فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم ذكر ما يترتب على نفخ الروح في الجسد مخاطبًا للذرية بقوله تعالى: {وجعل لكم} بعد أن كنتم نطفًا أمواتًا {السمع} أي: لتدركوا به ما يقال لكم {والأبصار} أي: لتدركوا بها الأشياء على ما هي عليه {والأفئدة} أي: القلوب المودعة غرائز العقول.
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم السمع على البصر والبصر على الأفئدة؟
أجيب بأن الإنسان يسمع أولًا كلامًا فينظر إلى قائله ليعرفه ثم يتفكر بقلبه في ذلك الكلام ليفهم معناه، فإن قيل: ما الحكمة في ذكره المصدر في السمع وفي البصر والفؤاد الاسم، ولهذا جمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع؛ لأن المصدر لا يجمع؟
أجيب: بأن السمع قوة واحدة ولها محل واحد وهو الأُذن ولا اختيار لها فيه، وإن الصوت من أي جانب كان واصل إليه ولا قدرة للأُذن على تخصيص السمع بإدراك البعض دون البعض، وأما البصر فمحله العين ولها فيه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب المرئي دون غيره، وكذلك الفؤاد محله الإدراك وله نوع اختيار يلتفت إلى ما يريدون غيره.
فالسمع أصل دون محله لعدم الاختيار له، والعين كالأصل، وقوة الإبصار آلتها، والفؤاد كذلك، وقوة الفهم آلته، فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة، وفي الإبصار والأفئدة الاسم الذي هو محل القوة، ولأن السمع قوة واحدة لها محل واحد، ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما ويرى في زمان واحد صورتين فأكثر ويثبتهما.
فإن قيل: لم قدم السمع هنا وقدم القول في قوله تعالى في البقرة {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم}.
أجيب: بأنه تعالى عند الإعطاء ذكر الأدنى ثم ارتقى إلى الأعلى فكأنه قال: أعطاكم السمع ثم أعطاكم ما هو أشرف منه وهو القلب، وعند السلب قال: ليس لهم قلب يدركون به ولا ما هو دونه وهو السمع الذي يسمعون به ممن له قلب يفهم الحقائق ويستخرجها.
ولما لم يبادروا إلى الإيمان عند التذكير بهذه النعم الجسام قال تعالى: {قليلًا ما تشكرون} أي: تشكرون شكرًا قليلًا، فما مزيدة مؤكدة للقلة.
وقوله تعالى: {وقالوا} معطوف على ما سبق منهم فإنهم قالوا: محمد ليس برسول، والإله ليس بواحد، والبعث ليس بممكن فدل على صحة الرسالة بنفي الريب عن الكتاب، ثم على الوحدانية بشمول القدرة وإحاطة العلم بإبداع الخلق على وجه هو نعمة لهم، وختم بالتعجب من كفرهم وكان استبعادهم للبعث الذي هو الثابت الأصل من أعظم كفرهم وهو قولهم {أئذا} أي: انبعث إذا {ضللنا} أي: غبنا {في الأرض} أي: صرنا ترابًا مخلوطًا بتراب الأرض لا نتميز منه، وأصله من ضل الماء في اللبن إذا أذهب فيه، وقولهم {أئنا لفي خلق جديد} أي: يجدد خلقنا استفهام إنكاري زيادة في الاستبعاد.
فإن قيل: إنه تعالى ذكر الرسالة من قبل وذكر دليلها وهو التنزيل الذي لا ريب فيه، وذكر الوحدانية، وذكر دليلها وهو خلق السموات والأرض وخلق الإنسان من طين. ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل؟
أجيب: بأنه ذكر دليله أيضًا وهو أن خلقة الإنسان ابتداء دليل على قدرته على الإعادة، ولهذا استدل تعالى على إنكار الحشر بالخلق الأول ثم يعيده وهو أهون عليه وقوله تعالى: {الذي أنشأها أول مرة}.
