فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وَإذَا غَشيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل} قال مقاتل: كالجبال.
وقال الكلبي: كالسحاب؛ وقاله قتادة: جمع ظُلّة؛ شبّه الموج بها لكبرها وارتفاعها.
قال النابغة في وصف بحر:
يماشيهن أخضر ذو ظلال ** على حافاته فلَق الدّنان

وإنما شبّه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع؛ لأن الموج يأتي شيئًا بعد شيء ويركب بعضه بعضًا كالظلل.
وقيل: هو بمعنى الجمع، وإنما لم يجمع لأنه مصدر.
وأصله من الحركة والازدحام؛ ومنه: ماج البحر، والناس يموجون.
قال كعب:
فجئنا إلى موج من البحر وسطه ** أحابيش منهم حاسر ومقنع

وقرأ محمد بن الحنفية: {مَوْجٌ كالظّلال} جمع ظلّ {دَعَوُا الله مُخْلصينَ لَهُ الدين} موحّدين له لا يدعون لخلاصهم سواه؛ وقد تقدّم.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} يعني من البحر.
{إلَى البر فَمنْهُمْ مُّقْتَصدٌ} قال ابن عباس: مُوفٍ بما عاهد عليه الله في البحر.
النقاش: يعني عدل في العهد، وفَى في البر بما عاده عليه الله في البحر.
وقال الحسن: {مُقْتَصدٌ} مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة.
وقال مجاهد: {مُقْتَصدٌ} في القول مضمر للكفر.
وقيل: في الكلام حذف؛ والمعنى: فمنهم مقتصد ومنهم كافر.
ودلّ على المحذوف قوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بآيَاتنَآ إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الختار: الغدار.
والختْر: أسوأ الغدر.
قال عمرو بن معديكرب:
فإنك لو رأيت أبا عمير ** ملأت يديك من غدْر وختْر

وقال الأعشى:
بالأبْلق الفَرْد من تَيْماء منزلُهُ ** حصنٌ حَصين وجارٌ غيرُ خَتّار

قال الجوهري: الختْر الغدر؛ يقال: ختره فهو ختار.
الماورديّ: وهو قول الجمهور.
وقال عطية: إنه الجاحد.
ويقال: ختر يَخْتر ويَخْتُر {بالضم والكسر} خَتْرا؛ ذكره القُشَيري.
وجحدُ الآيات إنكار أعيانها.
والجحد بالآيات إنكار دلائلها. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرى في البحر بنعْمَت الله}.
بإحسانه في تهيئة أسبابه وهو استشهادٌ آخرُ على باهر قُدرته وغاية حكمته وشمول إنعامه. والباءُ إمَّا متعلقةٌ بتجري أو بمقدَّرٍ هو حالٌ من فاعله أي ملتبسةٌ بنعمته تعالى. وقُرىء الفُلُك بضمّ اللام وبنعمات الله وعينُ فَعَلات يجوزُ فيه الكسرُ والفتحُ والسكونُ {ليُريَكُمْ مّنْ ءاياته} أي بعضَ دلائل وحدته وعلمه وقدُرته. وقولُه تعالى: {إنَّ في ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} تعليلٌ لما قبله أيْ إنَّ فيما ذُكر لآياتٍ عظيمةً في ذاتها كثيرةً في عددها لكلّ مَن يُبالغ في الصَّبر على المشاقّ فيتعبُ نفسَه في التفكر في الأنفس والآفاق ويبالغُ في الشُّكر على نعمائه وهما صفتا المُؤمن فكأنَّه قيلَ لكلَّ مؤمنٍ {وَإذَا غَشيَهُمْ} أي علاهُم وأحاطَ بهم {مَّوْجٌ كالظلل} كما يظل من جبلٍ أو سحابٍ أو غيرهما. وقُرىء كالظّلال جمْع ظُّلةٍ كقُلَّةٍ وقلالٍ. {دَعَوُا الله مُخْلصينَ لَهُ الدين} لزوال ما ينازعُ الفطرةَ من الهَوَى والتَّقليد بما دهاهم من الدَّواهي والشَّدائد {فَلَمَّا نجاهم إلَى البر فَمنْهُمْ مُّقْتَصدٌ} أي مقيمٌ على القصد السويّ الذي هو التَّوحيدُ أو متوسطٌ في الكُفر لانزجاره في الجُملة {وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدَّارٍ فإنَّه نقصٌ للعهد الفطريَّ أو رفضٌ لما كان في البحر. والخترُ أشدُّ الغدر وأقبحُه. {كَفُورٍ} مبالغٌ في كفران نعم الله تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرى في البحر بنعْمَت الله}.
