فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أكد تزلزل الإنسان وتذبذبه وأنه بأدنى سبب يكفر بنعمة الله فقال: {ولئن أرسلنا ريحًا} ضارة باردة أو حارة {فرأوه} اي رأوا أثر الرحمة وهو النبات. ومن قرأ آثار فالضمير عائد إلى المعنى لأن آثار الرحمة النبات أيضًا واسم النبات يقع على القليل والكثير، وإنما قال: {مصفرًا} ولم يقل أصفر لأن تلك الصفرة حادثة. وقيل: فرأوا السحاب مصفرًا لأنه إذا كان كذلك لم يمطر. ثم زاد في تسلية رسوله بقوله: {فإنك لا تسمع الموتى} إلى قوله: {فهم مسلمون} وقد مر في آخر النمل. ثم أعاد من دلائل التوحيد دليلًا آخر من الأنفس وهو خلق الآدمي وذكر أحواله وأطواره وتقلبه من ضعف الطفولية إلى قوة الشباب والكهولة ومنها إلى ضعف الهرم. وفي قوله: {خلقكم من ضعف} إشارة إلى أن أساس أمر الإنسان الضعف كقوله: {خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] وقيل: من ضعف اي من نطفة.
وهذا الترديد في الأطوار المختلفة أظهر دليل على وجود الصانع العليم القدير. وقوله: {يخلق ما يشاء} كقوله في دليل الآفاق {فيبسطه في السماء كيف يشاء} [الروم: 48] والكل إشارة إلى بطلان القول بالطبيعة المستقلة. ثم عاد إلى ذكر المعاد وأحوال القيامة، وذكر أن الكفار يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث، وأن أهل العلم والإيمان وهم الملائكة والأنبياء وغيرهم حالهم بالعكس. وذلك أن الموعود بوعد إذا ضرب له أجل يستكثر الأجل ويريد تعجيله، والموعود بوعيد إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها. ومعنى {يؤفكون} يصرفون عن الصدق والتحقيق أي هكذا كان أمرهم في الدنيا مبينًا على الظن الكاذب وكانوا يصرون بمثله. ويحتمل أن يكونوا ناسين أو كاذبين. ومعنى في كتاب الله في اللوح والمحفوظ أو في علمه وقضائه، أو فيما كتب وأوجب. وفيه رد قول الكفار وإلاع لهم على مصدوقية الحال. قال جار الله: في الحديث «ما بين فناء الدنيا إلى وقت البعث أربعون» قالوا: لا نعلم أهي أربعون سنة أو أربعون الف سنة. وذلك وقت يفنون فيه وينقطع عذابهم. والفاء في قوله: {فهذا يوم البعث} جواب شرط يدل عليه الكلام كأنه قيل: إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث وبه تبين بطلان قولكم {ولكنكم كنتم لا تعلمون} أنه حق. ثم بين أن ذلك اليوم لا يقبل فيه عذر من أهل الشرك وسائر أنواع الظلم {ولا هم يستعتبون} أي لا يطلب منهم الرضا فلا يقال لهم ارضوا ربكم بتوبة وطاعة، وقد مر في النحل. ثم بين أن القرآن مشحون بقصص وأخبار كلها كالمثل في غرابتها وحسن مواقعها، وأن الرسول مهما جاءهم بدليل أنكروه لأن الذي اجترأ على العناد في دليل واحد، والأغلب أن يتجرأ على أمثاله وهذا نتيجة الطبع والخذلان، فلا علاج في مثل هذه القضية إلا بالصبر وتحمل أعباء الرسالة إلى إنجاز وعد الله بالنصرة وإعلاء الدين.
ومعنى {لا يستخفنك} لا يحملنك على الخفة والقلق قوم شاكون فأمثال هذه الأفعال والأقوال لا تستبعد من أهل الريب والضلال أمر أن لا يضجر ويشتغل بالدعاء إلى الحق حتى يأتي أوان النصر والظفر والله المستعان. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

قوله تعالى: {منيبين} أي: راجعين {إليه} تعالى فيما أمر به ونهى عنه حال من فاعل أقم، قال الزمخشريّ: فإن قلت: لم وحدّ الخطاب أوّلًا ثم جمع؟ قلت: خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلًا، وخطاب الرسول خطاب لأمّته مع ما فيه من التعظيم للإمام، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص {واتقوه} أي: خافوه فإنكم وإن عبدتموه فلا تأمنوا أن تزيغوا عن سبيله {وأقيموا الصلاة} أي: داوموا عليها وعلى أدائها في أوقاتها {ولا تكونوا من المشركين} أي: لا تكونوا ممن يدخل في عدادهم بمواددةٍ أو معاشرةٍ أو عملٍ تشابهونهم فيه، فإنه من تشبه بقوم فهو منهم، وهو عامّ في كل مشرك سواء كان بعبادة صنمٍ أونارٍ أو غير ذلك. وقوله تعالى.
