فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالمعنى إذن {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} [السجدة: 4] استتبَّ له أمر الخَلْق، {مَا لَكُمْ مّن دُونه من وَليٍّ وَلاَ شَفيعٍ} [السجدة: 4] الوليُّ: مَنْ يليك، ويكون قريبًا منك، وإليه تفزع في الأحداث، فهو ملجؤك الأول. والشفيع: الذي يشفع لك عند مَنْ يملك أمرك، فالوليُّ هو الذي ينصرك بنفسه، أمَّا الشفيع فهو يتوسط لك عند مَنْ ينصرك، فليس لك وليٌّ ولا شفيع من دون الله عز وجل.
لذلك يقول سبحانه: {وَإذَا مَسَّكُمُ الضر في البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إلاَّ إيَّاه} [الإسراء: 67] فلا أحد ينجيكم، ولا أحدَ يُسعفكم إلا الله {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4].
كأن هذه المسألة يجب أنْ تكون على بالك دائمًا، فلا تغفل عن الله؛ لأنك ابْنُ أغيار، والأحداث تتناوبك، فلا يستقرّ بك حال، فأنت بين الغنَى والفقر، والصحة والمرض، والقوة والضعف.
لذلك تذكَّر دائمًا أنه لا وليَّ ولا نصير لك إى الله، وإذا استحضرتَ ذلك دائمًا اطمأنَّ قلبك، ولم لا وأنت تستند إلى ولَّ وإلى نصير لا يخذلك أبدًا، ولا يتخلى عنك لحظة، فإذا خالط هذا الشعورُ قلبَك أقبلتَ على الأحداث بجسارة، وإذا أقبلتَ على الحدث بجسارة لم يأخذ الحدث من قوتك شيئًا؛ لأن الذي يخاف الأحداث يُضعف قوته الفاعلة.
فمثلًا صاحب العيال الذي يخاف الموت فيتركهم صغارًا لا عائلَ لهم لو راجع نفسه لقال لها: وَلمَ الخوفُ على العيال من بعدي، فهل أنا خلقتهُم، أم لهم خالق يرعاهم ويجعل لهم من المجتمع الإيماني آباءً متعددين؟ لو قال لنفسه ذلك ما اهتم لأمرهم، وصَدَق الذي قال مادحًا: أنتَ طرْتَ باليُتْم إلى حَدّ الكَمال.
وقال آخر:
قَال ذُو الآبَاء لَيْتى لاَ أبَا لي

ولَم لا؟ وقد كفل الإسلام للأيتام أنْ يعيشوا في ظل المجتمع المسلم أفضل مما يعيش مَنْ له أب وأم.
إذن: فالإنسان حينما يعلم أن له سندًا من ألوهية قادرة وربوبية لا تُسلمه يستقبل الحوادث بقوة، ويقين، ورضا، وإيمان بأنه لن يُسْلَم أبدًا ما دام له إيمان برب، وكلمة رب هذه ستأتي على باله قَسْرًا في وقت الشدة، حين يخذله الناس وتُعْييه الأسباب، فلا يجد إلا الله- حتى ولو كان كافرًا لقال في الشدة: يارب.
وقوله تعالى: {مّن دُونه} [السجدة: 4] يعني: لا يوجد غيره، وإنْ وُجد غَيْرٌ فبتحنين الله للغير عليك، فالخير أيًّا كان فمردُّه إلى الله.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء}.
في هذه الآية ردٌّ على الفلاسفة الذين قالوا بأن الله تعالى قادر وخالق، لكنه سبحانه زاول سلطانه في مُلْكه مرة واحدة، فخلق النواميس، وخلق القوانين، ثم تركها تعمل في إدارة هذا الكون، ونقول: لا بل هو سبحانه: {يُدَبّرُ الأمر} [السجدة: 5] أي: أمْر الخَلْق، وهو سبحانه قيُّوم عليه.
