فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد تقدم في قوله تعالى: {أوْ تَسْقُط السَّماء كَما زَعمت علينَا كسْفًا} في سورة الإسراء (92).
وتقدم الكسْف في قوله: {فأسقط علينا كسفًا من السَّماء إنْ كُنْت من الصَّادقين} في سورة الشعراء (187).
والمعنى: أنه يبسط السحاب في السماء تارة، أي يجعله ممتدًا عامًا في جو السماء وهو المدجن الذي يظلم به الجو ويقال المغلق، ويجعله كسفًا أي تارة أخرى كما دلت عليه المقابلة، أي: يجعله غمامات لأن حالة جعله كسفًا غير حالة بسطه في السماء، فتعين أن يكون الجمع بينهما في الذكر مرادًا منه اختلاف أحوال السحاب.
والمقصود من هذا: أن اختلاف الحال آية على سعة القدرة.
والخطاب في {فترى الوَدْق} خطاب لغير معيّن وهو كل من يتأتى منه سماع هذا وتتأتى منه رؤية الودق.
والودق: المطر.
وضمير {خلاله} للسحاب بحالتيه المذكورتين وهما حالة بسطه في السماء وحالة جعله كسفًا فإن المطر ينزل من خلال السحاب المغلق والغمامات.
والخلال: جمع خَلَل بفتحتين وهو الفرجة بين شيئين.
وتقدم نظير هذه الجملة في سورة النور (43).
وذكر اختلاف أحوال العباد في وقت نزول المطر وفي وقت انحباسه بين استبشار وإبلاس إدماج للتذكير برحمة الله إياهم وللاعتبار باختلاف تأثرات نفوسهم في السراء والضراء، وفي ذلك إيماء إلى عظيم تصرف الله في خلقة الإنسان إذ جعله قابلًا لاختلاف الانفعال مع اتحاد العقل والقلب كما جعل السحاب مختلف الانفعال من بسط وتقطع مع اتحاد الفعل وهو خروج الودق من خلاله.
و{إنْ} في قوله: {وإن كانوا} مخفَّفة مهملة عن العمل، واللام في قوله: {لَمُبْلسين} اللام الفارقة بين {إنْ} المخففة و{إنْ} الشرطية.
والإبلاس: يأس مع انكسار.
وقوله: {منْ قَبْله} تكرير لقوله: {من قبلل أن ينزّل عليهم} [الروم: 49] لتوكيد معنى قبلية نزول المطر وتقريره في نفوس السامعين.
قال ابن عطية: أفاد التأكيد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار. اهـ.
يعني أن إعادة قوله: {منْ قَبْله} زيادة تنبيه على الحالة التي كانت من قبل نزول المطر.
وقال في الكشاف: فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم. اهـ.
يعني أن فائدة إعادة {من قبله} أن مدة ما قبل نزول المطر مدة طويلة فأشير إلى قوتها بالتوكيد.
وضمير {قبله} عائد إلى المصدر المأخوذ من {أن ينزل عليهم} أي تنزيله.
{فَانْظُرْ إلَى آثَار رَحْمَت اللَّه كَيْفَ يُحْيي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا}.
رتب على ما تقرر من استحضار صورة تكوين أسباب المطر واستبشار الناس بنزوله بعد الإبلاس، أن اعتُرض بذكر الأمر بالنظر إلى أثر الرحمة وإغاثة الله عباده حين يحيي لهم الأرض بعد موتها بالجفاف.
والأمر بالنظر للاعتبار والاستدلال، والنظر: رؤية العين، وعبر عن الجفاف بالموت لأن قوام الحياة الرطوبة، وعبر عن ضده بالإحياء.
والخطاب ب {انظر} لغير معين ليعم كل من يتأتى منه النظر مثل قوله: {فترى الودق} [الروم: 48].
و{رحمة الله} هي صفته التي تتعلق بإمداد مخلوقاته ذوات الإدراك بما يلائمها ويدفع عنها ما يؤلمها وذلك هو الإنعام.
وأثر الشيء: ما ينشأ عنه مما يدل عليه.
فرحمة الله دلت عليها الآثار الدالة على وجوده وتصرفه بما فيه رحمة للخلق.
و{كيف} بَدل من {أثر} أو مفعول ل {انْظُرْ} أي: انظر هيئة إحياء الله الأرض بعد موتها، تلك الحالة التي هي أثر من آثار رحمته الناس على حدّ قوله: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيفَ خُلقت} [الغاشية: 17] إذ جعلوا {كيف} بدلًا من الإبل بدل اشتمال وإن أباه ابن هشام في مغني اللبيب.
