فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقوله: {أُوتُوا العلم والإيمان} [الروم: 56] لأن العلم تأخذه أنت بالاستنباط والأدلة. الخ، أو تأخذه ممن يخبرك وتُصدّقه فيما أخبر، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل الصحابي: «كيف أصبحتَ؟» قال: أصبحتُ مؤمنًا حقًا، قال: «لكلّ حقٍّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» يعني: ما مدلول هذه الكلمة التي قلتها؟ فقال الصحابي: عزفتْ نفسي عن الدنيا، فاستوى عندي ذهبها، ومدرها، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون- يريد أن يقول لرسول الله: لقد أصبحتُ وكأني أرى ما أخبرتنا به- فقال له رسول الله: «عرفتَ فالزم».
لكن، مَن هم الذين أوتوا العلم؟ هم الملائكة الذين عاصروا كل شيء، لأنهم لا يموتون، أو الأنبياء لأن الذي أرسلهم أخبره، أو المؤمنون لأنهم صدَّقوا الرسول فيما أخبر به.
وقال: {أُوتُوا العلم} [الروم: 56] ولم يقل: علموا، كأن العلم ليس كَسْبًا، إنما إيتاء من عَالم منك يعطيك. فإنْ قُلتَ: أليس للعلماء دور في الاستدلال والنَظر في الأدلة؟ نقول: نعم، لكن مَنْ نصب لهم هذه الأدلة؟ إذن: فالعلم عطاء من الله.
ثم يقول سبحانه: {لَقَدْ لَبثْتُمْ في كتَاب الله إلى يَوْم البعث فهذا يَوْمُ البعث} [الروم: 56] يعني: مسألة مرسومة ومنضبطة في اللوح المحفوظ إلى يوم البعث {فهذا يَوْمُ البعث} [الروم: 56] الذي كنتم تكذبون به، أما الآن فلابد أنْ تُصدّقوا فقد جاءكم شيء لا تقدرون على تكذيبه؛ لأنه أصبح واقعًا ومن مصلحتكم أنْ يقبل عذركم، لكن لن يقبل منكم، ولن نسمع لكم كلامًا لأننا قدمنا الإعذار سابقًا.
وقوله تعالى: {ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 56] في أول الآية قال: {أُوتُوا العلم} [الروم: 56] فنسب العلم إلى الله، أما هنا فنسبه إليهم؛ لأن الله تعالى نصب لهم الأدلة فلم يأخذوا منها شيئًا، ونصب لهم الحجج والبراهين والآيات فغفلوا عنها، إذن: لم يأخذوا من الدلائل والحجج ما يُوصّلهم إلى العلم.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَيَوْمَئذٍ لاَّ ينفَعُ الذين}.
قوله: {فَيَوْمَئذٍ} [الروم: 57] أي: يوم قيام الساعة {لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] أي: لا يُقبَل منهم عذر، ومعنى {ظَلَمُوا} [الروم: 57] أي: ظلموا أنفسهم، والظالم يلجأ إلى الظلم؛ لأنه يريد أن يأخذ من الغير ما عجزتْ حركته هو عن إدراكه.
فالظلم أنْ تأخذ نتيجة عرق غيرك لتحوله إلى دم فيك، لكن دمك إنْ لم يكُنْ من عَرَقك فهو دم فاسد عليك، ولا تأتي منه أبدًا حركة إجابة في الوجود لابد أن تكون نتيجته حركات شر؛ لأنه دم حرام، فكيف يتحرك في سبيل الحلال؟
لذلك ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلى طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» فقال: {يا أيها الرسل كُلُوا منَ الطيبات واعملوا صَالحًا إنّي بمَا تَعْمَلُونَ عَليمٌ} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمَنُوا كُلُوا من طَيّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ واشكروا للَّه إن كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] ثم ذكر «الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر ثم يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، فأنَّى يُستجاب له».
إذن: كيف يُستجاب لنا وأبعاضنا كلها غير أهْل لمناجاة الله بالدعاء؟
ولا يقف الأمر عند عدم قبول العذر، إنما {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] العتاب: حوار بلُطْف ودلال بين اثنين في أمر أغضب أحدهما، وكان من المظنون ألاَّ يكون، ويجب أن يعرض عليه ليصفي نفسه منه، كأن يمر عليك صديق فلا يسلم عليك فتغضب منه، فإنْ كنتَ حريصًا على مودته تقابله وتقول: والله أنا في نفسي شيء منك، لأنك مررتَ فلم تسلم عليَّ يوم كذا، فيقول لك: والله كنتُ مشغولًا بكذا وكذا ولم أَرَك، فيزيل هذا العذر ما في نفسك من صاحبك.
ونقول: عتب فلان على فلان فأعتبه أي: أزال عتابه؛ لذلك يقولون: ويبقى الود ما بقي العتاب، ويقول الشاعر:
أَمَّا العتَابُ فبالأحبّة أَخْلَق ** والحُبُّ يَصْلُح بالعتَاب ويصْدُقُ

