فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قرأ ابن محيصن وابن كثير وحمزة والكسائي: {الريح} بالتوحيد والباقون بالجمع.
قال أبو عمرو: وكل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد وقد مضى في البقرة معنى هذه الآية وفي غيرها.
{كسَفًا} جمع كسْفة وهي القطعة، وفي قراءة الحسن وأبي جعفر وعبد الرحمن الأعرج وابن عامر {كسْفًا} بإسكان السين، وهي أيضًا جمع كسفة؛ كما يقال: سدْرة وسدْر؛ وعلى هذه القراءة يكون المضمر الذي بعده عائدًا عليه؛ أي فترى الودق أي المطر يخرج من خلال الكسف؛ لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء لا غير فالتذكير فيه حَسَن.
ومن قرأ: {كسَفًا} فالمضمر عنده عائد على السحاب.
وفي قراءة الضحاك وأبي العالية وابن عباس: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ منْ خَلَله} ويجوز أن يكون خَلَل جمع خلال.
{فَإذَآ أَصَابَ به} أي بالمطر.
{مَن يَشَاءُ منْ عبَاده إذَا هُمْ يَسْتَبْشرُونَ} يفرحون بنزول المطر عليهم.
{وَإن كَانُوا من قَبْل أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهمْ مّن قَبْله لَمُبْلسينَ} أي يائسين مكتئبين قد ظهر الحزن عليهم لاحتباس المطر عنهم.
و{منْ قَبْله} تكرير عند الأخفش معناه التأكيد؛ وأكثر النحويين على هذا القول؛ قاله النحاس.
وقال قُطْرُب: إن {قبل} الأولى للإنزال والثانية للمطر؛ أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر.
وقيل: المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع، ودلّ على الزرع المطر إذ بسببه يكون.
ودلّ عليه أيضًا {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} على ما يأتي.
وقيل: المعنى من قبل السحاب من قبل رؤيته؛ واختار هذا القول النحاس، أي من قبل رؤية السحاب {لَمُبْلسينَ} أي ليائسين.
وقد تقدم ذكر السحاب.
قوله تعالى: {فانظر إلى آثَار رَحْمَة الله} يعني المطر؛ أي انظروا نظر استبصار واستدلال؛ أي استدلوا بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى.
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي: {آثَار} بالجمع.
الباقون بالتوحيد؛ لأنه مضاف إلى مفرد.
والأثر فاعل {يُحْيي} ويجوز أن يكون الفاعل اسم الله عز وجل.
ومن قرأ: {آثَار} بالجمع فلأن رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة؛ كما قال تعالى: {وَإن تَعُدُّوا نعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
وقرأ الجحدري وأبو حيوة وغيرهما: {كَيْفَ تُحْيي الأَرْضَ} بتاء؛ ذهب بالتأنيث إلى لفظ الرحمة؛ لأن أثر الرحمة يقوم مقامها فكأنه هو الرحمة؛ أي كيف تحيي الرحمة الأرض أو الآثار.
{ويحيي} أي يحيي الله عز وجل أو المطر أو الأثر فيمن قرأ بالياء.
و{كَيْفَ يُحْيي الأرض} في موضع نصب على الحال على الحمل على المعنى لأن اللفظ لفظ الاستفهام والحال خبر؛ والتقدير: فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها.
{إنَّ ذَلكَ لَمُحْيي الموتى وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ} استدلال بالشاهد على الغائب.
قوله تعالى: {وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} يعني الريح، والريح يجوز تذكيره.
قال محمد بن يزيد: لا يمتنع تذكير كل مؤنث غير حقيقي، نحو أعجبني الدار وشبهه.
وقيل: فرأوا السحاب.
وقال ابن عباس: الزرع، وهو الأثر؛ والمعنى: فرأوا الأثر مصفرًّا؛ واصفرار الزرع بعد اخضراره يدلّ على يبسه، وكذا السحاب يدلّ على أنه لا يمطر، والريح على أنها لا تُلقح {لَّظَلُّوا من بَعْده يَكْفُرُونَ} أي لَيَظَلُّنّ؛ وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل لما في الكلام من معنى المجازاة، والمجازاة لا تكون إلا بالمستقبل؛ قاله الخليل وغيره.
