فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الم (1) تلْكَ آيَاتُ الْكتَاب الْحَكيم (2)}.
وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر ما قبلها هو أن الله تعالى لما قال: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرءان من كُلّ مَثَلٍ} [الروم: 58] إشارة إلى كونه معجزة وقال: {وَلَئن جئْتَهُمْ بئَايَةٍ} [الروم: 58] إشارة إلى أنهم يكفرون بالآيات بين ذلك بقوله: {الم تلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} ولم يؤمنوا بها، وإلى هذا أشار بعد هذا بقوله: {وَإذَا تتلى عَلَيْه ءاياتنا ولى مُسْتَكْبرًا} [لقمان: 7].
{هُدًى وَرَحْمَةً للْمُحْسنينَ (3)}.
فقوله: {هُدًى} أي بيانًا وفرقانًا، وأما التفسير فمثل تفسير قوله تعالى: {الم ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فيه هُدًى} [البقرة: 1 و2] وكما قيل هناك إن المعنى بذلك هذا، كذلك قيل بأن المراد بتلك هذه، ويمكن أن يقال كما قلنا هناك إن تلك إشارة إلى الغائب معناها آيات القرآن آيات الكتاب الحكيم وعند إنزال هذه الآيات التي نزلت مع {الم تلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} لم تكن جميع الآيات نزلت فقال تلك إشارة إلى الكل أي آيات القرآن تلك آيات، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال في سورة البقرة {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] ولم يقل الحكيم، وههنا قال: {الحكيم} [لقمان: 2] فلما زاد ذكر وصف الكتاب زاد ذكر أمر في أحواله فقال: {هُدًى وَرَحْمَةً} وقال هناك {هُدًى لّلْمُتَّقينَ} [البقرة: 2] فقوله: {هُدًى} في مقابلة قوله: {الكتاب} وقوله: {وَرَحْمَةً} في مقابلة قوله: {الحكيم} ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذي الحكم كقوله تعالى: {فى عيشَةٍ رَّاضيَةٍ} [الحاقة: 21] أي ذات رضا.
المسألة الثانية:
قال هناك {لّلْمُتَّقينَ} وقال هاهنا {لّلْمُحْسنينَ} لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئًا آخر قال: {لّلْمُتَّقينَ} أي يهتدي به من يتقي الشرك والعناد والتعصب، وينظر فيه من غير عناد، ولما زاد هاهنا رحمة قال: {لّلْمُحْسنينَ} أي المتقين الشرك والعناد الآتين بكلمة الإحسان فالمحسن هو الآتي بالإيمان والمتقي هو التارك للكفر، كما قال تعالى: {إنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسنُونَ} [النحل: 128] ومن جانب الكفر كان متقيًا وله الجنة، ومن أتى بحقيقة الإيمان كان محسنًا وله الزيادة لقوله تعالى: {لّلَّذينَ أَحْسَنُوا الحسنى وَزيَادَةٌ} [يونس: 26] ولأنه لما ذكر أنه رحمة قال: {لّلْمُحْسنينَ} لأن رحمة الله قريب من المحسنين.
المسألة الثالثة:
قال هناك {الذين يُؤْمنُونَ بالغيب وَيُقيمُونَ الصلاة} [البقرة: 3] وقال هاهنا {الذين يُقيمُونَ الصلاة} ولم يقل يؤمنون لما بينا أن المتقي هو التارك للكفر ويلزمه أن يكون مؤمنًا والمحسن هو الآتي بحق الإيمان، ويلزمه أن لا يكون كافرًا، فلما كان المتقي دالًا على المؤمن في الالتزام صرح بالإيمان هناك تبيينًا ولما كان المحسن دالًا على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان وقوله تعالى: {الذين يُقيمُونَ الصلاة} قد ذكرنا ما في الصلاة وإقامتها مرارًا وما في الزكاة والقيام بها، وذكرنا في تفسير الأنفال في أوائلها أن الصلاة ترك التشبه بالسيد فإنها عبادة صورة وحقيقة والله تعالى تجب له العبادة ولا تجوز عليه العبادة، وترك التشبه لازم على العبد أيضًا في أمور فلا يجلس عند جلوسه ولا يتكىء عند اتكائه، والزكاة تشبه بالسيد فإنها دفع حاجة الغير والله دافع الحاجات، والتشبه لازم على العبد أيضًا في أمور، كما أن عبد العالم لا يتلبس بلباس الأجناد، وعبد الجندي لا يتلبس بلباس الزهاد، وبهما تتم العبودية. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {الم تلْكَ ءَايَاتُ الْكتَاب الْحَكيم} فيه أربعة أوجه:
أحدها: المحكم أَحكمت آياته بالحلال والحرام والأحكام. قاله يحيى بن سلام.
الثاني: المتقن لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو قريب من المعنى الأول، قاله ابن شجرة.
الثالث: البين أنه من عند الله، قاله الضحاك.
الرابع: أنه يظهر من الحكمة بنفسه كما يظهره الحكيم بقوله، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى: {هُدًى} فيه وجهان:
أحدهما: هدى من الضلالة، قاله الشعبي.
الثاني: هدى إلى الجنة، قاله يحيى بن آدم.
{وَرَحْمَةً} فيه وجهان:
أحدهما: أن القرآن رحمة من العذاب لما في من الزجر عن استحقاقه وهو وجهان:
أحدهما: أنه خرج مخرج النعت بأنه هدى ورحمة.
الثاني: أنه خرج مخرج المدح بأن فيه هدى ورحمة.
{للْمُحْسنينَ} وفي الإحسان ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الإيمان الذي يحسن به إلى نفسه، قاله ابن شجرة.
الثاني: أنه الصلة والصلاة، قاله الحسن.
الثالث: ما روى عمر بن الخطاب قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: «أن تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإن لَّمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ. وَتُحبَّ للنَّاس مَا تُحبُ لنَفْسكَ» قال: فإذا فعلت ذلك فأنا محسن؟ قال: «نعم» قال الرجل: صدقت. ثم انطلق الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيَّ بالرَّجُل» فطلبناه فلم نقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ ذَلكَ جبْريلُ عَلَيه السَّلاَمُ أَرَادَ أَنْ يُعَلّمَكُم أَمُورَ دينكُم».
قوله تعالى: {أُوْلَئكَ عَلَى هُدًى من رَّبّهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على نور من ربهم، قاله ابن عباس.
الثاني: على بينة، قاله ابن جبير.
الثالث: على بيان، قاله يحيى بن سلام.
{وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بمعنى السعداء، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: المنجحون، قاله ابن شجرة.
الثالث: الناجحون، قاله النقاش.
الرابع: أنهم الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا، قاله ابن عباس. اهـ.

