فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ للنَّاس} أي لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون قاله ابن عباس وجماعة وأنشدوا:
وكنا إذا الجبار صعر خده ** أقمنا له من ميله فتقوما

فهو من الصعر بمعنى الصيد وهو داء يعتري البعير فيلوي منه عنقه ويستعار للتكبر كالصعر، وقال ابن خويزمنداد: نهى أن يذل نفسه من غير حاجة فيلوي عنقه، ورجح الأول بأنه أوفق بما بعد، ولام {للنَّاس} تعليلية والمراد ولا تصعر خدك لأجل الإعراض عن الناس أو صلة.
وقرأ نافع وأبو عمرو. وحمزة. والكسائي {تصاعر} بألف بعد الصاد.
وقرأ الجحدري تصعر مضارع أصعر والكل واحد مثل علاه وعالاه وأعلاه.
{مَسْؤُولًا وَلاَ تَمْش في الأرض} التي هي أحط الأماكن منزلة {مَرَحًا} أي فرحًا وبطرًا، مصدر وقع موقع الحال للمبالغة أو لتأويله بالوصف أو تمرح مرحًا على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة في موضع الحال أو لأجل المرح على أنه مفعول له، وقرىء مرحًا بكسر الراء على أنه وصف في موضع الحال {إنَّ الله لاَ يُحبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} تعليل للنهي أو موجبه والمختال من الخيلاء وهو التبختر في المشي كبرًا، وقال الراغب: التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه، ومنه تؤول لفظ الخيل لما قيل أنه لا يركب أحد فرسًا إلا وجد في نفسه نخوة، والفخور من الفخر وهو المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ويدخل في ذلك تعداد الشخص ما أعطاه لظهور أنه مباها بالمال، وعن مجاهد تفسير الفخور بمن يعدد ما أعطى ولا يشكر الله عز وجل، وفي الآية عند الزمخشري لف ونشر معكوس حيث قال: المختال مقابل للماشي مرحًا وكذلك الفخور للمصعر خده كبرًا وذلك لرعاية الفواصل على ما قيل، ولا يأبى ذلك كون الوصية لم تكن باللسان العربي كما لا يخفى.
وجوز أن يكون هناك لف ونشر مرتب فإن الاختيال يناسب الكبر والعجب وكذا الفخر يناسب المشي مرحًا، والكلام على رفع الإيجاب الكلي والمراد السلب الكلي، وجوز أن يبقى على ظاهره، وصيغة {فَخُورٌ} للفاصلة ولأن ما يكره من الفخر كثرته فإن القليل منه يكثر وقوعه فلطف الله تعالى بالعفو عنه وهذا كما لطف بإباحة اختيال المجاهد بين الصفني وإباحة الفخر بنحو المال لمقصد حسن.
{واقصد في مَشْيكَ} بعد الاجتناب عن المرح فيه أي توسط فيه بين الدبيب والإسراع من القصد وهو الاعتدال، وجاء في عدة روايات إلا أن في أكثرها مقالًا يخرجها عن صلاحية الاحتجاج بها كما لا يخفى على من راجع شرح الجامع الصغير للمناوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» أي هيبته وجماله أي تورثه حقارة في أعين الناس، وكأن ذلك لأنها تدل على الخفة وهذا أقرب من قول المناوي لأنها تتعب فتغير البدن والهيئة.
وقال ابن مسعود: كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشيًا بين ذلك، وما في النهاية من أن عائشة نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتًا فقالت: ما لهذا؟ فقيل: إنه من القراء فقالت: كان عمر رضي الله تعالى عنه سيد القراء وكان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع، فالمراد بالإسراع فيه ما فوق دبيب المتماوت وهو الذي يخفي صوته ويقل حركاته مما يتزيا بزي العباد كأنه يتكلف في اتصافه بما يقربه من صفات الأموات ليوهم أنه ضعف من كثرة العبادة فلا ينافي الآية، وكذا ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم إذ يمشي كأنما ينحط من صبب وكذا لا ينافيها قوله تعالى: {وَعبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا} [الفرقان: 63] إذ ليس الهون فيه المشي كدبيب النمل، وذكر بعض الأفاضل أن المذموم اعتياد الإسراع بالإفراط فيه، وقال السخاوي: محل ذم الإسراع ما لم يخش من بطء السير تفويت أمر ديني، لكن أنت تعلم أن الإسراع المذهب للخشوع لإدراك الركعة مع الإمام مثلًا مما قالوا إنه مما لا ينبغي فلا تغفل، وعن مجاهد أن القصد في المشي التواضع فيه، وقيل: جعل البصر موضع القدم، والمعول عليه ما تقدم.
