فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقول: {وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] ومعنى خلفه يعني: يخالف أحدهما الآخر ويأتي بعده، وهذا صحيح الآن، فنحن نرى الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، لكن كيف نتصور هذه المسألة في بَدْء الخَلْق؟
لو أن البداية كانت بخَلْق الأرض مواجهة للشمس، فالنهار إذن أولًا ليس خلْفة لشيء قبله، ثم تغيب الشمس فينشأ الليل ليكون خلْفة للنهار، وفي المقابل إن وجدت الأرض غير مقابلة للشمس، فالليل هو الأول ليس خلْفة لشيء قبله.
إذن: لا يحل لنا هذه المسألة إلا قوله تعالى: {وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خلْفَةً} [الفرقان: 62] أي: من بداية الخَلْق وهما خلْفة، وهذا لا يتأتى ولا يسوغ إلا إذا كانت الأرض مكوَّرة، بحيث يكون الجزء المقابل للشمس منها مكوّنًا للنهار، والجزء الآخر لليل في وقت واحد، فلما تحركت الأرض في دورانها صار كل منها خلْفة للآخر، إذن: معطيات القرآن يهضمها العقل، ولا يعارضها أبدًا.
تذكرون في الثلاثينيات وبالتحديد عام 1928 فسروا السماوات السبع بأنها الكواكب السبعة السيارة التي تدور حول الشمس، ذلك ليقربوا العلم للناس، ويشاء الله- سبحانه وتعالى- أن يكتشفوا بعدها نبتون ثم بلوتو فصاروا تسعة كواكب، وأظهر الله لهم فساد هذا التأويل.
وفي الكون عجائب كثيرة نعرفها حتى عن طريق الكفار، وكأن الله سخَّر حتى الكافر ليُثبت إيمان المؤمن، فإذا كنا قد عرفنا اليوم عندنا على الأرض، وأنه ليل ونهار يُكوّنان أربعًا وعشرين ساعة، فماذا يعني اليوم بالنسبة للكواكب الأخرى؟
لما عرفوا أفلاك الكواكب الأخرى التي تدور حول الشمس وجدوا أقربها للشمس عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، ثم نبتون، ثم بلوتو، وهو أبعد الكواكب عن الشمس.
ومن عجائب اليوم في هذه الكواكب أن يوم الزهرة مثلًا 244 يومًا بيومنا نحن، أما العام فيساوي 225 يومًا بيومنا، فكأن يوم الزهرة أطول من عامها، كيف؟ قالوا: لأن المدار مختلف عن مدار الأرض، فاليوم نتيجة دورة الكوكب حول نفسه، والعام نتيجة دورة الكوكب حول الشمس.
وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} [لقمان: 29] ولك أن تلحظ دقة الأداء القرآني في الانتقال من الفعل المضارع {يُولجُ} [لقمان: 29] إلى الماضي {سَخَّرَ} [لقمان: 29] ففي الكلام عن حركة الليل والنهار قال: {يُولجُ} [لقمان: 29] ولما تكلم عن الشمس والقمر قال: {سَخَّرَ} [لقمان: 29] لماذا؟
قالوا: لأن التسخير تم مرة واحدة، ثم استقر على ذلك، أما إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل فأمر مستمر يتكرر كل يوم، فناسبه المضارع الدالّ على التكرار.
وقوله تعالى: {كُلٌّ يجري إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [لقمان: 29] أي: إلى غاية محدودة؛ لذلك نسمي العمر النهائي: الأجل. والمراد بالأجل المسمى يوم القيامة، فكأن الخالق سبحانه ضمن لنا استمرار الشمس والقمر إلى قيام الساعة، فاطمئنوا.
ثم أيُّ عظمة هذه في كوكب مضيء ينير العالم كله منذ خلقه الله وإلى قيام الساعة، دون صيانة ودون قطعة غيار؛ ذلك لأنه مبني على التسخير القهري الذي يمنع الاختيار، فليس للشمس أنْ تمتنع عن الشروق وكذلك القمر، ومن العظمة في الألوهية هذه الرحمانية الرحيمة التي تحتضن الجميع المؤمن بها والكافر.
وفي هذه الآية ورد التعبير بلفظ {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [لقمان: 29] وفي مواضع أخرى ورد بلفظ {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الرعد: 2] باللام بدلًا من إلى، وكذلك في سورتي فاطر (13) والزمر (5)، ولكل من الحرفين معنى {إلى أَجَلٍ} [لقمان: 39] تعطينا الصورة لمشية الشمس والقمر قبل وصولهما الأجل، إنما {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [فاطر: 13] أي: الوصول المباشر للأجل.
وكما أن لليل مهمة وللنهار مهمة، كذلك للشمس مهمة، وللقمر مهمة بيَّنها الله في قوله: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضيَاءً والقمر نُورًا} [يونس: 5].