.قال ابن عطية:

{الم (1) تلْكَ آيَاتُ الْكتَاب الْحَكيم (2) هُدًى وَرَحْمَةً للْمُحْسنينَ (3)}.
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور وفي ترتيب {تلك} مع كل قول منها، و{الحكيم} يصح أن يكون من الحكمة ويصح أن يكون من الحكم، وقرأ جمهور القراء {هدى ورحمةً} بالنصب على الحال من المبهم، ولا يصح أن تكون من {الكتاب} لأنه مضاف إليه، وقرأ حمزة والكسائي {هدى ورحمةٌ} بالرفع على تقدير هو هدى، وخصصه {للمحسنين} من حيث لهم نفعه وهم نظروه بعين الحقيقة وإلا فهو هدى في نفسه، وفي قراءة ابن مسعود {هدى وبشرى للمؤمنين}، ثم وصف تعالى المحسنين بأنهم الذين عندهم اليقين بالبعث وبكل ما جاء به الرسول، وعندهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ومن صفتهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» الحديث. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الم تلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم}.
مضى الكلام في فواتح السُّوَر و{تلْكَ} في موضع رفع على إضمار مبتدأ، أي هذه تلك.
ويقال: تيكَ آياتُ الْكتَاب الْحَكيم بدلًا من تلك.
والكتاب: القرآن.
والحكيم: المحكم؛ أي لا خلل فيه ولا تناقض.
وقيل ذو الحكمة وقيل الحاكم {هُدًى وَرَحْمَةً} بالنصب على الحال؛ مثل: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: 73] وهذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم والكسائي.
وقرأ حمزة: {هُدًى وَرَحْمَةٌ} بالرفع، وهو من وجهين: أحدهما: على إضمار مبتدأ؛ لأنه أوّل آية.
والآخر: أن يكون خبر {تلْكَ}.
والمحسن: الذي يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
وقيل: هم المحسنون في الدّين وهو الإسلام؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دينًا ممَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} [النساء: 125] الآية.
{الذين يُقيمُونَ الصلاة} في موضع الصفة، ويجوز الرفع على القطع بمعنى: هم الذين، والنصب بإضمار أعني.
وقد مضى الكلام في هذه الآية والتي بعدها في البقرة وغيرها. اهـ.