وقد مضى عند قوله: {ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظلّ} في سورة الفرقان (45)، وتقدم آنفًا في قوله: {فيبسطه في السماء كيف يشاء} [الروم: 48].
وأطلق على إنبات الأرض إحياء وعلى قحولتها الموتُ على سبيل الاستعارة.
وجملة {إن ذلك لمحيي الموتى} استئناف وهو إدماج؛ أدمج دليل البعث عقب الاعتبار بإحياء الأرض بعد موتها.
وحرف التوكيد يفيد مع تقرير الخبر زيادة معنى فاء التسبب كقول بشار:
بَكّرَا صاحبَيَّ قبل الهجير ** إن ذاك النجاح في التبكير

إذ التقدير: فالنجاح في التبكير، كما تقرر غير مرة.
واسم الإشارة عائد إلى اسم الله تعالى بما أُجري عليه من الإخبار بإحياء الأرض بعد موتها ليفيد اسم الإشارة معنى أنه جدير بما يرد بعده من الخبر عن المشار إليه.
فالمعنى: أن الله الذي يحيي الأرض بعد موتها لمحيي الموتى، تقريبًا لتصور البعث.
وعدل عن الموصول إلى الإشارة للإيجاز، ولما في الإشارة من التعظيم.
وذُيل ذلك بقوله: {وهو على كل شيء قدير} فإنه يعم جميع الأشياء والبعثُ من جملتها إذ ليس هو إلا إيجادَ خَلق وهو مقدور لله تعالى كما أنشأ الخلق أول مرة.
والشبه تام، لأن إحياء الأرض إيجاد أمثال ما كان عليها من النبات فكذلك إحياء الموتى إيجاد أمثالهم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم {إلى أثَر} بالإفراد.
وقرأه الباقون {إلى ءَاثار} بصيغة الجمع.
{وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا منْ بَعْده يَكْفُرُونَ (51)}.
عطف على جملة {وإن كانوا من قبل أن يُنزل عليهم من قبله لمُبْلسين} [الروم: 49] وما بينهما اعتراض واستطراد لغرض قد علمته آنفًا.
وهذه الجملة سيقت للتنبيه على أن الكُفران مطبوع في نفوسهم بحيث يعاودهم بأدنى سبب فهم إذا أصابتهم النعمة استبشروا ولم يشكروا وإذا أصابتهم البأساء أسرعوا إلى الكفران فصُوّر لكفرهم أعجبُ صورة وهي إظهارهم إياه بحدثان ما كانوا مستبشرين منه إذ يكون الزرع أخضر والأمل في الارتزاق منه قريبًا فيصيبه إعصار فيحترق فيضجّون من ذلك وتكون حالهم حالة من يكفر بالله وتجري على أقوالهم عبارات السخط والقنوط، كما قال بعض رجّاز الأعراب إذ أصاب قومَه قحط:
ربَّ العباد ما لنا وما لكْ

قد كنتَ تسقينا فما بدا لكْ

أنزل علينا الغيثَ لاَ أبا لكْ

فالضمير المنصوب في {رأوه} عائد إلى {أثر رحمة الله} [الروم: 50] وهو الزرع والكلأ والشجر.
والاصفرار في الزرع ونحوه مؤذن بيبسه، وسموا صُفَارًا بضم الصاد وتخفيف الفاء: داء يصيب الزرع.
والمُصْفَر: اسم فاعل مقتضٍ الوصف بمعناه في الحال، أي فرأوه يَصير أصفر، فالتعبير ب {مصفرًا} لتصوير حدثان الاصفرار عليه دون أن يقال: فرأوه أصفر.
وظل: بمعنى صار، والإتيان بفعل التصيير مع الإخبار عنه بالمضارع لتصوير مبادرتهم إلى الكفر ثم استمرارهم عليه.
والحاصل أن المعنى أنه يغلب الكفر على أحوالهم.
واعلم أن الإتيان بالأفعال الثلاثة ماضية لأن وقوعها في سياق الشرط يمحضها للاستقبال، فأوثرت صيغة المضي لأنها أخف والمتكلم مخيَّر في اجتلاب أيّ الصيغتين مع الشرط، مثل قوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله} [الإسراء: 88] بصيغة المضارع لأن المقام للنفي ب {لا} وهي لا تدخل على الماضي المسند إلى مفرد إلا في الدعاء.
{فَإنَّكَ لَا تُسْمعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إذَا وَلَّوْا مُدْبرينَ (52)}.
الفاء للترتيب على قوله: {لظلوا من بعده يكفرون} [الروم: 51] المفيد أن الكفر غالب أحوالهم لأنهم بين كفر بالله وبين إعراض عن شكره، أو الفاء فصيحة تدل على كلام مقدر، أي إن كبر عليك إعراضهم وساءك استرسالهم على الكفر فإنهم كالموتى وإنك لا تسمع الموتى.