وإلا فما معنى {لاَ تَأْخُذُهُ سنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] إن قُلْنا بصحة ما تقولون؟ بل هو سبحانه خلق الكون، ويُدبّر شئونه على عينه عز وجل، والدليل على قيوميته تعالى على خَلْقه أنه خلق الأسباب على رتابة خاصة، فإذا أراد سبحانه خَرْق هذه الرتابة بشواذ تخرج عن القوانين المعروفة كما خرق لإبراهيم- عليه السلام- قانون الإحراق، وكما خرق لموسى- عليه السلام- قانون سيولة الماء، ومسألة خَرْق القوانين في الكون دليل على قيوميته تعالى، ودليل على أن أمر الخَلْق ما يزال في يده سبحانه.
ولو أن المسألة كما يقول الفلاسفة لكان الكون مثل المنبه حين تضبطه ثم تتركه ليعمل هو من تلقاء نفسه، ولو كان الأمر كذلك لانطفأتْ النار التي أُلقي فيها إبراهيم عليه السلام مثلًا.
لذلك لما سُئل أحد العارفين عن قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} [الرحمن: 29] ما شأن ربك الآن، وقد صحَّ أن القلم قد جفَّ؟ قال: أمور يبديها ولا يبتديها، يرفع أقوامًا ويضع آخرين.
إذن: مسألة الخَلْق إبداء لا ابتداء، فأمور الخَلْق مُعدَّة جاهزة مُسْبقًا، تنتظر الأمر من الله لها بالظهور.
وقلنا هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: {إنَّمَآ أَمْرُهُ إذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] فكلمة {يَقُولَ لَهُ} [يس: 82] تدل على أن هذا الشيء موجود بالفعل ينتظر أنْ يقول الله له: اظهر إلى حيّز الوجود.
فالحق سبحانه: {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض} [السجدة: 5] ثم تعود إليه سبحانه النتائج {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} [السجدة: 5] فالله سبحانه يرسل إلى الأرض، ثم يستقبل منها؛ لأن المدبّرات أمرًا من الملائكة لكل منهم عمله واختصاصه، وهذه المسألة نسميها في عالمنا عملية المتابعة عند البشر، فرئيس العمل يكلف مجموعة من موظفيه بالعمل، ثم لا يتركهم إنما يتابعهم ليستقيم العمل، بل ويحاسبهم كلًا بما يستحق.
والملائكة هي التي تعرج بالنتائج إليه سبحانه: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] فالعود سيكون للملائكة، وخَطْو الملائكة ليس كخَطْوك؛ لذلك الذي يعمله البشر في ألف سنة تعمله الملائكة في يوم.
ومثال ذلك ما قرأناه في قصة سليمان- عليه السلام- حين قال: {أَيُّكُمْ يَأْتيني بعَرْشهَا قَبْلَ أَن يَأْتُوني مُسْلمينَ} [النمل: 38].
وهذا الطلب من سليمان- عليه السلام- كان على ملأ من الإنس والجن، لكن لم يتكلم بشريٌّ، ولم يتصدَّ أحد منهم لهذا العمل، إنما تصدّى له عفريت، وليس جنّيًا عاديًا، والعفريت جنى ماهر له قدراته الخاصة، وإلا ففي الجن أيضًا من هو لبخة لا يجيد مثل هذه المهام، كما في الإنسان تمامًا.
قال العفريت: {أَنَا آتيكَ به قَبْلَ أَن تَقُومَ من مَّقَامكَ} [النمل: 39] وهذا يعني أنه سيتغرق وقتًا، ساعة أو ساعتين، أما الذي عنده علم من الكتاب فقال: {أَنَا آتيكَ به قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40].
يعني: في طرفة عين لما عنده من العلم؛ لذلك لما رأى سليمانُ العرشَ مستقرًا عنده في لمح البصر، قال: {قَالَ هذا من فَضْل رَبّي ليبلوني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40].
إذن: الفعل يستغرق من الزمن على قدْر قوة الفاعل، فكلما زادتْ القوة قَلَّ الزمن، وقد أوضحنا هذه المسألة في كلامنا على الإسراء والمعراج.
ومعنى: {مّمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] أي: من سنينكم أنتم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في الخلق:
وهو التقدير، وقيل: التقدير المستقيم.
ويستعمل في إبداع الشئ من غير أَصل ولا احتذاء.
قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ} أي أَبدعهما بدلالة.
قوله: {بَديعُ السَّمَاوَات وَالأَرْض}.
ويستعمل في إيجاد الشئ من الشئ.
قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وَاحدَةٍ}.
وليس الخلق بمعنى الإبداع إلاَّ لله تعالى.
ولهذا قال تعالى في الفصل بينه وبين غيره: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} وأَمّا الذي يكون بالاستحالة فقد جعله الله لغيره في بعض الأَحوال كعيسى عليه السّلام حيث قال: {وَإذْ تَخْلُقُ منَ الطّين كَهَيْئَة الطَّيْر} والخَلْق لا يستعمل في جميع النَّاس إلاَّ على وجهين:
أَحدهما في معنى التقدير كقوله:
ولأَنت تفرى ما خلقتَ وبعض الـ ** ـقوم يخلق ثم لا يفرى

والثانى: في الكذب نحو قوله تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إفْكًا}.
إن قيل: قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالقينَ} يدل على أَنَّه يصحّ أَن يوصف به غيره، قلنا: إن ذلك معناه: أَحسن المُقدّرين، أَو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أَنَّ غير الله يُبدعُ، فكأَنَّه قيل: فاحسَب أَنَّ هاهنا مبدعين وموجدين فالله تعالى أَحسنهم إيجادًا على ما يعتقدون، كما قال: {خَلَقُوا كَخَلْقه فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهمْ}.
وقوله تعالى: {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ اللَّه} قيل: هو إشارة إلى ما يشوّهونه من الخلْقة بالخصاء ونَتْف اللّحية وما يجرى مجراه.
وقيل: معناه يغيّرون حكمه.
وقوله: {لاَ تَبْديلَ لخَلْق اللَّه} إشارة إلى ما قدّره وقضاه.
وقيل: معنى لا تبديل نهى: لا تغيّروا خلقة الله.
وقوله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أَزْوَاجكُمْ} كناية عن فروج النساء.
وكلّ موضع استعمل فيه الخَلْق في وصف الكلام فالمراد به الكذب.
ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخَلْق على القرآن وعلى هذا قوله: {إنْ هذا إلاَّ خُلُقُ الأَوَّلينَ} وقوله: {مَا سَمعْنَا بهذا في الْملَّة الآخرَة إنْ هذا إلاَّ اخْتلاَقٌ}.
والخَلْق في معنى المخلوق.
والخَلْق والخُلْق في الأَصل واحد.
كالشَّرب والشُّرْب والصَّوم وَالصُّرْم، ولكن خُصّ الخَلْق بالهيئات والأَشكال والصّور المدرَكة بالبصر، وخُصّ الخُلْق بالقُوَى والسّجايا المدركة بالبصيرة.
قال تعالى لنبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} قال: ابن عباس رضى الله عنهما: لعَلَى دين عظيم لا دين أَحبُّ إلىّ ولا أَرضى عندى منه وهو دين الإسلام.
وقال الحسن: هو أَدب القرآن.
وقال قتادة: هو ما كان يأْتمر به من أَمر الله ويَنْتَهى عنه من نَهْى الله.
والمعنى: إنَّك لعلى الخُلُق الذي آثرك الله تعالى به في القرآن.
وفى الصّحيحين أَنَّ هشام ابن حَكيم سأَل عائشة عن خُلُق رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقالت: كان خُلُقه القرآن.
واعلم أَنَّ الدّين كلَّه خُلُق.
فمن زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في الدين، وكذا التصوّف.
قال الكتَّانى: هو خُلُق، فمن زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في التصوّف.
وقيل: حسن الخُلُق: بَذْل النَّدى، وكَفُّ الأَذَى.
وقيل: فَكُّ الكفّ، وكفُّ الفكّ.
وقيل: بذل الجميل وكفُّ القبيح.
وقيل: التخلى من الرذائل، والتحلّى بالفضائل.
وهو يقوم على أَربعة أَركان لا يُتصوّر قيام ساقه إلاَّ عليها: الصّبر والعفَّة والشَّجاعة والعدل.
فالصبر يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ وإماطة الأَذى والحلم والأَناة والرّفق وعدم الطَّيش والعجلة.
والعفَّةُ تحمله على اجتناب الرذائل والقبيح من القول والفعل.
وتحمله على الحياء وهو ركن كلَّ خير، وتمنعه من الفحش والبخل والكذب والغيبة والنَّميمية.
والشجاعةُ تحمله على عزَّة النَّفس وإيثار معالى الأَخلاق والشّيم، وعلى البذل والنَّدى الذي هو شجاعة النفس وقوّتها على إخراج المحبوب ومفارقته، وتحمله على كَظْم الغيظ والحلم فإنَّه بقوّة نَفْسه وشجاعتها يمْسك عنَانها ويكبحها بلجامها عن السّطوة والبطش؛ كما قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: «ليس الشَّديد بالصُّرَعة إنَّما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب» وهذه هي حقيقة الشجاعة وهى مَلكة يقتدر معها على قهر خصمه.
والعدل يحمله على اعتدال أَخلاقه وتوسّطه بين طرفى الإفراط والتَّفريط فيحمله على خُلُق الجود والسّخاء الذي هو توسّط بين الإمساك والتَّقتير، وعلى خُلُق الحياء الذي هو توسّط بين الذّلة والقحة، وعلى خُلُق الشَّجاعة الذي هو توسّط بين الجُبْن والتَّهوّر، وعلى خلق الحلم الذي هو توسّط بين الغضب والمهانة.
والتوسّط منشأُ جميع الأَخلاق الفاضلة من هذه الأَربعة.
والخَلْق ورد في القرآن على ثمانية أَوجه:
الأَوّل: بمعنى دين الحقّ {لاَ تَبْديلَ لخَلْق اللَّه} أي لدين الله {فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ اللَّه} أي دين الله.
الثانى: بمعنى الكذب {وَتَخْلُقُونَ إفْكًا} أي تكذبون {إنْ هذا إلاَّ خُلُقُ الأَوَّلينَ}.
الثالث: بمعنى التَّصوير {وَإذْ تَخْلُقُ منَ الطّين كَهَيْئَة الطَّيْر} أي تصوّر.
الرابع: بمعنى التقدير {لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي يقدَّرون.
الخامس: بمعنى الإنطاق {أَنطَقَنَا اللَّهُ} إلى قوله: {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوّلَ مَرَّةٍ} أي أَنطقكم.
السّادس: الخَلْقُ بمعنى الجعل {خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسكُمْ أَزْوَاجًا} {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أَزْوَاجكُمْ}.
السّابع: بمعنى الإحياء في القيامة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} أي بعثنا {بقَادرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مثْلَهُم} أي يبعث.
الثَّامن: بمعنى حقيقة الخلْقة {خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ} {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ وَاحدَةٍ} {أَمْ جَعَلُوا للَّه شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقه} وله نظائر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ}.
وتلك الأيام خَلَقَها منْ خَلْقٍ غير الأيام، فليس من شرط المخلوق ولا من ضرورته أن يخلقه في وقتٍ؛ إذ الوقتُ مخلوقٌ في غير الوقت وكما يستغنى في كونه مخلوقًا عن الوقت استغنى الوقتُ عن الوقت.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} ليس للعرش من هذا الحديث إلا هذا الخبر، {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} ولكن القديم ليس له حدٌّ، استوى على العرش لكن لا يجوز عليه القرب بالذات ولا البُعْد، استوىعلى العرش ولكنه أشدُّ الأشياء تَعَطُّشًا إلى شظية من الوصال لو كان للعرش حياة؟، ولكنَّ العرشَ جمادٌ. وأَنَّى يكون للجماد مراد؟! استوىعلى العرش لكنه صَمَدٌ بلا ندٍّ، أَحَدٌ بلا حَدٍّ.
{مَا لَكُم مّن دُونه من وَلىٍّ وَلاَ شَفيعٍ} إذا لم يُردْ بكم خيرًا فلا سماءَ عنه تُظلُّكم، ولا أرضَ بغير رضاه تُقلُّكم، ولا بالجواهرأحدٌ يناصركم، ولا أحدَ-إذا لم يُعْنَ بشأنكم في الدنيا والاخرة- ينظر إليكم.
{يُدَبّرُ الْأَمْرَ منَ السَّمَاء إلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ (5)}.
خَاطَبَ الخَلْقَ-على مقدار أفهامهم ويجوز لهم- عن الحقائق التي اعتادوا في تخاطبهم. اهـ.