.قال أبو السعود:

سورة لقمان مكية وقيل {إلا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} فإن وجوبهما في المدينة وهو ضعيف لأنه ينافى شرعيتهما بمكة وقيل إلا ثلاثًا من قوله: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} وهى أربع وثلاثون آية.
{الم تلْكَ ءايات الكتاب} سلفَ بيانُه في نظائره {الحكيم} أي ذي الحكمة لاشتماله عليها أو هو وصفٌ له بنعته تعالى أو أصلُه الحكيمُ منزلُه أو قائلُه فخُذفَ المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامَه فانقلبَ مرفُوعًا فاستكنَّ في الصّفة المُشبَّهة. وقيل الحكيمُ فعيلٌ بمعنى مُفْعَلٍ كما قالُوا أعقدتُ اللَّبنَ فهو عَقيدٌ أي مُعْقَدٌ وهو قليلٌ وقيلَ بمعنى فاعلٍ {هُدًى وَرَحْمَةً} بالنَّصب على الحاليَّة من الآياتٍ والعاملُ فيهما معنى الإشارة. وقُرئا بالرَّفع على أنَّهما خبران آخران لاسم الإشارة أو لمبتدأ محذوف {لّلْمُحْسنينَ} أي العاملين للحسنات فإن أريد بها مشاهيرُها المعهودةُ في الدّين فقولُه تعالى: {الذين يُقيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقنُونَ} بيانٌ لما عملوها من الحسنات على طريقة قوله:
الأَلْمعيُّ الَّذي يَظُنُّ بكَ الظَّن ** كَأَنْ قَد رَأَى وقَدْ سَمعا

وإنْ أُريد بها جميعُ الحسنات فهو تخصيصٌ لهذه الثلاث بالذكر من بين سائر شُعبها لإظهار فضلها وإنافتها على غيرها، وتخصيصُ الوجه الأول بصورة كون الموصول صفةً للمحسنين والوجه الآخير بصورة كونه مبتدًا مما لا وجَه له. {أولئك على هُدًى مّن رَّبّهمْ وأولئك هُمُ المفلحون} الفائزون بكلّ مطلوبٍ والنَّاجُون من كلّ مهروبٍ لحيازتهم قُطريْ العلم والعمل وقد مرَّ فيه من المقال في مطلع سورة البقرة بما لا مزيدَ عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{الم تلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} أي ذي الحكمة، ووصف الكتاب بذلك عند بعض المغاربة مجاز لأن الوصف بذلك للتملك وهو لا يملك الحكمة بل يشتمل عليها ويتضمنها فلأجل ذلك وصف بالحكيم بمعنى ذي الحكمة، واستظهر الطيبي أنه على ذلك من الاستعارة المكنية.
والحق أنه من باب {عيشَةٍ رَّاضيَةٍ} [الحاقة: 1 2] على حد لابن وتامر.
نعم يجوز أن يكون هناك استعارة بالكناية أي الناطق بالحكمة كالحي، ويجوز أن يكون الحكيم من صفاته عز وجل ووصف الكتاب به من باب الإسناد المجازي فإنه منه سبحانه بدًا، وقد يوصف الشيء بصفة مبدئه كما في قول الأعشى:
وغريبة تأتي الملوك حكيمة ** قد قلتها ليقال من ذا قالها

