فصل: (سورة الروم: آية 47).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الروم: آية 47].

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا منْ قَبْلكَ رُسُلًا إلى قَوْمهمْ فَجاؤُهُمْ بالْبَيّنات فَانْتَقَمْنا منَ الَّذينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمنينَ (47)}.
اختصر الطريق إلى الغرض بأن أدرج تحت ذكر الانتصار والنصر ذكر الفريقين، وقد أخلى الكلام أوّلا عن ذكرهما.
وقوله: {كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمنينَ}.
تعظيم للمؤمنين، ورفع من شأنهم، وتأهيل لكرامة سنية، وإظهار لفضل سابقة ومزية، حيث جعلهم مستحقين على اللّه أن ينصرهم، مستوجبين عليه أن يظهرهم ويظفرهم، وقد يوقف على قًّا، ومعناه:
وكان الانتقام منهم حقا، ثم يبتدأ: {عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمنينَ}.
وعن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم: «ما من امرئ مسلم يردّ عن عرض أخيه إلا كان حقا على اللّه أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة». ثم تلا قوله تعالى: {كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمنينَ}.

.[سورة الروم: الآيات 48- 49].

{اللَّهُ الَّذي يُرْسلُ الرّياحَ فَتُثيرُ سَحابًا فَيَبْسُطُهُ في السَّماء كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ منْ خلاله فَإذا أَصابَ به مَنْ يَشاءُ منْ عباده إذا هُمْ يَسْتَبْشرُونَ (48) وَإنْ كانُوا منْ قَبْل أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهمْ منْ قَبْله لَمُبْلسينَ (49)}.
{فَيَبْسُطُهُ} متصلا تارة {وَيَجْعَلُهُ كسَفًا} أي قطعا تارة {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ منْ خلاله} في التارتين جميعا. والمراد بالسماء. سمت السماء وشقها، كقوله تعالى: {وَفَرْعُها في السَّماء} وبإصابة العباد: إصابة بلادهم وأراضيهم منْ قَبْله من باب التكرير والتوكيد، كقوله تعالى: {فَكانَ عاقبَتَهُما أَنَّهُما في النَّار خالدَيْن فيها} ومعنى التوكيد فيه: الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد، فاستحكم بأسهم وتمادى إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.

.[سورة الروم: آية 50].

{فَانْظُرْ إلى آثار رَحْمَت اللَّه كَيْفَ يُحْي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتها إنَّ ذلكَ لَمُحْي الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ (50)}.
قرئ: {أثر} و{آثار} على الوحدة والجمع. وقرأ أبو حيوة وغيره: {كيف تحيى} أي: الرحمة {إنَّ ذلكَ} يعنى إنّ ذلك القادر الذي يحيى الأرض بعد موتها، هو الذي يحيى الناس بعد موتهم {وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْءٍ} من المقدورات قادر، وهذا من جملة المقدورات بدليل الإنشاء.

.[سورة الروم: الآيات 51- 53].

{وَلَئنْ أَرْسَلْنا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا منْ بَعْده يَكْفُرُونَ (51) فَإنَّكَ لا تُسْمعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا وَلَّوْا مُدْبرينَ (52) وَما أَنْتَ بهاد الْعُمْي عَنْ ضَلالَتهمْ إنْ تُسْمعُ إلاَّ مَنْ يُؤْمنُ بآياتنا فَهُمْ مُسْلمُونَ (53)}.
{فَرَأَوْهُ} فرأوا أثر رحمة اللّه. لأنّ رحمة اللّه هي الغيث، وأثرها: النبات. ومن قرأ بالجمع: رجع الضمير إلى معناه لأنّ معنى آثار الرحمة النبات، واسم النبات يقع على القليل والكثير، لأنه مصدر سمى به ما ينبت. ولئن: هي اللام الموطئة للقسم، دخلت على حرف الشرط، ولَظَلُّوا جواب القسم سدّ مسدّ الجوابين، أعنى: جواب القسم وجواب الشرط، ومعناه: ليظلنّ ذمّهم اللّه تعالى بأنه إذا حبس عنهم القطر قنطوا من رحمته وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين، فإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر: استبشروا وابتهجوا، فإذا أرسل ريحا فضرب زروعهم بالصفار، ضجوا وكفروا بنعمة اللّه. فهم في جمع هذه الأحوال على الصفة المذمومة، كان عليهم أن يتوكلوا على اللّه وفضله، فقنطوا. وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها، فلم يزيدوا على الفرح والاستبشار. وأن يصبروا على بلائه، فكفروا. والريح التي اصفرّ لها النبات: يجوز أن تكون حرورا وحرجفا، فكلتاهما مما يصوح له النبات ويصبح هشيما. وقال: {مصفرّا} لأنّ تلك صفرة حادثة. وقيل: فرأوا السحاب مصفرا، لأنه إذا كان كذلك لم يمطر.

