا يحب الكافرين} المقتضي أنه يحب الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فحصل بقوله: {إنه لا يحب الكافرين} تقرير بَعد تقرير على الطرد والعكس فإن قوله: {ليجزي الذين ءامنوا} دل بصريحه على أنهم أهل الجزاء بالفضل، ودل بمفهومه على أنهم أهل الولاية.
وقوله: {إنه لا يحب الكافرين} يدل بتعليله لما قبله على أن الكافرين محرومون من الفضل، وبمفهومه على أن الجزاء موفور للمؤمنين فضلًا وأن العقاب مُعيّن للكافرين عدلًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ}.
سبق أنْ قلنا: إن قضية الخَلْق مُسلَّم بها؛ لأنها قضية لم يدَّعها أحد لنفسه مع كثرة المتبجحين بالكفر والإلحاد؛ لذلك لما ادَّعاها النمروذ الذي حاجَّ إبراهيم في ربه فقال: أنا أحيي وأميت، فعلم إبراهيم عليه السلام أنه يريد اللجاج والسفسطة التي لا طائل منها، وإلا فكيف يكون الأمر بقتل واحد إماتة، والأمر بترك الآخر والعفو عنه إحياء؟
ثم ما بال الذين خُلقوا قبلك وميلادهم قبل ميلادك؟ إذن: أنت لم تخلق ولم تُحي أحدًا، وسبق أنْ بيّنا الفرق بين القتل والموت مع أنهما يشتركان في إنهاء الحياة وإزهاق الروح، لكن الموت يكون بإزهاق الروح أولًا، يتبعه نَقْض البنية وتحطم الجسم.
أما القتل فينقض البنية أولًا نَقْضًا يترتب عليه إزهاق الروح فالروح لا تقيم إلا في بنية سليمة، ومثَّلنا لذلك بلمبة الكهرباء حين تحرق فينطفيء نورها، فهل يعني ذلك أن التيار انقطع عنها؟ لا بل هو موجود لكنه يحتاج لبنية سليمة بدليل أننا إذا استبدلنا اللمبة تضيء.
والحق- سبحانه وتعالى- يبين لنا هذا الفرق في قوله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْله الرسل أَفإنْ مَّاتَ أَوْ قُتلَ انقلبتم على أَعْقَابكُمْ} [آل عمران: 144] إذن: فالنمروذ لا يحيي، بل يُبقي على الحياة، ولا يُميت بل يقتل ويُزهق الروح.
وكان بمقدور إبراهيم عليه السلام أنْ يردَّ عليه هذه الحجة، وأنْ يكشف تزييفه، لكنه أراد أن يأخذه إلى ميدان آخر لا يستطيع التلفيق فيه ولا التمحُّك، فقال له: {فَإنَّ الله يَأْتي بالشمس منَ المشرق فَأْت بهَا منَ المغرب فَبُهتَ الذي كَفَرَ} [البقرة: 258].
كذلك مسألة الرزق فهي مُسلَّمة لله لم يدَّعها أحد: {خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ} [الروم: 40].
بدليل أن الله تعالى جعل بعض المناطق جدباء، يجوع فيها القادر والعاجز، ويجوع فيها ذو المال وغير ذو المال، ولو كان هناك رازق غير الله فَلْيْحُي هذه المناطق الجدباء.
وقوله تعالى: {ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ} [الروم: 40] ولم يقل: يقتلكم {هَلْ من شُرَكَآئكُمْ مَّن يَفْعَلُ من ذلكم مّن شَيْءٍ} [الروم: 40] أي: اسألهم هذا السؤال، ودَعْهم يجيبون هم عليه: أتستطيع الأصنام التي تشركونها مع الله أنْ تفعل شيئًا من الخَلْق أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة؟
أفي قدرتها شيء من ذلك وأنتم الذين تصنعونها وتنحتون حجارتها بأيديكم، وتُصوّرونها كما تشاؤون، فإذا هبَّتْ عاصفة أطاحت بها وربما كسرت ذراع أحد الأصنام فتجتمعون لإقامتها وإصلاحها؟ فأين عقولكم؟ وما هذه الخيبة التي أصابتكم؟
لذلك يقول سبحانه عنهم: {والذين يَدْعُونَ من دُون الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20] ويقول سبحانه: {إنَّ الذين تَدْعُونَ من دُون الله لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَو اجتمعوا لَهُ} [الحج: 73] بل وأكثر من ذلك: {وَإن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقذُوهُ منْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73].
بالله، أيستطيع أحد أنْ يستردَّ ما أخذتْه منه الذبابة؟
ونلحظ في الآية تكرار من وهي للتبعيض: {هَلْ من شُرَكَآئكُمْ مَّن يَفْعَلُ من ذلكم مّن شَيْءٍ} [الروم: 40] والمعنى: لا يستطيع أحد من شركائكم أن يفعل شيئًا ولو هيّنًا من الخلق، أو الرزق، أو الإحياء، أو الإماتة.
لذلك يجب أنْ تُعلّقوا على هذه القضايا من الله بقول واحد {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْركُونَ} [الروم: 40] لا تعليق إلا هذا.
لذلك لما تكلم سيدنا إبراهيم عن الأصنام قال: {فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ} [الشعراء: 77] أي: أنتم وما تعبدون من دون الله؛ لأنهم كانوا يشركون آلهتهم مع الله، فالله سبحانه داخل في هذه الشركة؛ لذلك استثناه ربه {إلاَّ رَبَّ العالمين الذي خَلَقَني فَهُوَ يَهْدين} [الشعراء: 77-78].
وتلحظ هنا في قوله: {الذي خَلَقَني} [الشعراء: 78] أنه لم يؤكدها بشيء، ولم يذكر قبل الخَلْق الضمير هو؛ لأن مسألة الخَلْق كما قُلْنا لم يدَّعها أحد، أمّا في الهداية وهي مجال ادعاء، فقال فهو أي: الحق سبحانه يقصر الهداية على الله {فَهُوَ يَهْدين} [الشعراء: 78].