فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

.[سورة الروم: آية 31].

{مُنيبينَ إلَيْه وَاتَّقُوهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ (31)}.
وقرئ: {فرّقوا} دينهم بالتشديد، أي: جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم وَكانُوا شيَعًا فرقا، كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها كُلُّ حزْبٍ منهم فرح بمذهبه مسرور، يحسب باطله حقا- ويجوز أن يكون منَ الَّذينَ منقطعا مما قبله، ومعناه: من المفارقين دينهم كل حزب فرحين بما لديهم، ولكنه رفع فرحون على الوصف لكل، كقوله:
وكل خليل غير هاضم نفسه

.[سورة الروم: الآيات 33- 34].

{وَإذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنيبينَ إلَيْه ثُمَّ إذا أَذاقَهُمْ منْهُ رَحْمَةً إذا فَريقٌ منْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ (33) ليَكْفُرُوا بما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)}.
الضر: الشدّة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك. والرحمة: الخلاص من الشدّة.
واللام في {ليَكْفُرُوا} مجاز مثلها في {ليَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} {فَتَمَتَّعُوا} نظير {اعْمَلُوا ما شئْتُمْ} {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبال تمتعكم، وقرأ ابن مسعود: {وليتمتعوا}.

.[سورة الروم: آية 35].

{أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهمْ سُلْطانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بما كانُوا به يُشْركُونَ (35)}.
السلطان: الحجة، وتكلمه. مجاز، كما تقول: كتابه ناطق بكذا، وهذا مما نطق به القرآن.
ومعناه: الدلالة والشهادة، كأنه قال: فهو يشهد بشركهم وبصحته. وما في بما كانُوا مصدرية أي: بكونهم باللّه يشركون. ويجوز أن تكون موصولة ويرجع الضمير إليها. ومعناه: فهو يتكلم بالأمر الذي يسببه يشركون. ويحتمل أن يكون المعنى: أم أنزلنا عليهم ذا سلطان، أى: ملكا معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون.

.[سورة الروم: آية 36].

{وَإذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرحُوا بها وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ بما قَدَّمَتْ أَيْديهمْ إذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)}.
{وَإذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} أي نعمة من مطر أو سعة أو صحة {فَرحُوا بها وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي بلاء من جدب أو ضيق أو مرض- والسبب فيها شؤم معاصيهم- قنطوا من الرحمة.

.[سورة الروم: آية 37].

{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لمَنْ يَشاءُ وَيَقْدرُ إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ (37)}.
ثم أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه هو الباسط القابض، فما لهم يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين من المعاصي التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد إليهم رحمته.

.[سورة الروم: آية 38].

{فَآت ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمسْكينَ وَابْنَ السَّبيل ذلكَ خَيْرٌ للَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ اللَّه وَأُولئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ (38)}.
حق ذى القربى: صلة الرحم. وحق المسكين وابن السبيل: نصيبهما من الصدقة المسماة لهما.
وقد احتج أبو حنيفة رحمه اللّه بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. وعند الشافعي رحمه اللّه: لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين: قاس سائر القرابات على ابن العم، لأنه لا ولاد بينهم. فإن قلت: كيف تعلق قوله: {فَآت ذَا الْقُرْبى} بما قبله حتى جيء بالفاء؟ قلت: لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم، أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك يُريدُونَ وَجْهَ اللَّه يحتمل أن يراد بوجهه ذاته أو جهته وجانبه، أي: يقصدون بمعروفهم إياه خالصا وحقه، كقوله تعالى: {إلَّا ابْتغاءَ وَجْه رَبّه الْأَعْلى} أو يقصدون جهة التقرّب إلى اللّه لا جهة أخرى، والمعنيان متقاربان، ولكن الطريقة مختلفة.

.[سورة الروم: آية 39].