.[سورة الروم: آية 54].

{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ منْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَليمُ الْقَديرُ (54)}.
قرئ: بفتح الضاد وضمها، وهما لغتان، والضم أقوى في القراءة، لما روى ابن عمر رضى اللّه عنهما: قال: قرأتها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ضعف، فأقرأنى {من ضعف}.
قوله: {خَلَقَكُمْ منْ ضَعْفٍ} كقوله: {خُلقَ الْإنْسانُ منْ عَجَلٍ} يعنى أنّ أساس أمركم وما عليه؟؟؟ بلتكم وبنيتكم الضعف وَخُلقَ الْإنْسانُ ضَعيفًا أي ابتدأناكم في أوّل الأمر ضعافا، وذلك حال الطفولة والنشء حتى بلغتم وقت الاحتلام والشبيبة، وتلك حال القوّة إلى الاكتهال وبلوغ الاشدّ، ثم رددتم إلى أصل حالكم وهو الضعف بالشيخوخة والهرم. وقيل: من ضعف من؟؟؟ النطف، كقوله تعالى: {منْ ماءٍ مَهينٍ} وهذا الترديد في الأحوال المختلفة، والتغيير من هيئة إلى؟؟؟ الهيئة وصفة إلى صفة: أظهر دليل وأعدل شاهد على الصانع العليم القادر.

.[سورة الروم: آية 55].

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسمُ الْمُجْرمُونَ ما لَبثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55)}.
السَّاعَةُ القيامة، سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا. أو لأنها تقع؟؟؟ بغتة وبديهة. كما تقول: «في ساعة» لمن تستعجله، وجرت علما لها كالنجم للثريا، والكوكب للزهرة. وأرادوا: لبثهم في الدنيا، أو في القبور، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث.
وفي الحديث:
«ما بين فناء الدنيا إلى وقت البعث أربعون» قالوا: لا نعلم أهى أربعون سنة أم أربعون ألف سنة؟ وذلك وقت يفنون فيه وينقطع عذابهم، وإنما يقدّرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له. أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون {كَذلكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ} أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا، وهكذا كانوا يبنون أمرهم على خلاف الحق. أو مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الآن أنه ما كان إلا ساعة.

.[سورة الروم: الآيات 56- 57].

{وَقالَ الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ وَالْإيمانَ لَقَدْ لَبثْتُمْ في كتاب اللَّه إلى يَوْم الْبَعْث فَهذا يَوْمُ الْبَعْث وَلكنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئذٍ لا يَنْفَعُ الَّذينَ ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)}.
القائلون: هم الملائكة، والأنبياء، والمؤمنون في كتاب اللَّه في اللوح. أو في علم اللّه وقضائه. أو فيما كتبه، أي: أوجبه بحكمته. ردّوا ما قالوه وحلفوا عليه، وأطلعوهم على الحقيقة تم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم {فَهذا يَوْمُ الْبَعْث وَلكنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه. فإن قلت: ما هذه الفاء؟ وما حقيقتها؟ قلت: هي التي في قوله:
فقد جئنا خراسانا