قوله تعالى: {فَإنَّكَ لاَ تُسْمعُ الموتى} أي وَضَحت الحجج يا محمد؛ لكنهم لإلْفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم، فلا يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم.
وهذا ردّ على القدرية.
{إن تُسْمعُ إلاَّ مَن يُؤْمنُ بآيَاتنَا} أي لا تُسمع مواعظَ الله إلا المؤمنين الذين يصغون إلى أدلة التوحيد وخَلقتُ لهم الهدايةَ.
وقد مضى هذا في النمل ووقع قوله: {بهَادي العمي} [النمل: 81] هنا بغير ياء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{الله الذي يُرْسلُ الرياح}.
استئنافٌ مسوقٌ لبيان ما أُجمل فيما سبقَ من أحوال الرّياح {فَتُثيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ} متصلًا تارةً {فى السماء} في جوّها {كَيْفَ يَشَاء} سائرًا وواقفًا مُطبقًا وغيرَ مطبقٍ من جانبٍ دون جانبٍ إلى غير ذلك. {وَيَجْعَلُهُ كسَفًا} تارةً أُخرى أي قطعًا. وقُرئ بسكون السّين على أنَّه مخففٌ، جمعُ كسْفة أو مصدرٌ وصفَ به {فَتَرَى الودق} المطرَ {يَخْرُجُ منْ خلاَله} في التارتين. {فَإذَا أَصَابَ به مَن يَشَاء منْ عبَاده} أي بلادَهم وأراضيَهم {إذَا هُمْ يَسْتَبْشرُونَ} فاجؤا الاستبشارَ بمجيء الخصْب {وَإن كَانُوا} إنْ مخففة من إنَّ وضميرُ الشَّأن الذي هُو اسمُها محذوفٌ أي وإنَّ الشَّأنَ كانَوا {من قَبْل أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهمْ} أي المطرُ {من قَبْله} تكريرٌ للتَّأكيد والإيذان بطول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم منه، وقيل الضَّميرُ للمطر أو السَّحاب أو الإرسال وقيل: للكسف على القراءة بالسكون وليس بواضحٍ وأقربُ من ذلك أنْ يكونَ الضَّميرُ للاستبشار، ومن متعلقة بينزل لتفيد سرعةَ تقَلب قلوبهم من اليأس إلى الاستبشار بالإشارة إلى غاية تقارب زمانيهما ببيان اتصال اليأس بالتنزيل المتصل بالاستبشار وبشهادة إذا الفجائية {لَمُبْلسينَ} خبرُ كانُوا، واللامُ فارقةٌ، أي آيسينَ {فانظر إلى ءاثار رَحْمَة الله} المترتبة على تنزيل المطر من النبات والأشجار وأنواع الثمار. والفاءُ للدّلالة على سرعة ترتبها عليه. وقُرئ أثر بالتوَّحيد. وقولُه تعالى: {كَيْفَ يُحْى} أي الله تعالى: {الأرض بَعْدَ مَوْتهَا} في حيّز النّصب بنزع الخافض. وكيفَ معلّقٌ لانظرْ أي فانظُرْ إلى إحيائه البديع للأرض بعد موتها وقيلَ: على الحاليَّة بالتَّأويل وأيًَّا ما كان فالمُرادُ بالأمر بالنَّظر التنبيهُ عَلَى عظم قُدرته تعالى وسَعَة رحمته مع ما فيه من التَّمهيد لما يعقبُه منْ أمر البعث، وقُرئ تُحيي بالتَّأنيث على الإسناد إلى ضمير الرَّحمة {إنَّ ذلك} العظيمَ الشَّأن الذي ذُكر بعضُ شؤونه {لَمُحْيى الموتى} لقادرٌ على إحيائهم فإنَّه إحداثٌ لمثل ما كانَ في موادّ أبدانهم من القُوى الحَيَوانيَّة كما أنَّ إحياءَ الأرض إحداثٌ لمثل ما كانَ فيها منَ القُوى النباتيَّة أو لمحييهم البتةَ. وقولُه تعالى: {وَهُوَ على كُلّ شيء قَديرٌ} تذييلٌ مقررٌ لمضمون ما قبلَه أي مبالغٌ في القُدرة على جميع الأشياء التي من جملتها إحياؤُهم لما أنَّ نسبةَ قُدرته إلى الكُلّ سواءٌ.
{وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ} أي الأثرَ المدلُولَ عليه بالآثار فإنَّه اسمُ جنسٍ يعمُّ القليلَ والكثيرَ {مُصْفَرًّا} بعد خُضرته وقد جُوّز أنْ يكونَ الضَّميرُ للسَّحاب لأنَّه إذا كان مُصفرًَّا لم يُمطر ولا يخفى بعدُه. واللامُ في لئن موطّئةٌ للقسم دخلتْ على حرف الشَّرط والفاءُ في فَرأَوه فصيحة واللامُ في قوله تعالى: {لَّظَلُّوا} لامُ جواب القسم السادّ مسدَّ الجوابين أي وبالله لئنْ أرسلنا ريحًا حارةً أو باردةً فضربتْ زرْعَهُم بالصَّفار فرأَوَه مُصفرًَّا ليظلنَّ {من بَعْده يَكْفُرُونَ} من غير تلعثُمٍ وفيه منْ ذمّهم بعد تثبيتهم وسرعة تزلزلهم بين طَرَفيْ الإفراط والتَّفريط ما لا يخفى حيثُ كان الواجبُ عليهم أن يتوكلوا على الله تعالى في كل حال ويلجؤوا إليه بالاستغفار إذا احتبسَ عنهم القطرُ ولا ييأسوا من رَوح الله تعالى ويبادرُوا إلى الشُّكر بالطَّاعة إذا أصابَهم برحمته ولا يفرّطوا في الاستبشار وأنْ يصبرُوا على بلائه إذا اعترى زرعَهم آفةٌ ولا يكفرُوا بنعمائه فعكسُوا الأمرَ وأبَوا ما يُجديهم وأَتَوا بما يُرديهم {فَإنَّكَ لاَ تُسْمعُ الموتى} لما أنَّهم مثلُهم لا نسداد مشاعرهم عن الحقّ {وَلاَ تُسْمعُ الصم الدعاء إذَا وَلَّوْا مُدْبرينَ} تقييدُ الحكم بما ذُكر لبيان كمال سُوء حال الكفرة والتنبيه على أنَّهم جامعُون لخصلتي السُّوء نبوّ أسماعهم عن الحقَّ وإعراضهم عن الإصغاء إليه ولو كانَ فيهم إحداهُما لكفاهُم ذلك فكيفَ وقد جمعُوهما فإنَّ الأصمَّ المقبلَ إلى المتكلّم ربَّما يفطَنُ من أوضاعه وحركاته لشىءٍ من كلامه وإنْ لم يسمعْهُ أصلًا وأمَّا إذا كانَ مُعرضًا عنه فلا يكادُ يفهمُ منه شيئًا. وقُرئ بالياء المفتوحة ورفع الصُّمّ {وَمَا أَنتَ بهَادى العمى عَن ضلالتهم} سمُّوا عُميًا إما لفقدهم المقصود الحقيقيّ من الإبصار أو لعَمَى قلوبهم. وقُرئ تهدي العميَ {إن تُسْمعُ} أي ما تُسمعُ {إلاَّ مَنْ يُؤْمنُ بآيَاتنَا} فإنَّ إيمانَهم يدعُوهم إلى التَّدبر فيها وتلقّيها بالقَبُول إو إلاَّ من يُشارفُ الإيمانَ بها ويُقبل عليها إقبالًا لائقًا {فَهُم مُّسْلمُونَ} مُنقادُون لما تأمرُهم به من الحقّ. اهـ.

.قال الألوسي:

{الله الذي يُرْسلُ الرياح} استئناف مسوق لبيان ما أجمل فيما سيق من أحوال الرياح {فَتُثيرُ سحابا} تحركه وتنشره {فَيَبْسُطُهُ} بسطًا تامًا متصلًا تارة {فى السماء} في سمتها لا في نفس السماء بالمعنى المتبادر {كَيْفَ يَشَاء} سائرًا وواقفًا مطبقًا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك فالجملة الإنشائية حال بالتأويل {وَيَجْعَلُهُ كسَفًا} أي قطعًا تارة أخرى.