والهمزة في أعتب تسمى همزة الإزالة، ومنها قول الشاعر:
أُريدُ سُلوَّكم- أي بعقلي- والقَلْبُ يأْبَى ** وأعْتبكُم وملءُ النَفْس عَتْبى

ومنه ما جاء في مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لربه يوم الطائف بعد أن لَقي منهم ما لَقي، حتى لجأ إلى حائط، وأخذ يناجي ربه: «ربّ إلى مَنْ تَكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري؟ إنْ لم يكنْ بك عليَّ غضب فلا أُبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. إلى أنْ يقول: لك العُتْبى حتى ترضى».
يعني: يا رب إنْ كنت غضبتَ لشيء بدر مني، فأنا أريد أن أزيل عتباك عليَّ.
ومن همزة الإزالة قولنا: أعجمت الكلمة أي: أزلْتُ عٌجْمتها وخفاءها، وأوضحت معناها، ومن ذلك نُسمّي المعجم لأنه يزيل خفاء الكلمات ويُبيّنها.
وتقرأ في ذلك قوله تعالى: {إنَّ الساعة آتيَةٌ أَكَادُ أُخْفيهَا} [طه: 15] أي: أقرب أنْ أزيل خفاءها بالآيات والعلامات.
وهذه الكلمة {يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] وردتْ في القرآن ثلاث مرات، ووردت مرة واحدة مبنية للفاعل {يَسْتعتبون} لأنهم طلبوا إزالة عتابهم، فلم يُزلْه الله ولم يسمح لهم في إزالته، أما {يُستعتبون} فلأنهم لم يطلبوا العتب بأنفسهم، إنما جعلوا لهم شفعاء يطلبون لهم، لكن خَاب ظنهم في هذه وفي هذه.
فالمعنى {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] لا يجرؤ شفيع أنْ يقول لهم: استعتبوا ربكم، واسألوه أنْ يعتبكم أي: يزيل العتاب عنكم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في ضعف:
الضعْف والضُعْف: خلاف القوّةُ.
وقد ضَعُف وضَعَف- الفتح عن يونس- فهو ضعيف.
وقوم ضعَاف وضُعَفَاءُ وضَعَفَة.
وفرَّق بعضهم بين الضُّعْف والضَعْف فقال: الضعف- بالفتح- في العقل والرأى، والضُّعف بضمّ- في الجسد.
ورجل ضَعُوف، أي ضعيف.
وكذلك امرأَة ضَعُوف.
وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} أي من مَنىٍّ.
وقوله تعالى: {وَخُلقَ الإنسَانُ ضَعيفًا} أي يستميله هواه.
وقال ابن عرفة: ذهب أَبو عبيدة إلى أَن الضّعْفين اثنان، وهذا قول لا أُحبّه؛ لأَنَّه قال الله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضعْفَيْن} وقال في آية أُخرى: {نُؤْتهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْن} فأَعْلَمْ أَن لها من هذا حَظَّيْن.
وقوله تعالى: {إذًا لأذَقْنَاكَ ضعْفَ الْحَيَاة وَضعْفَ الْمَمَات} أي لو ركنت إليهم فيما استدعَوْه منك لأَذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات؛ لأَنَّك نبىّ يضاعف لك العذاب على غيرك، وليس على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نقص في هذا الخطاب ولا وعيد، ولكن ذكّره الله تعالى منَّته بالتثبيت بالنبوّة.
وقوله تعالى: {فَأُوْلَائكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضّعْف بمَا عَملُوا} قال أَبو بكر: أَراد المضاعفة، فأَلزم الضّعْف التَّوحيد؛ لأَنَّ المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع.
قال: والعرب تتكلم بالضّعف مثنىَّ فيقولون: إن أَعطيتنى درهمًا فلك ضعفاه، يريدون مثيله.
قال: وإفراده لا بأس به، إلاَّ أَن التثنية أَحسن.
وقال أَبو عبيدة: ضعْف الشىء مثله، وضعْفاه مثلاه.
وقال في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} يجعل العذاب ثلاثة أَعذبة، قال: ومَجَاز يضاعف: يجعل إلى الشىء شيئان حتى يصير ثلاثة.
وقال الأَزهرىّ: الضّعف في كلام العرب: المثْل إلى ما زاد، وليس بمقصور على المثلين.