وحقيقتها: أنها جواب شرط يدل عليه الكلام، كأنه قال: إن صح ما قلتم من أن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان، وآن لنا أن نخلص، وكذلك إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث، أي فقد تبين بطلان قولكم. وقرأ الحسن يوم البعث، بالتحريك {لا يَنْفَعُ} قرئ بالياء والتاء {يُسْتَعْتَبُونَ} من قولك: استعتبني فلان فأعتبته. أي: استرضانى فأرضيته، وذلك إذا كنت جانيا عليه. وحقيقة أعتبته: أزلت عتبه. ألا ترى إلى قوله:
غضبت تميم أن تقتّل عامر ** يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم

كيف جعلهم غضابا، ثم قال: فأعتبوا، أي: أزيل غضبهم. والغضب في معنى العتب. والمعنى: لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة، ومثله قوله تعالى: {لا يُخْرَجُونَ منْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}.
فإن قلت: كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات، وغير معتبين في بعضها، وهو قوله: {وَإنْ يَسْتَعْتبُوا فَما هُمْ منَ الْمُعْتَبينَ}؟ قلت: أما كونهم غير مستعتبين: فهذا معناه وأما كونهم غير معتبين، فمعناه: أنهم غير راضين بما هم فيه، فشبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم، فهم عاتبون على الجاني غير راضين عنه، فإن يستعتبوا اللّه: أي يسألوه إزالة ما هم فيه، فما هم من المجابين إلى إزالته.

.[سورة الروم: الآيات 58- 60].

{وَلَقَدْ ضَرَبْنا للنَّاس في هذَا الْقُرْآن منْ كُلّ مَثَلٍ وَلَئنْ جئْتَهُمْ بآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا إنْ أَنْتُمْ إلاَّ مُبْطلُونَ (58) كَذلكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوب الَّذينَ لا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبرْ إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ وَلا يَسْتَخفَّنَّكَ الَّذينَ لا يُوقنُونَ (60)}.
{وَلَقَدْ وصفنا} لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن، كصفة المبعوثين يوم القيامة، وقصتهم، وما يقولون وما يقال لهم، وما لا ينفع من اعتذارهم ولا يسمع من استعتابهم، ولكنهم- لقسوة قلوبهم ومج أسماعهم حديث الآخرة- إذا جئتهم بآية من آيات القرآن، قالوا: جئتنا بزور وباطل، ثم قال: مثل ذلك الطبع يطبع اللّه على قلوب الجهلة. ومعنى طبع اللّه: منع الألطاف التي ينشرح لها الصدور حتى تقبل الحق، وإنما يمنعها من علم أنها لا تجدى عليه ولا تغنى عنه، كما يمنع الواعظ الموعظة من يتبين له أنّ الموعظة تلغو ولا تنجع فيه، فوقع ذلك كناية عن قسوة قلوبهم وركوب الصدإ والرين إياها، فكأنه قال: كذلك تقسو وتصدأ قلوب الجهلة، حتى يسموا المحقين مبطلين، وهم أعرق خلق اللّه في تلك الصفة فَاصْبرْ على عداوتهم إنَّ وَعْدَ اللَّه بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله حَقٌّ لابد من إنجازه والوفاء به، ولا يحملنك على الخفة والقلق جزعا مما يقولون ويفعلون فإنهم قوم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك. وقرئ بتخفيف النون. وقرأ ابن أبى إسحاق ويعقوب: {ولا يستحقنك} أي: لا يفتننك فيملكوك ويكونوا أحق بك من المؤمنين.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح اللّه بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته». اهـ.

