فصل: فصل في ذم الكبر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا عبد الله بن إدريس، أخبرني أبي وعمي، عن جدي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخلُ الناسَ الجنة، فقال: «تقوى الله وحسن الخلق». وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: «الأجوفان: الفم والفرج».
وقال أسامة بن شَريك: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته الأعراب من كل مكان، فقالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: «حسن الخلق».
وقال يعلى بن مملك: عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء- يبلغ به- قال: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق»، وكذا رواه عطاء، عن أم الدرداء، به.
وعن مسروق، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: «إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا».
حدثنا عبد الله بن أبي بدر، حدثنا محمد بن عبيد، عن محمد بن أبي سارة، عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه الأجر ويروح».
وعن مكحول، عن أبي ثعلبة مرفوعا: «إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني منزلا في الجنة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتشدقون المتفيهقون».
وعن أبي أويس، عن محمد بن المنْكَدر، عن جابر مرفوعا: «ألا أخبركم بأكملكم إيمانا، أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يُؤْلفون ويَأْلفون».
وقال الليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة، عن بكر بن أبي الفرات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حَسَّن الله خَلْق رجل وخُلُقه فَتَطْعَمَه النار».
وعن عبد الله بن غالب الحُدَّاني، عن أبي سعيد مرفوعا: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق»، وقال ميمون بن مهْرَان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق؛ وذلك أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في آخر».
حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو المغيرة الأحْمَسيّ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن رجل من قريش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق؛ إن الخلق الحسن ليذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل».
وقال عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعا: «إنكم لا تَسَعُون الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسط وجوه وحسن خلق».
وقال محمد بن سيرين: حسن الخلق عون على الدين.

.فصل في ذم الكبر:

قال علقمة، عن ابن مسعود- رفعه: «لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال حبة من كبْر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان».
وقال إبراهيم بن أبي عَبْلَة، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: «من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، أكبه الله على وجهه في النار».
حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا أبو معاوية، عن عمر بن راشد، عن إياس بن سلمة، عن أبيه مرفوعا: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب عند الله من الجبارين، فيصيبه ما أصابهم من العذاب».
وقال مالك بن دينار: ركب سليمان بن داود، عليهما السلام، ذات يوم البساط في مائتي ألف من الإنس، ومائتي ألف من الجن، فَرُفع حتى سمع تسبيح الملائكة في السماء، ثم خفضوه حتى مست قدمه ماء البحر، فسمعوا صوتا لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسف به أبعد مما رفع.
حدثنا أبو خَيثَمة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان، حتى إن أحدنا ليُقذر نفسه، يقول: خرج من مجرى البول مرتين.
وقال الشعبي: من قتل اثنين فهو جبار، ثم تلا {أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلَني كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمْس إنْ تُريدُ إلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا في الأرْض} [القصص: 19] وقال الحسن: عجبا لابن آدم، يغسل الخرء بيده في اليوم مرتين ثم يتكبر! يعارض جبار السموات، قال: حدثنا خالد بن خدَاش، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن الحسن، عن الضحاك بن سفيان، فذكر الحديث. ضرب مثل الدنيَا بما يخرج من ابن آدم.
وقال الحسن، عن يحيى، عن أبي قال: إن مطعم بن آدم ضرب مثل للدنيا وإن قَزّحَه ومَلَّحه.
وقال محمد بن الحسين بن علي- من ولد علي رضي الله عنه: ما دخل قلبَ رجل شيء من الكبر إلا نقص من عقله بقدر ذلك.
وقال يونس بن عبيد: ليس مع السجود كبر، ولا مع التوحيد نفاق.
ونظر طاوس إلى عمر بن عبد العزيز وهو يختال في مشيته، وذلك قبل أن يستخلف، فطعنه طاوس في جنبه بأصبعه، وقال: ليس هذا شأن من في بطنه خرء؟ فقال له كالمعتذر إليه: يا عم، لقد ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: كانت بنو أمية يضربون أولادهم حتى يتعلموا هذه المشية.

.فصل في الاختيال:

عن أبي ليلى، عن ابن بُرَيْدة، عن أبيه مرفوعا: «مَنْ جَرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه».