وقرأ ابن عامر بسكون السين على أنه مخفف من المفتوح أو جمع كسفة أي قطعة أو مصدر كعلم وصف به مبالغة أو بتأويله بالمفعول أو بتقدير ذا كسف {فَتَرَى} يا من يصح منه الرؤية {الودق} أي المطر {يَخْرُجُ منْ خلاَله} أي فرجه جمع خلل في التارتين الاتصال والتقطع فالضمير للسحاب وهو اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه، وجوز على قراءة {كسَفًا} بالسكون أن يكون له، وليس بشيء.
{فَإذَا أَصَابَ به مَن يَشَاء منْ عبَاده} بلادهم وأراضيهم، والباء في {به} للتعدية {إذَا هُمْ يَسْتَبْشرُونَ} فاجؤا الاستبشار بمجىء الخصب.
{وَإن كَانُوا من قَبْل أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهمْ} الودق {من قَبْله} أي التنزيل {لَمُبْلسينَ} أي آيسين، والتكرير للتأكيد، وأفاد كما قال ابن عطية الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار، وذلك أن {من قَبْل أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهمْ} يحتمل الفسحة في الزمان فجاء {من قَبْله} للدلالة على الاتصال ودفع ذلك الاحتمال، وقال الزمخشري: أكد ليدل على بعد عهدهم بالمطر فيفهم منه استحكام يأسهم، وما ذكره ابن عطية أقرب لأن المتبادر من القبلية الاتصال وتأكيد دال على شدته.
وأبو حيان أنكر على كلا الشيخين وقال: ما ذكراه من فائدة التأكيد غير ظاهر وإنما هو عندي لمجرد التأكيد ويفيد رفع المجاز فقط، وقال قطرب: ضمير {قَبْله} للمطر فلا تأكيد.
وأنت تعلم أنه يصير التقدير من قبل تنزيل المطر من قبل المطر وهو تركيب لا يسوغ في كلام فصيح فضلًا عن القرآن، وقيل: الضمير للزرع الدال عليه المطر أي من قبل تنزيل المطر من قبل أن يزرعوا، وفيه أن {من قَبْل أَن يُنَزَّلَ} متعلق بمبلسين ولا يمكن تعلق {من قَبْله} به أيضًا لأن حرفي جر بمعنى لا يتعلقان بعامل واحد إلا أن يكون بوساطة حرف العطف أو على جهة البدل ولا عاطف هنا ولا يصح البدل ظاهرًا، وجوز بعضهم فيه بدل الاشتمال مكتفيًا فيه بكون الزرع ناشئًا عن التنزيل فكان التنزيل مشتملًا عليه وهو كما ترى.
وقال المبرد: الضمير للسحاب لأنهم لما رأوا السحاب كانوا راجين المطر، والمراد من قبل رؤية السحاب، ويحتاج أيضًا إلى حرف عطف حتى يصح تعلق الحرفين بمبلسين، وقال علي بن عيسى: الضمير للإرسال، وقال الكرماني: للاستبشار لأنه قرن بالإبلاس ومن عليهم به، وأورد عليهما أمر التعلق من غير عطف كما أورد على من قبلهما فإن قالوا بحذف حرف العطف ففي جوازه في مثل هذا الموضع قياسًا خلاف.
واختار بعضهم كونه للاستبشار على أن {منْ} متعلقة بينزل و{منْ} الأولى متعلقة بملبسين لأنه يفيد سرعة تقلب قلوبهم من اليأس إلى الاستبشار بالإشارة إلى غاية تقارب زمانيهما ببيان اتصال اليأس بالتنزيل المتصل بالاستبشار بشهادة إذا الفجائية فتأمل، و{إن} مخففة من الثقيلة واللام في لمبلسين هي الفارقة، ولا ضمير شأن مقدرًا لإن لأنه إنما يقدر للمفتوحة وأما المكسورة فيجب إهمالها كما فصله في المغني: وبعض الأجلة قال بالتقدير.
{فانظر إلى آثار رَحْمَتَ الله} المترتبة على تنزيل المطر من النبات والأشجار وأنواع الثمار، والفاء للدلالة على سرعة ترتبها عليه.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر {أَثَر} بالإفراد وفتح الهمزة والثاء.