وأيضًا {خلق السموات والأرض} كما قال: {أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أنه يخلق مثلهم بلى}.
وقرأ نافع والكسائي {أئذا ضللنا في الأرض} أنا الأول: بالاستفهام والثاني: بالخبر، وقرأ ابن عامر الأول بالخبر الثاني بالاستفهام، والباقون بالاستفهام فيهما، ومذهب قالون وأبي عمرو في الاستفهام تسهيل الثانية وإدخال الألف بينها وبين همزة الاستفهام، وورش وابن كثير بتسهيل الثانية من غير إدخال وهشام يسهل الثانية ويحققها مع الإدخال، والباقون بتحقيقهما من غير إدخال. وقوله تعالى: {بل هم بلقاء ربهم كافرون} أي: جاحدون إضراب عن الأول أي: ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانيًا، بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة، حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب، أو يكون المعنى لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم بلقاء الله، فإنهم كرهوه فأنكروا المفضي إليه، ثم بين لهم ما يكون من الموت إلى العذاب بقوله تعالى: {قل} أي: يا أفضل الخلق لهم {يتوفاكم} أي: يقبض أرواحكم {ملك الموت الذي وكل بكم} أي: بقبض أرواحكم وهو عزرائيل عليه السلام والتوفي: استيفاء العدد، معناه: أن يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت، روي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحةٍ لليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة، فهو يقبض أنفس الخلق من مشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وأعوان من ملائكة العذاب. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب، وقال مجاهد: جعلت الأرض مثل الطست يتناول منها حيث يشاء.
وفي بعض الأخبار: أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فتنزع أعوانه روح الإنسان، فإذا بلغ ثغرة نحره قبضه ملك الموت، وعن معاذ بن جبل أن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب وهو يتصفح وجوه الناس فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين، فإذا رأى إنسانًا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة وقال: الآن يزار بك عسكر الموت، فيصير ملقىً لا روح في شيء منه وهو على حاله كاملًا لا نقص في شيء منه يدعى الخلل بسببه.
فإذا كان هذا فعل عبد من عبيده تعالى صرّفه في ذلك فقام به كما ترونه مع أن ممازجة الروح للبدن أشد من ممازجة تراب البدن لبقية التراب؛ لأنه ربما يستدل بعض الحذق على بعض ذلك بنوع دليل من شم ونحوه، فكيف يستبعد شيء من الأشياء على رب العالمين ومدبر الخلائق أجمعين. نسأل الله تعالى أن يقبضنا على التوحيد، وأن يستعملنا في طاعته ما أحيانا ويفعل ذلك بأهلنا وإحبائنا.
ولما قام هذا البرهان القطعي على قدرته التامة علم أن التقدير: ثم يعيدكم خلقًا جديدًا كما كنتم أول مرة فحذفه كما هو عادة القرآن في حذف كل ما دل عليه السياق ولم يدع داع إلى ذكره، وعطف عليه قوله تعالى: {ثم إلى ربكم} أي: الذي ابتدأ خلقكم وتربيتكم وأحسن إليكم غاية الإحسان {ترجعون} أي: تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم.
ولما تقرر دليل البعث بما لا خفاء فيه ولا لبس شرع في بعض أحواله بقوله تعالى: {ولو ترى} أي: تبصر {إذ المجرمون} أي: الكافرون {ناكسوا رءوسهم} أي: مطأطؤها خوفًا وخجلًا وحزنًا وذلًا {عند ربهم} المحسن إليهم المتوحد بتدبيرهم قائلين بغاية الذل والرقة {ربنا} أي: المحسن إلينا {أبصرنا} أي: ما كنا نكذب به {وسمعنا} منك تصديق الرسل فيما كذبناهم فيه {فارجعنا} بمالك من هذه الصفة المقتضية للإحسان إلى الدنيا دار العمل {نعمل صالحًا} فيها {إنا موقنون} أي: ثابت لنا الآن الإيقان بجميع ما أخبرنا به عنك.
