فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

وقَوْله تعالى: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ منْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} يعني أَنَّهُ خَلَقَكُمْ ضُعَفَاءَ حَمْلًا في بُطُون الْأُمَّهَات ثُمَّ أَطْفَالًا لَا تَمْلكُونَ لأَنْفُسكُمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَقْويَاءَ ثُمَّ أَعْطَاكُمْ منْ الاسْتطَاعَة وَالْعَقْل وَالدّرَايَة للتَّصَرُّف في اخْتلَاف الْمَنَافع وَدَفْع الْمَضَارّ ثُمَّ جَعَلَكُمْ ضُعَفَاءَ في حَال الشَّيْخُوخَة، كَقَوْله تعالى: {وَمَنْ نُعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ في الْخَلْق} وَقوله: {وَمنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أَرْذَل الْعُمُر لكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ علْمٍ شَيْئًا} فَيَبْقَى مَسْلُوبُ الْقُوَى وَالْفَهْم كَالصَّبيّ بَلْ حَالُهُ دُونَ حَال الصَّبيّ؛ لأَنَّ الصَّبيَّ في زيَادَةٍ منْ الْقُوَى وَالْفَهْم منْ حين الْبُلُوغ وَكَمَال حَال الْإنْسَانيَّة وَهَذَا يَزْدَادُ عَلَى الْبَقَاء ضَعْفًا وَجَهْلًا وَلذَلكَ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرْذَلَ الْعُمُر وَجَعَلَ الشَّيْبَ قَرينًا للضَّعْف بقوله: {ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}.
وَهُوَ كَقَوْله تَعَالَى حَاكيًا عَنْ نَبيّه زَكَريَّا عَلَيْه السَّلَامُ: {رَبّ إنّي وَهَنَ الْعَظْمُ منّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُم مّن ضَعْفٍ}.
قال قتادة: من نطفة.
{ثُمَّ جَعَلَ بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةً} قاله مجاهد: شبابًا.
{ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} يعني هرمًا وشيبة، قال قتادة: لأن بياض الشعر نذير بالفناء، قال الشاعر:
أُريت الشيب من نذر المنايا ** لصاحبه وحسبك من نذير

{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} من قوة وضعف.
{وَهُوَ الْعَليمُ} بتدبيره {الْقَديرُ} على إرادته.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسمُ الْمُجْرمُونَ} قال ابن عباس: الكفار.
{مَا لَبثوا غَيْرَ سَاعَةٍ} فيه قولان:
أحدهما: في الدنيا استقلالًا لأجل الدنيا لما عاينوا من الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: في قبورهم ما بين موتهم ونشورهم، قاله يحيى بن سلام.
{كَذلكَ} أي هكذا، قاله ابن جبير.
{كَانُوا يُؤْفَكُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يكذبون في الدنيا، قاله قتادة.
الثاني: يصدون في الدنيا عن الإيمان بالبعث. قاله يحيى بن سلام.
قوله: {وَقَالَ الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ} فيهم وجهان:
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله الكلبي.
الثاني: أهل الكتاب.
{وَالإيمَانَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: الإيمان بالكتاب المتقدم من غير تحريف له ولا تبديل فيه.
الثاني: الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{لَقَدْ لَبثْتُمْ في كتَاب اللَّه إلَى يَوْم الْبَعْث} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لقد لبثتم في علم الله، قاله الفراء.
الثاني: لقد لبثتم بما بيانه في كتاب الله، قاله ابن عيسى.
الثالث: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا تقديره: {وَقَالَ الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ} في كتاب الله والإيمان {لَقَدْ لَبثْتُم إلَى يَوْم الْبَعْث} قاله قتادة.
وفي {لَبثْتُمْ} قولان:
أحدهما: لبثوا في قبورهم.
الثاني: في الدنيا أحياء وفي قبورهم أموات.
{فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْث} يعني الذي كذبتم به في الدنيا.
{وَلكنَّكُمْ كنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} أي لا تعلمون في الدنيا أن البعث حق وقد علمتم الآن أنه حق.
قوله: {فَيَومَئذٍ} يعني يوم القيامة.
{لاَ يَنفَعُ الَّذينَ ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ} أي عذرهم الذي اعتذروا به في تكذيبهم.
{وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يعاتبون على سيئاتهم، قاله النقاش.
الثاني: لا يستتابون، قاله بعض المتأخرين.
الثالث: لا يطلب منهم العتبى وهو أن يُرَدُوا إلى الدنيا ليُعْتَبُوا أي ليؤمنوا، قاله يحيى بن سلام. اهـ.

.قال ابن عطية:

{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ منْ ضَعْفٍ}.
وهذه أيضًا عبر بين فيها أن الأوثان لا مدخل لها فيها.
وقرأ جمهور القراء والناس بضم الضاد في {ضُعف} وقرأ عاصم وحمزة بفتحها وهي قراءة ابن مسعود وأبي رجاء، والضم أصوب، وروي عن ابن عمر أنه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح فردها عليه بالضم، وقال كثير من اللغويين: ضم الضاد في البدن وفتحها في العقل، وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك أنهم ضموا الضاد في الأول والثاني وفتحو {ضَعفًا} وقرأ عيسى بن عمر {من ضُعُف} بضمتين، وهذه الآية إنما يراد بها حال الإنسان، والضعف الأول هو كون الإنسان من ماء مهين، والقوة بعد ذلك الشبيبة، وقوة الأسر، والضعف الثاني الهرم والشيخ هذا قول قتادة وغيره ثم أخبر تعالى عن يوم القيامة أن المجرمين يقسمون لجاجًا منهم وتسورًا على ما لا علم لهم به أنهم ما لبثوا تحت التراب غير ساعة وهذا إتباع لتحيلهم الفاسد ونظرهم في ذلك الوقت على نحو ما كانوا في الدنيا يتبعون ذلك، و{يؤفكون} عن الحق أي يصرفون وقيل المعنى ما لبثوا الدنيا كأنهم استقلوهم لما عاينوا من أمر الآخرة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يضعفه قوله تعالى: {كذلك كانوا يؤفكون} إذ لو أراد تقليل الدنيا بالإضافة إلى الآخرة لكان منزعًا سديدًا وكان قولهم {ساعة} تجوزًا في القدر والموازنة، ثم أخبر تعالى عن {الذين أوتوا العلم والإيمان} أنهم يقفون في تلك الحال على حق ويعرفون أنه الوعد المتقرر في الدنيا، وقال بعض المفسرين: إنما أراد الإيمان والعلم ففي الكلام تقديم وتأخير.
قال الفقيه الإمام القاضي: ولا يحتاج إلى هذا بل ذكر العلم يتضمن الإيمان ولا يصف الله بعلم من لم يعلم كل ما يوجب الإيمان، ثم ذكر الإيمان بعد ذلك تنبيهًا عليه وتشريفًا لأمره كما قال تعالى: {فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68] فنبه على مكان الإيمان وخصه بالذكر تشريفًا.
{فَيَوْمَئذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذينَ ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)}.
هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة في أنهم لا ينفعهم الاعتذار ولا يعطون عتبى وهي الرضى، و{يستعتبون} بمعنى يعتبون كما تقال يملك ويستملك، والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه لأن المعنى كان يفسد إذا كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى.
وقرأ عاصم والأعمش {ينفع} بالياء كما قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه} [البقرة: 275] وحسن هذا أيضًا بالتفرقة التي بين الفعل وما أسند إليه قال الشاعر: الطويل:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ** ثلاث الأثافي والديار البلاقع

اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{اللّهُ الذي خلقكم من ضَعْف}.
وقد ذكرنا الكلام فيه في [الأنفال: 66]، قال المفسرون: المعنى: خلقكم من ماءٍ ذي ضَعف، وهو المنيّ {ثُمَّ جَعل منْ بَعْد ضَعْف} يعني ضعف الطفولة قوَّة الشباب، ثُمَّ جَعل من بَعْد قوَّة الشباب ضعف الكبَر، وشيبةً، {يخلُق ما يشاء} أي: من ضعف وقوَّة وشباب وشَيبة {وهو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء.
{ويوم تقوم الساعة} قال الزجاج: الساعة في القرآن على معنى الساعة التي تقوم فيها القيامة، فلذلك لم تُعرف أيّ ساعة هي.
قوله تعالى: {يُقسم المجرمون} أي: يَحْلف المشركون {ما لَبثوا} في القبور {غيرَ ساعةٍ كذلك كانوا يؤفَكون} قال ابن قتيبة: يقال: أُفكَ الرجلُ: إذا عُدل به عن الصّدق، فالمعنى أنهم قد كذَّبوا في هذا الوقت كما كَذَّبوا في الدنيا.
وقال غيره: أراد الله تعالى أن يفضحهم يوم القيامة بين المؤمنين، فحلفوا على شيء يبَين للمؤمنين كذبُهم فيه، ويستدلُّون على كذبهم في الدنيا.
ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم بقوله: {وقال الذين أُوتوا العلْم والإيمانَ} وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: المؤمنون.
قوله تعالى: {لقد لَبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} فيه قولان:
أحدهما: أن فيه تقديمًا وتأخيرًا، تقديره: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله، قاله ابن جريج في جماعة من المفسرين.
والثاني: أنه على نظمه.
ثم في معناه قولان:
أحدهما: لقد لَبثتم في علْم الله، قاله الفراء.
والثاني: لقد لَبثتم في خَبَر الكتاب، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {فهذا يومُ البعث} أي: اليوم الذي كنتم تُنْكرونه {ولكنَّكم كنتم لا تَعْلَمون} في الدنيا أنه يكون.
{فيومَئذ لا يَنْفَعُ الذين ظَلَموا معذرتُهم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {لا تَنْفَعُ} بالتاء.
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالياء، لأن التأنيث غير حقيقي.
قال ابن عباس: لا يُقْبَلُ من الذين أشركوا عُذر ولا توبة.
قوله تعالى: {ولا هُمْ يُسْتَعْتَبون} أي: لا يُطلب منهم العتبى والرجوعُ في الآخرة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الله الذي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ}.
ذكر استدلالًا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر.
ومعنى: {منْ ضَعْفٍ} من نطفة ضعيفة.
وقيل: {منْ ضَعْفٍ} أي في حال ضعف؛ وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر.
{ثُمَّ جَعَلَ من بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةٍ} يعني الشبيبة.
{ثُمَّ جَعَلَ من بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا} يعني الهرم.
وقرأ عاصم وحمزة: بفتح الضاد فيهن، الباقون بالضم، لغتان، والضم لغة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقرأ الجحدريّ: {من ضَعْف ثم جعل من بعد ضَعْف} بالفتح فيهما؛ {ضُعْفًا} بالضم خاصة.
أراد أن يجمع بين اللغتين.
قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم.
الجوهري: الضَّعْف والضُّعْف: خلاف القوّة.
وقيل: الضعف بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسد؛ ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع: أنه يبتاع وفي عُقدته ضعف {وَشَيْبَةً} مصدر كالشَّيب، والمصدر يصلح للجملة، وكذلك القول في الضعف والقوّة.
{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يعني من قوّة وضعف.
{وَهُوَ العليم} بتدبيره.
{القدير} على إرادته.
وأجاز النحويون الكوفيون {من ضَعَف} بفتح العين، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيًا أو ثالثًا.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسمُ المجرمون} أي يحلف المشركون.
{مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} ليس في هذا رد لعذاب القبر؛ إذ كان قد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير طريق أنه تعوّذ منه، وأمر أن يتعوّذ منه؛ فمن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود قال: سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبة وهي تقول: اللَّهُمَّ أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية؛ فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لقد سألت الله لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سليه أن يعيذك من عذاب جهنم وعذاب القبر» في أحاديث مشهورة خرجها مسلم والبخاريّ وغيرهما.
وقد ذكرنا منها جملة في كتاب التذكرة.
وفي معنى: {مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} قولان: أحدهما: أنه لابد من خمدة قبل يوم القيامة؛ فعلى هذا قالوا: ما لبثنا غَيْرَ سَاعَةٍ.
والقول الآخر: أنهم يعنون في الدنيا لزوالها وانقطاعها، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إلاَّ عَشيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما يدرون.
قال الله عز وجل: {كَذَلكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} أي كانوا يكذبون في الدنيا؛ يقال: أُفك الرجلُ إذا صُرف عن الصّدق والخير.
وأرض مأفوكة: ممنوعة من المطر.
وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه، والقرآن يدلّ على غير ذلك، قال الله عز وجل: {كَذَلكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} أي كما صُرفوا عن الحق في قَسَمهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يُصرفون عن الحق في الدنيا؛ وقال جل وعز: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَميعًا فَيَحْلفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ أَلاَ إنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} [المجادلة: 18] وقال: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فتْنَتُهُمْ إلاَّ أَن قَالُوا والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْركينَ انظر كَيْفَ كَذَبُوا} [الأنعام: 23 24].
قوله تعالى: {وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم والإيمان لَقَدْ لَبثْتُمْ في كتَاب الله إلى يَوْم البعث} اختلف في الذين أوتوا العلم؛ فقيل الملائكة.
وقيل الأنبياء.
وقيل علماء الأمم.
وقيل مؤمنو هذه الأمة.
وقيل جميع المؤمنين؛ أي يقول المؤمنون للكفار ردًّا عليهم لقد لبثتم في قبوركم إلى يوم البعث.
والفاء في قوله: {فهذا يَوْمُ البعث} جواب لشرط محذوف دلّ عليه الكلام؛ مجازه: إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث.
وحكى يعقوب عن بعض القراء وهي قراءة الحسن: {إلى يوم البَعَث} بالتحريك؛ وهذا مما فيه حرف من حروف الحلْق.
وقيل: معنى {في كتَاب اللَّه} في حكم الله.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ أي وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمانَ لقد لبثتم إلى يوم البعث؛ قاله مقاتل وقتادة والسّدي.
القشيري: وعلى هذا {أُوتُوا العلم} بمعنى كتاب الله.
وقيل: الذين حكم لهم في الكتاب بالعلم {فهذا يَوْمُ البعث} أي اليوم الذي كنتم تنكرونه.
قوله تعالى: {فَيَوْمَئذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ} أي لا ينفعهم العلم بالقيامة ولا الاعتذار يومئذٍ.
وقيل: لما ردّ عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا.
{وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي ولا حالهم حال من يستعتب ويرجع؛ يقال: استعتبته فأعتبني، أي استرضيته فأرضاني، وذلك إذا كنت جانيًا عليه.
وحقيقة أعتبته: أزلت عتبه.
وسيأتي في فصلت بيانه.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {فَيَوْمَئذٍ لاَ يَنْفَعُ} بالياء، والباقون بالتاء. اهـ.