فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{نُمَتّعُهُمْ قَليلًا} تمتيعًا قليلًا أو زمانًا قليلًا فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَليظٍ} ثقيل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ، والمراد بالاضطرار أي الإلجاء إلزامهم ذلك العذاب الشديد الزام المضطر الذي لا يقدر على الانفكاك مما ألجىء إليه، وفي الانتصاف تفسير هذا الاضطرار ما في الحديث من أنهم لشدة ما يكابدون من النار يطلبون البرد فيرسل عليهم الزمهرير فيكون أشد عليهم من اللهب فيتمنون عود اللهب اضطرارًا فهو اختيار عن اضطرار وبأذيال هذه البلاغة تعلق الكندي حيث قال:
يرون الموت قدامًا وخلفا ** فيختارون والموت اضطرار

وقيل: المعنى نضم إلى الإحراق الضغط والتضييق فلا تغفل.
{وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} أي خلقهن الله تعالى، وجوز أن يكون التقدير الله خلقهن والأول أولى كما فصل في محله وقولهم ذلك لغاية وضوح الأمر بحيث اضطروا إلى الاعتراف به {قُل الحمد للَّه} على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان ما هم عليه من إشراك غيره تعالى به جل شأنه في العبادة التي لا يستحقها غير الخالق والمنعم الحقيقي.
وجوز جعل المحمود عليه جعل دلائل التوحيد بحيث لا ينكرها المكابر أيضًا {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك يلزمهم قيل: وفيه إيغال حسن كأنه قال سبحانه: وإن جهلهم انتهى إلى أن لا يعلموا أن الحمد لله ما موقعه في هذا المقام، وقد مر تمام الكلام في نظير الآية في العنكبوت فتذكر.
{للَّه مَا في السموات والأرض}.
خلقًا وملكًا وتصرفًا ليس لأحد سواه عز وجل استقلالًا ولا شركة فلا يستحق العبادة فيهما غيره سبحانه وتعالى بوجه من الوجوه، وهذا إبطال لمعتقدهم من وجه آخر لأن المملوك لا يكون شريكًا لمالكه فكيف يستحق ما هو حقه من العبادة وغيرها {إنَّ الله هُوَ الغنى} عن كل شيء {الحميد} المستحق للحمد وإن لم يحمده جل وعلا أحد أو المحمود بالفعل يحمده كل مخلوق بلسان الحال، وكأن الجملة جواب عما يوشك أن يخطر ببعض الأذهان السقيمة من أنه هل اختصاص ما في السماوات والأرض به عز وجل لحاجته سبحانه إليه، وهو جواب بنفي الحاجة على أبلغ وجه فقد كان يكفي في الجواب إن الله غني إلا أنه جىء بالجملة متضمنة للحصر للمبالغة وجىء بالحميد أيضًا تأكيدًا لما تفيده من نفي الحاجة بالإشارة إلى أنه تعالى منهم على من سواه سبحانه أو متصف بسائر صفات الكمال فتأمل جدًا، وقال الطيبي: إن قوله تعالى: {للَّه مَا في السموات والأرض} تهاون بهم وإبداء أنه تعالى مستغن عنهم وعن حمدهم وعبادتهم ولذلك علل بقوله سبحانه: {إنَّ الله هُوَ الغنى} أي عن حمد الحامدين {الحميد} أي المستحق للحمد وإن لم يحمدوه عز وجل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَنْ يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ}.
هذا مقابل قوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} [لقمان: 20] إلى قوله: {يدعوهم إلى عذاب السعير} [لقمان: 21]، فأولئك الذين اتبعوا ما وجدوا ءاباءهم عليه من الشرك على غير بصيرة فوقعوا في العذاب، وهؤلاء الذين لم يتمسكوا بدين آبائهم وأسلموا لله لما دعاهم إلى الإسلام فلم يصدّهم عن اتباع الحق إلف ولا تقديس آباء؛ فأولئك تعلقوا بالأوهام واستمسكوا بها لإرضاء أهوائهم، وهؤلاء استمسكوا بالحق إرضاء للدليل وأولئك أرضوا الشيطان وهؤلاء اتّبعوا رضى الله.
وإسلام الوجه إلى الله تمثيل لإفراده تعالى بالعبادة كأنه لا يقبل بوجهه على غير الله، وقد تقدم في قوله تعالى: {بَلى مَن أسلم وجهه لله وهو محسن} في سورة البقرة (112)، وقوله: {فَقُل أسلَمْتُ وجهيَ لله} في سورة آل عمران (20).