استشهاد أخر على باهر قدرته جل وعلا وغاية حكمته عز وجل وشمول انعامه تبارك وتعالى، والمدار بنعمة الله تعالى إحسانه سبحانه في تهيئة أسباب الجري من الريح وتسخيرها فالباء للتعدية كما في مررت بزيد أو سببية متعلقة بتجري.
وجوز أن يراد بنعمته تعالى ما أنعم جل شأنه به مما تحمله الفلك من الطعام والمتاع ونحوه فالباء للملابسة والمصاحبة متعلقة بمحذوف وقع حالًا من ضمير الفلك أي جري مصحوبة بنعمته تعالى؛ وقرأ موسى بن الزبير {الفلك} بضم اللام ومثله معروف في فعل مضموم الفاء.
حكى عن عيسى بن عمر أنه قال: ما سمع فعل بضم الفاء وسكون العين إلا وقد سمع فيه فعل بضم العين.
وفي الكشاف كل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل، وجعل ضم العين للاتباع وإسكانها للتخفيف.
وقرأ الأعرج والأعمش وابن يعمر {عَبْدُ الله} بكسر النون وسكون العين جمعًا بالألف والتاء وهو جمع نعمة بكسر فسكون، ويجوز كما قال غير واحد في كل جمع مثله تسكين العين على الأصل وكسرها اتباعًا للفاء وفتحها تخفيفًا.
وقرأ ابن أبي عبلة {عَبْدُ الله} بفتح النون وكسر العين جمعًا لنعمة بفتح النون وهي اسم للتنعم، وقيل: بمعنى النعمة بالكسر {ليُريَكُمْ مّنْ ءاياته} أي بعض دلائل ألوهيته تعالى ووحدته سبحانه وقدرته جل شأنه وعلمه عز وجل، وقوله تعالى: {إنَّ في ذَلكَ ءايات لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} تعليل لما قبله أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة في ذاتها كثيرة في عدها لكل مبالغ في الصبر على بلائه سبحانه ومبالغ في الشكر على نعمائه جل شأنه.
و{صَبَّارٍ شَكُورٍ} كناية عن المؤمن من باب حي مستوى القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الايمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إما ترك للمألوف غالبًا وهو بالصبر أو فعل لما يتقرب به وهو شكر لعمومه فعل القلب والجوارح واللسان، ولذا ورد: الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر، وذكر الوصفين بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأن الراكب فيه لا يخلو عن الصبر والشكر، وقيل: المراد بالصبار كثير الصبر على التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق وإلا فلا اختصاص للآيات بمن تعب مطلقًا وكلا الوصفين بنيا بناء مبالغة، وفعال على ما في البحر أبلغ من فعول لزيادة حروفه، قيل: وإنما اختير زيادة المبالغة في الصبر إيماء إلى أن قليله لشدة مرارته وزيادة ثقله على النفس كثير.
{وَإذَا غَشيَهُمْ مَّوْجٌ} أي علاهم وغطاهم من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق وهو المناسب هنا، وقيل: أي أي أتاهم من الغشيان بمعنى الإتيان وضمير {غَشيَهُمْ} أن اتحد بضمير المخاطبين قبله ففي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة وإلا فلا التفات، والموج ما يعلو من غوارب الماء وهو اسم جنس واحدة موجة وتنكيره للتعظيم والتكثير، ولذا أفرد مع جمع المشبه به في قوله تعالى: {كالظلل} وهو جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب، والمراد بها ما أظل من سحاب أو جبل أو غيرهما.
وقرأ الراغب: الظلة السحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره، وفسر قتادة الظلل هنا بالسحاب، وبعضهم بالجبال، وقرأ محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه {كالظلال} وهو جمع ظلة أيضًا كعلبة وعلاب وجفرة وجفار، وإذا ظرف لقوله تعالى: {أَثْقَلَت دَّعَوَا} أي دعوا {الله مُخْلصينَ لَهُ الدين} إذا غشيهم موج كالظلل وإنما فعلوا ذلك حينئذ لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد.
{فَلَمَّا نجاهم إلَى البر فَمنْهُمْ مُّقْتَصدٌ} سالك القصد أي الطريق المستقيم لا يعدل عنه لغيره، وأصله استقامة الطريق ثم أطلق عليه مبالغة، والمراد بالطريق المستقيم التوحيد مجازًا فكأنه قيل: فمنهم مقيم على التوحيد، وقول الحسن: أي مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعمة يرجع إلى هذا، وقيل: مقتصد من الاقتصاد بمعنى التوسط والاعتدال.
والمراد حينئذ على ماقيل متوسط في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء موف بما عاهد عليه الله تعالى في البحر، وتفسيره بموف بعهده مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويدخل في هذا البعض على هذا المعنى عكرمة بن أبي جهل فقد روى السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يكفوا عن قتل أهلها إلا أربعة نفر منهم قال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل وقيس بن ضبابة وعبد الله بن أبي سرح فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصفة فقال أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجني في البر غيره.
اللهم إن لك على عهدًا إن أنت عافيني مما أنا فيه أن آتي محمدًا صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجنده عفوًا كريمًا فجاء وأسلم، وقيل: متوسط في الكفر لانزجاره بما شاهد بعض الانزجار.
وقيل: متوسط في الإخلاص الذي كان عليه في البحر فإن الإخلاص الحادث عند الخوف قلما يبقى لأحد عند زوال الخوف.
وأيًا ما كان فالظاهر أن المقابل لقسم المقتصد محذوف دل عليه قوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} والآية دليل ابن مالك ومن وافقه على جواز دخول الفاء في جواب لما ومن لم يجوز قال: الجواب محذوف أي فلما نجاهم إلى البر انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم جاحد، والختار من الختر وهو أشد الغدر ومنه قولهم: إنك لا تمد لنا شبرًا من غدر إلا مددنا لك باعًا من غدر، وبنحو ذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لابن الأزرق وأنشد قول الشاعر:
لقد علمت واستيقنت ذات نفسها ** بأن لا تخاف الدهر صرمى ولاخترى

ونحوه قول عمرو بن معدي كرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير ** ملأت يديك من غدر وختر

وفي مفردات الراغب الختر غدر يختر فيه الإنسان أي يضعف ويكسر لاجتهاده فيه أي وما يجحد بآياتنا ويكفر بها إلا كل غدار أشد الغدر لأن كفره نقض للعهد الفطري، وقيل: لأنه نقض لما عاهد الله تعالى عليه في البحر من الإخلاص له عز وجل: {كَفُورٌ} مبالغ في كفران نعم الله تعالى، و{خَتَّارٍ} مقابل لصبار لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور مقابل لشكور. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري في الْبَحْر بنعْمَت اللَّه ليُريَكُمْ منْ آيَاته}.
استئناف جاء على سنن الاستئنافين اللذين قبله في قوله: {ألم تروا أن الله سخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض} [لقمان: 20] وقوله: {ألم تر أن الله يُولج الليل في النهار} [لقمان: 29]، وجيء بها غير متعاطفة لئلا يتوهم السامع أن العطف على ما تخلل بينها، وجاء هذا الاستئناف الثالث دليلًا ثالثًا على عظيم حكمة الله في نظام هذا العالم وتوفيق البشر للانتفاع بما هيّأه الله لانتفاعهم به.
فلما أتى الاستئنافان الأولان على دلائل صنع الله في السماوات والأرض جاء في هذا الثالث دليل على بديع صنع الله بخلق البحر وتيسير الانتفاع به في إقامة نظام المجتمع البشري.
وتخلص منه إلى اتخاذ فريق من الناس موجبات الشكر دواعي كفر.