وقرىء {واقصد} بقطع الهمزة ونسبها ابن خالويه للحجازي من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية ووجهه إليها ليصيبها أي سدد في مشيك والمراد أمش مشيًا حسنًا، وكأنه أريد التوسط به بين المشيين السريع والبطىء فتتوافق القراءاتان {واغضض من صَوْتكَ} أي انقص منه واقصر من قولك فلان يغض من فلان إذا قصر به ووضع منه وحط من درجته.
وفي البحر الغضرد طموح الشيء كالصوت والنظر ويستعمل متعديًا بنفسه كما في قوله:
فغض الطرف إنك من نمير

ومتعديًا بمن كما هو ظاهر قول الجوهري غض من صوته.
والظاهر إن ما في الآية من الثاني، وتكلف بعضهم جعل من فيها للتبعيض، وادعى آخر كونها زائدة في الإثبات، وكانت العرب تفتخر بجهارة الصوت وتمدح به في الجاهلية ومنه، قول الشاعر:
جهير الكلام جهير العطاس ** جهير الرواء جهير النعم

ويخطو على العم خطو الظليم ** ويعلو الرجال بخلق عمم

والحكمة في غض الصوت المأمور به أنه أوفر للمتكلم وأبسط لنفس السامع وفهمه {إنَّ أَنكَرَ الاصوات} أي أقبحها يقال وجه منكر أي قبيح قال في البحر: وهو أفعل بني من فعل المفعول كقولهم: أشغل من ذات النحيين وبناؤه من ذلك شاذ، وقال بعض: أي أصعبها على السمع وأوحشها من نكر بالضم نكارة ومنه {يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شيء نُّكُرٍ} [القمر: 6] أي أمر صعب لا يعرف، والمراد بالأصوات أصوات الحيوانات أي إن أنكر أصوات الحيوانات {لَصَوْتُ الحمير} جمع حمار كما صرح به أهل اللغة ولم يخالف فيه غير السهيلي قال: أنه فعيل اسم جمع كالعبيد وقد يطلق على اسم الجمع الجمع عند اللغويين، والجملة تعليل للأمر بالغض على أبلغ وجه وآكده حيث شبه الرافعون أصواتهمب الحمير وهم مثل في الذم البليغ والتشمية ومثلت أصواتهم بالنهاق الذي أوله زفير وآخره شهيق ثم أخلي الكلام من لفظ التشبيه وأخرج مخرج الاستعارة، وفي ذلك من المبالغة في الذم والتهجين والإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه ما فيه، وإفراد الصوت مع جمع ما أضيف هو إليه للإشارة إلى قوة تشابه أصوات الحمير حتى كأنها صوت واحد هو أنكر الأصوات، وقال الزمخشري أن ذلك لما أن المراد ليس بيان حال صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل بيان صوت هذا الجنس من بين أصوات سائر الأجناس، قيل: فعلى هذا كان المناسب لصوت الحمار بتوحيد المضاف إليه.
وأجيب بأن المقصود من الجمع التتميم والمبالغة في التنفير فإن الصوت إذا توافقت عليه الحمير كان أنكر.
وأورد عليه أنه يوهم أن الأنكرية في التوافق دون الانفراد وهو لا يناسب المقام، وأجيب بأنه لا يلتفت إلى مثل هذا التوهم، وقيل: لم يجمع الصوت المضاف لأنه مصدر وهو لا يثنى ولا يجمع ما لم تقصد الأنواع كما في {أَنكَرَ الاصوات} فتأمل، والظاهر أن قوله تعالى: {إنَّ أَنكَرَ الاصوات لَصَوْتُ الحمير} من كلام لقمان لابنه تنفيرًا له عن رفع الصوت، وقيل: هو من كلام الله تعالى وانتهت وصية لقمان بقوله: {واغضض من صَوْتكَ} رد سبحانه به على المشركين الذين كانوا يتفاخرون بجهارة الصوت ورفعه مع أن ذلك يؤذي السامع ويقرع الصماخ بقوة وربما يخرق الغشاء الذي هو داخل الأذن وبين عز وجل أن مثلهم في رفع أصواتهم مثل الحمير وأن مثل أصواتهم التي يرفعونها مثل نهاقها في الشدة مع القبح الموحش وهذا الذي يليق أن يجعل وجه شبه لا الخلو عن ذكر الله تعالى كما يتوهم بناءً على ما أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال: صياح كل شيء تسبيحه إلا لحماء لما أن وجه الشبه ينبغي أن يكون صفة ظاهرة وخلو صوت الحمار عن الذكر ليس كذلك، على أنا لا نسلم صحة هذا الخبر فإن فيه ما فيه، ومثله ما شاع بين الجهلة من أن نهيق الحمار لعن للشيعة الذين لا يزالون ينهقون بسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومثل هذا من الخرافات التي يمجها السمع ما عدا سمع طويل الأذنين، والظاهر أن المراد بالغض من الصوت الغض منه عند التكلم والمحاورة، وقيل: الغض من الصوت مطلقًا فيشمل الغض منه عند العطاس فلا ينبغي أن يرفع صوته عنده إن أمكنه عدم الرفع، وروي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ما يقتضيه ثم أن الغض ممدوح أن لم يدع داع شرعي إلى خلافه، وأردف الأمر بالقصد في المشي بالأمر بالغض من الصوت لما أنه كثيرًا ما يتوصل إلى المطلوب بالصوت بعد العجز عن التوصل إليه بالمشي كذا قيل، هذا وأبعد بعضهم في الكلام على هذين الأمرين فقال: إن الأول إشارة إلى التوسط في الأفعال والثاني إشارة إلى الاحتراز من فضول الكلام والتوسط في الأقوال، وجعل قوله تعالى: {إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: 61] الخ إشارة إلى إصلاح الضمير وهو كما ترى.