وهذا معذرة للنبيء صلى الله عليه وسلم ونداء على أنه بذل الجهد في التبليغ.
وفيما عدا الفاء فالآية نظير التي في آخر سورة النمل ونزيد هنا فنقول: إن تعداد التشابيه منظور فيه إلى اختلاف أحوال طوائف المشركين فكان لكل فريق تشبيه: فمنهم من غلب عليهم التوغل في الشرك فلا يصدقون بما يخالفه ولا يتأثرون بالقرآن والدعوة إلى الحق؛ فهؤلاء بمنزلة الأموات أشباح بلا إدراك، وهؤلاء هم دهماؤهم وأغلبهم ولذلك ابتدىء بهم.
ومنهم من يُعرض عن استماع القرآن وهم الذين يقولون: {في ءاذاننا وقر} [فصلت: 5] ويقولون: {لا تسمعوا لهذا القرآن والْغَوْا فيه} [فصلت: 26] وهؤلاء هم ساداتهم ومدبّرو أمرهم يخافون إن أصْغوا إلى القرآن أن يملك مشاعرهم فلذلك يتباعدون عن سماعه، ولهذا قُيّد الذي شبهوا به بوقت توليهم مدبرين إعراضًا عن الدعوة، فهو تشبيه تمثيل.
ومنهم من سلكوا مسلك ساداتهم واقتفوا خُطاهم فانحَرفت أفهامهم عن الصواب فهم يسمعون القرآن ولا يستطيعون العمل به، وهؤلاء هم الذين اعتادوا متابعة أهوائهم وهم الذين قالوا: {إنّا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مهتدون} [الزخرف: 22] ويحصل من جميع ذلك تشبيه جماعتهم بجماعة تجمع أمواتًا وصمًا وعميًا فليس هذا من تعدد التشبه لمشبهٍ واحد كالذي في قوله تعالى: {أو كصيب من السماء} [البقرة: 19].
وقرأ الجمهور: {ولا تسمع الصمّ} بتاء فوقية مضمومة وكسر ميم {تُسمع} ونصب {الصمَّ} على أنه خطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وقرأه ابن كثير {ولا يَسمع الصمُّ} بتحتية مفتوحة وبفتح ميم {يسْمَع} ورفع {الصمّ} على الفاعلية ل {يَسمع}.
وقرأ الجمهور {بهادي} بموحدة وبألف بعد الهاء وبإضافة {هادي} إلى {العُمْي} وقرأه حمزة وحْده {تهدي} بمثناة فوقية وبدون ألف بعد الهاء على الخطاب وبنصب {العُمْي} على المفعولية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{اللَّهُ الَّذي يُرْسلُ الرّيَاحَ فَتُثيرُ سَحَابًا}.
الحق سبحانه يعطينا هنا مذكرة تفصيلية لعملية حركة الرياح، وسَوْق السحاب، وإنزال المطر، وكلمة الرياح إذا جُمعَتْ دلَّتْ على الخير كما في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقحَ} [الحجر: 22].
أي: تُلقّح النباتات فتأخذ من الذكَر، وتضع في الأنثى، فيحدث الإثمار، ومن عجيب هذه العملية أن ترى الذكر والأنثى في العود الواحد كما في نبات الذرة مثلًا، ففي الشُّوشة أعلى العود حبات اللقاح الذكر، وفي الشعيرات التي تخرج من الكوز متصلة بالحبات توجد أعضاء الأنوثة، ومع حركة الرياح تتناثر حبات اللقاح من أعلى وتنزل على هذه الشعيرات، فتجد الشعيرة التي لُقحت تنمو الحبة المتصلة بها، أما الأخرى التي لا يصلها اللقاح فتموت.
ولذلك نلحظ أن العيدان التي في مهبّ الريح أو ناحية بحري أقلّ محصولًا من التي تليها، لماذا؟ لأن الرياح تحمل حبَّات لقاحها إلى العيدان الأخرى التي تليها، فيزداد محصولها.
فإذا كانت بعض النباتات نعرف فيها الذكر من الأنثى كالنخيل، والجميز مثلًا، فأين الذكر والأنثى في القمح، أو في الجوافة، أو في الموز.
ولما درسوا حبوب اللقاح هذه وجدوا أن كل حبة مهما صَغُرت فيها أهداب دقيقة مثل القطيفة تتناثر مع الرياح، ويحملها الهواء إلى أماكن بعيدة؛ لذلك ترى الجبال والصحراء تخضرّ بعد نزول المطر، فمَنْ بذر فيها هذه البذور؟ إنها الرياح اللواقح بقدرة الخالق عز وجل.
ولنا وَقْفة عند قوله تعالى: {إن يَشَأْ يُسْكن الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكدَ على ظَهْره} [الشورى: 33] أي: السفن التي تسير بقوة الرياح تظل راكدة على صفحة الماء لا يحركها شيء، فإنْ قُلْت: كيف نفهم هذا المعنى الآن مع تقدم العلم الذي سيَّر السفن بقوة البخار والديزل أو الكهرباء، واستغنى عن الرياح؟
ونقول: الرياح من معانيها الهواء، وهي أيضًا تعني القوة مطلقًا، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ريحُكُمْ} [الأنفال: 46] أي: قوتكم، فالريح تعني القوة على أيّ وضع، سواء أسارتْ بالرياح أو بالآلة، فهو سبحانه قادر على أنْ يُسكنها.
لذلك تجد أن الرياح بمعنى القوة لها قوة آنية، وقوة آتية، آنية يعني الآن، وآتية تأتي فيما بعد، وكذلك كل إنسان وكل شيء في الكون له نَفَس وريح وكيماوية خاصة به تميزه عن غيره وهذه مهمة كلاب البوليس التي تشم رائحة المتهمين والمجرمين في قضايا المخدرات مثلًا، فالشخص له رائحة الآن وهو موجود، وله رائحة تظلّ في المكان حتى بعد أنْ يفارقه.
لذلك يُعلّمنا القرآن أن الريح هو أثبت الآثار في الإنسان، واقرأ في ذلك قوله تعالى عن يوسف ويعقوب عليهما السلام: {اذهبوا بقَميصي هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْه أَبي يَأْت بَصيرًا} [يوسف: 93].
وكان يوسف في مصر، ويعقوب في أرض فلسطين، فلما فصلت العير بقميص يوسف، وخرج من نطاق المباني التي ربما حجزتْ الرياح، قال يعقوب: {إنّي لأَجدُ ريحَ يُوسُفَ} [يوسف: 94] على بُعْد ما بينهما من المسافات.
وإذا أفردت الرياح دلَّتْ على الشر، ومعنى الرياح أن تأتي ريح من هنا وريح من هنا. فتأتيك بالأكسوجين أينما كان، وتحمل إليك عبير العطور في الكون، فهي إذن تأتيك بالفائدة.
وإذا أُفردت الرياح دلَّتْ على الشر، ومعنى الرياح أن تأتي ريح من هنا وريح من هنا. فتأتيك بالأكسوجين أينما كان، وتحمل إليك عبير العطور في الكون، فهي إذن تأتيك بالفائدة.
وقلنا: إن الأشياء الثابتة اكتسبتْ الثبات من وجود الهواء في كُلّ نواحيها وجهاتها، ولو فرَّغْتَ الهواء من ناحية من نواحي إحدى العمارات لانهارتْ في الحال، كذلك الريح إنْ جاءت مفردة فهي مدمرة، وفيها العطب كما في قوله تعالى: {وَفي عَادٍ إذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهمُ الريح العقيم} [الذاريات: 41].
وقال: {بريحٍ صَرْصَرٍ عَاتيَةٍ} [الحاقة: 6].
فقوله تعالى: {الله الذي يُرْسلُ الرياح} [الروم: 48] فإرسال الرياح في ذاته نعمة {فَتُثيرُ سَحَابًا} [الروم: 48] إثارة السحاب أي: تهيجه وتحركه، وهذه نعمة أخرى.
والسحاب عبارة عن الماء المتبخّر من الأرض، وتجمُّع بعضه على بعض في طبقات الجو، وماء المطر ماء مُقطر بقدرة الله، كما نُجري نحن عملية التقطير في المعامل مثلًا، فيأتينا المطر بالماء العَذْب النقي الزلال الذي قطرته لنا عناية الخالق سبحانه دون أنْ ندري.
وإذا كان تقطير كوب واحد يحتاج إلى كل هذه العمليات، وكل هذه التكلفة، فما بالك بماء المطر؟
وسبق أنْ قُلْنا: إن من حكمة الخالق سبحانه أنْ جعل ثلاثة أرباع اليابسة ماء لتتسع رقعة البَخْر ليكفي الربع الباقي، وضربنا لتوضيح ذلك مثلًا بكوب الماء حين تتركه على المنضدة مثلًا، وحين تسكبه في أرض الغرفة، ففي الحالة الأولى يظل الماء فترة طويلة؛ لأن البَخْر قليل، أما في الأخرى فإنه سرعان ما يتبخر.