فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ عنْدَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الْأَرْحَام}.
مَفْهُومُ هَذَا الْخطَاب الْإخْبَارُ بمَا يَعْلَمُهُ هُوَ دُونَ خَلْقه وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا بإعْلَامه إيَّاهُ؛ وَفي ذَلكَ دَليلٌ عَلَى أَنَّ حَقيقَةَ وُجُود الْحَمْل غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عنْدَنَا وَإنْ كَانَتْ قَدْ يَغْلبُ عَلَى الظَّنّ وُجُودَهُ، وَهَذَا يُوجبُ أَنْ يَكُونَ نَافي حَمْلَ امْرَأَته منْ نَفْسه غَيْرَ قَاذفٍ لَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلكَ فيمَا سَلَفَ.
قَوْله تَعَالَى: {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالده شَيْئًا} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَحقُّ عنْدَ اللَّه فَضيلَةً بشَرَف أَبيه وَلَا بنَسَبه؛ لأَنَّهُ لَمْ يَخْصُصْ أَحَدًا بذَلكَ دُونَ أَحَدٍ، وَبذَلكَ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في قَوْله: «مَنْ أَبْطَأَ به عَمَلُهُ لَمْ يُسْرعْ به نَسَبُهُ وَقَالَ يَا بَني عَبْد الْمُطَّلب لَا يَأْتيني النَّاسُ بأَعْمَالهمْ وَتَأْتُوني بأَنْسَابكُمْ فَأَقُولُ إنّي لَا أُغْني عَنْكُمْ منْ اللَّه شَيْئًا». وَقَوْلُهُ: {لَا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده} مَعْنَاهُ لَا يُغْني، يُقَالُ: جَزَيْت عَنْك إذَا أَغْنَيْت عَنْك. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخْشُوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزي وَالدٌ عَن وَلَده} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه لا يغني والد عن ولده يقال جزيت عنك بمعنى أغنيت عنك، قاله ابن عيسى.
الثاني: لا يقضي والد عن ولده، قاله المفضل وابن كامل.
الثالث: لا يحمل والد عن ولده، قال الراعي:
وأجزأت أمر العالمين ولم يكن ** ليجزي إلا كاملٌ وابن كامل

أي حملت.
{وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا إنَّ وَعْدَ اللَّه حقٌّ} يعني البعث والجزاء.
{فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يغرنكم الإمهال عن الانتقام.
الثاني: لا يغرنكم المال عن الإسلام.
{وَلاَ يَغُرَّنَّكُم باللَّه الْغَرُورُ} وهي تقرأ على وجهين:
أحدهما: بالضم.
الثاني: بالفتح وهي قراءة الجمهور.
ففي تأويلها بالضم وجهان:
أحدهما: أن الغُرور الشيطان، قاله مجاهد.
الثاني: الأمل وهو تمني المغفرة في عمل المعصية، قاله ابن جبير.
ويحتمل ثالثًا: أن تخفي على الله ما أسررت من المعاصي.
قوله: {إنَّ اللَّهَ عندَهُ علْمُ السَّاعَة}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أن قيامها مختص بعلمه.
الثاني: أن قيامها موقوف على إرادته.
{وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ} فيما يشاء من زمان ومكان.
{وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَام} فيه وجهان:
أحدهما: من ذكر وأنثى، سليمٍ وسقيم.
الثاني: من مؤمن وكافر وشقي وسعيد.
{وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا} فيه وجهان:
أحدهما: من خير أو شر.
الثاني: من إيمان أو كفر.
{وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فيه وجهان:
أحدهما: على أي حكم تموت من سعادة أو شقاء، حكاه النقاش.
الثاني: في أي أرض يكون موته ودفنه وهو أظهر. وقد روى أبو مليح عن أبي عزة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْضَ رُوحٍ عَبْدٍ بَأَرْضٍ جَعَلَ إلَيْهَا حَاجَةً فَلَمْ يَنْته حَتَّى يُقَدمَهَا» ثم قرأ صلى الله عليه وسلم {إنَّ اللَّهَ عندَهُ علْمُ السَّاعَة} إلى قوله: {بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.
وقال هلال بن إساف: ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يدفن فيها.
{إنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: عليم بالغيب خبير بالنية.
الثاني: عليم بالأعمال خبير بالجزاء.
ويقال إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية يقال له الوارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى تقول الساعة؟ فنزلت هذه الآية، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزي وَالدٌ عَنْ وَلَده}.
{يجزي} معناه يقضي، والمعى لا ينفعه بشيء ولا يدفع عنه، و{هو جاز} جملة في موضع الصفة، أي ولا يجزي مولود قد كان في الدنيا يجزي، و{الغرور} التطميع بما لا يتحصل، و{الغرور} الشيطان، بذلك فسر مجاهد والضحاك وقال هو الأمل والتسويف، وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة {الغُرور} بضم العين، وقال سعيد بن جبير: معنى الآية أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة، وقرأ الجمهور {يَجزي} بفتح الياء من جزا، وقرأ عكرمة {يُجزي} بضم الياء على ما لم يسم فاعله، وحكى ابن مجاهد قراءة: {لا يُجزىء} بضم الياء والهمز وفي رفع {مولودٌ} اضطراب من النحاة قال المهدوي: ولا يكون مبتدأ لأنه نكرة وما بعده صفة له فيبقى بغير خبر.