{من الذين} بدل من المشركين بإعادة الجار {فرّقوا دينهم} أي: الذي هو الفطرة الأولى، فعبد كل قوم منهم شيئًا ودانوا دينًا غير دين مَن سواهم وهو معنى {وكانوا شيعًا} أي: فرقًا متخالفين كل واحدة منهم تتشايع من دان بدينها على من خالفهم حتى كفّر بعضهم بعضًا واستباحوا الدماء والأموال، فعلم قطعًا أنهم كلهم ليسوا على الحق، وقرأ حمزة والكسائي بألف بعد الفاء وتخفيف الراء، والباقون بغير ألف وتشديد الراء، فعلى القراءة الأولى فارقوا أي: تركوا دينهم الذي أمروا به. ولما كان هذا أمر يتعجب من وقوعه زاده عجبًا بقوله تعالى: استئنافًا {كل حزب} أي: منهم {بما لديهم} أي: عندهم {فرحون} أي: مسرورون ظنًا منهم أنهم صادفوا الحق وفازوا به دون غيرهم، ولما بين تعالى التوحيد بالدليل وبالمثل بين أنّ لهم حالة يعترفون بها وإن كانوا ينكرونها في وقت وهي حالة الشدّة بقوله تعالى:
أي: قحط وشدّة {دعوا ربهم} أي: الذي لم يشركه في الإحسان إليهم أحد {منيبين} أي: راجعين من جميع ضلالاتهم {إليه} أي: دون غيره علمًا منهم بأنه لا فرج لهم عند شيء غيره، قال الرازي: في اللوامع في أواخر العنكبوت: وهذا دليل على أنّ معرفة الرب في فطرة كل إنسان وأنهم إن غفلوا في السرّاء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضرّاء {ثم إذا أذاقهم منه رحمة} أي: خلاصًا من ذلك الضرّ {إذا فريق منهم بربهم} أي: المحسن إليهم دائمًا المجدّد لهم هذا الإحسان من هذا الضر {يشركون} أي: فاجأ فريق منهم الإشراك بربهم الذي عافاهم، فإذا الفجائية وقعت جواب الشرط؛ لأنها كالفاء في أنها للتعقيب، ولا تقع أوّل كلام، وقد تجامعها الفاء زائدة، فإن قيل: ما الحكمة في قوله هاهنا إذا فريق منهم وقال في العنكبوت {فلما نجاهم إلى البرّ إذا هم يشركون}.
ولم يقل فريق؟
أجيب: بأنّ المذكور هناك غير معين وهو ما يكون من هول البحر، والمتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل، والذي لا يشرك منهم بعد الخلاص فرقة منهم فهم في غاية القلة، فلم يجعل المشركين فريقًا لقلة مَنْ خرج من الشرك، وأمّا المذكور هاهنا الضرّ مطلقًا فيتناول ضرَ البحر والأمراض والأهوال، والمتخلص من أنواع الضرّ خلق كثير بل جميع الناس قد يكونون قد وقعوا في ضرّ ما فتخلصوا منه، والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركًا من جميع الأنواع إذا جمع فهم خلق عظيم وهو جميع المسلمين، فإنهم تخلصوا من ضرّ ولم يبقوا مشركين، وأمّا المسلمون فلم يتخلصوا من ضرّ البحر بأجمعهم، فلما كان الناجي من الضرّ المؤمن جمعًا كثيرًا سُمّي الباقي فريقًا. وقوله تعالى: {ليكفروا بما آتيناهم} يجوز أن تكون اللام فيه لام كي وأن تكون لام الأمر، ومعناه التهديد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد بقوله تعالى: {فتمتعوا فسوف تعلمون} عاقبة تمتعكم في الآخرة وفي هذا التفات من الغيبة.
