فصل: قال الأخفش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الأخفش:

سورة لقمان:
{هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسنينَ}.
قال: {هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسنينَ} لأن قوله: {الم تلْكَ آيَاتُ الْكتَاب الْحَكيم} (2) معرفة فهذا خبر المعرفة.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ أَن اشْكُرْ للَّه وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسه وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنيٌّ حَميدٌ}.
وقال: {أَن اشْكُرْ للَّه} وهي بأَن اشْكُر اللهَ.
{وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بوَالدَيْه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفصَالُهُ في عَامَيْن أَن اشْكُرْ لي وَلوَالدَيْكَ إلَيَّ الْمَصيرُ}.
وقال: {وَفصَالُهُ في عَامَيْن} أيْ في انقضاء عامين ولم يذكر الانقضاء كما قال: {وَسْئَل الْقَرْيَةَ} يعني أَهْلَ القرية.
{يا بُنَيَّ إنَّهَآ إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السَّمَاوَات أَوْ في الأَرْض يَأْت بهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ}.
وقال: {إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ} بلغت أي: إنْ تَكُنْ خَطيئَةٌ مثْقالَ حَبَّةٍ ورفع بعضُهم فجعلها كانَ الذي لا يحتاج إلى خبر كأنه بلغ مثقالُ حَبَّةٍ.
وقال: {إنَّهَآ إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} يقول إنْ تَكُنْ المَعْصيةُ مثقالَ حَبَّةٍ من خَرْدل.
{وَإذَا قيلَ لَهُمُ اتَّبعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْه آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إلَى عَذَاب السَّعير}.
وقال: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} هنا ألف استفهام ادخلها على واو العطف.
{وَلَوْ أَنَّمَا في الأَرْض من شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ من بَعْده سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفدَتْ كَلمَاتُ اللَّه إنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ}.
وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا في الأَرْض من شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} رفع على الابتداء ونصب على القطع. ورفع الاقلام على خبر أَنَّ.
{إنَّ اللَّهَ عندَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَام وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبيرٌ}.
وقال: {وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ} وقد تقول: أَيُّ امْرَأَةٍ جاءَتْكَ وأَيَّةُ امْرَأَةٍ جاءَتْكَ. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة لقمان:
6- {وَمنَ النَّاس مَنْ يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث} نزلت في النّضر بن الحارث، وكان يشتري كتبا فيها أخبار الأعاجم، ويحدث بها أهل مكة، ويقول: محمد حدثكم أحاديث عاد وثمود، وانا أحدثكم أحاديث فارس والرّوم وملوك الحيرة.
14- {وَهْنًا عَلى وَهْنٍ} أي ضعفا على ضعف، فصالُهُ: فطامه.
16- {يَأْت بهَا اللَّهُ} أي يظهرها اللّه، ولا تخف عليه.
18- {وَلا تُصَعّرْ خَدَّكَ للنَّاس} أي تعرض بوجهك وتتكبر.
والأصعر من الرجال: العرض بوجهه كبرا.
19- {إنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوات} أي أقبحها. عرّفه قبح رفع الصوت في المخاطبة وفي الملاحاة، بقبح أصوات الحمير: لأنها عالية.
32- {وَإذا غَشيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَل} جمع ظلة. يريد: أنّ بعضه فوق بعض، فله سواد من كثرته. والبحر ذو ظلال لأمواجه. قال الجعديّ:
يعارضهن أخضر ذو ظلال ** على حافاته فلق الدّنان

يعني: البحر والختّار: الغدّار. والختر: أقبح الغدر، وأشدّه.
33- {لا يَجْزي والدٌ عَنْ وَلَده} أي لا يغني عنه. ولا ينفعه، الْغَرُورُ: الشيطان، والغرور بضم الغين: الباطل. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة لقمان:
6 {لَهْوَ الْحَديث} الغناء. نزلت في قرشي اشترى مغنية.
وقيل: الأسمار الكسروية اشتراها النّضر بن الحارث المقتول في أسرى بدر.
12 {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحكْمَةَ} قال طاوس: الْحكْمَةَ: العقل، فقال له مجاهد: ما العقل؟ قال: يؤتيها من يطيع اللّه، وإن كان أسود اللّون، منتن الريح، قبيح المنظر، صغير الخطر.