{وَما آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَا في أَمْوال النَّاس فَلا يَرْبُوا عنْدَ اللَّه وَما آتَيْتُمْ منْ زَكاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُولئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ (39)}.
هذه الآية في معنى قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرّبا وَيُرْبي الصَّدَقات} سواء بسواء، يريد: وما أعطيتم أكلة الربا {منْ ربًا ليَرْبُوَا} في أموالهم: ليزيد ويزكو في أموالهم، فلا يزكو عند اللّه ولا يبارك فيه {وَما آتَيْتُمْ منْ زَكاةٍ} أي صدقة تبتغون به وجهه خالصا، لا تطلبون به مكافأة ولا رياء وسمعة {فَأُولئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ} ذوو الإضعاف من الحسنات. ونظير المضعف:
المقوي والموسر، لذي القوّة واليسار: وقرئ بفتح العين. وقيل: نزلت في ثقيف، وكانوا يربون. وقيل: المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدى له، ليعوّضه أكثر مما وهب أو أهدى، فليست تلك الزيادة بحرام، ولكن المعوّض لا يثاب على تلك الزيادة. وقالوا: الربا ربوان:
فالحرام: كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه: أو يجرّ منفعة. والذي ليس بحرام: أن يستدعى بهبته أو بهديته أكثر منها. وفي الحديث: «المستغزر يثاب من هبته» وقرئ: وما أتيتم من ربا، بمعنى: وما غشيتموه أو رهقتموه من إعطاء ربا. وقرئ: {لتربوا} أي: لتزيدوا في أموالهم، كقوله تعالى: {وَيُرْبي الصَّدَقات} أي يزيدها. وقوله تعالى: {فَأُولئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ} التفات حسن، كأنه قال لملائكته وخواص خلقه: فأولئك الذين يريدون وجه اللّه بصدقاتهم: هم المضعفون. فهو أمدح لهم من أن يقول: فأنتم المضعفون. والمعنى: المضعفون به، لأنه لابد من ضمير يرجع إلى ما، ووجه آخر: وهو أن يكون تقديره: فمؤتوه أولئك هم المضعفون.
والحذف لما في الكلام من الدليل عليه، وهذا أسهل مأخذا، والأوّل أملأ بالفائدة.

.[سورة الروم: آية 40].

{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ هَلْ منْ شُرَكائكُمْ مَنْ يَفْعَلُ منْ ذلكُمْ منْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْركُونَ (40)}.
{اللَّهُ} مبتدأ وخبره الَّذي خَلَقَكُمْ أي اللّه هو فاعل هذه الأفعال الخاصة التي لا يقدر على شيء منها أحد غيره، ثم قال: {هَلْ منْ شُرَكائكُمْ} الذين اتخذتموهم أندادا له من الأصنام وغيرها مَنْ يَفْعَلُ شيئا قط من تلك الأفعال، حتى يصح ما ذهبتم إليه، ثم استبعد حاله من حال شركائهم. ويجوز أن يكون {الَّذي خَلَقَكُمْ} صفة للمبتدإ، والخبر: هل من شركائكم، وقوله: {منْ ذلكُمْ} هو الذي ربط الجملة بالمبتدإ، لأن معناه: من أفعاله. ومن الأولى والثانية والثالثة: كل واحدة منهنّ مستقلة بتأكيد، لتعجيز شركائهم، وتجهيل عبدتهم.

.[سورة الروم: آية 41].

{ظَهَرَ الْفَسادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر بما كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَملُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ (41)}.
{الْفَسادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر} نحو: الجدب، والقحط، وقلة الريع في الزراعات والريح في التجارات، ووقوع الموتان في الناس والدواب، وكثرة الحرق والغرق، وإخفاق الصيادين والغاصة، ومحق البركات من كل شيء، وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضارّ. وعن ابن عباس:
أجدبت الأرض وانقطعت مادّة البحر. وقالوا: إذا انقطع القطر عميت دواب البحر. وعن الحسن أنّ المراد بالبحر: مدن البحر وقراه التي على شاطئه. وعن عكرمة: العرب تسمى الأمصار البحار. وقرئ {في البر والبحور بما كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس} بسبب معاصيهم وذنوبهم، كقوله تعالى: {وَما أَصابَكُمْ منْ مُصيبَةٍ فَبما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ} وعن ابن عباس ظَهَرَ الْفَسادُ في الْبَرّ بقتل ابن آدم أخاه وفي البحر بأن جلندى كان يأخذ كل سفينة غصبا: وعن قتادة: كان ذلك قبل البعث، فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجع راجعون عن الضلال والظلم. ويجوز أن يريد ظهور الشر والمعاصي بكسب الناس ذلك. فإن قلت: ما معنى قوله: {ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَملُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ}؟ قلت أمّا على التفسير الأول فظاهر، وهو أنّ اللّه قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه. وأمّا على الثاني فاللام مجاز، على معنى أنّ ظهور الشرور بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم اللّه وبال أعمالهم إرادة الرجوع، فكأنهم إنما أفسدوا وتسببوا لفشوّ المعاصي في الأرض لأجل ذلك. وقرئ: {لنذيقهم} بالنون.

