فصل: من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} (الروم: 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} [الروم: 48]:

ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه: يبين تعالى كيف يخلق السحاب، الذي ينزل منه الماء، فقال تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا} إما من البحر أو مما يشاء الله عز وجل {فيبسطه في السماء كيف يشاء} أي يمده فيكثره وينميه، ينشئ سحابة تري في رأي العين مثل الترس، ثم يبسطها حتي تملأ أرجاء الأفق، وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة كما قال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت إلي قوله كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون} وكذلك قال هاهنا: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا} قال مجاهد: يعني قطعا، وقال الضحاك: متراكما، وقال غيره: أسود من كثرة الماء تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض، وقوله تعالى: {فتري الودق يخرج من خلاله} أي فتري المطر وهو القطر، يخرج من بين ذلك السحاب {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} أي لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم.
وجاء في عدد من التفاسير الأخري من مثل: الجلالين، الظلال، صفوة البيان في معاني القرآن، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، وصفوة التفاسير جزي الله كاتبيها خير الجزاء كلام مشابه، لا أري ضرورة لاسترجاعه هنا.

.من دلالات الآية الكريمة في ضوء المعارف المكتسبة:

صورة حقيقية للمزن الطباقية:
يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم كتابه: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} (الروم: 48).
وفي هذه الآية الكريمة ست حقائق علمية سبق القرآن الكريم كل المعارف الإنسانية بالإشارة إليها من قبل ألف وأربعمائة سنة ويمكن إيجازها فيما يلي:
أولا: {الله الذي يرسل الرياح}:
رسومات تخطيطية توضح بعض الانواع الرئيسية للسحب تعرف الرياح بأنها خلايا من الهواء المحيط بالأرض تتحرك حركة مستقلة عن الحركة العامة للغلاف الغازي الذي يدور مع الأرض كجزء منها.
والغلاف الغازي للأرض يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات؛ وتقدر كتلته بنحو الستة آلاف تريليون طن؛ ويقع أغلب هذه الكتلة 99% منها دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر، وعلي ذلك فإن حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض، وإن أمكن إدراكها إلي ارتفاع 65 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر.
ويدور الغلاف الغازي للأرض مع هذا الكوكب كجزء منه بصفة عامة إلا أن كل كتلة من كتل هذا الغلاف الغازي تحتفظ بكمية حركة دوران مستقلة تجمعها عند كل خط من خطوط العرض، وتتوقف مقادير هذه الحركة المستقلة علي بعد كتلة الغاز عن محور الأرض، وعلي ذلك يكون أعلاها في المنطقة الاستوائية، وأقلها في المنطقة القطبية؛ وعلي هذا الأساس تنحرف الرياح التي تهب نحو خط الاستواء تجاه الغرب والتي تهب بعيدا عنه تجاه الشرق بصفة عامة.
وأعلي سرعة للرياح تقع فوق نطاق الرجع مباشرة، الذي يتراوح سمكه بين ستة عشر (16) كيلو مترا فوق خط الاستواء، وعشرة كيلو مترات (10) فوق القطبين، وبين سبعة (7) وثمانية (8) كيلو مترات فوق خطوط العرض الوسطي، ولذلك فإن الرياح عندما تتحرك من خط الاستواء في اتجاه القطبين فإنها تهبط فوق هذا المنحني الوسطي، فتزداد سرعتها، هذا بالإضافة إلي أن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق يعطي محصلة شرقية لحركة كتل الهواء في المناطق المعتدلة، ومحصلة غربية في المناطق الاستوائية، مما يزيد من سرعان هذه الرياح العليا زيادة ملحوظة تعطيها اسم التيارات النفاثة. وهي أحزمة تكاد تغلف الأرض، يتدفق فيها الهواء بصورة متنقلة وسريعة وغير مستقرة.