فكان خلق البحر على هذه الصفة العظيمة ميسرًا للانتفاع بالأسفار فيه حين لا تغني طرق البر في التنقل غناء فجعله قابلًا لحمل المراكب العظيمة، وألْهَم الإنسان لصنع تلك المراكب على كيفية تحفظها من الغرق في عباب البحر، وعصمهم من توالي الرياح والموج في أسفارهم، وهداهم إلى الحيلة في مصانعتها إذا طرأت حتى تنجلي، ولذلك وصف هذا الجري بملابسة نعمة الله فإن الناس كلما مَخرت بهم الفلك في البحر كانوا ملابسين لنعمة الله عليهم بالسلامة إلا في أحوال نادرة، وقد سميت هذه النعمة أمرًا في قوله: {والفلك تجري في البحر بأمره} في سورة الحج (65)، أي: بتقديره ونظام خلقه.
وتقدم تفصيله في قوله: {فإذا ركبوا في الفلك} في سورة العنكبوت (65)، وفي قوله: {هو الذي يُسيّركم في البرّ والبحر} الآيات من سورة يونس (22) وقوله: {ألم تر أن الله سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره} في سورة الحج (65).
ويتعلق {ليريكم} ب {تجري} أي: تجري في البحر جريًا، علةُ خَلْقه أن يريكم الله بعض آياته، أي: آياته لكم فلم يذكر متعلق الآيات لظهوره من قوله: {ليريكم} وجريُ الفلك في البحر آية من آيات القدرة في بديع الصنع أن خلق ماء البحر بنظام، وخلق الخشب بنظام، وجعل لعقول الناس نظامًا فحصل من ذلك كله إمكان سير الفلك فوق عباب البحر.
والمعنى: أن جري السفن فيه حكم كثيرة مقصودة من تسخيره، منها أن يكون آية للناس على وجود الصانع ووحدانيته وعلمه وقدرته.
وليس يلزم من لام التعليل انحصار الغرض من المعلَّل في مدخولها لأن العلل جزئيةٌ لا كلية.
وجملة {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} لها موقع التعليل لجملة {ليريكم من ءاياته} ولها موقع الاستئناف البياني إذ يخطر ببال السامع أن يسأل: كيف لم يهتد المشركون بهذه الآيات؟ فأفيد أن الذي ينتفع بدلالتها على مدلولها هو {كل صبّار شكور} ثناء على هذا الفريق صريحًا، وتعريضًا بالذين لم ينتفعوا بدلالتها.
واقتران الجملة بحرف {إنَّ} لأنه يفيد في مثل هذا المقام معنى التعليل والتسبب.
وجعل ذلك عدة آيات لأن في ذلك دلائل كثيرة، أي: الذين لا يفارقهم الوصفان.
والصبَّار: مبالغة في الموصوف بالصبر، والشَّكور كذلك، أي: الذين لا يفارقهم الوصفان.
وهذان وصفان للمؤمنين الموحّدين في الصبر للضراء والشكر للسراء إذ يرجون بهما رضى الله تعالى الذي لا يتوكلون إلا عليه في كشف الضر والزيادة من الخير.
وقد تخلقوا بذلك بما سمعوا من الترغيب في الوصفين والتحذير من ضديهما قال: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} [البقرة: 177]، وقال: {لئن شكرتم لأزيدَنَّكم} [إبراهيم: 7] فهم بين رجاء الثواب وخوف العقاب لأنهم آمنوا بالحياة الخالدة ذات الجزاء وعلموا أن مَصيرهم إلى الله الذي أمَر ونهى، فصارا لهم خلقًا تطبعوا عليه فلم يفارقاهم البتة أو إلا نادرًا؛ فأما المشركون فنظرهم قاصر على الحياة الحاضرة فهم أُسَراء العالم الحسيّ فإذا أصابهم ضر ضجروا وإذا أصابهم نفع بَطَروا، فهم أخلياء من الصبر والشكر، فلذلك كان قوله: {لكل صبّار شكور} كنايةً رمزية عن المؤمنين وتعريضًا رمزيًا بالمشركين.
ووجه إيثار خلقي الصبر والشكر هنا للكناية بهما، من بين شعب الإيمان، أنهما أنسب بمقام السير في البحر إذ راكب البحر بين خطر وسلامة وهما مظهر الصبر والشكر، كما تقدم في قوله تعالى: {هو الذي يسيركم في البرّ والبحر حتى إذا كنتم في الفلك} الآية في سورة يونس (22).