.[سورة الروم: آية 42].

{قُلْ سيرُوا في الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْركينَ (42)}.
ثم أكد تسبب المعاصي لغضب اللّه ونكاله: حيث أمرهم بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيف أهلك اللّه الأمم وأذاقهم سوء العاقبة لمعاصيهم، ودل بقوله: {كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْركينَ} على أنّ الشرك وحده لم يكن سبب تدميرهم، وأنّ ما دونه من المعاصي يكون سببا لذلك.

.[سورة الروم: آية 43].

{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين الْقَيّم منْ قَبْل أَنْ يَأْتيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ منَ اللَّه يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)}.
القيم: البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج منَ اللَّه إمّا أن يتعلق بيأتى، فيكون المعنى: من قبل أن يأتى من اللّه يوم لا يردّه أحد، كقوله تعالى: {فَلا يَسْتَطيعُونَ رَدَّها} أو بمردّ، على معنى: لا يردّه هو بعد أن يجيء به، ولا ردّ له من جهته. والمردّ: مصدر بمعنى الردّ {يَصَّدَّعُونَ} يتصدّعون: أي: يتفرّقون، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ}.

.[سورة الروم: الآيات 44- 45].

{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْه كُفْرُهُ وَمَنْ عَملَ صالحًا فَلأَنْفُسهمْ يَمْهَدُونَ (44) ليَجْزيَ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات منْ فَضْله إنَّهُ لا يُحبُّ الْكافرينَ (45)}.
{فَعَلَيْه كُفْرُهُ} كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضارّ، لأنّ من كان ضاره كفره، فقد أحاطت به كلّ مضرّة {فَلأَنْفُسهمْ يَمْهَدُونَ} أي يسؤون لأنفسهم ما يسوّيه لنفسه الذي يمهد فراشه ويوطئه، لئلا يصيبه في مضجعه ما ينبيه عليه وينغض عليه مرقده: من نتوء أو قضض أو بعض ما يؤذى الراقد. ويجوز أن يريد: فعلى أنفسهم يشفقون، من قولهم في المشفق: أمّ فرشت فأنامت. وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أنّ ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعدّاه ومنفعة الإيمان والعمل الصالح: ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه {ليَجْزيَ} متعلق بيمهدون تعليل له {منْ فَضْله} مما يتفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب، وهذا يشبه الكناية، لأن الفضل تبع للثواب، فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له: أو أراد من عطائه وهو ثوابه، لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب. وتكرير {الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات} وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح. وقوله: {إنَّهُ لا يُحبُّ الْكافرينَ} تقرير بعده تقرير، على الطرد والعكس.

.[سورة الروم: آية 46].

{وَمنْ آياته أَنْ يُرْسلَ الرّياحَ مُبَشّراتٍ وَليُذيقَكُمْ منْ رَحْمَته وَلتَجْريَ الْفُلْكُ بأَمْره وَلتَبْتَغُوا منْ فَضْله وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)}.
{الرّياحَ} هي الجنوب والشمال والصبا، وهي رياح الرحمة. وأما الدبور، فريح العذاب.
ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» وقد عدد الأغراض في إرسالها، وأنه أرسلها للبشارة بالغيث ولإذاقة الرحمة، وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه، والروح الذي مع هبوب الريح وزكاء الأرض. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض» وإزالة العفونة من الهواء، وتذرية الحبوب، وغير ذلك {وَلتَجْريَ الْفُلْكُ} في البحر عند هبوبها. وإنما زاد {بأَمْره} لأن الريح قد تهب ولا تكون مؤاتية، فلابد من إرساء السفن والاحتيال لحبسها، وربما عصفت فأغرقتها {وَلتَبْتَغُوا منْ فَضْله} يريد تجارة البحر، ولتشكروا نعمة اللّه فيها. فإن قلت: بم يتعلق وليذيقكم؟ قلت: فيه وجهان: أن يكون معطوفا على مبشرات على المعنى، كأنه قيل: ليبشركم وليذيقكم. وأن يتعلق بمحذوف تقديره: وليذيقكم، وليكون كذا وكذا: أرسلناها.