14 {وَهْنًا عَلى وَهْنٍ} نطفة وجنينا. أو ضعف الحمل على ضعف الأنوثة.
{أَن اشْكُرْ لي وَلوالدَيْكَ} اشكر لي حق النعمة، ولهما حق التربية.
15 {وَإنْ جاهَداكَ} جهدا في قبولك الشرك وجهدت في الامتناع، وسئل الحسن: أرأيت إن قالا له: لا تصل في المسجد. قال: فليطعهما، فإنّما يأمرانه به شفقة أن يصيبه شيء.
16 {إنَّها إنْ تَكُ} الهاء كناية عن الخطيئة، أو عائدة إلى الحسنة.
ويجوز رفع مثْقالَ مع هذا التأنيث لأنّ مثْقالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ: معناه خردلة. والمثقال مقدار يوازن غيره ف {مثقال حبة} مقدار وزنها، وقد كثر المثقال على مقدار الدينار، فإذا قيل: مثقال كافور فمعناه: مقدار الدينار الوازن، وعلى هذا قول أبي حنيفة في استثناء المقدر من المقدور وإن لم يكن جنسا.
18 {وَلا تُصَعّرْ خَدَّكَ} لا تكثر إمالته كبرا وإعراضا.
{ولا تصاعر} لا تلزم خدك الصّعر.
19 {لَصَوْتُ الْحَمير} إذ أوّله زفير وآخره شهيق.
28 {كَنَفْسٍ واحدَةٍ} كخلق نفس واحد.
27 {وَالْبَحْرُ} بالرفع على الابتداء، والخبر {يَمُدُّهُ} وحسن الابتداء في أثناء الكلام لأنّ قوله: {وَلَوْ أَنَّ ما في الْأَرْض} قد فرغ فيها أن من عملها.
وقيل: واو {وَالْبَحْرُ} واو حال وليس للعطف، أي: والبحر هذه حاله.
31 {لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} كل معتبر مفكّر في الخلق.
32 {مَوْجٌ كَالظُّلَل} في ارتفاعه وتغطيته ما تحته.
{فَمنْهُمْ مُقْتَصدٌ} عدل وفيّ بما عاهد اللّه عليه في البحر.
{كُلُّ خَتَّارٍ} غدّار، وختره الشراب: أفسد مزاجه. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة لقمان:
عدد 7- 57- 31.
نزلت بمكة بعد الصافات عدا الآيات 27، 28، 29 فإنهن نزلن بالمدينة وهي أربع وثلاثون آية، وخمسمائة وثمان وأربعون كلمة وألفان ومئة وعشرة أحرف.
بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم.
قال تعالى: {الم} 1 تقدم ما فيه قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه إن للّه في كل كتاب سرا وسر القرآن في أوائل السور، ونقل عن علي كرم اللّه وجهه أنه كان يقول يا كهيعص يا حمعسق كأنه بعدها من أسماء اللّه واللّه أعلم بما فيه.
وفيه من مفاتح أسماء اللّه الحسنى اللّه العادل المنتقم راجع أول سورة يونس المارة وما ترشدك إليه {تلْكَ} الآيات المنزلة عليك يا أكرم الرسل هي {آياتُ الْكتاب الْحَكيم} 2 المثبت فيه كل ما كان وسيكون بأنه كائن بمقتضى الحكمة البالغة التي لا تنخرم وقد أنزلنا عليك يا سيد الرسل هذه الآيات لتكون {هُدىً وَرَحْمَةً للْمُحْسنينَ} 3 الذين يعملون الحسنات لأنفسهم ولغيرهم الموصوفين بقوله عزّ قوله: {الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بالْآخرَة هُمْ يُوقنُونَ} 4 بأنها حق واقع لا محالة بلا شك ولا ريب {أُولئكَ} المتصفون في هذه الصفات كائنون {عَلى هُدىً منْ رَبّهمْ} بطرق الصواب السداد {وَأُولئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ} 5 الفائزون بكل مطلوب الناجحون بمقاصدهم الناجون من كل سوء الظافرون بآمالهم وما يبتغونه من الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمنَ النَّاس مَنْ يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث} بأن يستبدل الزّمر والغناء والمعازف وشبهها بكلام اللّه تعالى ويختارها عليه وذلك أن البيع معاوضة شيء بشيء فهو استبدال معنى عبّر عنه بالشراء {ليُضلَّ} الناس بغير علم ولا هدى {عَنْ سَبيل اللَّه} العدل السوي أي انه ما شرى ذلك إلا ليصد الناس عن دين اللّه الذي هو الطريق المستقيم والأمر القويم {وَيَتَّخذَها} تلك الطريقة الحقة {هُزُوًا} يسخر بها ويحمل الناس على الاستهزاء بها {أُولئكَ} الذين هذه حالتهم {لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ} 6 عند اللّه يذلهم به ويخزيهم {وَإذا تُتْلى عَلَيْه} الذي هذا شأنه {آياتُنا} المنزلة على رسولنا ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويزجر الذين يضلون أنفسهم وغيرهم بها {وَلَّى} أدبر بظهره معرضا عنها و{مُسْتَكْبرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها} لأنه لم يلتفت إليها بقلبه ولا بقالبه {كَأَنَّ في أُذُنَيْه وَقْرًا} ثقلا يمنعه عن السمع ولا وقر بها {فَبَشّرْهُ} يا سيد الرسل على طريق التهكم إذ وضع بشره بدل أنذره وخوفه {بعَذابٍ أَليمٍ} 7 في الدنيا والآخرة.

.مطلب تحريم الغناء وبيع الغانيات ورواسي الأرض:

نزلت هذه الآية بالنضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر في الحيرة فيأتي بأخبار العجم، قيل إنه جاء بأخبار كليلة ودمنة معربة وهي معروفة إلى الحجاز وصار يحدث بها قريشا ويقول لهم إن محمدا يحدثكم عن عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة، ويشتري لهم القينات والمغنيين ويجمعهم إليه صباح مساء ليسمعهم تلك الأساطير والغناء من القيّنات والزمر والمعازف من المغنين لئلا يجتمعوا إلى محمد ويسمعوا كلام اللّه، ومن هذا يعلم كثافة جهله لأن محمدا صلّى اللّه عليه وسلم يأتيهم بشيء قديم لا يعلمه العرب ولا العجم ولا آباؤهم من المغيبات والأحكام والقصص والأخبار والأمثال والحدود مما لم يكن في قرنهم الذين هم فيه ولا الذي قبله، أما أخبار الأكاسرة وما في كليلة ودمنة فهي أمور واقعة في قرنهم وزمنهم وأخبارها متناقلة فيما بينهم غير خافية على آبائهم الموجودين معهم ومثل هذا لا يعد غيبا ولا معجزا ولا يصح أن يتحدى به لأن كثيرا منهم من يحسن نظم مثله بخلاف آيات اللّه التي هي من الغيب ولا يقدر أحد أن يأتي بمثلها لأنها مما يعجز عنه البشر، روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا يحل تعليم المغنيات الغناء ولا بيعهن ليغنين وأثمانهن حرام وفي مثل هذا نزلت {وَمنَ النَّاس} الآية وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه تعالى له شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت- أخرجه الترمذي- ولفظه عن أبي أمامة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: لا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا خير في تجارتهن وثمنهن حرام وفي مثل هذا نزلت {وَمنَ النَّاس} الآية. إلخ.
وجاء عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من استمع إلى قينة صبّ في آذانه الآنك الرصاص المذاب يوم القيامة.
ولا شك أن الغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب وكلما أشغل عن ذكر اللّه تعالى فهو لهو ولغو واللّه تعالى يقول: {وَالَّذينَ هُمْ عَن اللَّغْو مُعْرضُونَ} الآية 3 من سورة المؤمنين الآتية، وقال تعالى: {وَإذا مَرُّوا باللَّغْو مَرُّوا كرامًا} الآية 32 من الفرقان المارة في ج 1، وفي مدح اللّه تعالى الذين يعرضون عن اللغو ذم للذين يتوغلون به، هذا وأن الأحاديث كالأساطير والأضاحيك من كل ما لا يعتد به ولا خير فيه من الكلام ويستعمل في قليل الكلام وكثيره لأنه يحدث شيئا فشيئا محشوّ بالكذب فسماعها من اللغو المنهي عنه شرعا والنضر المذكور قتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بعد واقعة بدر، وقد عرف من مغزى هذه الآية ومعنى الأحاديث المارة ذم الغناء صراحة وقد تضافرت الآثار وكلم العلماء والأخيار على ذمه سواء كان برفع الصوت أو خفضه في كل مكان وزمان، أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال:
إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه الشيطان فقال تغنّه، وإن كان لا يحسن قال تمنّه، وذلك ليشغله عن ذكر اللّه تعالى.