وأن يكون الأصل الحكيم منزله أو قائله فحذف المضاف إلى الضمير المجرور وأقيم المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعًا ثم استكن في الصفة المشبهة.
وأن يكون {الحكيم} فعيلًا بمعنى مفعل كما قالوا: عقدت العسل فهو عقيد أي معقد وهذا قليل، وقيل: هو بمعنى حاكم، وتمام الكلام في هذه الآية قد تقدم في الكلام على نظيرها.
{هُدًى وَرَحْمَةً} بالنصب على الحالية من {ءايات} والعامل فيهما معنى الإشارة على ما ذكره غير واحد وبحث فيه.
وقرأ حمزة، والأعمش، والزعفراني، وطلحة، وقنبل من طريق أبي الفضل الواسطي ونظيف بالرفع على الخبر بعد الخبر لتلك على مذهب الجمهور أو الخبر المحذوف أي هي أو هو هدى ورحمة عظيمة {لّلْمُحْسنينَ} أي العاملين الحسنات، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة للمتعاطفين، وقوله تعالى: {الذين يُقيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقنُونَ} إما مجرور على أنه صفة كاشفة أو بدل أو بيان لما قبله، وإما منصوب أو مرفوع على القطع وعلى كل فهو تفسير للمحسنين على طريقة قول أوس بن حجر:
الألمعي الذي يظن بك الظن ** كأن قد رأى وقد سمعا

فقد حكي عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد عليه، وهذا ظاهر على تقدير أن يراد بالحسنات مشاهيرها المعهودة في الدين، وأما على تقدير أن يراد بها جميع ما يحسن من الأعمال فلا يظهر إلا باعتبار جعل المذكورات بمنزلة الجميع من باب كل الصيد في جوف الفرا، وقيل: إذا أريد بالحسنات المذكورات يكون الموصول صفة كاشفة.
وقوله تعالى: {أولئك على هُدًى مّن رَّبّهمْ وأولئك هُمُ المفلحون} استئنافًا، وإذا أريد بها جميع ما يحسن من الأعمال وكان تخصيص المذكورات بالذكر لفضل اعتداد بها يكون الموصول مبتدأ وجملة {أولئك على هُدًى} الخ خبره والكلام استئناف بذكر الصفة الموجبة للاستئهال.
وقيل: إن الموصول على التقديرين صفة إلا أنه على التقدير الأول كاشفة وعلى التقدير الثاني صفة مادحة للوصف لا للموصوف، وبناء {يُوقنُونَ} على {هُمْ} للتقوي، وأعيد الضمير للتأكيد ولدفع توهم كون {بالآخرة} خبرًا وجبرًا للفصل بين المبتدأ وخبره ولم يؤخر الفاصل للفاصلة.
وذكر بعض أجلة المفسرين في قوله تعالى أول سورة [النمل: 3]: {وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقنُونَ} إن بناء {يُوقنُونَ} على {هُمْ} يدل على أن مقابليهم ليسوا من اليقين في ظل ولا فىء وإن تقديم {فى الآخرة} يدل على أن ما عليه مقابلوهم ليس من الآخرة في شيء وذلك لإفادة تقديم الفاعل المعنوي وتقديم الجار على متعلقه الاختصاص فانظر هل يتسنى نحو ذلك هنا، وقد مر أول سورة البقرة ما يعلم منه وجه اختيار اسم الإشارة ووجه تكراره، وفي الآية كلام بعد لا يخفى على من راجع ما ذكروه من الكلام على ماي شبهها هناك وتأمل فراجع وتأمل. اهـ.