ورواه عن إسحاق بن إسماعيل، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر مرفوعا مثله. وحدثنا محمد بن بَكَّار، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَنْ جر إزاره». و«بينما رجل يتبختر في برديه، أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
وروى الزهري عن سالم، عن أبيه: «بينما رجل» إلى آخره. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقولُه تعالى: {يَا بَنى}. إلخ.
شروعٌ في حكاية بقية وصايا لقمانَ إثرَ تقرير ما في مطلعها من النَّهي عن الشّرك وتأكيده بالاعتراض {إنَّهَا إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} أي إنَّ الخصلةَ من الإساءة أو الإحسان إنْ تكُ مثلًا في الصّغر كحَّبة الخردل، وقُرىء برفع مثقال على أنَّ الضَّميرَ للقصَّة وكانَ تامَّةٌ. والتَّانيثُ لإضافة المثقال إلى الحبَّة كما في قول مَن قالَ:
كَما شرقتْ صدرُ القناة من الدَّم. أو لأنَّ المرادَ به الحسنةُ أو السيّئةُ {فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السموات أَوْ في الأرض} أي فتكُن مع كونها في أقصى غايات الصّغر والقَماءة في أخفى مكانٍ وأحرزه كجوف الصَّخرة أو حيثُ كانتْ في العالم العُلويّ أو السُّفليّ {يَأْت بهَا الله} أي يُحضرها ويُحاسبُ عليها {إنَّ الله لَطيفٌ} يصلُ علمُه إلى كلّ حفيَ {خَبيرٌ} بكُنهه وبَعْدَ ما أمرَهُ بالتَّوحيد الذي هُو أولُ ما يجبُ على الإنسان في ضمن النَّهي عن الشّرك ونبَّهه على كمال علم الله تعالى وقدرته أمرَه بالصَّلاة التي هي أكملُ العبادات تكميلًا له من حيثُ العملُ بعد تكميله من حيثُ الاعتقادُ فقال مستميلًا له {يَا بَنىَّ أَقم الصلاة} تكميلًا لنفسك {وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَن المنكر} تكميلًا لغيرك {واصبر على مَا أَصَابَكَ} من الشَّدائد والمحن لاسيما فيما أُمرت به {إنَّ ذلك} إشارةٌ إلى كلّ ما ذُكر، وما فيه من معنى البُعد مع قُرب العهد بالمشار إليه لما مرَّ مرارًا من الإشعار ببُعد منزلته في الفضل {منْ عَزْم الامور} أي ممَّا عزمَهُ الله تعالى وقطَعه على عباده من الأمور لمزيد مزيَّتها، مصدرٌ أُطلق على المفعول، وقد جُوّز أنْ يكونَ بمعنى الفاعل من قوله تعالى: {فَإذَا عَزَمَ الأمر} أي جدَّ والجملةُ تعليلٌ لوجوب الامتثال بما سبقَ من الأمر والنَّهي وإيذانٌ بأنَّ ما بعدها ليس بمثابته.
{وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ للنَّاس} أي تُمله ولا تُولّهم صفحة وجهك كما هو ديدنُ المتكبرينَ. من الصَّعر وهو الصَّيَدُ وهو داءٌ يصيبُ البعيرَ فيلوى منه عنقَهُ. وقُرىء ولا تُصاعرْ. وقُرىء ولا تَصْعرْ من الإفعال والكلُّ بمعنى مثل عَلاَهُ وعَالاَهُ وأعَلاَهُ {وَلاَ تَمْش في الأرض مَرَحًا} أي فَرَحًا مصدرٌ وقعَ موقعَ الحال أو مصدرُ مؤكّدٌ لفعل هو الحالُ أي تمرحُ مَرَحًا أو لأجل المرح والبَطَر. {إنَّ الله لاَ يُحبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} تعليلٌ للنَّهي أو موجبه، وتأخيرُ الفخور مع كونه بمقابلة المصعّر خدَّه عن المختال وهو بمقابلة الماشي مَرَحا رعايةً للفواصل. {واقصد في مَشْيكَ} بعد الاجتناب عن المَرَح فيه أي توسَّطْ بين الدبيب والإسراع وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «سرعةُ المشي تُذهُب بهاءَ المُؤمن» وقولُ عائشةَ في عمرَ رضي الله عنهما: كانَ إذا مشَى أسرعَ فالمرادُ به ما فوقَ دبيب المتماوت. وقُرىء بقطع الهمزة من أقصَدَ الرَّامي إذا سدَّدَ سهمَه نحوَ الرَّمية. {واغضض من صَوْتكَ} وانقُص منه واقصُر {إنَّ أَنكَرَ الاصوات} أي أوحشَها {لَصَوْتُ الحمير} تعليلٌ للأمر على أبلغ وجهٍ وآكده مبنيٌّ على تشبيه الرَّافعينَ أصواتَهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنُّهاق وإفراطٌ في التَّحذير عن رفع الصَّوت والتَّنفير عنه، وإفرادُ الصَّوت مع إضافته إلى الجمع لما أنَّ المرادَ ليس بيانَ حال صوت كلّ واحدٍ من آحاد هذا الجنس حتى يُجمعَ بل بيانَ حال صوت هذا الجنس من بين أصوات سائر الأجناس. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَا بُنَيَّ}. إلخ.