وتعدية فعل {يُسْلم} بحرف {إلى} هنا دون اللام كما في آيتي سورة البقرة (112) وسورة آل عمران (20) عند الزمخشري مجاز في الفعل بتشبيه نفس الإنسان بالمتاع الذي يدفعه صاحبه إلى آخر ويَكلُه إليه.
وحقيقته أن يعدى باللام، أي وجهه وهو ذاته سالمًا لله، أي خالصًا له كما في قوله تعالى: {فإن حاجُّوك فقل أسلمتُ وجهيَ لله} في سورة آل عمران (20).
والإحسان: العمل الصالح والإخلاص في العبادة.
وفي الحديث: الإحسان أن تعبد الله كأنه تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والمعنى: ومن يسلم إسلامًا لا نفاق فيه ولا شك فقد أخذ بما يعتصم به من الهُويّ أو التزلزل.
وقوله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} مضى الكلام على نظيره عند قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} في سورة البقرة (25)، وهو ثناء على المسلمين.
وتذييل هذا بقوله: {وإلى الله عاقبة الأمور} إيماء إلى وعدهم بلقاء الكرامة عند الله في آخر أمرهم وهو الحياة الآخرة.
والتعريف في {الأمور} للاستغراق، وهو تعميم يراد به أن أمور المسلمين التي هي من مشمولات عموم الأمور صائرة إلى الله وموكولة إليه فجزاؤهم بالخير مناسب لعظمة الله.
والعاقبة: الحالة الخاتمة والنهاية.
و{الأمور} جمع أمر وهو الشأن.
وتقديم {إلى الله} للاهتمام والتنبيه إلى أن الراجع إليه يلاقي جزاءه وافيًا.
{وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُمْ بمَا عَملُوا إنَّ اللَّهَ عَليمٌ بذَات الصُّدُور (23)}.
لما خلا ذَمّ الذين كفروا عن الوعيد وانتقل منه إلى مدح المسلمين ووعدهم عطف عنان الكلام إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بتهوين كفرهم عليه تسلية له وتعريضًا بقلة العبْء بهم لأن مرجعهم إلى الله فيريهم الجزاء المناسب لكفرهم، فهو تعريض لهم بالوعيد.
وأُسند النهي إلى كفرهم عن أن يكون محزنًا للرسول صلى الله عليه وسلم مجازًا عقليًا في نهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن مداومة الفكر بالحزن لأجل كفرهم لأنه إذا قلع ذلك من نفسه انتفى إحزان كفرهم إياه.
وقرأ نافع {يُحْزنك} بضم التحتية وكسر الزاي مضارع أحزنه إذا جعله حزينًا.
وقرأ البقية {يَحْزُنك} بفتح التحتية وضم الزاي مضارع حَزَنه بذلك المعنى، وهما لغتان: الأولى لغة تميم، والثانية لغة قريش، والأولى أقيس وكلتاهما فُصحى ولغة تميم من اللغات التي نزل بها القرآن وهي لغة عُلْيا تميم وهم بنو دارم كما تقدم في المقدمة السادسة.
وزعم أبو زيد والزمخشري: أن المستفيض أحْزَن في الماضي ويُحْزن في المستقبل، يريدان الشائع على ألسنة الناس، والقراءة رواية وسنة.
وتقدم في سورة يوسف (13) {إنّي لَيُحزنني} وفي سورة الأنعام (33) {قد نعلم أنه ليُحزنك الذي يقولون} وجملة {إلينا مرجعهم} واقعة موقع التعليل للنهي، وهي أيضًا تمهيد لوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله يتولى الانتقام منهم المدلول عليه بقوله: {فنُنبئهم} مفرعًا على جملة {إلينا مرجعهم} كناية عن المجازاة؛ استعمل الإنباء وأريد لازمه وهو الإظهار كما تقدم آنفًا.
وجملة {إن الله عليم بذات الصدور} تعليل لجملة {فننبئهم بما عملوا} فموقع حرف {إنّ} هنا مغنٍ عن فاء التسبب كما في قول بشار:
إن ذاك النجاح في التبكير.
و{ذات الصدور} هي النوايا وأعراض النفس من نحو الحقد وتدبير المكر والكفر.
ومناسبته هنا أن كفر المشركين بعضُه إعلان وبعضه إسرار قال تعالى: {وأسرُّوا قولكم أو اجهَروا به إنه عليم بذات الصدور} [الملك: 13]، وتقدم في قوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} في سورة الأنفال (43).
{نُمَتّعُهُمْ قَليلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلَى عَذَابٍ غَليظٍ (24)}.
