فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{اللَّهُ الَّذي يُرْسلُ الرّيَاحَ فَتُثيرُ سَحَابًا}.
يرسل رياح عَطْفه وجُوده مبشراتٍ بوَصْله وجوده، ثم يُمطر جودَ غيبه على أسرارهم بلُطْفه، ويطوي بساطَ الحشمة عن ساحات قُرْبه، ويضرب قبابَ الهيبة بمشاهد كَشْفه، وينشر عليهم أزهارَ أُنْسه، ثم يتجلَّى لهم بحقائق قُدْسه، ويسقيهم بيده شرابَ حُبّه، وبعد ما محاهم عن أوصافهم أصحاهم-لا بهم- ولكنْ بنَفْسه، فالعبارات عن ذلك خُرْسٌ، والإشارات دونها طُمْسٌ.
{فَانْظُرْ إلَى آثَار رَحْمَت اللَّه كَيْفَ يُحْيي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا إنَّ ذَلكَ لَمُحْيي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ (50)}.
يحيي الأرضَ بأزهارها وأنوارها عند مجىء الأمطار ليُخْرجَ زَرْعَها وثمارَها، ويحيي النفوس بعد نَفْرَتها، ويوفقها للخيرات بعد فترتها، فتعمر أوطانُ الرّفاق بصادق إقدامهم، وتندفع البلايا عن الأنام ببركات أيامهم، ويحيي القلوبَ بعد غفلتها بأنوار المحاضرات، فتعود إلى استدامة الذكر بحُسْن المراعاة، ويهتدي بأنوار أهلها أهلُ العسر من أصحاب الإرادات، ويحيي الأرواح بعد حَجْبَتها- بأنوار المشاهدات، فتطلع شموسُها عن بُرْج السعادة، ويتصل بمشامٌ أسرار الكافة نسيمُ ما يفيض عليهم من الزيادات، فلا يبقى صاحبَ نَفَسٍ إلا حَظيَ منه بنصيب، ويُحْيي الأسرارَ، وقد تكون لها وَقْفَةٌ في بعض الحالات- فتنتفي بالكلية آثارُ الغيرية، ولا يَبْقى في الدار ديَّار ولا من سكانها آثار؛ فسَطَواتُ الحقائق لا تثبت لها ذَرَّةٌ من صفات الخلائق، هنالك الولاية لله. سقط الماء والقطرة، وطاحت الرسوم والجملة.
{وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا منْ بَعْده يَكْفُرُونَ (51)}.
إذا انسدَّت البصيرةُ عن الإدراك دام العمى على عموم الأوقات. كذلك مَنْ حَقَّتْ عليهم الشقاوةُ جَرَّته إلى نفسها- وإنْ تَبَوَّأَ الجنةَ منزلًا.
{فَإنَّكَ لَا تُسْمعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إذَا وَلَّوْا مُدْبرينَ (52)}.
قوله جلّ ذكره: {فَإنَّكَ لاَ تُسْمعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إذَا وَلَّوْا مُدْبرينَ} مَنْ فَقَدَ الحياةَ الأصلية لم يَعشْ بالرُّقَى والتمائم، وإذا كان في السريرة طَرَشٌ عن سماع الحقيقة فَسَمْعُ الظاهر لا يفيده آكَدُ الحُجَّة. وكما لا يُسْمَعُ الصُّمَّ الدعاءَ فكذلك لا يمكنه أن يهدي العُمْىَ عن ضلالتهم. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن: للدكتور زغلول النجار.
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون}.

بقلم الدكتور: زغلول النجار.
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أول الخمس الأخير من سورة الروم وهي سورة مكية، وآياتها ستون، وقد سميت بهذا الاسم للإشارة في مطلعها إلي هزيمة الروم الدولة البيزنطية علي أيدي جيوش الفرس في حدود سنة 614 م 615 م، والبشارة بنصرهم المستقبلي في بضع سنين من تاريخ نزول هذه السورة المباركة وقد تحقق ذلك في حدود سنة 624 م أي في العام الهجري الثاني حين تحقق نصر الله للمسلمين في يوم بدر.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة، وركائزها الأساسية ومنها الإيمان بوحدانية الخالق سبحانه وتعالى بغير شريك ولا شبيه ولا منازع، وبوحدة الرسالة السماوية التي تكاملت في بعثة النبي والرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم، وبوحدة الخلق، وبالآخرة وأهوالها، وحتمية الجزاء، والخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا كما أخبر الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم.