وأخرجا أيضا عن الشعبي قال عن القاسم بن محمد إنه إذا سئل عن الغناء قال للسائل أنهاك عنه وأكرهه لك، فقال السائل أحرام هو؟ قال انظر يا ابن أخي إذا ميز اللّه تعالى الحق من الباطل في أيهما يجعل سبحانه الغناء، يريد أنه يجعله في الباطل إذ ليس بحق ليكون مع الحق، وما بعد الحق إلا الضلال، ويكفي في ذمه أنه من الشيطان كما مر في الحديث السابق من أن الشيطان يوسوس له فيه، حتى انه إذا عرف أنه لا يحسنه وسوس له بالتمني لما يخطره بباله، فالغناء من أهواء النفس، والتمني رأسمال المفلس.
وأخرجا عنه أيضا قال: لعن اللّه تعالى المغني والمغني له.
وجاء في السنن عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الغناء ينبت النّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
وقال يزيد بن الوليد الناقص: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وانه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل المسكر فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزناء وإنما سمي ناقصا مع أنه أعدل ملوك بني أمية عدا عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه لأنه يعد من جملة الخلفاء الراشدين لنقصه أعطية الجند ويسمى عمر الأشج لشجة فيه، ولذا يقال أعدل ملوك الأمويين الأشج والناقص.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: إن اللّه تعالى حرم القيناء وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها ثم قرأت الآية المارة.
الحكم الشرعي: قال القاضي أبو الطيب والقاضي عياض والقرطبي والماوردي نقلا عن الإمام أبي حنيفة إنه حرام، وقال في التتارخانية إن التغنّي حرام في جميع الأديان، وذكر في الزيادات أن الوصية للمغنين والمغنيات مما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب، وعده صاحبا الهداية والذخيرة من الكبائر، ويستثنى منه التغني بالأعياد والأعراس ومن يغني لنفسه لدفع الوحشة وما كان فيه وعظ وحكمة، ويدخل فيه ما يفعله بعض أهل الطرائق بحضور الولدان المرد والنساء وهو أشد حرمة، لأن الذي يراه من مثلهم يظن جوازه من قبل المشايخ الذين أسسوا هذه الطرق وحاشاهم من ذلك وإنما يجوزون ما كان للّه وفي اللّه وإلى اللّه من القصائد والأشعار المملوءة نصحا وزجرا عن المناهي والملاهي وترغيبا للتوغل بذكر اللّه ومحبة أحبابه وفعل الخير من مجالسهم المباركة، أما غير هذا فهو دخيل عليهم من ذوي الأهواء الفاسدة ولهذا قال مالك رضي اللّه عنه إنما يفعله أي الغناء المؤدي للهو واللغو وغيره عندنا الفساق، ومن أخذ جارية وظهرت مغنية فله ردّها بالعيب وأجمعت الحنابلة على تحريم الغناء.
والقول الوسط:
إذا لم يكن في الغناء مفسدة كشرب الخمر والنظر إلى الأجنبية والمرد وقول الزور ومما يرغب إلى الشهوات الدنيئة فهو مباح، وعلى كل حال تركه أولى لأنه يشغل عن ذكر اللّه في الدنيا ويكون في الآخرة مع الباطل في وزن الأعمال.