.قال ابن جزي:

{مُنيبينَ إلَيْه} منصوب على الحال في قوله: {فَأَقمْ وَجْهَكَ} لأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو وأمته، ولذلك جمعهم في قوله: {منيبين} وقيل: هو حال من ضمير الفاعل المستتر في الزموا فطرة الله، وقيل: هو حال من قوله: فطر الناس وهذا بعيد {واتقوه} وما بعده معطوف على أقم وجهك أو على العامل في فطرة الله وهو الزموا المضمر.
{منَ الذين فَرَّقُوا دينَهُمْ} المجرور بدل من المجرور قبله، ومعنى {فرقوا دينهم} جعلوه فرقًا أي اختلفوا فيه، وقرئ: فارقوا من المفارقة أي تركوه، والمراد بالمشركين هنا أصناف الكفار، وقيل: هم المسلمون الذي تفرقوا فرقًا مختلفة، وفي لفظ المشركين هنا تجوّز بعيد، ولعل قائل هذا القول إنما قال في قول الله في [الأنعام: 159] {إنَّ الذين فَرَّقُوا دينَهُمْ} فإنه ليس هناك ذكر المشركين.
{وَإذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} بالآية: إنحاء على المشركين، لأنهم يدعون الله في الشدائد ويشركون به في الرخاء {ليَكْفُرُوا} ذكر في [النحل: 55].
{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سُلْطَانًا} أم هنا منقطعة بمعنى بل، والسلطان الحجة، وكلامه مجاز كما تقول نطق: بكذا، والمعنى ليس لهم حجة تشهد بصحة شركهم.
{وَإذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} إنحاء على من يفرح ويبطر إذا أصابه الخير، ويقنط إذا أصابه الشر، وانظر كيف قال هنا {إذَا} وقال في الشر {وَإن تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ} لأن إذا للقطع بوقوع الشرط، بخلاف إن فإنها للشك في وقوعه، ففي ذلك إشارة إلى أن الخير الذي يصيب به عباده أكثر من الشرّ {بمَا قَدَّمَتْ أَيْديهمْ} المعنى أن ما يصيب الناس من المصائب، فإنه بسبب ذنوبهم.
{فَآت ذَا القربى حَقَّهُ} يعني صلة رحم القرابة بالإحسان والمودّة، ولو بالكلام الطيب.
{وَمَآ آتَيْتُمْ مّن رّبًا لّيَرْبُوَا في أَمْوَال الناس} الآية: معناها كقوله: {يَمْحَقُ الله الرباوا وَيُرْبي الصدقات} [البقرة: 276] أي ما أعطيتم من أموالكم على وجه الربا فلا يزكو عند الله، وما آتيتم من الصدقات: هو الذي يزكو عند الله وينفعكم به، وقيل: المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدي له ليعوض له أكثر من ذلك، فهذا وإن كان جائزًا فإنه لا ثواب فيه. وقرئ {وَمَآ آتَيْتُمْ} بالمد بمعنى أعطيتم وبالقصر يعني: جئتم أي فعلتموه، {لّيَرْبُوَا} بالتاء المضمومة {لّيَرْبُوَا} بالياء مفتوحة ونصب الواو {فأولئك هُمُ المضعفون} المضعف ذو الإضعاف من الحسنات، وفي هذه الجملة التفات لخروجه من الغيبة إلى الخطاب، وكان الأصل أن يقال: وما آتيتم من زكاة فأنتم المضعفون، وفيه أيضًا حذف، لأنه لابد من ضمير يرجع إلى ما، وتدقيره المضعفون به أو فمؤتوه هم المضعفون.
{ظَهَرَ الفساد في البر والبحر} قيل: البر البلاد البعيدة من البحر، والبحر هو البلاد التي على ساحل البحر، وقيل: البر اللسان والبحر القلب وهذا ضعيف، والصحيح أن البر والبحر المعروفان، فظهور الفساد في البر بالقحط والفتن وشبه ذلك، وظهور الفساد في البحر بالغرق وقلة الصيد وكساد التجارات وشبه ذلك، وكل ذلك بسبب ما يفعله الناس من الكفر والعصيان.