استئناف بياني لأن قوله: {إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا} [لقمان: 23] يثير في نفوس السامعين سؤالًا عن عدم تعجيل الجزاء إليهم، فبيّن بأن الله يُمهلُهم زمنًا ثم يوقعهم في عذاب لا يجدون منه منجى.
وهذا الاستئناف وقع معترضًا بين الجمل المتعاطفة.
والتمتيع: العطاء الموقت فهو إعطاء المتاع، أي الشيء القليل.
و{قليلًا} صفة لمصدر مفعول مطلق، أي تمتيعًا قليلًا، وقلته بالنسبة إلى ما أعدّ الله للمسلمين أو لقلة مدته في الدنيا بالنسبة إلى مدة الآخرة، وتقدم عند قوله تعالى: {ومتاع إلى حين} في الأعراف (24).
والاضطرار: الإلجاء، وهو جعل الغير ذا ضرورة، أي: لزوم، وتقدم عند قوله تعالى: {ثم أضْطَرُّه إلى عذاب النار} في سورة البقرة (126).
والغليظ: من صفات الأجسام وهو القوي الخشن، وأطلق على الشديد من الأحوال على وجه الاستعارة بجامع الشدة على النفس وعدم الطاقة على احتماله.
وتقدم قوله: {ونجيناهم من عذاب غليظ} في سورة هود (58) كما أطلق الكثير على القوي.
{وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
عطف على جملة {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا} [لقمان: 21] باعتبار أن ما وَجَدوا عليه آباءهم هو الإشراك مع الله في الإلهية، وإن سألهم سائل: مَن خلق السماوات والأرض يقولوا خلقهن الله، وذلك تسخيف لعقولهم التي تجمع بين الإقرار لله بالخلق وبين اعتقاد إلهية غيره.
والمراد بالسماوات والأرض: ما يشمل ما فيها من المخلوقات ومن بين ذلك حجارة الأصنام، وتقدم نظيرها في سورة العنكبوت.
وعبر هنا ب {لا يعلمون} وفي سورة (العنكبوت: 63) ب {لا يعقلون} تفننًا في المخالفة بين القصتين مع اتحاد المعْنى.
{للَّه مَا في السَّمَاوَات وَالْأَرْض إنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنيُّ الْحَميدُ (26)}.
موقع هذه الجملة من التي قبلها موقع النتيجة من الدليل في قوله: {لله ما في السماوات} فلذلك فصلت ولم تعطف لأنها بمنزلة بدل الاشتمال من التي قبلها، كما تقدم آنفًا في قوله: {يأت بها الله إن الله لطيف خبير} [لقمان: 16] فإنه لما تقرر إقرارهم لله بخلق السماوات والأرض لزمهم إنتاج أن ما في السموات والأرض ملك لله ومن جملة ذلك أصنامهم.
والتصريح بهذه النتيجة لقصد التهاون بهم في كفرهم بأن الله يملكهم ويملك ما في السماوات والأرض، فهو غني عن عبادتهم محمود من غيرهم.
وضمير {هو} ضمير فصل مُفاده اختصاص الغنى والحمْد بالله تعالى، وهو قصر قلب، أي ليس لآلهتهم المزعومة غنى ولا تستحق حمدًا.
وتقدم الكلام على الغني الحميد عند قوله: {فإن الله غني حميد} في أول السورة لقمان (12). اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَمَنْ يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ} يعني: مَنْ أراد أن يُخلّص نفسه من الجدل بغير علم، وبغير هدى، وبغير كتاب منير، فعليه أنْ يُسلم وجهه إلى الله؛ لأن الله تعالى قال في آية أخرى: {قَالَ فَبعزَّتكَ لأُغْويَنَّهُمْ أَجْمَعينَ} [ص: 82] ثم استثنى منهم {إلاَّ عبَادَكَ منْهُمُ المخلصين} [الحجر: 40].
وقال سبحانه: {إنَّ عبَادي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65].
ومعنى {يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} [لقمان: 22] أخلص وجهه في عبادته لله وحده، وبذلك يكون في معية الله، ومَنْ كان في معية ربه فلا يجرؤ الشيطان على غوايته، ولا يُضيع وقته معه، إنما ينصرف عنه إلى غافل يستطيع الدخول إليه، فالذي ينجيك من الشيطان أن تُسلم وجهك لله.