قال تعالى: {إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات} زيادة على إيمانهم في الدنيا {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعيم} 8 في الآخرة جزاء أعمالهم الحسنة {خالدينَ فيها وَعْدَ اللَّه حَقًّا} وهو لا يخلف وعده {وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ} 9 الذين يهين أعداءه بغلبته القاهرة ويعزّ أولياءه بحكمته البالغة وهو {الذي خَلَقَ السَّماوات بغَيْر عَمَدٍ} في هذه الجملة قولان صحيحان فمن قال إنه لا عمد لها البتة وقف على قوله: {عَمَدٍ}، ومن قال إن لها عمدا غير مرئية وقف على قوله: {تَرَوْنَها} أي إن لها عمد عظيمة ولكنكم لا ترونها أو هي بلا عمد كما ترونها وكل بليغ في القدرة والآية محتملة للوجهين واللّه قادر على الأمرين لا يعجزه شيء، وجيء بهذه الآية كالاستشهاد على عظيم قدرته وكمال عزته وبليغ حكمته التي هي ملاك العلم وإتقان العمل وتمهيد قاعدة التوحيد وتقريره وإبطال مادة الشرك وتبكيت أهله {وَأَلْقى في الْأَرْض رَواسيَ} جبالا شامخات ثوابت {أَنْ تَميدَ بكُمْ} لئلا تتحرك وتضطرب بكم أيها الناس فجعلها ساكنة فيما ترون من نعم اللّه عليكم ومن تمام النفع بها لأنها لو خلت من هذه الثوابت لمادت بالمياه المحيطة بها الغامرة لأكثرها وبالرياح العواصف التي تقتضي الحكمة هبوبها وهذا مبني على كونها كروية كما ذهب إليه الغزالي وأكثر الفلاسفة، وإلا فلو كانت بسيطة لما أثرت فيها الرياح والمياه على فرض عدم وجود الرواسي.
هذا ولا دلالة في الآية على انحصار حكمة اللّه بإلقاء الرواسي فيها لسلامتها من الميد بل إن لذلك حكما أخرى لا نعرفها وكذا لا دلالة فيها على عدم حركتها على الاستدارة دائما كما ذهب إليه أصحاب فيثاغورس وغيره وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 19 من سورة الحجر المارة.
واعلم أن هذه الآية الكريمة تشير إلى ما عبر عنه الجغرافيون بالقشرة الباردة أيضا لأن الرواسي هي الصخور الجامدة في أديم الأرض فانظر رعاك اللّه هل كان في زمن نزول القرآن على حضرة الرسول الأعظم من يعرف أو يعلم أن الأرض كانت مائرة ثم برد ظهرها فتكونت قشرتها، كلا ثم كلا، ولكنه من غيب اللّه تعالى أجراه بواسطة أمينه جبريل عليه السلام على لسان محمد رسوله صلّى اللّه عليه وسلم راجع الآية 27 من سورة الحجر المارة أيضا.
واعلم أن الأفرنج لم يتوسعوا في معلوماتهم هذه إلا بعد نزول القرآن لأنهم يعرفونه من عند اللّه وأن ما فيه حق وصدق لذلك تدبروا فيما لا تسعه عقول الآخرين وتفكروا فيما تبحّ فيه أقوالهم وتعجز عنه أفعالهم وأعمالهم هذه التي صار الآن يضرب بها وبمعلوماتهم وموضوعاتهم الأمثال فيما هو من أمور الدنيا ولوازمها ونحن تقهقرنا عن ذلك ولا حول ولا قوة إلا باللّه، قال تعالى: {وَبَثَّ فيها منْ كُلّ دابَّةٍ} من جميع انواع الدواب والدابة تطلق على ما دبّ على وجه الأرض وفي بطون المياه من إنسان وحيوان وطير وحوت ووحش وحشرات وغيرها {وَأَنْزَلْنا منَ السَّماء ماءً} على تلك الأرض {فَأَنْبَتْنا فيها منْ كُلّ زَوْجٍ} وصنف {كَريمٍ} حسن كثير النفع {هذا} الذي تشاهدونه أيها الناس وما قص عليكم من المخلوقات كلها {خَلْقُ اللَّه} الذي يدعوكم لعبادته رسولكم محمد بن عبد اللّه أسوة بمن تقدمه من الرسل الكرام {فَأَرُوني ما ذا خَلَقَ الَّذينَ منْ دُونه} من شركائكم الذين هم في غاية السفالة وأنتم تعبدونها وتتخذونها آلهة فإنها لم تخلق أو ترزق شيئا {بَل الظَّالمُونَ} عاجزون عن جواب الحق لا يعترفون لنا بذلك لأنهم عن معرفتنا {في ضَلالٍ مُبينٍ} ظاهر يمنعهم من الاعتراف بنا لا يستطيعون إخفاءه.