وقرأ سلام {أَثَر} بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وقوله تعالى: {كَيْفَ يُحْى} أي الله تعالى: {الأرض بَعْدَ مَوْتهَا} في حيز النصب بنزع الخافض و{كَيْفَ} معلق لأنظر أي فانظر لإحيائه تعالى البديع للأرض بعد موتها، وقال ابن جني: على الحالية بالتأويل أي محييًا، وأيًا ما كان فالمراد بالأمر بالنظر التنبيه على عظيم قدرته تعالى وسعة رحمته عز وجل مع ما فيه من التمهيد لما يعقبه من أمر البعث.
وقرأ الجحدري وابن السميقع وأبو حيوة {تُحْيي} بتاء التأنيث والضمير عائد على الرحمة، وجوز على قراءة الحرميين ومن معهما أن يكون الضمير للأثر على أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه، وليس بشيء كما لا يخفى {إنَّ ذلك} العظيم الشأن {فانظر إلى} لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية، وقيل: يحتمل أن يكون النبات الحادث من أجزاء نباتية تفتت وتبددت واختلطت بالتراب الذي فيه عروقها في بعض الأعوام السالفة فيكون كالإحياء بعينه بإعادة المواد والقوى لا بإعادة القوى فقط، وهو احتمال واهي القوى بعيد، ولا نسلم أن المسلم المسترشد يعلم وقوعه، وقوله تعالى: {وَهُوَ على كُلّ شيء قَديرٌ} تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي مبالغ في القدرة على جميع الأشياء التي من جملتها إحياؤهم لما أن نسبة قدرته عز وجل إلى الكل سواء.
{وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} أي النبات المفهوم من السياق كما قال أبو حيان أو الأثر المدلول عليه بالآثار أو النبات المعبر عنه بل على ما قاله بعضهم، والنبات في الأصل مصدر يقع على القليل والكثير ثم سمي به ما ينبت، وقال ابن عيسى: الضمير للسحاب لأنه إذا كان مصفرًا لم يمطر، وقيل: للريح وهي تذكر وتؤنث، وكلا القولين ضعيفان كما في البحر.
وقرأ جناح بن حبيش {مصفارًا} بألف بعد الفاء، واللام في {الله لَئنْ} موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط، والفاء {فى فَرَأَوْهُ} فصيحة، واللام في قوله تعالى: {لَّظَلُّوا} لام جواب القسم الساد مسد الجوابين؛ والماضي بمعنى المستقبل كما قاله أبو البقاء. ومكي. وأبو حيان. وغيرهم، وعلل ذلك بأنه في المعنى جواب {إن} وهو لا يكون إلا مستقبلًا، وقال الفاضل اليمني: إنما قدروا الماضي بمعنى المستقبل من حيث أن الماضي إذا كان متمكنًا متصرفًا ووقع جوابًا للقسم فلابد فيه من قد واللام معًا فالقصر على اللام لأنه مستقبل معنى وفيه نظر، وقدروه بمضارع مؤكد بالنون أي وبالله تعالى لئن أرسلنا ريحًا حارة أو باردة فضربت زرعهم بالصفار فرأوه مصفرًا بعد خضرته ونضارته ليطلن {من بَعْده} أي من بعد الإرسال أو من بعد اصفرار زرعهم، وقيل: من بعد كونهم راجين مستبشرين {يَكْفُرُونَ} من غير تلعثم نعمة الله تعالى، وفيما ذكر من ذمهم بعدم تثبتهم وسرعة تزلزلهم بين طرفي الإفراط والتفريط ما لا يخفى حيث كان الواجب عليهم أن يتوكلوا على الله سبحانه في كل حال ويلجؤا إليه عز وجل بالاستغفار إذا احتبس عنهم المطر ولا ييأسوا من روح الله تعالى ويبادروا إلى الشكر بالطاعة إذا أصابهم جل وعلا برحمته ولا يفرطوا في الاستبشار وإن يصبروا على بلائه تعالى إذا اعترى زرعهم آفة ولا يكفروا بنعمائه جل شأنه فعكسوا الأمر وأبوا ما يجديهم وأتوا بما يؤذيهم، ولا يخفى ما في الآيات من الدلالة على ترجيح جانب الرحمة على جانب العذاب فلا تغفل.