وفي موضع آخر قال سبحانه: {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ في السماء بُرُوجًا وَجَعَلَ فيهَا سرَاجًا وَقَمَرًا مُّنيرًا} [الفرقان: 61] فالضياء للشمس فيه نور وحرارة، على خلاف نور القمر الذي يناسب حالمًا لا حرارة فيه.
ومن عجائب أمر القمر أننا كُنَّا نحسبه قطعة من اللؤلؤ مضيئة في السماء، حتى إن الشعراء درجوا على تشبيه المحبوبة بالقمر، ولو عرفوا حقيقة القمر التي عرفناها نحن اليوم ما صحَّ منهم هذا التشبيه، فقد أطلعنا العلم أن القمر ما هو إلا حجارة وجسم معتم لا يضيء بذاته، إنما يعكس فقط ضوء الشمس؛ لذلك لما شبَّه أحد الشعراء محبوبته بالقمر أنكرتْ عليه هذا التشبه:
شبَّهْتُها بالبدْر فَاسْتضْحكتْ ** وقابَلَتْ قَوْلي بالنُّكْر

أي: تكلفت الضحك.
وَسفَّهَتْ قوْلي وقَالَتْ متَى ** سَمُجْتُ حتى صرْتُ كالبدْر

ولك أن تسأل فمن أين عرفت سماجة البدر، وأنه حجارة لا جمالَ فيها؟ تجيب هي حين تقول:
البَدْرُ لاَ يرنُو بعيْن كَما ** أَرْنُو ولاَ يَبْسمُ عن ثَغْر

ولاَ يُميط المرْطَ عن نَاهدٍ ** ولا يشدُّ العقد في نَحْر

مَنْ قَاسَ بالبَدْر صَفائي فَلا ** زَالَ أَسيرًا في يَدي هَجْري

إذن: فحقيقة القمر التي عرفناها أخيرًا آية من آيات الله الظاهرة والباطنة في الكون أطلعنا الله عليها بسلطان العلم، فلما تيسَّر للبشر الصعود إلى سطحه عرفنا أنه جسم مُعْتم، وصخور لا تنير بذاتها، إنما تعكس أشعة الشمس، فتصل إلينا هادئة حالمة، وكأن القمر كما يقولون: يصنع من الفسيخ شربات.
ومن حكمة الخالق سبحانه في خَلْق الشمس والقمر أن تكون الشمس ميزانًا لمعرفة اليوم، والقمر لمعرفة الشهر، وهو الأصل في التكليفات، لأن له شكلًا مميزًا في أول الشهر على خلاف الشمس؛ لذلك يقول سبحانه: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضيَاءً والقمر نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازلَ لتَعْلَمُوا عَدَدَ السنين والحساب} [يونس: 5].
وتتجلى عظمة التكليف الإلهي وارتباطه بالقمر في فريضة الحج مثلًا، بحيث يتنقل موعد الحج على مدار العام كله، فمرة يأتي في الصيف، وأخرى في الشتاء. إلخ مما يُيسّر للحجاج ما يناسب كلًا منهم من الجو الملائم، ويقطع الأعذار في التخلف عن أداء هذه الفريضة.
إذن: بالتوقيت القمري يأتي الحج في كل أوقات السنة؛ لذلك قال البعض: إن ليلة القدر دائرة في العام كله إذا ما قارنا التوقيت الشمسي بالتوقيت القمري، فإن اتفقنا على أن ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان، فإنها ستوافق أول يناير مثلًا، وفي العام التالي توافق الثاني، ثم الثالث وهكذا. وهذا من رحمة الله تعالى بعبادة.
ثم يقول سبحانه: {وَأَنَّ الله بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} [لقمان: 29] وما دام أنه سبحانه خبير بما تعملون، فهو الذي يهييء لكم صلاح العمل بخبرته وحكمته وقدرته وقيوميته؛ لذلك شرع لكم الأعمال التي تنظم حركة حياتكم وحركة عبادتكم؛ لذلك نجد رمضان مثلًا يدخل بالليل فنقول هذه الليلة من رمضان، أما يوم عرفة فيدخل بيومه لأنه يوم مجموع له الناس.
وقوله: {وَأَنَّ الله بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} [لقمان: 29] معطوفة على {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولجُ} [لقمان: 29] فالتقدير: وألم تر أن الله بما تعملون خبير.
ثم يقول الحق سبحانه: {ذَلكَ بأَنَّ الله هُوَ الحق}.
