فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأفرد {السَّمع} لأنه مصدر لا يجمع، وجمع {الأبصار والأفئدة} باعتبار تعدد الناس.
وتقديم السمع على البصر تقدّم وجهه عند قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} في سورة البقرة (7).
وتقديم: {السمع والأبصار} على {الأفئدة} هنا عكس آية البقرة لأنه روعي هنا ترتيب حصولها في الوجود فإنه يكتسب المسموعات والمبصرات قبل اكتساب التعقل.
و{قليلًا} اسم فاعل منتصب على الحال من ضمير {لكم} و{ما تشكرون} في تأويل مصدر وهو مرتفع على الفاعلية ب {قليلًا} أي: أنعم عليكم بهذه النعم الجليلة وحالكم قلة الشكر.
ثم يجوز أن يكون {قليلًا} مستعملًا في حقيقته وهي كون الشيء حاصلًا ولكنه غير كثير.
ويجوز أن يكون كناية عن العدم كقوله تعالى: {فلا يؤمنون إلا قليلًا} [النساء: 46].
وعلى الوجهين يحصل التوبيخ لأن النعم المستحقة للشكر وافرة دائمة فالتقصير في شكرها وعدمُ الشكر سواء.
{وَقَالُوا أَإذَا ضَلَلْنَا في الْأَرْض أَإنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بلقَاء رَبّهمْ كَافرُونَ (10)}.
الواو للحال، والحال للتعجيب منهم كيف أحالوا إعادة الخلق وهم يعلمون النشأة الأولى، وليست الإعادة بأعجب من بدء الخلق وخاصة بدء خلق آدم عن عدم، وخُلوّ الجملة الماضوية عن حرف قد لا يقدح في كونها حالًا على التحقيق.
والاستفهام في {أءذا ضللنا} للتعجب والإحالة، أي أظهروا في كلامهم استبعاد البعث بعد فناء الأجساد واختلاطها بالتراب، مغالطة للمؤمنين وترويجًا لكفرهم.
والضّلال: الغياب، ومنه: ضلال الطريق، والضالة: الدابة التي ابتعدت عن أهلها فلم يعرف مكانها.
وأرادوا بذلك إذا تفرقت أجزاء أجسادنا في خلال الأرض واختلطت بتراب الأرض.
وقيل: الضلال في الأرض: الدخول فيها بناء على أنه يقال: أضلّ الناسُ الميت، أي: دفنوه.
وأنشدوا قول النابغة في رثاء النعمان بن الحارث الغساني:
فآب مُضلّوه بعين جَلية ** وغُودر بالجَوْلان حَزم ونائل

وقرأه نافع والكسائي ويعقوب: {إنا لفي خلق جديد} بهمزة واحدة على الإخبار اكتفاء بدخول الاستفهام على أول الجملة ومتعلقها.
وقرأ الباقون {أإنا لفي خلق جديد} بهمزتين أولاهما للاستفهام والثانية تأكيد لهمزة الاستفهام الداخلة على {أإذا ضللنا في الأرض} وقرأ ابن عامر بترك الاستفهام في الموضعين على أن الكلام خبر مستعمل في التهكم.
وتأكيد جملة {إنَّا لفي خلق جديد} بحرف {إنَّ} لأنهم حكوا القول الذي تعجبوا منه وهو ما في القرآن من تأكيد تجديد الخلق فحكوه بالمعنى كما في الآية الأخرى: {وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل يُنَبّئكم إذا مُزّقْتُم كلَّ ممزَّق إنكم لفي خلق جديد} [سبأ: 7]، أي: يُحَقّق لكم ذلك.
و{إذا} ظرف وهو معمول لما في جملة {إنا لفي خلق جديد} من معنى الكون.
والخلق: مصدر.
و{في} للظرفية المجازية ومعناها المصاحبة.
والجديد: المحدث، أي غير خلقنا الذي كنا فيه.
و{بل} من {بل هُم بلقاء ربهم كافرون} إضراب عن كلامهم، أي ليس إنكارهم البعث للاستبعاد والاستحالة لأن دلائل إمكانه واضحة لكل متأمل ولكن الباعث على إنكارهم إياه هو كفرهم بلقاء الله، أي كفرهم الذي تلقوه عن أيمتهم عن غير دليل، فالمعنى: بل هم قد أيقنوا بانتفاء البعث فهم متعنّتون في الكفر مُصرّون عليه لا تنفعهم الآيات والأدلة.
فالكفر المثبت هنا كفر خاص وهو غير الكفر الذي دل عليه قولهم {أإذا ضَلَلْنا في الأرض إنا لفي خلق جديد} فإنه كفر بلقاء الله لكنهم أظهروه في صورة الاستبعاد تشكيكًا للمؤمنين وترويجًا لكفرهم.