وقد ضربنا لذلك مثلًا بالولد الصغير حينما يسير في صحبة أبيه فلا يجرؤ أحد من الصبيان أن يعتدي عليه، أما إنْ سار بمفرده فهو عُرْضة لذلك، لا يَسْلم منه بحال، كذلك العبد إن انفلتَ من يد الله ومعيته.
وهذا المعنى ورد أيضًا في قوله سبحانه: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه} [البقرة: 112] وهنا قال: {إلَى الله} [لقمان: 22] فما الفرق بين حرفي الجر: إلى، اللام؟
استعمال إلى تدل على أن الله تعالى هو الغاية، والغاية لابد لها من طريق للهداية يُوصّل إليها. أمَّا اللام فتعني الوَصْل لله مباشرة دون قطع طريق، وهذا الوصول المباشر لا يكون إلا بدرجة عالية من الإخلاص لله.
فقوله تعالى: {وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} [لقمان: 22] يعني: أنك على الطريق الموصّل إلى الله تعالى، وأنك تؤدي ما افترضته عليك.
ومن إسلام الوجه لله قَوْل ملكة سبأ: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للَّه رَبّ العالمين} [النمل: 44] الكلام هنا كلام ملكة، فلم تقل: أسلمتُ لسليمان، لكن مع سليمان لله، فلا غضاضة إذن.
وإسلام الوجه لله، أو إخلاص العمل لله تعالى عملية دقيقة تحتاج من العبد إلى قدر كبير من المجاهدة؛ لأن النفس لا تخلو من هفوة، وكثيرًا ما يبدأ الإنسان العمل مخلصًا لله، لكن سرعان ما تتدخل النفس بما لها من حب الصّيت والسمعة، فيخالط العملَ شيء من الرياء ولو كان يسيرًا.
لذلك؛ فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل عنا هذه المسألة ويطمئن المسلم على عمله، فيقول في دعائه: «اللهم إني أستغفرك من كل عمل أردتُ به وجهك، فخالطني فيه ما ليس لك».
والنبي صلى الله عليه وسلم ليس مظنة ذلك، لكن الحق سبحانه علَّمه أن يتحمل عن أمته كما تحمَّل الله عنه في قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ} [الأنعام: 33] أي: أنك أسمى عندهم من أن تكون كاذبًا. {ولكن الظالمين بآيَات الله يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].
وقوله تعالى: {فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} [لقمان: 22] كلمة استمسك تدلُّ على القوة في الفعل والتشبُّث بالشيء؛ كما نقول تبّت فيه وهي تعني: طلب أنْ يمسك؛ لذلك لم يَقُل مسكَ إنما استمسك.
وأول مظاهر الاستمساك أنك لا تطمئن إلى ضعف نفسك فيكون تمسك بالعروة الوثقى أشدّ كما لو أنك ستنزل من مكان عالٍ على حبل مثلًا فتتشبت به بشدة؛ لأنك إنْ تهاونت في الاستمساك به سقطت وهذا دليل على ثقتك بضعف نفسك وأنه لا ينُجيك من الهلاك ولا واقي لك إلا أنْ تستمسك بهذا الحبل.
كذلك الذي يُسلْم وجهه لله ويُمسك بالعروة الوثقى فليس له إلا هذه مُنْجية وواقية.
وكلمة {بالعروة الوثقى} [لقمان: 22] العروة: هي اليد التي نمسك بها الكوز أو الكوب أو الإبريق، وهي التي تفرق بين الكوب والكأس، فالكأس لا عروة لها، إلا إذا شُرب فيها الشراب الساخن، فيجعلون لها يدًا.
ومعنى {الوثقى} [لقمان: 22] أي: المحكمة، وهي تأنيث أوثق، نقول: هذا أوثق، وهذه وُثْقى، مثل أصغر وصُغْرى، وهي تعني الشيء المرتبط ارتباطًا وثيقًا بأصله، فإنْ كان دَلْوًا فهي وُثْقى بالدلو، وإنْ كان كوبًا فهي وُثْقى بالكوب، فهي الموثقة التي لا تنقطع، ولا تنفصل عن أصلها.
والعُرْوة تختلف باختلاف الموثّق، فإنْ صنع العروة صانع غاشٌّ، جاءت ضعيفة هشَّة، بمجرد أنْ تمسك بها وتنخلع في يدك، وهذا ما نسميه الغش التجاري وهو احتيال لتكون السلعة رخيصة يقبل عليها المشتري، ثم يكون المعوّض في ارتفاع قطع الغيار، كما نرى في السيارات مثلًا، فترى السيارة رخيصة وتنظر إلى ثمن قطع الغيار تجده مرتفعًا.