قوله تعالى: {ذَلكَ} [لقمان: 30] إشارة إلى ما تقدم ذكْره من دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل، وتسخير الشمس والقمر، ذلك كله {ذَلكَ بأَنَّ الله هُوَ الحق} [لقمان: 30] فكل ما تقدم نشأ عن صفة من صفات الله وهو الحق، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، فكأن ناموس الكون بكل أفلاكه وبكل المخلوقات فيه له نظام ثابت لا يتغير؛ لأن الذي خلقه وأبدعه حق {بأَنَّ الله هُوَ الحق} [لقمان: 30].
وما دام الله تعالى هو الحق فما يدَّعونه من الشركاء هم الباطل {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ من دُونه الباطل} [لقمان: 30]، فلا يوجد في الشيء الواحد حَقَّان، فإنْ كان أحدهما هو الحق فغيره هو الباطل، فالحق واحد ومقابله الباطل. وأيُّ باطل أفظع من عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة وشركاء مع الله عز وجل؟
كيف وهي حجارة صوَّروها بأيديهم وأقاموها ليعبدوها من دون الله، والحجارة جماد من جمادات الأرض، والجماد هو العبد الأول لكل المخلوقات، عبد للنبات، وعبد للحيوان، وعبد للإنسان؛ لأنه مُسخّر لخدمة هؤلاء جميعًا.
فكيف بك وأنت الإنسان الذي كرَّمك ربك وجعل لك عقلًا مفكرًا تتدنى بنفسك وترضى لها أنْ تعبد أدنى أجناس الوجود، وتتخذها شريكًا مع الله، وأنت ترى الريح إذا اشتدتْ أطاحتْ باللات أو بالعزى، وألقتْه على الأرض، وربما كُسرت ذراعه، فاحتاج لمن يصلح هذا الإله، إذن {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ من دُونه الباطل} [لقمان: 30].
لذلك؛ قلنا في الحروب التي تنشب بين الناس: إنها لا تنشب بين حقين؛ لأن الحقيقة لا يوجد فيها حقَّان، إنما هو حق واحد، والآخر لابد أن يكون باطلًا، أو تنشأ بين باطلين، أما نشأتها بين حق وباطل فإنها في الغالب لا تطول؛ لأن الباطل زهوق.
والعاقبة لابد أنْ تكون للحق ولو بعد حين، أما الباطل فإنه زَهُوق، إنما تطول المعركة إنْ نشبت بين باطلين، فليس أحد الطرفين فيها أهلًا لنصرة الله، فتظل الحروب بينهما حتى يتهالكا، وتنتهي مكاسب طغيان كل منهما، ولا يردهما إلا مذلَّة اللجوء إلى التصالح بعد أنْ فقدا كل شيء.
لذلك نرى هذه الظاهرة أيضًا في توزيع التركات والمواريث بين المستحقين لها، حيث ينشب بينهم الخلاف والطعن واللجوء إلى القضاء والمحامين حتى يستنفد هذا كله جزءًا كبيرًا من هذه التركة، حتى إذا ما صَفَتْ مما كان بها من أموال جُمعتْ بالباطل ترى الأطراف يميلون إلى الاتفاق والتصالح وتقسم ما بقي.
واقرأ إنْ شئت حديث رسول الله صلى الله عليهم وسلم: «مَنْ أصاب مالًا من مهاوش أذهبه الله في نهابر» ومعنى: مهاوش يعني التهويش أو كما نقول بيهبش من هنا ومن هنا، وطبيعي أن يُذهب الله هذا المال في الباطل وما لا فائدة منه.
وسبق أن أعطينا مثلًا لمصارف المال الحرام بالأب يرجع إلى بيته، فيجد ابنه مريضًا حرارته مرتفعة، فيسرع به إلى الطبيب ويصيبه الرعب، ويتراءى له شبح المرض، فينفق على ابنه المئات، أما الذي يعيش على الكفاف ويعرق في كسب عيشه بالحلال فيكفيه في مثل هذه الحالة قرص أسبرين وكوب ليمون، فالأول أصاب ماله من مهاوش، والآخر أصابه من الحلال.
فقول الله تعالى: {ذَلكَ بأَنَّ الله هُوَ الحق} [لقمان: 30] يعني: أن الحق هو الظاهر وهو الغالب، فإنْ قلتَ كيف ونحن نرى الباطل قد يعلو على الحق ويظهر عليه؟ ونقول: نعم، قد يعلو الباطل لكن إلى حين، وهو في هذه الحالة يكون جنديًا من جنود الحق، كيف؟ حينما يعلو الباطل وتكون له صَوْلَة لابد أن يعض الناس ويؤذيهم ويذيقهم ويلاته، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه ويتشوقون إليه.
إذن: لولا الباطل ما عرفنا ميزة الحق، ومثال ذلك الألم الذي يصيب النفس الإنسانية فينبهها إلى المرض، ويظهر لها علتها، فتطلب الدواء، فالألم جندي من جنود الشفاء، وقلنا سابقًا: إن الكفر جندي من جنود الإيمان.