رجوع إلى القصة بذكر بقية ما أريد حكايته من وصايا لقمان أثر تقرير ما في مطلعه من النهي عن الشرك وتأكيده بالاعتراض {إنَّهَا} أي الخصلة من الإساءة والإحسان لفهمها من السياق.
وقيل: وهو كما ترى أنها أي التي سألت عنها، فقد روى أن لقمان سأله ابنه أرأيت الحبة تقع في مغاص البحر أيعلمها الله تعالى فقال يا بني إنها أي التي سألت عنها {إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} أي إن تكن مثلًا في الصغر كحبة الخردل والمقال ما يقدر به غيره لتساوي ثقلهما وهو في العرف معلوم.
وقرأ نافع والأعرج وأبو جعفر {مثْقَالَ} بالرفع على أن الضمير للقصة و{تَكُ} مضارع كان التامة والتأنيث لإضافة الفاعل إلى المؤنث كما في قول الأعشى:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته ** كما شرقت صدر القناة من الدم

أو لتأويله بالزنة أو الحسنة والسيئة {فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السموات أَوْ في الأرض} أي فتكن مع كونها في أقصى غايات الصغر والقماءة في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي، وقيل: في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو أعلاه كمحدب السماوات أو أسفله كمقعر الأرض، ولا يخفى أنه لا دلالة في النظم على تخصيص المحدب والمقعر ولعل المقام يقتضيه إذ المقصود المبالغة.
وفي قوله تعالى: {في السموات} لا يأبى ذلك لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة أو هي بمعنى علي، وعبر بها للدلالة على التمكن ومع هذا الظاهر ما تقدم، وفي البحر أنه بدأ بما يتعقله السامع أولًا وهو كينونة الشيء في صخرة وهو ما صلب من الحجر وعسر الإخراج منه ثم أتبعه بالعالم العلوي وهو أغرب للسامع ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد وهو الأرض، وقيل: إن خفاء الشيء وصعوبة نيله بطرق بغاية صغره ويبعده عن الرائي وبكونه في ظلمة وباحتجابه فمثقال حبة من خردل إشارة إلى غاية الصغر، و{فى صَخْرَةٍ} إشارة إلى الحجاب و{في السموات} إشارة إلى البعد و{فى الأرض} إشارة إلى الظلمة فإن جوف الأرض أشد الأماكن ظلمة وأيًا ما كان فليس المراد بصخرة صخرة معينة، وعن ابن عباس والسدي أن هذه الصخرة هي التي عليها الأرض، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن الأرض على نون والنون على بحر والبحر على صخرة خضراء خضرة الماء منها والصخرة على قرن ثور وذلك الثور على الثرى ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى.
وفسر بعضهم الصخرة بهذه الصخرة، وقيل: هي صخرة في الريح، قال ابن عطية: وكل ذلك ضعيف لا يثبت سنده وإنما معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم أي إن قدرته عز وجل تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء وما يكون في الأرض اه، والأقوى عندي وضع هذه الأخبار ونحوها فليست الأرض إلا في حجر الماء وليس الماء إلا في جوف الهواء وينتهي الأمر إلى عرش الرحمن جل وعلا والكل في كف قدرة الله عز وجل.