وتقديم المجرور على {كافرون} للرعاية على الفاصلة، والإتيان بالجملة الاسمية لإفادة الدوام على كفرهم والثبات عليه. اهـ.

.قال الشعراوي:

قوله تعالى: {ذلك} [السجدة: 6].
إشارة إلى تدبير الأمر من السماء إلى الأرض، ثم متابعة الأمر ونتائجه، هذا كله لأنه سبحانه: {عَالمُ الغيب والشهادة} [السجدة: 6] وأنه سبحانه: {العزيز الرحيم} [السجدة: 6] فالحق سبحانه يُعلّمنا أن الآمر لابد أنْ يتابع المأمور.
وقلنا: إن عالم الغيب تعني أنه بالأوْلى يعلم الشهادة، لكن ذكر الحق سبحانه علمه بالشهادة حتى لا يظن أحد أن الله غَيْب، فلا يعلم إلا الغيب، وقد بيَّنّا معنى الشهادة هنا حينما تكلَّمنا عن قوْل الله تعالى: {يَعْلَمُ الجهر منَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء: 110].
والجهر أو الشهادة يعني الجهر المختلط حين تتداخل الأصوات، فلا تستطيع أنْ تُميّزها، مع أنها جهر أمامك وشهادة، أما الحق سبحانه فيعلم كل صوت، ويردُّه إلى صاحبه، فعلْم الجهر هنا أقوى من علم الغيب.
ومعنى {العزيز} [السجدة: 6] أي: الذي لا يُغلَب ولايُقهر، فلا يلويه أحد من علمه، ولا عن مراداته في كَوْنه، ومع عزَّته فهو سبحانه: {الرحيم}.
{الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإنْسَان منْ طينٍ (7)}.
الخَلْق إيجاد من عدم بحكمة، ولغاية ومهمة مرسومة، وليس عَبَثًا هكذا يخلق الأشياء كما اتفق، فالخالق- عز وجل- قبل أنْ يخلق يعلم ما يخلق، ويعلم المهمة التي سيؤديها؛ لذلك يخلق سبحانه على مواصفات تحقق هذه الغاية، وتؤدي هذه المهمة.
وقد يُخيَّل لك أن بعض المخلوقات لا مهمةَ لها في الحياة، أو أن بعضها كان من الممكن أنْ يُخلَق على هيئة أفضل مما هي عليها.
ونذكر هنا الرجل الذي تأمل في كون الله فقال: ليس في الإمكان أبدعُ مما كان. والولد الذي رأى الحداد يأخذ عيدان الحديد المستقيمة، فيلويها ويُعْوجها، فقال الولد لأبيه: لماذا لا يترك الحداد عيدان الحديد على استقامتها؟ فعلَّمه الوالد أن هذه العيدان لا تؤدي مهمتها إلا باعوجاجها، وتأمل مثلًا الخطَّاف وآلة جمع الثمار من على الأشجار، إنها لو كانت مستقيمة لما أدَّتْ مهمتها.
وفي ضوء هذه المسألة نفهم الحديث النبوي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء: «إنهن خُلقْنَ من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإنْ ذهبتَ تقيمه كسرته، وإنْ تركته لم يَزَلْ أعوج، فاستوصوا بالنساء».
وحين تتأمل الضلوع في قفصك الصدري تجد أنها لا تؤدي مهمتها في حماية القلب والرئتين إلا بهذه الهيئة المعْوَجة التي تحنو على أهم عضوين في جسمك، فكأن هذا الاعوجاج رأفة وحُنُو وحماية، وهكذا مهمة المرأة في الحياة، ألاَ تراها في أثناء الحمل مثلًا تترفق بحملها وتحافظ عليه، وتحميه حتى إذا وضعتْه كانت أشدَّ رفقًا، وأكثر حنانًا عليه؟
إذن: هذا الوصف من رسول الله ليس سُبَّة في حق النساء، ولا إنقاصًا من شأنهن؛ لأن هذا الاعوجاج في طبيعة المرأة هو المتمم لمهمتها؛ لذلك نجد أن حنان المرأة أغلب من استواء عقلها، ومهمة المرأة تقتضي هذه الطبيعة، أما الرجل فعقله أغلب ليناسب مهمته في الحياة، حيث يُنَاط به العمل وترتيب الأمور فيما وُلّي عليه.
إذن: خلق الله كلًا لمهمة، وفي كل منَّا مهما كان فيه من نقص ظاهر- مَيْزة يمتاز بها، فالرجل الذي تَراه لا عقلَ له ولا ذكاءَ عنده تقول: ولماذا خلق الله مثل هذا؟ لكن تراه قويَّ البنية، يحمل من الأثقال والمشاقّ ما لا تتحمله أنت، والرجل القصير مثلًا، ترى أنت عيبه في قصَر قامته، لكن يراها غيرك ميزة من مزاياه، وربما استدعاه للعمل عنده لهذه الصفة فيه.