وقرأ ابن أبي إسحاق وابن أبي عبلة ويعقوب {ولا يغرنكم} خفيفة النون، وقوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} ذكرالنقاش أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الخمس وروي أنه سأل عن بعضها عن جنين وعما يكسب ونحو هذا فنزلت الآية حاصرة لمفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى ولن تجد من المغيبات شيئًا إلا هذه أو ما يعيده النظر، والتأويل إليها، و{علم الساعة} مصدر مضاف إلى المفعول، أي كل ما شأنه أن يعلم من أمر الساعة ولكن الذي استأثر الله تعالى به هو علم الوقت وغير ذلك قد أعلم ببعض منه، وكذلك نزول الغيث أمر قد استأثر الله تعالى بتفصيله وعلم وقته الخاص به، وأمر الأجنة كذلك، وأفعال البشر وجميع كسبهم كذلك وموضع موت كل بشر كذلك إلا الأصقاع والموضع الخاص بالجسد، وقرأ ابن أبي عبلة {بأيَّة أرض} فتح الياء وزيادة تاء تأنيث، و{عليم خبير} صفتان متشابهتان لمعنى الآية، وقال ابن مسعود: كل شيء أوتي نبيكم إلا مفاتيح الخمس ثم تلا الآية، وقرأ: {وينزل} خفيفة أهل الكوفة وأبو عمرو وعيسى، وقرأ: {وينزّل} بالتثقيل نافع وأبو جعفر وعاصم وشيبة، وذكر أبو حاتم في ترجيح التثقيل رؤيا. انتهى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ} يعني الكافر والمؤمن؛ أي خافوه ووحّدوه.
{واخشوا يَوْمًا لاَّ يَجْزي وَالدٌ عَن وَلَده وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا} تقدّم معنى {يَجْزي} في البقرة وغيرها.
فإن قيل: فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنْث لم تَمَسَّه النار إلا تحلّة القسم» وقال: «من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهنّ كنّ له حجابًا من النار» قيل له: المعنيّ بهذه الآية أنه لا يحمل والدٌ ذنب ولده، ولا مولود ذنب والده، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر.
والمعنيُّ بالأخبار أن ثواب الصبر على الموت والإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النار، ويكون الولد سابقًا له إلى الجنة.
{إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي البعث {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ} أي تخدعنكم {الحياة الدنيا} بزينتها وما تدعو إليه فتّتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للآخرة {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} قراءة العامة هنا وفي سورة الملائكة والحديد بفتح الغين، وهو الشيطان في قول مجاهد وغيره، وهو الذي يغرّ الخلق ويمنّيهم الدنيا ويلهيهم عن الآخرة؛ وفي سورة النساء: {يَعدُهُمْ وَيُمَنّيهمْ} [النساء: 120].
وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السَّمَيْقَع بضم الغين؛ أي لا تغترّوا.
كأنه مصدر غرّ يغر غُرورًا.
قال سعيد بن جُبير: هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة.
{إنَّ اللَّهَ عنْدَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ}.
زعم الفراء أن هذا معنى النفي؛ أي ما يعلمه أحد إلا الله تعالى.
قال أبو جعفر النحاس: وإنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: في قول الله عز وجل: {وَعندَهُ مَفَاتحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] «إنها هذه» قلت: قد ذكرنا في سورة الأنعام حديث ابن عمر في هذا، خرجه البخاري.
وفي حديث جبريل عليه السلام قال: أخبرني عن الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، هن خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا}» قال: صدقت لفظ أبي داود الطيالسيّ.
وقال عبد الله بن مسعود: كل شيء أوتي نبيّكم صلى الله عليه وسلم غير خمس: {إنَّ الله عندَهُ علْمُ الساعة} الآية إلى آخرها.
وقال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملَك مقرّب ولا نبيّ مرسل؛ فمن ادّعى أنه يعلم شيئًا من هذه فقد كفر بالقرآن؛ لأنه خالفه.
ثم إن الأنبياء يعلمون كثيرًا من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم.
والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقي بالأنواء وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك؛ حسبما تقدّم ذكره في الأنعام.
وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده.
وروي أن يهوديًا كان يحسب حساب النجوم، فقال لابن عباس: إن شئت نبّأتك نجم ابنك، وأنه يموت بعد عشرة أيام، وأنت لا تموت حتى تعمى، وأنا لا يحول عليّ الحول حتى أموت.
قال: فأين موتك يا يهوديّ؟ فقال: لا أدري.
فقال ابن عباس: صدق الله: {وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فرجع ابن عباس فوجد ابنه محمومًا، ومات بعد عشرة أيام.
ومات اليهوديّ قبل الحول، ومات ابن عباس أعمى.
قال عليّ بن الحسين راوي هذا الحديث: هذا أعجب الأحاديث.
وقال مقاتل: إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمتُ متى وُلدت فأخبرني متى أموت، وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غدًا، وأخبرني متى تقوم الساعة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ ذكره القُشَيْري والماوَرْديّ.
وروى أبو المَليح عن أبي عَزّة الهُذليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يَقْدَمَها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنَّ الله عندَهُ علْمُ الساعة إلى قوله بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ}».
ذكره الماورديّ، وخرّجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود بمعناه.
وقد ذكرناه في كتاب التذكرة مستوفًى.
وقراءة العامة: {وَيُنَزّلُ} مشدّدًا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي مخففًا.
وقرأ أُبَيّ بن كَعْب: {بأَيَّة أَرْضٍ} الباقون {بأَيّ أَرْضٍ}.
قال الفراء: اكتفى بتأنيث الأرض من تأنيث أيّ.
وقيل: أراد بالأرض المكان فذكّر.
قال الشاعر:
فلا مُزْنة وَدَقَتْ ودْقَها ** ولا أرضَ أبقَل إبقالَها

وقال الأخفش: يجوز مررت بجارية أيّ جارية، وأيّة جارية.
وشبه سيبويه تأنيث أيّ بتأنيث كُلّ في قولهم: كُلَّتُهُنَّ.
{إنَّ الله عَلَيمٌ خَبيرٌ} {خَبيرٌ} نعت ل {عليم} أو خبر بعد خبر.
والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْمًا لاَّ يَجْزى وَالدٌ عَن وَلَده} أي لا يقضي عنه وقُرىء لا يُجزى من أجزأَ إذا أغنَى والعائدُ إلى الموصوف محذوفٌ أي لا يجزى فيه {وَلاَ مَوْلُودٌ} عطفٌ على والدٌ، أو هُو مبتدأٌ خبرُه {هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا} وتغييرُ النَّظم للدّلالة على أنَّ المولودَ أولى بأن لا يجزي وقطع طَمَع منَ توقَّع من المؤمنينَ أنْ ينفع أباهُ الكافرَ في الأخرة. {إنَّ وَعْدَ الله} بالثَّواب والعقاب {حَقّ} لا يمكن إخلافُه أصلًا {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} أي الشَّيطانُ المبالغُ في الغرور بأنْ يحملَكم على المعاصي بتزيينها لكمُ ويرجّيكُم التوبةَ والمغفرةَ.
{إنَّ الله عندَهُ علْمُ الساعة}.
علمُ وقت قيامها لما رُوي أنَّ الحارثَ بنَ عمروٍ أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال مَتَى السَّاعةُ وإنيّ قد ألقيتُ حَبَّاتي في الأرض فمتى السماءُ تُمطر؟ وحَمْلُ امرأتي ذكرٌ أَمْ أُنثى وما أعملُ غدًا، وأينَ أموتُ فنزلتْ. وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مفاتحُ الغيب خمسٌ» وتلا هذه الآية {وَيُنَزّلُ الغيث} في إبَّانه الذي قدَّره وإلى محلّه الذي عيَّنه في علمه، وقُرىء {يُنزل} من الإنزال، {وَيَعْلَمُ مَا في الارحام} من ذكرٍ أو أنثى تامَ أو ناقصٍ {وَمَا تَدْرى نَفْسٌ} من النُّفوس {مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا} من خيرٍ أو شرَ وربما تعزمُ على شيءٍ منهما فتفعلُ خلافَه {وَمَا تَدْرى نَفْسٌ بأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} كما لا تدري في أيّ وقتٍ تموتُ. رُوي: أنَّ ملكَ الموت مرَّ على سُليمانَ عليه السَّلامُ فجعلَ ينظرُ إلى رجلٍ من جلسائه. يُديمُ النَّظرَ إليه فقال الرَّجُل مَن هذا قالَ مَلَكُ الموت فقال كأنه يُريدني فمر الرَّيحَ أن تحملَني وتلقيني ببلاد الهند ففعلَ ثم قال المَلَكُ لسليمانَ عليهما السَّلامُ كان دوامُ نظري إليه تعجُّبًا منه حيثُ كنت أُمرتُ بأنْ أقبضَ روحَهُ بالهند وهو عندَك. ونسبةُ العلم إلى الله تعالى والدراية إلى العبد للإيذان بأنَّه إنْ أعملَ حيلَه وبذلَ في التَّعرف وسعَه لم يعرفْ ما هُو لاحقٌ به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره مما لم ينُصبْ له دليلٌ عليه. وقُرىء بأيَّة أرضٍ. وشبَّه سيبويه تأنيثَها بتأنيث كلَ في كلتهنَّ. {إنَّ الله عَليمٌ} مبالغٌ في العلم فلا يعزبُ عن علمه شيءٌ من الأشياء التي من جُملتها ما ذُكر. {خَبيرٌ} يعلمُ بواطنَها كما يعلمُ ظواهرَها. اهـ.