{لاَّ مَرَدَّ لَهُ} أي لا رجوع له ولابد من وقوعه {منَ الله} يتعلق بقوله: {يَأْتيَ} أو بقوله لا مردّ له أي لا يرده الله {يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ} من الصدع وهو الفرقة أي يتفرقون: {فَريقٌ في الجنة وَفَريقٌ في السعير} [الشورى: 7] {فَلأَنفُسهمْ يَمْهَدُونَ} أي يوطنون وهو استعارة من تمهيد الفراش ونحوه، والمعنى أنهم يعملون ما ينتفعون به في الآخرة {ليَجْزيَ} يتعلق بيمهدون أو يصدعون، أو بمحذوف.
{مُبَشّرَاتٍ} أي تبشر بالمطر {وَليُذيقَكُمْ} عطف على {مُبَشّرَاتٍ} كأنه قال: ليبشركم وليذيقكم ويحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره: ليذيقكم {مّن رَّحْمَته} أرسلها {وَكَانَ حَقًّا} انتصب حقًا لأنه خبر كان واسمها {نَصْرُ المؤمنين} وقيل: اسمها مضمر يعود على مصدر انتقمنا: أي كان الانتقام حقًا، فعلى هذا يوقف على {حَقّ} ويكون {نَصْرُ المؤمنين} مبتدأ وهذا ضعيف.
{فَتُثيرُ سَحَابًا} أي تحركها وتنشرها {كسَفًا} أي قطعًا، وقرئ بإسكان السين وهما بناءان للجمع، وقيل: معنى الإسكان أن السحاب قطعة واحدة {الودق} هو المطر {منْ خلاَله} الخلال الشقاق الذي بين بعضه وبعض، لأنه متخلل الأجزاء والضمير يعود على السحاب {مّن قَبْله} كرر للتأكيد وليفيد سرعة تقلب قلوب الناس من القنوط إلى الاستبشار {لَمُبْلسينَ} أي قانطين كقوله: {يُنَزّلُ الغيث من بَعْد مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28].
{فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} الضمير للنابت الذي ينبته الله بالمطر، والمعنى لئن أرسل الله ريحًا فاصفر به لكفر الناس بالقنوط والاعتراض على الله، وقيل: الضمير للريح: وقيل: للسحاب والأول أحسن في المعنى.
{فَإنَّكَ لاَ تُسْمعُ الموتى} الآية: استعارة في عدم سماع الكفار للمواعظ والبراهين، فشبه الكفار بالموتى في عدم إحساسهم.
{خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} الضعف الأول كون الإنسان من ماء مهين، وكونه ضعيف في حال الطفولية، والضعف الثاني الأخير الهم، وقرئ بفتح الضاد وضمها وهما لغتان.
{مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} هذا جواب القسم، ومعناه أنهم يحلفون أنهم ما لبثوا في القبور تحت التراب إلا ساعة، أي ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة، وذلك لاستقصار تلك المدة {كَذَلكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} أي مثل هذا الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الصدق، والتحقيق حتى يروا الأشياء على ما هي عليه.
{وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم والإيمان} هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون ردّوا مقالة الكفار التي حلفوا عليها {في كتَاب الله} يعني اللوح المحفوظ أو علم الله، والمجرور على هذا يتعلق بقوله: {لَبثْتُمْ} وقيل: يعني القرآن، فعلى هذا يتعلق هذا المجرور بقوله: {أُوتُوا العلم} وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره على هذا: قال الذين أتوا العلم في كتاب الله أي العلماء بكتاب الله وقولهم: {لَقَدْ لَبثْتُمْ} خطاب للكفار، وقولهم: {فهذا يَوْمُ البعث} تقرير لهم، وهو في المعنى جواب لشرط مقدّر تقديره: إن كنتم تنكرون البعث فهذا يوم البعث.
{وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} من العتبى بمعنى الرضا: أي ولا يرضون وليست استفعل هنا للطلب.
{إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} يعني ما وعد من النصر على الكفار {وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ} من الخفة: أي لا تضطرب لكلامهم. اهـ.