وقرأ عبد الرحيم الجزري {فَتَكُنْ} بكسر الكاف وشد النون وفتحها، وقرأ محمد بن أبي فجة البعلبكي {فَتَكُنْ} بضم التاء وفتح الكاف والنون مشددة، وقرأ قتادة {فَتَكُنْ} بفتح التاء وكسر الكاف وسكون النون ورويت هذه القراءة عن الجزري أيضًا، والفعل في جميع ما ذكر من وكن الطائر إذا استقر في وكنته أي عشه ففي الكلام استعارة أو مجاز مرسل كما في المشفر، والضمير للمحدث عنه فيما سبق، وجوز أن يكون للابن والمعنى إن تختف أو تخف وقت الحساب يحضرك الله تعالى، ولا يخفى أنه غير ملائم للجواب أعني قوله تعالى: {يَأْت بهَا الله} أي يحضرها فيحاسب عليها، وهذا إما على ظاهره أو المراد يجعلها كالحاضر المشاهد لذكرها والاعتراف بها {إنَّ الله لَطيفٌ} يصل علمه تعالى إلى كل خفي {خَبيرق} عالم بكنهه.
وعن قتادة لطيف باستخراجها خبير بمستقرها، وقيل: ذو لطف بعباده فيلطف بالإتيان بها بأحد الخصمين خبير عالم بخفايا الأشياء وهو كما ترى، والجملة علة مصححة للإتيان بها، أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن رباح اللخمي أنه لما وعظ لقمان ابنه وقال: {يا بنى إنَّهَا إن تَكُ} الآية أخذ حبة من خردل فأتى بها إلى اليرموك وهو واد في الشام فألقاها في عرضه ثم مكث ما شاء الله تعالى ثم ذكرها وبسط يده فأقبل بها ذباب حتى وضعها في راحته والله تعالى أعلم، وبعد ما أمره بالتوحيد الذي هو أول ما يجب على المكلف في ضمن النهي عن الشرك ونبهه على كمال علمه تعالى وقدرته عز وجل أمره بالصلاة التي هي أكمل العبادات تكميلًا من حيث العمل بعد تكميله من حيث الاعتقاد فقال مستميلًا له: {أَقم الصلاة} تكميلًا لنفسك، ويروى أنه قال له: يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها واسترح منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج {وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَن المنكر} تكميلًا لغيرك والظاهر أنه ليس المراد معروفًا ومنكرًا معينين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال: وأمر بالمعروف يعني التوحيد وأنه عن المنكر يعني الشرك {واصبر على مَا أَصَابَكَ} من الشدائد والمحن لاسيما فيما أمرت به من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحتياج الأخيرين للصبر على ما ذكر ظاهر، والأول لأن إتمام الصلاة والمحافظة عليها قد يشق ولذا قال تعالى: {وَإنَّهَا لَكَبيرَةٌ إلاَّ عَلَى الخاشعين} [البقرة: 5 4] وقال ابن جبير: واصبر على ما أصابك في أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول: إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر وأصابك في ذلك أذى وشدة فاصبر عليه {إنَّ ذلك} أي الصبر على ما أصابك عند ابن جبير، وهو يناسب إفراد اسم الإشارة وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلته في الفضل، أو الإشارة إلى الصبر وإلى سائر ما أمربه والإفراد للتأويل بما ذكر وأمر البعد على ما سمعت {منْ عَزْم الامور} أي مما عزمه الله تعالى وقطعه قطع إيجاب وروي ذلك عن ابن جريج، والعزم بهذا المعنى مما ينسب إلى الله تعالى ومنه ما ورد من عزمات الله عز وجل، والمراد به هنا المعزوم إطلاقًا للمصدر على المفعول، والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور المعزومة.
وجوز أن يكون العزم بمعنى الفاعل أي عازم الأمور من عزم الأمر أي جد فعزم الأمور من باب الإسناد المجازي كمكر الليل لا من باب الإضافة على معنى في وإن صح، وقيل: يريد من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة، واستظهر أبو حيان أنه أراد من لازمات الأمور الواجبة، ونقل عن بعضهم أن العزم هو الحزم بلغة هذيل، والحزم والعزم أصلان، وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء ليس بشيء لاطراد تصاريف كل من اللفظين فليس أحدهما أصلًا للآخر، والجملة تعليل لوجوب الامتثال بما سبق وفيه اعتناء بشأنه.