وبالإضافة إلي ذلك فإن الصفات الطبيعية للكتل الهوائية المتجاورة مثل درجة الحرارة، الضغط الجوي، درجة الرطوبة والشفافية وغيرها تتباين علي المستويين الأفقي والرأسي مما يؤدي إلي تحرك الرياح من مناطق الضغط المرتفع إلي مناطق الضغط المنخفض، ففي المنطقة الاستوائية حيث تتعامد أشعة الشمس أغلب العام، يتكون حزام من الضغط المنخفض يعرف باسم منطقة الركود تهب عليها الرياح من مناطق الضغط المرتفع حول كل من المدارين مدار السرطان ومدار الجدي أي من الشمال ومن الجنوب وتعرف باسم الرياح التجارية وهذه الرياح عند مرورها فوق البحار والمحيطات تتشبع ببخار الماء الذي تبخره حرارة الشمس من المسطحات المائية، ويصل إلي الهواء من تنفس وإفرازات كل من الإنسان والحيوان، ومن نتح النبات؛ وعندما يصل هذا الهواء المشبع ببخار الماء إلي المنطقة الاستوائية ترتفع درجة حرارته فتقل كثافته مما يعين علي ارتفاعه إلي أعلي حيث الانخفاض المستمر في كل من الضغط ودرجة الحرارة فيعين ذلك علي تكثف بخار الماء وتكون السحب.
وفي المنطقتين المداريتين يهبط الهواء البارد من أعلي إلي أسفل لكثافته، فترتفع درجة حرارته، ويفقد رطوبته، فيزداد الجفاف وتنتشر الصحاري.
أما عند القطبين فإن برودة الجو تؤدي إلي تكوين منطقتين من مناطق الضغط المرتفع تهب منهما الرياح الباردة المعروفة باسم الشرقيات القطبية؛ وبين كل من قطبي الأرض والمنطقتين المداريتين توجد منطقة ضغط منخفض في المنطقتين المعتدلتين متجهة إليها رياح رطبة دافئة تعرف باسم الغربيات السائدة، وعند التقاء الغربيات السائدة بالشرقيات القطبية يرتفع الهواء الرطب الدافئ إلي أعلي فوق الهواء البارد الجاف مثيرا لتكون السحب بإرادة الله تعالى.
وبالإضافة إلي هذه الخلايا الرئيسية التي تكون الدورة العامة للرياح، هناك مرتفعات ومنخفضات جوية تتم علي نطاق أصغر فتزيد من تعقيد الصورة، وبعضها عارض مؤقت وليس ثابتا في مكان محدد، لكنه يتحرك من مكان إلي آخر، وبعضها ثابت محدد.
وتنجم التغيرات في الضغط الجوي أساسا عن التغيرات في كم الحرارة الذي يصل إلي الأجزاء المختلفة من سطح الأرض في أثناء دورانها حول محورها المائل علي دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا أمام الشمس؛ وعلي ذلك فإن مناطق الضغط المختلفة-ومن ثم حركة الرياح تتبع الوضع الظاهري للشمس، فنجدها تنزاح نحو الشمال في فصل الصيف، ونحو الجنوب في فصل الشتاء.
وعلي ذلك فإن الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض إلي ارتفاع (65) كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر يقسم أفقيا ورأسيا إلي عدد من الكتل الهوائية التي تتمايز عن بعضها بعضا في عدد من صفاتها الطبيعية من مثل درجات الحرارة والرطوبة والضغط والشفافية، والمهيمن علي هذه الكتل الهوائية في نشأتها، وتصريفها هو الإرادة الإلهية التي تضع كلا منها لفترة محددة فوق مساحة معينة من سطح الأرض، سواء كان ذلك من اليابسة أو الماء، لأن الهواء السائد لمدة كافية فوق أية مساحة من الأرض لا يلبث أن يتأثر بخصائصها الطبيعية خاصة درجات الحرارة والرطوبة والشفافية بسمك يتباين بتباين طول مكثها فوق تلك المساحة الأرضية. وعند إزاحة تلك الكتل الهوائية إلي مناطق أخري بواسطة تصريف الله تعالى للرياح، فإنها تحمل معها صفاتها من الحرارة أو البرودة، والرطوبة أو الجفاف فتؤدي إلي التقلبات الجوية.
ويتكون علي السطح الوهمي الفاصل بين كل كتلتين من هذه الكتل الهوائية المتباينة في صفاتها الطبيعية ما يسمي باسم الجبهات الهوائية، وهي مناطق تفاعل جوي نشط، فإذا التقت كتلتان من الهواء فإن الدافئة منهما تعلو فوق الباردة، ويتكون بينهما منطقة انتقالية هي منطقة الجبهة الهوائية التي تحول دون اختلاطهما.