وتبدأ سورة الروم بثلاثة حروف من الفواتح الهجائية أو ما يعرف باسم الحروف المقطعة وهي ألم؛ وهذه الحروف الثلاثة تكررت في مطلع ست من سور القرآن الكريم هي البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، والسجدة، وهذه الفواتح من أسرار القرآن الكريم التي حاول عدد من الدارسين الكشف عنها دون الوصول إلي إجماع في ذلك، وتوقف الكثيرون عن الخوض فيها مكتفين بتفويض أمرها إلي الله تعالى، راجين أن يفتح بفضله ورحمته باب علم لأحد المهتمين بها في مستقبل الأيام إن شاء.
وتنتقل السورة الكريمة بعد ذلك إلي زف بشري الانتصار المستقبلي للروم بعد نزول السورة ببضع سنين، وكانت جيوش الفرس قد هزمتهم قبل نزولها بعدة سنوات، وكانت فارس دولة وثنية، وكان الروم البيزنطيون من أهل الكتاب، ومن هنا كانت البشري للمسلمين.
وتؤكد الآيات في مطلع سورة الروم أن الأمر كله لله من قبل ومن بعد. ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وتؤكد الآيات أن أكثر الناس يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
وتذكر السورة الكريمة بآيات الله في الأنفس وفي الآفاق، وبحتمية لقاء الله، وبالاعتبار بقصص الأمم السابقة، وبما نزل بهم من عذاب عقابا لهم علي تكذيبهم واستهزائهم بآيات الله ورسله، وتحذر من يأس المجرمين وحزنهم يوم تقوم الساعة، وكفرهم بشركائهم، ويومئذ يتفرق الخلق إلي صالحين وكافرين، وتتحدث الآيات عن جزاء كل منهم.
وتزخر سورة الروم بالأمر بتسبيح الله، وتنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله، وبحمده تعالى علي نعمائه، في كل وقت، وفي كل حين، كما تزخر بالآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية في الخلق والإفناء والبعث، وتضرب العديد من الأمثال.!!
وتنصح سورة الروم رسول الله صلي الله عليه وسلم، وبالتالي تنصح كل إنسان بأن يقيم وجهه للدين الإسلامي الحنيف، ذلك الدين القيم، دين الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، والتي لا تبديل لها، وهي حقيقة لا يعلمها كثير من الناس، كما تنصح بالإنابة إلي الله تعالى وتقواه، وبإقام الصلاة؛ وتحذر من الشرك والمشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون (الروم: 32).
وتتحدث سورة الروم عن شيء من التقلب في طبائع النفس الإنسانية من مثل اللجوء إلي الله تعالى في الشدة، والإعراض عن هديه في الرخاء، والإيمان به تعالى في لحظات الضيق، والكفر به سبحانه وبما أنزل في لحظات السعة، وتتساءل تساؤل الاستنكار والاستهجان: هل تلقي هؤلاء المشركون من الله تعالى ما يتكلم بما كانوا به يشركون؟ وتضيف أن الناس إذا أذاقهم الله رحمة فرحوا بها. وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون علما بأن بسط الرزق لمن يشاء الله تعالى من عباده، وقبضه عمن يشاء من عباده هو من آيات الله البينات لقوم يؤمنون.
ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها سورة الروم: الأمر بإخراج الزكاة، وإيتاء كل ذي حق حقه من ذوي القربي، والمساكين، وأبناء السبيل، والنهي عن أكل الربا، وتؤكد أن الالتزام بأوامر الله خير للذين يريدون وجه الله، وأنهم هم المفلحون والمضعفون.
وتؤكد السورة الكريمة أن الله تعالى هو الخلاق، الرزاق، المحيي، المميت، الباعث، الشهيد، ولا يستطيع أحد ممن أشرك به المشركون أن يفعل شيئا من ذلك، فسبحانه الله وتعالى عما يشركون.!!
وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين سوء أعمال الناس وما كسبت أيديهم. ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون؛ وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من تاريخ الأمم السابقة وكيف كانت عاقبة أمورهم لأن أكثرهم كانوا مشركين.!!
وتوصي سورة الروم خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم-ومن ثم فإنها تأمر جميع المؤمنين بضرورة الاستقامة علي الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع الله تعالى بها كل الخلائق، ثم يجزي كلا بعمله، ويخص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالكثير من فضله، ويخص الكافرين بعذابه وعقابه، لأن الله تعالى لا يحب الكافرين.
وتتحدث الآيات عن إرسال الرياح مبشرات برحمة من الله وفضل، ولتجري الفلك بأمره، وليبتغي الناس من فضله ورحمته ولعلهم يشكرون.!!
وتذكر السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين، وبما أصاب المجرمين من أقوامهم، كما تذكره بتعهد الله تعالى بنصر المؤمنين.
وتتحدث الآيات بأن الله تعالى هو الذي. يرسل الرياح فتثير سحابا، فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين.
واعتبرت سورة الروم قدرة الله تعالى علي إحياء الأرض بعد موتها وذلك بإنزال ماء المطر عليها إثباتا لقدرته تعالى علي إحياء الموتي وهو علي كل شيء قدير؛ وأن الناس لو رأوا الريح مصفرا لظلوا من بعده يكفرون.
وتعاود السورة توجيه الخطاب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بقول الحق تبارك وتعالى له: {فإنك لا تسمع الموتي ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}.
وتؤكد الآيات أن الله تعالى الذي خلق الناس من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة قادر علي أن يخلق ما يشاء وهو العليم القدير.
وتكرر سورة الروم الحديث عن الساعة وأهوالها، وعن موقف كل من المجرمين والذين أوتوا العلم والإيمان فيها، وتؤكد أن معذرة الذين ظلموا لن تنفعهم يومئذ ولا هم يستعتبون؛ ويقول الحق تبارك وتعالى أنه قد ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل، ويوجه الخطاب مرة أخري إلي خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم بقوله عز من قائل: {ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله علي قلوب الذين لا يعلمون}.
وتختتم السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم بوصية من الله تعالى له بالصبر حتي لا يستخفنه الذين لا يوقنون من الكفار والمشركين، فإن وعد الله بنصره ونصر المؤمنين حق.
والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم علي صدق ما جاء بها من حقائق العقيدة وقواعدها وأسسها ما يلي:
(1) خلق الأنفس بالحق.
(2) خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق وأجل مسمي.
(3) أن الله تعالى هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الأعلي في السماوات الأرض، وأن إليه يرجع الخلق كله.
(4) إخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي، وإحياء الأرض بعد موتها وضرب ذلك مثلا لبعث الخلق.
(5) خلق الإنسان من تراب.
(6) خلق الإنسان في زوجية للأنس وللراحة النفسية والسكن وللذرية، وتأسيس هذه العلاقة علي أسس من المودة والرحمة، وجعل الخلق كله في زوجية حتي يتفرد الخالق سبحانه وتعالى بالوحدانية المطلقة فوق كافة خلقه.
(7) اختلاف ألسنة وألوان الخلق.
(8) إعطاء الإنسان القدرة علي النوم بالليل وهو الأصل أو بالنهار وهو الاستثناء للضرورة وعلي ابتغاء فضل الله.
(9) أن الله تعالى يري البرق للمخلوقين خوفا وطمعا.
(10) إنزال الماء من السماء فيحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها.
(11) قيام السماء والأرض بأمر الله تعالى.
(12) بعث الأجداث من الأرض بدعوة من الله تعالى.
(13) خضوع وقنوت كل من في السماوات والأرض لله سبحانه وتعالى.
(14) أن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له.
(15) ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره.
(16) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله.
(17) الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو القدير العليم.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة، ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة السادسة عشرة التي تفصل تكوين السحب الطباقية، ولكن قبل الخوض في ذلك لابد من استعراض عدد من أقوال المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة.