فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {منيبين إليه} أي فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يدخل فيه الأمة والمعنى راجعين إلى الله تعالى بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة {واتقوه} أي ومع ذلك خافوه {وأقيموا الصلاة} أي داوموا على أدائها في أوقاتها {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا} أي صاروا فرقًا مختلفة وهم اليهود والنصارى وقيل هم أهل البدع من هذه الأمة {كل حزب بما لديهم فرحون} أي راضون بما عندهم.
وقوله تعالى: {وإذا مس الناس ضر} أي قحط وشدة {دعوا ربهم منيبين إليه} أي مقبلين إليه بالدعاء {ثم إذا أذاقهم منه رحمة} أي خصبًا ونعمة {إذا فريق منهم بربهم يشركون}.
{ليكفروا بما آتيناهم} ليجحدوا نعمة الله عليهم {فتمعتوا} فيه تهديد ووعيد خاطب به الكفار {فسوف تعلمون} أي حالكم هذه في الآخرة {أم أنزلنا عليهم سلطانًا} قال ابن عباس حجة وعذرًا وقيل كتابًا {فهو يتكلم} أي ينطق {بما كانوا به يشركون} أي بشركهم ويأمرهم به {وإذا أذقنا الناس رحمة} أي الخصب وكثرة المطر {فرحوا بها} أي فرحوا وبطروا {وإن تصبهم سيئة} أي جدب وقلة مطر وقيل خوف وبلاء {بما قدمت أيديهم} من السيئات إذا {هم يقنطون} أي ييأسون من رحمة الله وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر ربه عند النعمة ويرجوه عند الشدة {أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} تقدم تفسيره.
قوله: {فآت ذا القربى حقه} أي من البر والصلة {والمسكين} أي حقه وهو التصدق عليه {وابن السبيل} أي المسافر وقيل الضيف {ذلك خير للذين يريدون وجه الله} أي يطلبون ثواب الله بما كانوا يعملون {وأولئك هم المفلحون} قوله: {وما آتيتم} أي أعطيتم {من ربا ليربوا في أموال الناس} أي في اجتلاب أموال الناس واجتذابها قيل في معنى الآية هو الرجل يعطي غيره العطية ليثيبه أكثر منها فهو جائز حلال ولكن لا يثاب عليها في القيامة وهذا قوله: {فلا يربو عند الله} وكان هذا حرامًا على النبي خاصة لقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} أي لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت وقيل هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله لا يريد به وجه الله.
وقيل: هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل ربح ماله لا لتماس عونه لا لوجه الله تعالى فلا يربو عند الله لأنه لم يرد بعمله وجه الله {وما آتيتم من زكاة} أي أعطيتم من صدقة {تريدون وجه الله} أي بتلك الصدقة {فأولئك هم المضعفون} أي يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات.
قوله تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون} تقدم تفسيره.
قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر} أي بسبب الشرك والمعاصي ظهر قحط المطر وقلة النبات في البراري والبوادي والمفاوز والقفار والبحر.
قيل المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية والعرب تسمي المصر بحرًا تقول: أجدب البر وانقطعت مادة البحر وقيل البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها والبحر هو المعروف وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر بخلو أجواف الأصداف من اللؤلؤ وذلك لأن الصدف إذا جاء المطر ترتفع على وجه الماء وتفتح أفواهها فما وقع فيه من المطر صار لؤلؤًا {بما كسبت أيدي الناس} أي بسبب شؤم ذنوبهم وقال ابن عباس الفساد في البر قتل أحد ابني آدم أخاه وفي البحر غصب الملك الجائر السفينة.
قيل كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان البحر عذبًا وكان لا يقصد البقر الغنم فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحًا زعافًا وقصد الحيوان بعضها بعضًا.
وقيل: إن الأرض امتلأت ظلمًا وضلالة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث رجع راجعون من الناس وقيل أراد بالناس كفار مكة {ليذيقهم بعض الذي عملوا} يعني عقوبة الذي عملوا من الذنوب {لعلهم يرجعون} يعني عن الكفر وأعمالهم الخبيثة {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل} أي لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية {كان أكثرهم مشركين} يعني فأهلكوا بكفرهم.
قوله: {فأقم وجهك للدين القيم} يعني لدين الإسلام {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} يعني يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الخلق {يومئذ يصدعون} يعني يتفرقون ثم ذكر الفريقين فقال تعالى: {من كفر فعليه كفره} يعني وبال كفره {ومن عمل صالحًا فلأنفسهم يمهدون} أي يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله} قال ابن عباس: ليثيبهم الله ثوابًا أكثر من أعمالهم {إنه لا يحب الكافرين} فيه تهديد ووعيد لهم.
قوله تعالى: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} أي تبشر بالمطر {وليذيقكم من رحمته} أي بالمطر وهو الخصب {ولتجري الفلك} أي بهذه الرياح {بأمره ولتبتغوا من فضله} معناه لتطلبوا رزقه بالتجارة في البحر {ولعلكم تشكرون} أي هذه النعم.
قوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلًا إلى قومهم فجاؤهم بالبينات} أي بالدلالات الواضحات على صدقهم {فانتقمنا من الذين أجرموا} يعني أنا عذبنا الذين كذبوهم {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين} أي مع أنجائهم من العذاب ففيه تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه سلم يقول: «ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا من كان حقًا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم لقيامة؛ ثم تلا هذه الآية: وكان حقًا علينا نصر المؤمنين» أخرجه الترمذي ولفظه: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» وقال حديث حسن.
قوله: {والله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا} يعني تنشره {فيبسطه في السماء كيف يشاء} يعني مسيرة يوم أو يومين أو أكثر على ما يشاء {ويجعله كسفًا} أي قطعًا متفرقة {فترى الودق} أي المطر {يخرج من خلاله} أي من وسطه {فإذا أصاب به} يعني الودق {من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} يعني يفرحون بالمطر {وإن كانوا} أي وقد كانوا {من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} يعني آيسين {فانظر إلى آثار رحمة الله} يعني المطر والمعنى انظر حسن تأثيره في الأرض وهو قوله تعالى: {كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى} يعني إن الذين أحيا الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى {وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحًا فرآه مصفرًا} أي الزرع بعد الخضرة {لظلموا من بعده} أي من بعد اصفرار الزرع {يكفرون} أي يجحدون ما سلف من النعمة والمعنى أنهم يفرحون عند الخصب ولو أرسلت عذابًا على زرعهم لجحدوا سالف نعمتي {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} تقدم تفسيره.
قوله تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف} أي بدأكم وأنشأكم على ضعف وقيل من ماء ذي ضعف وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان كان جنينًا ثم طفلًا مولودًا ومفطومًا فهذه أحوال الضعف {ثم جعل من بعد ضعف قوة} يعني من بعض ضعف الصغر شبابًا وهو وقت القوة {ثم جعل من بعد قوة ضعفًا} يعني هرمًا {وشيبة} وهو تمام النقصان {يخلق ما يشاء} أي من الضعف والقوة والشباب والشيبة وليس ذلك من أفعال الطبيعة بل بمشيئة الله وقدرته {وهو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء.
قوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون} أي يحلف المشركون {ما لبثوا} أي في الدنيا {غير الساعة} معناه أنهم استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة وقيل معناه ما لبثوا في قبورهم غير ساعة {كذلك كانوا يؤفكون} يعني يصرفون عن الحق في الدنيا وذلك أنهم كذبوا في قولهم ما لبثوا غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا يبعثوا.
والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه وكان ذلك بقضاء الله وقدره ثم ذكر إنكار المؤمن عليهم كذبتهم فقال تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله يوم البعث} أي فيما كتب الله لكم في سابق عمله من اللبث في القبور وقيل معنى الآية وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان يعني الذين يقيمون كتاب الله قالوا للمنكرين قد لبثتم إلى يوم البعث أي في قبوركم {فهذا يوم البعث} أي الذي كنتم تنكرونه في الدنيا {ولكنكم كنتم لا تعلمون} أي وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى: {فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون} أي لا تطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة وقيل لا تطلب منهم التوبة التي تزيل الجريمة لأنها لا تقبل منهم.
قوله تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} فيه إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار {ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون} يعني ما أنتم إلا على باطل وذلك على سبيل العناد.
فإن قلت ما معنى توحيد الخطاب في قوله: {ولئن جئتهم} والجمع في قوله: {إن أنتم إلا مبطلون}.
قلت فيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال ولئن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل ويمكن أن يقال معناه أنكم كلكم أيها الرسل مبطلون {كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} أي توحيد الله {فاصبر إن وعد الله حق} أي في نصرك وإظهارك على عدوك {ولا يستخفنك} يعني لا يحملنك على الجهل وقيل لا يستخفن رأيك {الذين لا يوقنون} يعني بالبعث والحساب، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده. اهـ.

.قال النسفي:

{مُّنيبينَ إلَيْه} راجعين إليه وهو حال من الضمير في الزموا، وقوله: {واتقوه} و{أقيموا} و{لا تكونوا} معطوف على هذا المضمر، أو من قوله: {فأقم وجهك} لأن الأمر له عليه السلام أمر لأمته فكأنه قال: فأقيموا وجوهكم منيبين إليه، أو التقدير كونوا منبيين دليله قوله: {ولا تكونوا} {واتقوه وَأَقيمُوا الصلاة} أي أدوها في أوقاتها {وَلاَ تَكُونُوا منَ المشركين} ممن يشرك به غيره في العبادة {منَ الذين} بدل من {المشركين} بإعادة الجار {فَرَّقُوا دينَهُمْ} جعلوه أديانًا مختلفة لاختلاف أهوائهم {فارقوا} حمزة وعلي وهي قراءة علي رضي الله عنه أي تركوا دين الإسلام {وَكَانُوا شيَعًا} فرقًا كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها {كُلُّ حزْبٍ} منهم {بمَا لَدَيْهمْ فَرحُونَ} فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقًا.
{وَإذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} شدة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُّنيبينَ إلَيْه ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً} أي خلاصًا من الشدة {إذَا فَريقٌ مّنْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ} في العبادة {ليَكْفُرُوا} هذه لام كي.
وقيل: لام الأمر للوعيد {بمَآ آتيناهم} من النعم {فَتَمَتَّعُوا} بكفركم قليلًا أمر وعيد {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبال تمتعكم {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سلطانا} حجة {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} وتكلمه مجاز كما تقول كتابه ناطق بكذا وهذا مما نطق به القرآن، ومعناه الشهادة كأنه قال: فهو يشهد بشركهم وبصحته {بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ} ما مصدرية أي بكونهم بالله يشركون، أو موصولة ويرجع الضمير إليها أي فهو يتكلم بالأمر الذي بسببه يشركون، أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان أي ملكًا معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون {وَإذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} أي نعمة من مطر أوسعة أوصحة {فَرحُوا بهَا} بطروا بسببها {وَإن تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي بلاء من جدب أو ضيق أو مرض {بمَا قَدَّمَتْ أَيْديهمْ} بسبب شؤم معاصيهم {إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} من الرحمة و{إذا} لمفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتآخيهما في التعقيب.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لمَن يَشَاء وَيَقْدرُ إنَّ في ذَلكَ لايات لّقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} أنكر عليهم بأنهم قد علموا بأنه القابض الباسط فما لهم يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصي التي عوقبوا بالشدة من أجلها حتى يعيد إليهم رحمته! ولما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك فقال: {فَآت ذَا القربى} أعط قريبك {حَقَّهُ} من البر والصلة {والمساكين وابن السبيل} نصيبهما من الصدقة المسماة لهما، وفيه دليل وجوب النفقة للمحارم كما هو مذهبنا {ذلك} أي إيتاء حقوقهم {خَيْرٌ لّلَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ الله} أي ذاته أي يقصدون بمعروفهم أياه خالصًا {وأولئك هُمُ المفلحون وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن ربًا لّيَرْبُوَا في أَمْوَال الناس} يريد وما أعطيتم أكلة الربا من ربًا ليربوا في أموالهم {فَلاَ يَرْبُوا عندَ الله} فلا يزكوا عند الله ولا يبارك فيه.
وقيل: هو من الربا الحلال أي وما تعطونه من الهدية لتأخذوا أكثر منها فلا يربوا عند الله لأنكم لم تريدوا بذلك وجه الله {وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن زكواة} صدقة {تُريدُونَ وَجْهَ الله} تبتغون به وجهه خالصًا لا تطلبون به مكافأة ولا رياء ولا سمعة {فَأُوْلَئكَ هُمُ المضعفون} ذوو الإضعاف من الحسنات ونظير المضعف المقوى والموسر لذي القوة واليسار.
{أتيتم من ربا} بلامد: مكي أي وما غشيتموه من إعطاء ربا {لتربوا} مدني أي لتزيدوا في أموالهم.
وقوله: {فأولئك هم المضعفون} التفات حسن لأنه يفيد التعميم كأنه قيل: من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين.
والمعنى المضعفون به لأنه لابد له من ضمير يرجع إلى ما الموصولة.
وقال الزجاج: في قوله: {فأولئك هم المضعفون} أي فأهلها هم المضعفون أي هم الذي يضاعف لهم الثواب يعطون بالحسنة عشر أمثالها.
ثم أشار إلى عجز آلهتهم فقال: {الله الذي خَلَقَكُمْ} مبتدأ وخبر {ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ} أي: هو المختص بالخلق والرزق والإماتة والإحياء {هَلْ من شُرَكَائكُمْ} أي: أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء لله {مَّن يَفْعَلُ من ذَلكُمْ} أي: من الخلق والرزق والإماتة والإحياء {من شَىْءٍ} أي: شيئًا من تلك الأفعال فلم يجيبوا عجزًا فقال استبعادًا: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْركُونَ} ومن الأولى الثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم.
{ظَهَرَ الفساد في البر والبحر} نحو القحط وقلة الأمطار والريع في الزراعات والربح في التجارات ووقوع الموتان في الناس والدواب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شيء {بمَا كَسَبَتْ أَيْدى الناس} بسبب معاصيهم وشركهم كقوله: {وَمَا أصابكم مّن مُّصيبَةٍ فَبمَا كَسَبَتْ أَيْديكُمْ} [الشورى: 30] {ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَملُوا} أي: ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة وبالنون عن قنبل {لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} عما هم عليه من المعاصي ثم أكد تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله: {قُلْ سيرُوا في الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين من قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْركينَ} حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعصايهم.
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّينَ القيم} البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج {من قَبْل أَن يَأْتىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ} هو مصدر بمعنى الرد {منَ الله} يتعلق بيأتي، والمعنى: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد كقوله تعالى: {فَلا يَسْتَطيعُونَ رَدَّهَا} [الأنبياء: 40] أو بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته {يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ} يتصدعون أي: يتفرقون ثم أشار إلى غناه عنهم.