وحين تتأمل مثلًا عملية التعليم، وتقارن بين أعداد التلاميذ في المرحلة الابتدائية، وكم منهم يصل إلى مرحلة التعليم العالي. وكم منهم يتساقطون في الطريق؟ ولو أنهم جميعًا أخذوا شهادات عليا لما استقام الحال، وإلاَّ فمَر للمهن المتواضعة والحرف وغيرها.
إذن: لابد أنْ يوجد هذا التفاوت؛ لأن العقل الواحد يحتاج إلى آلاف ينفذون خطته، وقيمة كل امرئ ما يُحسنه مهما كان عمله.
لذلك قلنا: إنه لا ينبغي لأحد أنْ يتعالى على أحد؛ لأنه يمتاز عنه في شيء ما، إنما ينظر فيما يمتاز به غيره؛ لأن الخالق عز وجل وزّع المواهب بين الخَلْق جميعًا، ويكفي أن تقرأ قول الحق سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مّنْهُمْ} [الحجرات: 11].
فالله تعالى: {الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] لأن لكل مخلوق مهمة مُهيّأ لها، وتعجب من تصاريف القدر في هذه المسألة فتجد أخوين، يعمل أحدهما في العطور، ويعمل الآخر في الصرف الصحي، وتجد هذا راضيًا بعمله، وهذا راضٍ بعمله.
حتى أنك تجد الناس الذين خلقهم الله على شيء من النقص أو الشذوذ حين يرضى الواحد منهم بقسمة الله له وقدره فيه يسود بهذا النقص، أو بهذا الشذوذ، وبعضنا لاحظ مثلًا الأكتع إذا ضرب شخصًا بهذه اليد الكتعاء، كم هي قوية! وكم يخافه الناس لأجل قوته! وربما يجيد من الأعمال ما لا يجيده الشخص السوَّي.
فإنْ قلتَ: إذا كان الخالق سبحانه أحسن كل شيء خلقه، فما بال الكفر، خلقه الله وما يزال موجودًا، فأيُّ إحسان فيه؟
نقول: والله لولا طغيان الكافرين ما عشق الناسُ الإيمانَ، كما أنه لولا وجود الظلم والظالمين لما شعر الناس بطَعْم العدل. إذن: فالحق سبحانه يخلق الشيء، ويخلق من ضده دافعًا له.
ثم يقول سبحانه: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان من طينٍ} [السجدة: 7] فالإنسان الذي كرّمه الله على سائر المخلوقات بدأه الله من الطين، وهو أدنى أجناس الوجود، وقلنا: إن جميع الأجناس تنتهي إلى خدمة الإنسان. الحيوان وهو أقربها للإنسان، ثم النبات، ثم الجماد، ومن الجماد خُلق الإنسان.
وقد عوَّض الله عز وجل الجماد الخادم لباقي الأجناس حين أمر الإنسان المكرَّم بأن يُقبّله في فريضة كُتبت عليه مرة واحدة في العمر، وهي فريضة الحج، فأمره أن يُقبّل الحجر الأسود، وأنْ يتعبد لله تعالى بهذا التقبيل؛ لذلك يتزاحم الناس على الحجر، ويتقاتلون عليه، وهو حجر، وهم بشر كرَّمهم الله، وما ذلك إلا ليكسر التعالي في النفس الإنسانية، فلا يتعالى أحد على أحد.
وسبق أنْ بيّنا أن المغرضين الذين يحبون أنْ يستدركوا على كلام الله قالوا: إن الله تعالى قال في مسألة الخَلْق مرة {مّن مَّاءٍ} [المرسلات: 20] ومرة {من تُرَابٍ} [الكهف: 37] ومرة {مّن طينٍ} [المؤمنون: 12] ومرة {من صَلْصَالٍ} [الحجر: 33] ومرة {مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26]. الخ، فأيُّ هذه العناصر أصل للإنسان؟
وقلنا: إن هذه مراحل مختلفة للشيء الواحد، والمراحل لا تقتضي النية الأولية، فالماء والتراب يُكوّنان الطين، فإذا تُرك الطين حتى تتغير رائحته فهو الحمأ المسنون، فإذا تُرك حتى يجفَّ ويتجمد فهو الصلصال، فهذه العناصر لا تعارض بينها، ويجوز لك أنْ تقول: إن الإنسان خُلق من ماء، أو من تراب، أو من طين. إلخ.
والمراد هنا الإنسان الأول، وهو سيدنا آدم- عليه السلام- ثم أخذ الله سلالته من ماء مهين، والسلالة هي خلاصة الشيء، فالخالق سبحانه خلقنا أولًا من الطين، ثم جعل لنا الأزواج والتناسل الذي نتج عنه رجال ونساء.
