فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنه} تاران على ما قال الطبري والقتيبي؛ وقيل: ماثا بالمثلثة، وقيل: أنعم، وقيل: أشكم وهما بوزن أفعل، وقيل: مشكم بالميم بدل الهمزة، و{إذْ} معمول لا ذكر محذوفًا، وقيل: يحتمل أن يكون ظرفًا لآتينا والتقدير وآتيناه الحكمة إذ قال واختصر لدلالة المقدم عليه، وقوله تعالى: {وَهُوَ يَعظُهُ} جملة حالية، والوعظ كما قال الراغب زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب {أَوْ بَنى} تصغير إشفاق ومحبة لا تصغير تحقير.
ولكن إذا ما حب شيء تولعت ** به أحرف التصغير من شدة الوجد

وقال آخر:
ما قلت حبيبي من التحقير ** بل يعذب اسم الشيء بالتصغير

وقرأ البزي هنا {يا بَنى} بالسكون وفيما بعد {يا بني إنَّهَا} [لقمان: 16] بكسر الياء {يا بني أَقم} [لقمان: 17] بفتحها، وقنبل بالسكون في الأولى والثالث والكسر في الوسطى، وحفص والمفضل عن عاصم بالفتح في الثلاثة على تقدير يا بنيا والاجتزاء بالفتحة عن الألف، وقرأ باقي السبعة بالكسر فيها {لاَ تُشْركْ بالله} قيل: كان ابنه كافرًا ولذا نهاه عن الشرك فلم يزل يعظه حتى أسلم، وكذا قيل في امرأته.
وأخرج ابن أبي الدنيا في نعت الخائفين عن الفضل الرقاشي قال: ما زال لقمان يعظ ابنه حتى مات.
وأخرج عن حفص بن عمر الكندي قال: وضع لقمان جرابًا من خردل وجعل يعط ابنه موعظة ويخرج خردلة فنفد الخردل فقال: يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظتها جبلًا لتفطر فتفطر ابنه، وقيل: كان مسلمًا والنهي عن الشرك تحذير له عن صدوره منه في المستقبل، والظاهر أن الباء متعلق بما عنده، ومن وقف على {لاَ تُشْركْ} جعل الباء للقسم أي أقسم بالله تعالى: {إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ} والظاهر أن هذا من كلام لقمان ويقتضيه كلام مسلم في صحيحه، والكلام تعليل للنهي أو الانتهاء عن الشرك، وقيل: هو خير من الله تعالى شأنه منقطع عن كلام لقمان متصل به في تأكيد المعنى، وكون الشرك ظلمًا لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه وكونه عظيمًا لما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه سبحانه ومن لا نعمة له.
{وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه}. إلخ.
كلام مستأنف اعترض به على نهج الاستطراد في أثناء وصية لقمان تأكيدًا لما فيه من النهي عن الإشراك فهو من كلام الله عز وجل لم يقله سبحانه للقمان، وقيل: هو من كلامه تعالى قاله جل وعلا وكأنه قيل: قلنا له اشكر وقلنا له وصينا الإنسان الخ، وفي البحر لما بين لقمان لابنه إن الشرك ظلم ونهاه عنه كان ذلك حثًا على طاعة الله تعالى ثم بين أن الطاعة أيضًا تكون للأبوين وبين السبب في ذلك فهو من كلام لقمان مما وصى به ابنه أخبر الله تعالى عنه بذلك، وكلا القولين كما ترى، والمعنى وأمرنا الإنسان برعاية والديه {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا} أي ضعفًا {على وَهْنٍ} أي ضعف، والمصدر حال من {أُمُّهُ} بتقدير مضاف أي ذات وهن؛ وجوز جعله نفسه حالًا مبالغة لكنه مخالف للقياس إذ القياس في الحا لكونه مشتقًا، ويجوز أن يكون مفعولًا مطلقًا لفعل مقدر أي تهن وهنًا، والجملة حال من {أُمُّهُ} أيضًا.
وأيًا ما كان فالمراد تضعف ضعفًا متزايدًا بازدياد ثقل الحمل إلى مدة الطلق، وقيل: ضعفًا متتابعًا وهو ضعف الحمل وضعف الطلق وضعف النفاس، وجوز أن يكون حالًا من الضمير المنصوب في {حَمَلَتْهُ} العائد على {الإنسان} وهو الذي يقتضيه ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال: {وَهْنًا} الولد {على وَهْنٍ} الوالدة وضعفها، والمراد أنه حملته حال كونه ضعيفًا على ضعيف مثله، وليس المراد أنها حملته حال كونه متزايد الضعف ليقال إن ضعفه لا يتزايد بل ينقص.