فيكونَ ما قال أَبو عبيدة صوابًا، بل جائز في كلام العرب أَن تقول: هذا ضعفه أي مثلاه وثلاثة أَمثاله؛ لأَنَّ الضعف في الأَصل زيادة غير محصورة، أَلا ترى إلى قوله عزَّ وجل: {فَأُوْلَائكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضّعْف بمَا عَملُوا} لم يُرد مثلا ولا مثْلين، ولكنَّه أَراد بالضعْف الأَضعاف.
قال: وأَوْلَى الأَشياء فيه أَن يجعل عشرة أَمثاله كقوله تعالى: {مَن جَاءَ بالْحَسَنَة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالهَا} الآية فأَقلّ الضعف محصور وهو المثْل، وأَكثره غير محصور.
ورجل مَضعوفٌ على غير قياس، والقياس مُضْعَف.
وحمْيَر تسمّى المكفوف ضعيفًا، وقيل في قوله تعالى: {وَإنَّا لَنَرَاكَ فينَا ضَعيفًا} أي ضريرًا.
وأَضعاف البدن: أَعضاؤه.
وأَضعفَه: جعله ضعفين.
واستضعفه: عدّة ضعيفا.
قال الله تبارك وتعالى: {إلاَّ الْمُسْتَضْعَفينَ}.
وتضعّفه بمعناه، ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُنَبّئُك بأَهل الجنَّة كلٌّ ضعيف متضعَّف ذى طمْرَين لا يُؤْبَهُ به، لو أَقسم على الله لأَبَرَّه».
وضاعفه أي أَضعفه من الضّعْف، قال الله تعالى: {فَيُضَاعفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثيرَةً}.
وقال الراغب استضعفته: وجدته ضعيفًا.
وقوبل بالاستكبار: {يَقُولُ الَّذينَ اسْتُضْعفُوا للَّذينَ اسْتَكْبَرُوا}.
وقوله: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ من بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ من بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} فالثانى غير الأَوّل، وكذا الثالث.
فانَّ قوله: {خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} أي من نطفة أَو تراب.
والثانى: هو الضَّعف الموجود في الجنين والطّفل.
والثالث: الذي بعد الشيوخوخة وهو المشار إليه بأَرذل العمرُ.
والقوّتان: الأُولى: هي التي تُجعل للطفل من التحرك وهدايته لاستدعاء اللبَن، ودفع الأَذى عن نفسه بالبكاء.
والقوّة الثانية: التي بعد البلوغ.
ويدل على أَنَّ كلّ واحد من قوله: {ضَعْف} إشارة إلى حالة غير الحالة الأَولى ذكرُه منكّرًا، والمنكّر متى أُعيد ذكره وأُريد به ما تقدّم عُرّف، كقولك: رأَيت رجلًا فقال لى الرّجل، ومتى ذُكر ثانيا منكَّرًا أُريد به غير الأَوّل، ولذلك قال بن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى: {فَإنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا} لن يغلب عسرٌ يُسْرَيْن.
وقوله تعالى: {وَخُلقَ الإنسَانُ ضَعيفًا} فضعفُه كثرة حاجاته التي يستغنى عنها الملأُ الأَعلى.
وقولُه: {إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَان كَانَ ضَعيفًا} فضعف كيده إنما هو مع من صار من عباد الله المذكورين في قوله: {إنَّ عبَادي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهمْ سُلْطَانٌ}.
والضّعْفُ من الأَسماء المتضايفة التي يقتضى وجودُ أَحدهما وجودَ الآخر؛ كالنصف والزوج، وهو تركُّب قَدْرين متساويين، ويختصّ بالعدد.
فإذا قيل: أَضعفت الشىء وضعَّته وضاعفته: ضممتُ إليه مثله فصاعدًا.
وقال بعضهم: ضاعفت أَبلغ منْ ضَعّفت، ولهذا قرأَ أَكثرهم {يُضَاعَفْ} قال تعالى: {وَإن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعفْهَا} ومن قال: ضَعَفته بالتخفيف ضَعْفًا فهو مضعوف قال: الضَّعْف مصدر، والضّعْف اسم، كالثَّنْى والثّنْى.
فضعْف الشىء هو الذي تَثْنيه.
ومتى أَضيف إلى عدد اقتضى ذلك العددُ مثلَه، نحو أَن يقال: ضعفُ العشرة، وضعف مائة، فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف.
وعلى هذا قال:
جَزَيْتُك ضعف الودّ لمّا اشتكيته ** وما إنْ جزاك الضّعفَ من أَحد قَبْلى