والنتيجة هي قيام دورة عامة للرياح حول الأرض تبلغ من الدقة والتعقيد والانتظام ما لا يمكن لعاقل أن يرده لغير الله الخالق سبحانه وتعالى، فإن فهمنا لبعض السنن الحاكمة للدورة العامة للرياح حول الأرض لا يخرجها عن كونها من جند الله، يسخرها بإرادته ومشيئته، ومع فهمنا لبعض تلك السنن فإن حيودا كثيرة تطرأ عليها ولا يمكن ردها إلا إلي الإرادة الإلهية التي تصرف الرياح حسب علم الله وحكمته؛ فالله تعالى هو الذي يرسل الرياح، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، ولا يمكن لأحد أن يتحكم في حركة الرياح غيره سبحانه وتعالى، والسنن التي نراها حاكمة لتلك الحركة هي من صنع الله وتدبيره، وهي أيضا محكومة بعلم الله، وحكمته وإرادته؛ ومعرضة للتغيير والتحويل في كل وقت، وليس أدل علي ذلك من التقلبات الجوية، والتغير في مناخ المناطق الأرضية المختلفة من زمن إلي آخر من أزمنة الأرض.
ثانيا: {فتثير سحابا}:
يلعب بخار الماء العالق في طبقات الغلاف الغازي المحيط بالأرض دورا مهما في نشأة جميع الظواهر الجوية باستثناء العواصف الرملية؛ فعندما تسطع الشمس فوق المسطحات المائية فإن حرارتها تبخر جزءا من هذا الماء الذي يرتفع ليعلق بالأجزاء الدنيا من الغلاف الغازي المحيط بالأرض، والذي يندفع إليه أيضا كميات أخري من بخار الماء عن طريق تنفس وإفرازات أجساد كل من الإنسان والحيوان، وبخر ونتح النباتات.
ويقدر ما يرتفع من بخار الماء سنويا من الأرض إلي غلافها الغازي بنحو: 380.000 من الكيلو مترات المكعبة، وتحمل الرياح هذا الكم الهائل من بخار الماء علي هيئة السحب، وبنسبة أقل علي هيئة درجات متفاوتة من الرطوبة، لتعيده مرة أخري إلي الأرض حسب تصريف الله تعالى فيما يعرف باسم دورة الماء حول الأرض، التي بدونها كان كل ماء الأرض عرضة للفساد والتعفن لكثرة ما يموت فيه من الكائنات.
وتحمل السحب نحو 20% فقط من الرطوبة الماء الموجودة في الغلاف الغازي للأرض، ويوجد الماء بها علي هيئة قطيرات صغيرة جدا لا يكاد طول قطرها يتعدي الميكرون الواحد أي 0.001 من الملليمتر وتلتصق هذه القطيرات المائية بالهواء للزوجتها ولقدرة الماء الفائقة علي التوتر السطحي، وذلك في السحب غير الممطرة، فإذا تلقحت تلك السحب بنوي التكثف المختلفة من مثل هباءات الغبار والهباب والأملاح وغيرها من شوائب الهواء، أو بامتزاج سحابتين مختلفتين في صفاتهما الطبيعية، فإن مزيدا من عملية تكثف بخار الماء يؤدي إلي نمو قطيرات الماء في السحب مما يزيد من إمكان إنزالها المطر أو البرد أو الثلج أو خلائط منها بإذن الله تعالى.
فعندما يتكثف بخار الماء في الهواء، ويتحول إلي قطيرات من الماء أو إلي بللورات دقيقة من الثلج أو من خليط منهما يتكون كل من السحاب، والضباب، والندي، والصقيع وغيرها من الظواهر الجوية؛ وكل من الندي والضباب ينجم عن التبريد بالإشعاع في أثناء الليل، بينما يمكن أن يتبرد الهواء بالتوصيل الحراري، أو بالمزج مع هواء أبرد، أو بالانتشار والتمدد؛ وتتطلب عملية تكثف بخار الماء الموجود في الهواء عموما استمرار التبريد حتي تصل درجة الحرارة إلي مستوي التشبع نقطة الندي، وعندها يصير الهواء غير قادر علي حمل كل ما به من بخار الماء فيتكثف جزء منه علي هيئة قطيرات الماء.