وقرأ ابن أبي عبلة {لَصَوْتُ الحمير} بالجمع بغير لام التأكيد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا بُنَيَّ إنَّهَا إنْ تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ} تكرير النداء لتجديد نشاط السامع لوعي الكلام.
وقرأ نافع وأبو جعفر {إن تَكُ مثقالُ} برفع {مثقالُ} على أنه فاعل {تَكُ} من كان التامة.
وإنما جيء بفعله بتاء المضارعة للمؤنثة وأعيد عليه الضمير في قوله بها مؤنثًا مع أن {مثقال} لفظ غير مؤنث لأنه أضيف إلى حبة فاكتسب التأنيث من المضاف إليه، وهو استعمال كثير إذا كان المضاف لو حذف لما اختل الكلام بحيث يستغنى بالمضاف إليه عن المضاف، وعليه فضمير {إنها} للقصة والحادثة وهو المسمى بضمير الشأن، وهو يقع بصورة ضمير المفردة المؤنثة بتأويل القصة، ويختار تأنيث هذا الضمير إذا كان في القصة لفظ مؤنث كما في قوله تعالى: {فإنها لا تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46]، ويكثر وقوع ضمير الشأن بعد إنَّ كقوله تعالى: {إنه مَن يأت ربه مجرمًا فإنَّ له جَهَنم لا يَمُوت فيها ولا يَحْيى} [طه: 74]، ومن ذلك تقدير ضمير الشأن اسمًا لحرف أنَّ المفتوحة المخففة، وهو يفيد الاهتمام بإقبال المخاطب على ما يأتي بعده، فاجتمع في هذه الجملة ثلاثة مؤكدات: النداء، وإنَّ، وضمير القصة، لعظم خطر ما بعده المفيد تقرير وصفه تعالى بالعلم المحيط بجميع المعلومات من الكائنات، ووصفه بالقدرة المحيطة بجميع الممكنات بقرينة قوله: {يأت بها الله}.
وقد أفيد ذلك بطريق دلالة الفحوى؛ فذُكر أدقُّ الكائنات حالًا من حيث تعلق العلم والقدرة به، وذلك أدق الأجسام المختفي في أصْلَب مكان أو أقصاه وأعزّه منالًا، أو أوسعه وأشده انتشارًا، ليعلم أن ما هو أقوى منه في الظهور والدّنو من التناول أولى بأن يحيط به علم الله وقدرته.
وقرأه الباقون بنصب {مثقالَ} على الخبرية ل {تكُ} من كان الناقصة، وتقدير اسم لها يدل عليه المقام مع كون الفعل مسندًا لمؤنث، أي إن تك الكائنة، فضمير {إنها} مراد منه الخصلة من حسنة أو سيئة أخذًا من المقام.
والمثقال بكسر الميم: ما يقدر به الثقل ولذلك صيغ على زنة اسم الآلة.
والحبة: واحدة الحَبّ وهو بذر النبات من سنابل أو قطنية بحيث تكون تلك الواحدة زريعة لنوعها من النبات، وقد تقدم في سورة البقرة (261) قوله: {كَمَثَل حَبَّة أنبتَتْ سَبْع سَنَابل} وقوله: {إنَّ الله فَالق الحَب والنَّوى} في سورة الأنعام (95).