{أم أنزلنا عليهم سلطانًا} أي: دليلًا واضحًا قاهرًا أو ذا سلطان أي: ملك معه برهان، فقوله تعالى: {فهو يتكلم} على الأوّل كلامًا مجازيًا وعلى الثاني كلامًا حقيقيًا، وعلى كلا الحالين هو جواب للاستفهام الذي تضمنته أم المنقطعة {بما} أي: بصحة ما {كانوا به يشركون} أي: فيأمرهم بالإشراك بحيث لا يجدوا بدًا من متابعته لتزول عنهم الملامة، وهذا الاستفهام بمعنى الإنكار أي: ما أنزلنا بما يقولون سلطانًا، قال ابن عباس: حجة وعذرًا، وقال قتادة: كتابًا يتكلم بما كانوا به يشركون أي: ينطق بشركهم، ولما بين تعالى حال المشرك الظاهر شركه بيّن تعالى حال المشرك الذي دونه وهو مَنْ تكون عبادته للدنيا بقوله تعالى: {وإذا} معبرًا بأداء التحقيق إشارة إلى أنّ الرحمة أكثر من النقمة، وأسند الفعل إليه في مقام العظمة إشارة إلى سعة جوده فقال: {أذقنا الناس رحمة} أي: نعمة من خصب وكثرة مطر وغنى ونحوه لا سبب لها إلا رحمتنا {فرحوا بها} أي: فرح بطر مطمئنين من زوالها ناسين شكر من أنعم بها، ولا ينبغي أن يكون العبد كذلك. فإن قيل: الفرح بالرحمة مأمور به قال تعالى: {بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} (يونس: 58) وههنا ذمّهم على الفرح بالرحمة؟
أجيب: بأنه هناك فرحوا برحمة الله من حيث أنها مضافة إلى الله وههنا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مثل فرحهم إذا كان من الله تعالى: {وإن تصبهم سيئة} أي: شدّة من جدب وقلة مطر وفقر ونحوه {بما قدّمت أيديهم} من السيئات {إذا هم يقنطون} أي: ييأسون من رحمة الله وهذا خلاف وصف المؤمنين فإنهم يشكرونه عند النعمة ويرجونه عند الشدّة، وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون بعد القاف، والباقون بالفتح.
{أو لم يروا} أي: يعلموا {أن الله يبسط الرزق} أي: يوسعه {لمن يشاء} امتحانًا {ويقدر} أي: يضيق لمن يشاء ابتلاء، وهذا شأنه دائمًا مع الشخص الواحد في أوقات متعاقبة متباعدة ومتقاربة ومع الأشخاص ولو في الوقت الواحد، فلو اعتبروا حال قبضه سبحانه لم يبطروا، ولو اعتبروا حال بسطه لم يقنطوا بل كان حالهم الصبر في البلاء، والشكر في الرخاء، والإقلاع عن السيئة التي نزل بسببها القضاء، ولما لم تغن عن أحد منهم في استجلاب الرزق قوّته وغزارة عقله ودقة مكره وكثرة حيله، ولا ضرّه ضعفه وقلة عقله وعجز حيلته وكان ذلك أمرًا عظيمًا ومنزعًا مع شدّة ظهوره وجلالته خفيًا دقيقًا قال بعضهم:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ** وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

أشار سبحانه إلى عظمته بقوله مؤكدًا لأنّ عملهم في شدّة اهتمامهم بالسعي في الدنيا عمل مَنْ يظنّ أنّ تحصيله إنما هو على قدر الاجتهاد في الأسباب {إن في ذلك} أي: الأمر العظيم من الإقتار في وقت والإغناء في آخر والتوسيع على شخص والتقتير على آخر، والأمن من زوال الحاضر من النعم مع تكرّر المشاهد للزوال في النفس والغير واليأس من حصولها عند المحنة مع كثرة وجدان الفرج وغير ذلك من أسرار آلائه {لآيات} أي: دلالات واضحات على الوحدانية لله تعالى وتمام العلم وكمال القدرة وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هو لكن {لقوم} أي: ذوي همم وكفاية القيام بما يحق لهم أن يقوموا به {يؤمنون} أي: يوجدون هذا الوصف ويديمون تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة بإدامة التأمّل والإمعان والتفكر والاعتماد في الرزق على من قال: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
أي: من طالب علم فيعان عليه، فلا يفرحون بالنعم إذا حصلت خوفًا من زوالها إذا أراد القادر ذلك، ولا يغتمون بها إذا زالت رجاء في إقبالها فضلًا من الرازق؛ لأنّ أفضل العبادة انتظار الفرج بل همهم بما عليهم من وظائف العبادة واجبها ومندوبها، ومعرضون عما سوى ذلك قد وكلوا أمر الرزق إلى من تولى أمره وفرغ من قسمه وقام بضمانه وهو القدير العليم، ولما أفهم ذلك عدم الاكتراث بالدنيا لأنّ الاكتراث بها لا يزيدها، والتهاون بها لا ينقصها قال تعالى مخاطبًا لأعظم المتأهلين لتنفيذ أوامره:
{فآت} يا خير الخلق {ذا القربى} أي: القرابة {حقه} أي: من البرّ والصلة؛ لأنه أحق الناس بالبر وصلة الرحم جودًا وكرمًا {والمسكين} سواء كان ذا قرابة أم لا {وابن السبيل} وهو المسافر كذلك من الصدقة، وأمّة النبيّ صلى الله عليه وسلم تبع له في ذلك.