ثم يحتفظ الخالق سبحانه لنفسه بطلاقة القدرة في هذه المسألة، وكأنه يقول لك: إياك أنْ تفهم أنني لا أخلق إلا بالزوجية، إنما أنا أستطيع أنْ أخلق بلا زوجية كما خلقْتُ آدم، وأخلق من رجل بلا امرأة كما خلقتُ حواء، وأخلق من امرأة بلا رجل كما خلقتُ عيسى عليه السلام.
وقد تتوفر علاقة الزوجية ويجعلها الله عقيمًا لا ثمرةَ لها، وهكذا تناولت طلاقة القدرة كل ألوان القسمة العقلية في هذه المسألة، واقرأ إنْ شئتَ: {للَّه مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لمَن يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لمَن يَشَاءُ الذكور أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقيمًا إنَّهُ عَليمٌ قَديرٌ} [الشورى: 49-50].
إذن: هذه مسألة طلاقة قدرة للخالق سبحانه، وليست عملية ميكانيكية، لأنها هبَة من الله {يَهَبُ لمَن يَشَاءُ إنَاثًا} [الشورى: 49] ولاحظ أن الله قدَّم هنا الإناث، وهم الجنس الذي لا يفضّله الناس أن يُولد لهم، ولكن تجد الذي يرزقه الله بالبنت فيفرح بها، ويعلم أنها هبَة من الله يُعوّضه الله بزوج لها يكون أطوعَ له من ولده.
كما أنه لو رضي صاحب العُقْم بعُقْمه، وعلم أنه هبَة من الله لَعَّوضه الله في أبناء الآخرين، وشعر أنهم جميعًا أبناؤه، ولماذا نقبل هبة الله في الذكور وفي الإناث، ولا نقبل العقم، وهو أيضًا هبة الله؟
ثم ألستَ ترى من الأولاد مَنْ يقتل أباه، ومَنْ يقتل أمه؟ إذن: المسألة تحتاج منّا إلى الرضا والتسليم والإيمان بأن العُقْم هبة، كما أن الإنجاب هبة.
ثم إن خَلْق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام من طين جاء من البداية على صورته التامة الكاملة، فخلقه الله رجلًا مستويًا، فلم يكُنْ مثلًا طفلًا ثم كبر وجرتْ عليه سنة التطور، لا إنما خلقه الله على صورته، أي: على صورة آدم.
والبعض يقول: خلق الله آدم على صورته أي على صورة الحق، فالضمير يعود إلى الله تعالى، والمراد: على صورة الحق لا على حقيقة الحق، فالله تعالى حيٌّ يَهَب من حياته حياة، والله قوي يهب من قوته قوة، والله غنيٌّ يهب من غنَاه غنَي، والله عليم يَهبُ من علمه علمًا.
لذلك قيل: «تخلَّقوا بأخلاق الله» لأنه سبحانه وهبكم صفات من صفات تجلّيه، وقد وهبكم هذه الصفات، فاجعلوا للصفة فيكم مزية وتخلَّقوا بها، فمثلًا كُنْ قويًا على الظالم، ضعيفًا متواضعًا للمظلوم، على حَدّ قول الله تعالى في صفات المؤمنين: {أَشدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
وقال: {أَذلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54].
وهذه الصفات المتناقصة تجتمع في المؤمن؛ لأنه ليس له طبع واحد، إنما الموقف والتكليف هو الذي يصبغه ويلويه إلى الصفة المناسبة.
وقلنا: إن علماء التحاليل في معاملهم أثبتوا صدْق القرآن في هذه الحقيقة، وهي خَلْق الإنسان من طين حينما وجدوا أن العناصر المكوّنه لجسم الإنسان هي ذاتها العناصر الموجودة في التربة، وعددها 16 عنصرًا، أقواها الأكسوجين، ثم الكربون، ثم الهيدروجين، ثم النيتروجين، ثم الصوديوم، ثم الماغنسيوم، ثم البوتاسيوم. إلخ.
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ منْ سُلَالَةٍ منْ مَاءٍ مَهينٍ (8)}.
النسل هو الأنجال والذرية، والسلالة: خلاصة الشيء تُسلُّ منه كما يُسلُّ السيف من غمده، فالسلالة هي أجود ما في الشيء، ولذلك نقول: فلان من سلالة كذا، وفلان سليل المجد. يعني: في مقام المدح. حتى في الخيل يحتفظون لها بسلالات معروفة أصيلة ويُسجلون لها شهادات ميلاد تثبت أصالة سلالتها.
هذا النسل وهذه السلالة خلقها الله من ماء، وهو منيٌّ الرجل وبويضة المرأة.