وقرأ عيسى الثقفي، وأبو عمرو في رواية {وَهْنًا على وَهْنٍ} بفتح الهاء فيهما فاحتمل أن يكون من باب تحريك العين إذا كانت حرف حلق كالشعر والشعر على القياس المطرد عند الكوفي كما ذهب إليه ابن جني، وأن يكون مصدر وهن بكسر الهاء يهوهن بفتحها فإن مصدره جاء كذلك وهذا كما يقال تعب يتعب تعبًا كما قيل: وكلام صاحب القاموس ظاهر في عدم اختصاص أحد المصدرين بأحد الفعلين قال: الوهن الضعف في العمل ويحرك والفعل كوعد وورث وكرم.
{وفصاله} أي فطامه وترك إرضاعه.
وقرأ الحسن. وأبو رجاء وقتادة. والجحدري. ويعقوب {وفصاله} وهو أعم من الفصال، والفصال هاهنا أوقع من الفصل لأنه موقع يختص بالرضاع وإن رجعا إلى أصل واحد على ما قال الطيبي {فى عَامَيْن} أي في انقضاء عامين أي في أول زمان انقضائهما، وظاهر الآية أن مدة الرضاع عامان وإلى ذلك ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد وأبو يوسف ومحمد، وهو مختار الطحاوي وروى عن مالك، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن مدة الرضاع الذي يتعلق به التحريم ثلاثون شهرًا لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحفاق: 5 1]، ووجه الاستدلال به أنه سبحانه وتعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدة فكانت لكل واحد منهما بكمالها كالأجل المضروب للديني على شخصين بأن قال: أجلت الدين الذي لي على فلان والدين الذي لي على فلان سنة فإنه يفهم أن السنة بكمالها لكل، أو على شخص بأن قال لفلان علي ألف درهم وعشرة أقفزة إلى سنة فصدقه المقر له في الأجل فإذا مضت السنة يتم أجلهما جميعًا إلا أنه قالم النقص في أحدهما أعني مدة الحمل لقول عائشة الذي لا يقال مثله إلا سماعًا: الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل فتبقى مدة الفصال على ظاهرها، وما ذكر هنا أقل مدته وفيه بحث {أَن اشكر لى ولوالديك} تفسير لوصينا كما اختاره النحاس فإن تفسيرية، وجوز أن تكون مصدرية بتقدير لام التعليل قبلها وهو متعلق بوصينا وبلا تقدير على أن يكون المصدر بدلًا من والديه بدل الاستمال، وعليه كأنه قيل: وصينا الإنسان بوالديه بشكرهما وذكر شكر الله تعالى لأن صحة شكرهما تتوقف على شكره عز وجل كما قيل في عكسه لا يشكر الله تعالى من لا يشكر الناس ولذا قرن بينهما في الوصية، وفي هذا من البعد ما فيه، وأما القول بأن الأمر يأبى التفسير والتعليل والبدلية بشيء كما أشرنا إليه قريبًا، وعلى الأوجه الثلاثة يكون قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ إلى عَامَيْن} اعتراضًا مؤكدًا للتوصية في حق الأم خصوصًا لذكر ما قاسته في تربيته وحمله، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث صحيح رواه الترمذي وأبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لمن سأله عمن يبره: أمك وأجابه عن سؤاله به ثلاث مرات، وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه:
أحمل أمي وهي الحمالة

ترضعني الدرة والعلالة

ولا يجازي والد فعاله

ولله تعالى در من قال:
لأمك حق لو علمت كبير ** كثيرك يا هذا لديه يسير

فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ** لها من جراها أنة وزفير

وفي الوضع لو تدري عليها مشقة ** فمن غصص لها الفؤاد يطير

وكم غسلت عنك الأذى بيمينها ** وما حجرها إلا لديك سرير

وتفديك مما تشتكيه بنفسها ** ومن ثديها شرب لديك نمير

وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها ** حنوا وإشفاقًا وأنت صغير

فآها لذي عقل ويتبع الهوى ** وآهًا لأعمى القلب وهو بصير

فدونك فارغب في عميم دعائها ** فأنت لما تدعو به لفقير

واختلف في المراد بالشكر المأمور به فقيل هو الطاعة وفعل ما يرضي كالصلاة والصيام بالنسبة إليه تعالى وكالصلة والبر بالنسبة إلى الوالدين، وعن سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في ادبارها فقد شكرهما ولعل هذا بيان لبعض أفراد الشكر {إلَىَّ المصير} تعليل لوجوب الامتثال بالأمر أي إلى الرجوع لا إلى غيري فأجازيك على ما صدر عنك مما يخالف أمري.
{وَإن جاهداك على أَن تُشْركَ بى مَا لَيْسَ لَكَ به} أي باستحقاقه الإشراك أو بشركته له تعالى في استحقاق العبادة، والجار متعلق بقوله تعالى: {علْمٍ} وما مفعلو {تُشْركْ} كما اختاره ابن الحاجب ثم قال: ولو جعل {تُشْركْ} بمعنى تكفر وجعلت {مَا} نكرة أو بمعنى الذي بمعنى كفرًا أو الكفر وتكون نصبًا على المصدرية لكان وجهًا حسنًا، والكلام عليه أيضًا بتقدير مضاف أي وإن جاهدك الوالدان على أن تكفر بي كفرًا ليس لك أو الكفر الذي ليس لك بصحته أو بحقيته علم {فَلاَ تُطعْهُمَا} في ذلك والمراد استمرار نفي العلم لا نفي استمراره فلا يكون الإشراك إلا تقليدًا.
وفي الكشاف أراد سبحانه بنفي العلم نفي ما يشرك أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد عز وجل الأصنام كقوله سبحانه: {مَّا تَدْعُونَ من دُونه من شَىْء} وجعله الطيبي على ذلك من باب نفي الشيء بنفي لازمه وذلك أن العلم تابع للمعلوم فإذا كان الشيء معدومًا لم يتعلق به موجودًا، ونقل عن ابن المنير أنه عليه من باب:
على لا حب لا يهتدي بمناره

أي ما ليس بإله فيكون لك علم بإلهيته وفي الكشف أن الزمخشري أراد أنه بولغ في نفي الشريك حتى جعل كلا شيء ثم بولغ حتى ما لا يصح أن يتعلق به علم والمعدوم يصح أن يعلم ويصح أن يقال إنه شيء فأدخل في سلك المجهول مطلقًا وليس من قبيل نفي العلم لنفي وجوده وهذا تقرير حسن وفيه مبالغة عظيمة منه يظهر ترجيح هذا المسلك في هذا المقام على أسلوب:
ولا ترى الضب بها ينجحر

اه فافهم ولا تغفل {وصاحبهما في الدنيا مَعْرُوفًا} أي صحابًا معروفًا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم والمروءة كإطعامهما واكسائهما وعدم جفائهما وانتهارهما وعيادتهما إذا مرضا ومواراتهما إذا ماتا، وذكر {فى الدنيا} لتهوين أمر الصحبة والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء فلا يضر تحمل مشقتها لقلة أيامها وسرعة انصرامها؛ وقيل: للإشارة إلى أن الرفق بهما في الأمور الدنيوية دون الدينية.
وقيل: ذكره لمقابلته بقوله تعالى: {ثُمَّ إلَىَّ مَرْجعُكُمْ} {واتبع سَبيلَ مَنْ أَنَابَ} أي رجع {إلَىَّ} بالتوحيد والإخلاص بالطاعة، وحاصله اتبع سبيل المخلصين لا سبيلهما {ثُمَّ إلَيَّ مَرْجعُكُمْ} أي رجوعك ورجوعهما وزاد بعضهم من أناب وهو خلاف الظاهر، وأيًا ما كان ففيه تغليب للخطاب على الغيبة {فَأُنَبئُكُم} عند رجوعكم {بمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بأن أجازي كلًا منكم بما صدر عنه من الخير والشر، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص أخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال: أنزلت في هذه الآية {وَإن جاهداك} الآية كنت رجلًا برًا بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء فمكثت يومًا وليلة لا تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يومًا وليلة لا تأكل فأصبحت قد اشتهد جهدها فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله ولو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فنزلت هذه الآية، وذكر بعضهم أن هذه وما قبلها أعني قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسان} [لقمان: 4 1] الآية نزلتا فيه قيل ولكون النزول فيه قيل: من أناب بتوحيد الضمير حيث أريد بذلك أبو بكر رضي الله تعالى عنه فإن إسلام سعد كان بسبب إسلامه.
أخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس قال إنه يريد بمن أناب أبو بكر وذلك أنه حين أسلم رآه عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا لأبي بكر آمنت وصدقت محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: نعم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد: {واتبع سَبيلَ مَنْ أَنَابَ إلَىَّ} يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وابن جريج يقول كما أخرج عنه ابن المنذر من أناب محمد عليه الصلاة والسلام، وغير واحد يقول هو صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، والظاهر هو العموم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ أَن اشْكُرْ للَّه}.
الواو عاطفة قصة لقمان على قصة النضر بن الحارث المتقدمة في قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} [لقمان: 6] باعتبار كونها تضمنت عجيب حاله في الضلالة من عنايته بلهو الحديث ليضل عن سبيل الله ويتخذ سبيل الله هزؤًا، وباعتبار كون قصة لقمان متضمنة عجيب حال لقمان في الاهتداء والحكمة، فهما حالان متضادان؛ فقُطع النظر عن كون قصة النضر سيقت مساق المقدمة والمدخل إلى المقصود لأن الكلام لما طال في المقدمة خرجت عن سَنن المقدمات إلى المقصودات بالذات فلذلك عطفت عطفَ القصص ولم تُفصل فَصْل النتائج عقب مقدماتها.
وقد تتعدد الاعتبارات للأسلوب الواحد فيتخير البليغ في رعيها كقوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم} في سورة البقرة (49)، {ويذبحون أبناءكم} في سورة [إبراهيم: 1].
وافتتاح القصة بحرفي التوكيد: لام القسم وقد للإنباء بأنها خبر عن أمر مهم واقع.
و{لقمان} اسم رجل حكيم صالح، وأكثر الروايات في شأنه التي يعضد بعضها وإن كانت أسانيدها ضعيفة تقتضي أنه كان من السود، فقيل هو من بلاد النوبة، وقيل من الحبشة.
وليس هو لقمان به عاد الذي قال المثل المشهور: إحدى حُظيات لقمان.
والذي ذكره أبو المهوش الأسدي أو يزيد بن عمر يصعق في قوله:
تراه يطوف الآفاق حرصًا ** ليأكل رأس لقمان بن عاد

ويعرف ذلك بلقمان صاحب النسور، وهو الذي له ابن اسمه لقيم وبعضهم ذكر أن اسم أبيه باعوراء، فسبق إلى أوهام بعض المؤلفين أنه المسمى في كتب اليهود بلعام بن باعوراء المذكور خبره في الإصحاحين 22 و23 من سفر العدد، ولعل ذلك وهَم لأن بلعام ذلك رجل من أهل مَدْيَن كان نبيئًا في زمن موسى عليه السلام، فلعل التوهم جاء من اتحاد اسم الأب، أو من ظن أن بلعام يرادف معنى لقمان لأن بلعام من البلع ولقمان من اللّقم فيكون العرب سموه بما يرادف اسمه في العبرانية.
وقد اختلف السلف في أن لقمان المذكور في القرآن كان حكيمًا أو نبيئًا.
فالجمهور قالوا: كان حكيمًا صالحًا.
واعتمد مالك في الموطأ على الثاني، فذكره في جامع الموطأ مرتين بوصف لقمان الحكيم، وذلك يقتضي أنه اشتهر بذلك بين علماء المدينة.
وذكر ابن عطية: أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يكن لقمان نبيئًا ولكن كان عبدًا كثير التفكر حسنَ اليقين أحبَّ الله تعالى فأحبه فمنَّ عليه بالحكمة» ويظهر من الآيات المذكورة في قصته هذه أنه لم يكن نبيئًا لأنه لم يمتن عليه بوحي ولا بكلام الملائكة.
والاقتصارُ على أنه أوتي الحكمة يومىء إلى أنه أُلهم الحكمة ونطق بها، ولأنه لما ذكر تعليمه لابنه قال تعالى: {وهو يعظه} [لقمان: 13] وذلك مؤذن بأنه تعليم لا تبليغ تشريع.
وذهب عكرمة والشعبي: أن لقمان نبيء ولفظ الحكمة يسمح بهذا القول لأن الحكمة أطلقت على النبوءة في كثير من القرآن كقوله في داود {وءاتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب} [ص: 20].