لذلك لا تحزن إنْ رأيتَ الباطل عاليًا، فذلك في صالح الحق، واقرأ قول ربك عز وجل: {أَنَزَلَ منَ السماء مَاءً فَسَالَتْ أَوْديَةٌ بقَدَرهَا} [الرعد: 17] يعني: يأخذ كل وادٍ على قدره وسعَته من الماء {فاحتمل السيل زَبَدًا رَّابيًا} [الرعد: 17] وهو القش والفتات الذي يحمله الماء {وَممَّا يُوقدُونَ عَلَيْه في النار ابتغاء حلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مّثْلُهُ كذلك يَضْربُ الله الحق والباطل} [الرعد: 17] أي: مثلًا لكل منهما. {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد: 17] يعني: مطرودًا مُبْعدًا من الجفوة {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ في الأرض كذلك يَضْربُ الله الأمثال} [الرعد: 17].
وبعد أن بيَّن الحق سبحانه وتعالى أنه {الحق} [لقمان: 30] وأن غيره من آلهة المشركين هم الباطل ذكر لنفسه سبحانه صفتين أخريين {وَأَنَّ الله هُوَ العلي الكبير} [لقمان: 30] العلي الكبير يقولها الله تعالى، ويقولها رسوله صلى الله عليه وسلم، ونقولها نحن؛ لأن الله قالها؛ ولأن النبي الصادق أخبرنا بها، لكن المسألة أن يشهد بها مَنْ كفر بالله.
لذلك يعلمنا ربنا- تبارك وتعالى- أن نحمد الله حينما يشهد الكافر لله رغم كفره به، كما ورد في الآيات السابقة: {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُل الحمد للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25].
فهذه الشهادة منهم تستحق من المؤمن أن يقول: الحمد لله؛ لأنها شهادة ممَّنْ كفر بالله وكذَّب رسوله وحاربه، وأيضًا تنظر إلى هذا الكافر الذي تأبَّى على منهج الله وكذَّب رسوله حين يصيبه مرض مثلًا، أيستطيع أنْ يتأبى على المرض كما تأبَّى على الله؟ هذا الذي أَلف التمرد على الله: أيتمرد إنْ جاءه الموت.
واقرأ قوله تعالى: {وَإذَا مَسَّكُمُ الضر في البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إلاَّ إيَّاه} [الإسراء: 76] أي: لا يجدون أمامهم ساعة الكرب والهلاك إلا الله؛ لأن الإنسان في هذه الحالة لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها، بالله أرأيتم إنسانًا أحاطتْ به الأمواج، وأشرف على الهلاك يدعو يقول: يا هبل؟ إذن: الله هو العلي وهو الكبير، وغيره شرك وباطل.
وسبق أن ضربنا مثلًا للإنسان، وأنه لا يغشُّ نفسه، ولا يخدعها خاصة إذا نزلتْ به ضائقة بالحلاق أو حكيم الصحة كما يطلقون عليه، فهو يداوي أهل القرية ويسخر من طبيب الوحدة الصحية، ويتهمه بعدم الخبره لكن حين مرض ولده وأحسَّ بالخطر أخذ الولد وتسلَّل به في ظلام الليل، وذهب إلى الطبيب.
فلله وحده العلو، ولله وحده الكبرياء، بدليل أن الكافر حين تضطره أمور الحياة وتُلجئه إلى ضرورة لا مخرجَ منها لا يقول إلا: يالله يا رب.
فالله هو العليُّ بشهادة مَنْ كفر به، ثم أردف صفة {العلى} بصفة {الكبير}؛ لأن العلى يجوز أنه علا بطغيان وعدم استحقاق للعلو، لكن الحق سبحانه هو العلي، وهو الكبير الذي يستحق هذا العلو. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَاوَات وَمَا في الْأَرْض}.
{سخر لكم} تنبيه على الصنعة الدالة على الصانع من تسخير {ما في السموات} من الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب؛ {وما في الأرض} من الحيوان، والنبات، والمعادن، والبحار، وغير ذلك؛ وذلك لا يكون إلا بمسخر من مالك متصرف كما يشاء.
وقرأ ابن عباس، ويحيى بن عمارة: وأصبغ بالصاد، وهي لغة لبني كلب، يبدلونها من السين، إذا جامعت الغين أو الخاء أو القاف صادًا؛ وباقي القراء: بالسين على الأصل.
وقرأ الحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع، وأبو عمرو، وحفص: {نعمه} جمعًا مضافًا للضمير؛ وباقي السبعة، وزيد بن علي: نعمة، على الإفراد.
والظاهر أنه يراد بالنعمة الظاهرة: الإسلام، والباطنة: الستر.