والخردل: نبت له جذر وساق قائمة متفرعة إسطوانية أوراقها كبيرة يُخرج أزهارًا صغيرة صُفْرًا سنبلية تتحول إلى قرون دقيقة مربعة الزوايا تخرج بزورًا دقيقة تسمى الخردل أيضًا، ولبّ تلك البزور شديد الحرارة يلدغ اللسان والجلد، وهي سريعة التفتق ينفتق عنها قشرها بدقّ أو إذا بلت بمائع، فتستعمل في الأدوية ضَمَّادات على المواضع التي فيها التهاب داخلي من نزلة أو ذات جنْب وهو كثير الاستعمال في الطب قديمًا وحديثًا.
وقد أخذ الأطباء يستغنون عنه بعقاقير أخرى.
وتقدم نظير هذا في سورة الأنبياء (47).
{فلا تُظْلَم نفس شيئًا وإن كان مثقالُ حَبة من خردل أتينَا بها} وقوله: {أو في السموات} عطف على {في صخرة} لأن الصخرة من أجزاء الأرض فذكر بعدها {أو في السماوات} على معنى: أو كانت في أعزّ مَنَالًا من الصخرة، وعطف عليه {أو في الأرض} وإنما الصخرة جزء من الأرض لقصد تعميم الأمكنة الأرضية فإن الظرفية تصدق بهما، أي: ذلك كله سواء في جانب علم الله وقدرته، كأنه قال: فتكن في صخرة أو حيث كانت من العالم العلوي والعالم السفلي وهو معنى قوله: {وما يعزب عن ربك مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلا في كتاب مبين} [يونس: 61].
والإتيان كناية عن التمكن منها، وهو أيضًا كناية رمْزيَّة عن العلم بها لأن الإتيان بأدق الأجسام من أقصى الأمكنة وأعمقها وأصلبها لا يكون إلا عن علم بكونها في ذلك المكان وعلم بوسائل استخراجها منه.
وجملة {إن الله لطيف خبير} يجوز أن تكون من كلام لقمان فهي كالمقصد من المقدمة أو كالنتيجة من الدليل، ولذلك فصلت ولم تعطف لأن النتيجة كبدل الاشتمال يشتمل عليها القياس ولذلك جيء بالنتيجة كلية بعد الاستدلال بجزئية.
وإنما لم نجعلها تعليلًا لأن مقام تعليم لقمان ابنه يقتضي أن الابن جاهل بهذه الحقائق، وشرط التعليل أن يكون مسلَّمًا معلومًا قبل العلم بالمعلَّل ليصح الاستدلال به.
ويجوز أن تكون معترضة بين كلام لقمان تعليمًا من الله للمسلمين.
واللطيف: مَن يعلم دقائق الأشياء ويسلك في إيصالها إلى من تصلح به مسلك الرفق، فهو وصف مؤذن بالعلم والقُدرة الكاملين، أي يعلم ويقدر وينفذ قدرته، وتقدم في قوله: {وهو اللطيف الخبير} في سورة الأنعام (103).
ففي تعقيب {يأت بها الله} بوصفه ب اللطيف إيماء إلى أن التمكن منها وامتلاكها بكيفية دقيقة تناسب فلق الصخرة واستخراج الخردلة منها مع سلامتهما وسلامة ما اتصل بهما من اختلال نظام صُنعه.
وهنا قد استوفى أصول الاعتقاد الصحيح.
وجملة {إن الله لطيف خبير} [لقمان: 16] يجوز أن تكون من كلام لقمان وأن تكون معترضة من كلام الله تعالى.
{يَا بُنَيَّ أَقم الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بالْمَعْرُوف وَانْهَ عَن الْمُنْكَر وَاصْبرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلكَ منْ عَزْم الْأُمُور (17)}.
انتقل من تعليمه أصول العقيدة إلى تعليمه أصول الأعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصلاة، والصلاة التوجه إلى الله بالخضوع والتسبيح والدعاء في أوقات معينة في الشريعة التي يدين بها لقمان، والصلاة عماد الأعمال لاشتمالها على الاعتراف بطاعة الله وطلب الاهتداء للعمل الصالح.
وإقامة الصلاة إدامتها والمحافظة على أدائها في أوقاتها.
وتقدم في أول سورة البقرة.
وشمل الأمرُ بالمعروف الإتيانَ بالأعمال الصالحة كلها على وجه الإجمال ليتطلَّب بيانه في تضاعيف وصايا أبيه كما شمل النهيُ عن المنكر اجتناب الأعمال السيئة كذلك.
والأمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقتضي إتيان الآمر وانتهاءه في نفسه لأن الذي يأمر بفعل الخير وينهى عن فعل الشر يعلم ما في الأعمال من خير وشر، ومصالح ومفاسد، فلا جرم أن يتوقاها في نفسه بالأولوية من أمره الناسَ ونهيه إياهم.