وإذا قيل: أَعْطه ضعْفَىْ واحد اقتضى ذلك ومثلَيْه، وذلك ثلاثة، لأَنَّ معناه الواحد واللذان يزاوجانه، وذلك ثلاثة.
هذا إذا كان الضّعْف مضافًا، فأَما إذا لم يكن مضافا فقلت: الضعفَيْن، فإنَّ ذلك قد يجرى مجرى الزَّوجين في أَنَّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر، فيقتضى ذلك اثنين؛ لأَن كلّ واحد منهما يضاعف الآخر، فلا يخرجان عن الاثنين، بخلاف ما إذا أُضيف الضعفان إلى واحد فَيَثْلثهما نحو ضعْفَىْ الواحد.
وقوله: {لاَ تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} قيل: أَتى باللفظين على التأكيد، وقيل: بل المضاعفة من الضَّعف لا من الضّعْف، والمعنى: ما تعدُّونه ضعفًا هو ضَعف أي نقص، كقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَا وَيُرْبي الصَّدَقَات}.
وقوله: {فَآتهمْ عَذَابًا ضعْفًا مّنَ النَّار} فإنَّهُمْ سأَلوه أَن يعذّبهم عذابًا بضلالهم وعذابًا بإضلالَهم، كما أَشار بقوله: {ليَحْملُوا أَوْزَارَهُمْ كَاملَةً يَوْمَ الْقيَامَة وَمنْ أَوْزَار الَّذينَ يُضلُّونَهُمْ بغَيْر علْمٍ}.
وقوله: {قَالَ لكُلٍّ ضعْفٌ} أي لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب.
وقيل: أي لكل منكم ومنهم ضعف ما يرى الآخر، فإن من العذاب ظاهرا وباطنًا، وكلّ يدرك من الآخر الظاهرَ دون الباطن، فيقدّر أَن ليس له العذاب الباطن.
قال المتنبّى في لفظ الضعف:
ولستَ بدُونٍ يُرتجَى الغيث دُونه ** ولا منتهى الجود الذي خلفَه خَلْفُ

ولا واحدا في ذا الوَرَى من جماعة ** ولا البعضَ من كلّ ولكنَّك الضّعفُ

ولا الضّعف حتى يتبع الضّعفَ ضعْفُه ** ولا ضعف ضعف الضّعف بل مثلَه أَلْفُ

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ منْ ضَعْفٍ}.
أظهرهم على ضعف الصغر والطفولية ثم بعده قوة الشباب ثم ضعف الشيب ثم:
آخر الأمر ما ترى ** القبر واللحد والثرى

كذلك في ابتداء أمرهم يظهرهم على وصف ضعف البداية في نعت التردد والحيرة في الطلب، ثم بعد قوة الوصل في ضعف التوحيد.
ويقال أولًا ضعف العقل لأنه بشرط البرهان وتأمله، ثم قوة البيان في حال العرفان، لأنه بسطوة الوجود ثم بعده ضعف الخمود، لأنه الخمود يتلو الوجود ولا يبقى معه أثر.
ويقال: {خَلَقَكُم مّن ضَعْفٍ} أي حال ضعف من حيث الحاجة ثم بعده قوة الوجود ثم بعده ضعف المسكنة، قال صلى الله عليه وسلم: «أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين».
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسمُ الْمُجْرمُونَ مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)}.
إنما كان ذلك لأحد أمرين: إمَّا لأنهم كانوا أمواتًا. والميت لا إحساسَ له، أو لأنهم عَدُّوًا ما لقوا من عذاب القبر بالإضافة إلى ما يَرَوْن ذلك اليوم يسيرًا. وإن أهل التحقيق يخبرونهم عن طول لُبْثهم تحت الأرض. وإن ذلك الذي يقولونه من جملة ما كانوا يظهرون من جَحْدهم على موجب جهلهم، ثم لا يُسْمَعُ عَذْرُهم، ولا يُدْفَعُ ضُرَّهم.
وأخبر بعد هذا في آخر السورة عن إصرارهم وانهماكهم في غيّهم، وأن ذلك نصيبهم من القسمة إلى آخر أعمارهم.
ثم خَتَمَ السورة بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام باصطباره على مقاساة مسارهم ومضارهم.
قوله جلّ ذكره: {فَاصْبرْ إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ الَّذينَ لاَ يُوقنُونَ}. اهـ.