تنبيه:
عدم ذكر بقية الأصناف يدلّ على أنّ ذلك في صدقة التطوّع، ودخل الفقير من باب أولى لأنه أسوأ حالًا من المسكين، فإن قيل: كيف تعلق قوله تعالى: {فآت ذا القربى حقه} بما قبله حتى جيء بالفاء؟
أجيب: بأنه لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك، وقد احتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب، وعند الشافعي رضي الله عنه لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين. قاس سائر القرابة على ابن العمّ؛ لأنه لا ولادة بينهم، ولما أمر بالإيثار رغب فيه بقوله تعالى: {ذلك} أي: الإيثار العالي الرتبة {خير للذين يريدون وجه الله} أي: ذاته أو جهته وجانبه أي: يقصدون بمعروفهم إياه خالصًا لوجهه كقوله تعالى: {إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى} أي: يقصدون جهة التقرّب إلى الله تعالى لا جهة أخرى، والمعنيان متقاربان ولكن الطريقة مختلفة {وأولئك} أي: العالو الرتبة لغناهم عن كل فان {هم المفلحون} أي: الفائزون الذين لا يشوب فلاحهم شيء، وأمّا غيرهم فخائب: أمّا من لم ينفق فواضح، وأما من أنفق على وجه الرياء فقد خسر ماله وأبقى عليه وباله كما قال تعالى: {وما آتيتم من ربوا} أي: مال على وجه الربا المحرّم بزيادة في المعاملة أو المكروه بعطية يتوقع بها مزيد مكافأة، وكان هذا مما حرم على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}.
أي: لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيته تشريفًا له، وكره لعامّة الناس فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة فالربا ربوان: فالحرام: كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه أو يجرّ منفعة، والذي ليس بحرام أن يستدعي بهديته أو بهبته أكثر منها، وقرأ ابن كثير بقصر الهمزة بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا، والباقون بمدّها {ليربو} أي: يزيد ويكثر ذلك {في أموال الناس} أي: يحصل فيه زيادة تكون أموال الناس ظرفًا لها فهو كناية عن أنّ الزيادة التي يأخذها المرابي من أموالهم لا يملكها أصلًا، وقرأ نافع بتاء الخطاب بعد اللام مضمومة وسكون الواو، والباقون بالياء التحتية مفتوحة وفتح الواو {فلا يربو} أي: يزكو وينمو فلا ثواب فيه {عند الله} أي: الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وصفات الكمال، وكل ما لا يربو عند الله فهو ممحوق لا وجود له فمآله إلى فناء وإن كثر {يمحق الله الربوا ويربى الصدقات}.
ولما ذكر ما زيادته نقص أتبعه ما نقصه زيادة بقوله: {وما آتيتم} أي: أعطيتم {من زكاة} أي: صدقة، وعبر عنها بذلك ليفيد الطهارة والزيادة أي: تطهرون بها أموالكم من الشبه، وأبدانكم من موادّ الخبث، وأخلاقكم من الغلّ والدنس، ولما كان الإخلاص عزيزًا أشار إلى عظمته بتكريره بقوله عز وجل: {تريدون} أي: بها {وجه الله} أي: عظمة الملك الأعلى، فيعرفون من حقه ما يتلاشى عندهم كل ما سواه فيخلصون له {فأولئك هم المضعفون} أي: ذوو الإضعاف الذين ضاعفوا أموالهم في الدنيا بسبب ذلك بالحفظ والبركة، وفي الآخرة بكثرة الثواب عند الله من عشر أمثال إلى ما لا حصر له.
ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوّة واليسار، ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله ولا تخير إلا فيما يختاره الله بين تعالى ذلك بطريق لا أوضح منه بقوله تعالى: {الله} أي: بعظيم جلاله لا غيره {الذي خلقكم} أي: أوجدكم على ما أنتم عليه من التقدير لا تملكون شيئًا {ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم} أي: ممن أشركتم بالله {من يفعل من ذلكم} مشيرًا إلى علوّ رتبته بأداة البعد وخطاب الكل، ولما كان الاستفهام الإنكاريّ التوبيخي في معنى النفي قال مؤكدًا له مستغرقًا لكل ما يمكن منه ولو قلّ جدًّا: {من شيء} أي: يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه، ولما لزمهم قطعًا أن يقولوا: لا وعزتك ما لهم ولا لأحد منهم فعل شيء من ذلك، قال تعالى معرضًا عنهم منزهًا لنفسه الشريفة: {سبحانه} أي: تنزه تنزهًا لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجًا إلى شريك {وتعالى} أي: علوًّا لا تصل إليه العقول {عما يشركون} في أن يفعلوا شيئًا من ذلك.