وتتكون السحب نتيجة لتكثف بخار الماء في الهواء الدافئ الرطب، ويتم ذلك بتبريد هذا الهواء بالتقائه مع جبهة باردة، أو بارتفاعه إلي أعلي فوق الجبهة الباردة، أو بارتطامه بسلاسل جبلية عالية تعين علي ارتفاعه إلي مستويات عليا؛ وفي كل الأحوال يكون إرسال الرياح وتصريفها بمشيئة الله تعالى هو الوسيلة الفاعلة في شحنها بالرطوبة، وفي حركة الهواء الرطب أفقيا ورأسيا، ومن ثم إثارة السحب بمختلف أنواعها، ويعين في ذلك كل من حرارة الشمس، وتضاريس سطح الأرض، ودوران الأرض بميل واضح حول محورها من الغرب إلي الشرق، والجاذبية الأرضية، وتدرج معدلات الضغط بين كتل الهواء المختلفة، وكل من الكهربية والمغناطيسية الجويين، وعمليات المد والجزر الهوائيين في المستويات المرتفعة، والرياح الشمسية التي تهب علي الأرض، وغيرها من العوامل، ولذلك فإن إنزال المطر من السحب لا يزال قضية غير مفهومة علميا بالتفصيل، لتداخل العديد من العوامل المؤثرة والتفاعلات غير المعروفة فيها والتي لا يمكن ردها إلا إلي الإرادة الإلهية.!!! فسقوط المطر لا يزال سرا من أسرار الكون التي لم يستطع الإنسان أن يفهمها بالكامل إلي يومنا الراهن ونحن نعايش نهضة علمية وتقنية لم يسبق لجيل من البشر أن وصل إلي مستواها.!!
وتقسم السحب في نطاق الرجع عادة حسب ارتفاعاتها إلي ثلاث مجموعات كما يلي:
(1) سحب منخفضة: وتمتد من سطح البحر إلي ارتفاع كيلو مترين تقريبا.
(2) سحب متوسطة الارتفاع: وتمتد من كيلو مترين إلي سبعة كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر.
(3) سحب مرتفعة: وتمتد من ارتفاع سبعة كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر إلي ارتفاع ثلاثة عشر كيلو مترا تقريبا.
كذلك تقسم السحب حسب طرائق تكونها إلي سحب تنمو رأسيا وتعرف باسم السحب الركامية وتصفها الآية الثالثة والأربعون من سورة النور وصفا تفصيليا مع كل الظواهر المصاحبة لها، وسحب تنمو أفقيا وتعرف باسم السحب الطباقية وتصفها الآية التي نحن بصددها وهي الآية رقم 48 من سورة الروم وصفا بالغ الدقة في الإحكام والروعة في الإيجاز.
وبالمزاوجة بين الأساسين السابقين تمكن علماء الأرصاد الجوية من التعرف علي عشر مجموعات رئيسية من السحب علي النحو التالي:
أ- السحب المنخفضة:
وتقسم إلي أربع مجموعات هي:
(1) السحاب الطباقي المنبسط الخفيض أو الرهج Stratus.
(2) السحاب الركامي الطباقي Stratocumulus.
(3) السحاب الركامي المنخفض أو الخفيض ويعرف عند العرب باسم القرد Cumulus.
(4) المزن الركامية الركام المزني ويعرف عند العرب باسم الصيب Cumulonimbus.
ب- السحب المتوسطة: وتقسم إلي ثلاث مجموعات هي:
(1) السحاب الركامي المتوسط Altocumulus.
(2) السحاب الطباقي المتوسط Altostratus.
(3) المزن الطباقية Nimbostratus.
ج- السحب المرتفعة: وتقسم إلي ثلاث مجموعات هي:
(1) السحاب الرقيق المرتفع ويعرف عند العرب باسم القزع Cirrus.
(2) السحاب الركامي المرتفع أو السمحاق الركامي Cirrocumulus.
(3) السحاب الطباقي المرتفع أو السمحاق الطباقي Cirrostratus.