فلا ينفعهم ذلك ولا يرجعون، وجواب لو محذوف تقديره: لرأيت أمرًا فظيعًا، والمخاطب يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شفاء لصدره، فإنهم كانوا يؤذونه بالتكذيب، ويحتمل أن يكون عامًا. وإذ على بابها من المضي لأن لو تصرف المضارع للمضي، وإنما جيء هنا ماضيًا لتحقيق وقوعه نحو {أتى أمر الله}.
وجعله أبو البقاء مما وقع فيه إذ موقع إذا ولا حاجة إليه. وقوله تعالى: {ولو شئنا} أي: بما لنا من العظمة {لآتينا كل نفس} أي: مكلفة لأن الكلام فيها {هداها} فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها جواب عن قولهم {ربنا أبصرنا وسمعنا} وذلك أن الله تعالى قال: إني لو أردت منكم الإيمان لهديتكم في الدنيا، ولما لم أهدكم تبين أني ما أردت ولا شئت إيمانكم فلا أردكم، وهذا صريح في الدلالة على صحة مذهب أهل السنة حيث قالوا: إن الله تعالى ما أراد الإيمان من الكافر وما شاء منه إلا الكفر {ولكن} لم أشأ ذلك لأنه {حق القول مني} وأنا من لا يخلف الميعاد؛ لأن الإخلاف إما العجزٍ أو نسيانٍ أو حاجةٍ ولا شيء من ذلك يليق بجنابي ولا يحل بساحتي، وأكد لأجل إنكارهم فقال مقسمًا: {لأملأن جهنم} أي: التي هي محل إهانتي {من الجنة} أي: الجن طائفة إبليس، وكأنه تعالى أنثهم تحقيرًا لهم عند من يستعظم أمرهم وبدأ بهم لاستعظامهم لهم ولأنهم الذين أضلوهم {والناس أجمعين} حيث قلت لإبليس: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}.
فلذلك شئت كفر الكافر وعصيان العاصي بعد أن جعلت لهم اختيارًا، وغيبت العاقبة عنهم، فصار الكسب ينسب إليهم ظاهرًا والخلق في الحقيقة والمشيئة لي.
ولما تسبب عن هذا القول الصادق أنه لا محيص بهم عن عذابهم قال لهم الخزنة إذا دخلوا جهنم:
{فذوقوا} العذاب {بما} أي: بسبب ما {نسيتم لقاء يومكم} وحققه وبين ذلك بقوله تعالى: {هذا} أي: بترككم الإيمان به {إنا نسيناكم} أي: عاملناكم بمالنا من العظمة ولكم من الحقارة معاملة الناسي لكم فتركناكم في العذاب {وذوقوا عذاب الخلد} أي: المختص بأنه لا آخر له {بما} أي: بسبب ما {كنتم تعملون} أي: من الكفر والتكذيب وإنكار البعث. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {الم} قد قدمنا الكلام على فاتحة هذه السورة وعلى محلها من الإعراب في سورة البقرة وفي مواضع كثيرة من فواتح السور، وارتفاع {تَنزيلَ} على أنه خبر لمبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر على تقدير أنّ {الم} في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو خبر لقوله: {الم} على تقدير أنه اسم للسورة، و{لاَ رَيْبَ فيه} في محل نصب على الحال، ويجوز أن يكون ارتفاع {تنزيل} على أنه مبتدأ وخبره لا ريب فيه، و{من ربّ العالمين} في محل نصب على الحال، ويجوز أن تكون هذه كلها أخبارًا للمبتدأ المقدر قبل {تنزيل}، أو لقوله: {الم} على تقدير أنه مبتدأ لا على تقدير أنه حروف مسرودة على نمط التعديد.
قال مكي: وأحسن الوجوه: أن تكون {لا ريب فيه} في موضع الحال، و{من رَّبّ العالمين} الخبر، والمعنى على هذه الوجوه: أن تنزيل الكتاب المتلوّ لا ريب فيه ولا شك وأنه منزل من ربّ العالمين، وأنه ليس بكذب ولا سحر ولا كهانة ولا أساطير الأوّلين.
وأم في: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} هي المنقطعة التي بمعنى: بل، والهمزة، أي بل أيقولون هو مفترى؟ فأضرب عن الكلام الأوّل إلى ما هو معتقد الكفار مع الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ، ومعنى {افتراه} افتعله واختلقه، ثم أضرب عن معتقدهم إلى بيان ما هو الحق في شأن الكتاب، فقال: {بَلْ هُوَ الحق من رَّبّكَ} فكذبهم سبحانه في دعوى الافتراء، ثم بيّن العلة التي كان التنزيل لأجلها، فقال: {لتُنذرَ قَوْمًا مَّا أتاهم مّن نَّذيرٍ مّن قَبْلكَ} وهم العرب وكانوا أمة أمية لم يأتهم رسول.
وقيل: قريش خاصة، والمفعول الثاني {لتنذر} محذوف، أي لتنذر قومًا العقاب، وجملة: {ما أتاهم من نذير} في محل نصب على الحال، و{من قبلك} صفة لنذير.
وجوّز أبو حيان أن تكون ما موصولة، والتقدير: لتنذر قومًا العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك، وهو ضعيف جدًّا، فإن المراد: تعليل الإنزال بالإنذار لقوم لم يأتهم نذير قبله، لا تعليله بالإنذار لقوم قد أنذروا بما أنذرهم به.
وقيل: المراد بالقوم: أهل الفترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} رجاء أن يهتدوا، أو كي يهتدوا.
{الله الذي خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف، والمراد من ذكرها هنا: تعريفهم كمال قدرته وعظيم صنعه ليسمعوا القرآن ويتأملوه، ومعنى خلق: أوجد وأبدع.
قال الحسن: الأيام هنا هي من أيام الدنيا.
وقيل: مقدار اليوم ألف سنة من سني الدنيا، قاله الضحاك.
فعلى هذا المراد بالأيام هنا: هي من أيام الآخرة لا من أيام الدنيا، وليست ثم للترتيب في قوله: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش}، وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى {مَا لَكُمْ مّن دُونه من وَليّ وَلاَ شَفيعٍ} أي ليس لكم من دون الله أو من دون عذابه من ولى يواليكم ويردّ عنكم عذابه، ولا شفيع يشفع لكم عنده {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} تذكر تدبر وتفكر وتسمعون هذه المواعظ سماع من يفهم ويعقل حتى تنتفعوا بها.
{يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض} لما بيّن سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما، بيّن تدبيره لأمرهما، أي يحكم الأمر بقضائه وقدره من السماء إلى الأرض، والمعنى: ينزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، كما قال سبحانه: {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سموات وَمنَ الأرض مثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] ومسافة ما بين سماء الدنيا والأرض التي تحتها نزولًا وطلوعًا ألف سنة من أيام الدنيا.
وقيل: المراد بالأمور: المأمور به من الأعمال، أي ينزله مدبرًا من السماء إلى الأرض.
وقيل: يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض.
وقيل: ينزل الوحي مع جبريل.
وقيل: العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل كما في قوله: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُدَبّرُ الأمر يُفَصّلُ الآيات} [الرعد: 2] وما دون السماوات موضع التصرّف.
قال الله: {وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ ليَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50].
ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال: {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} أي ثم يرجع ذلك الأمر، ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء والطلوع من الأرض كما قدّمنا.
وقيل: إن المراد أنه يعرج إليه في يوم القيامة الذي مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ويموت من فيها.
وقيل: هي أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة، والمعنى: أنه يثبت ذلك عنده، ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض في كلّ وقت من الأوقات إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها.
وقيل: معنى يعرج إليه: يثبت في علمه موجودًا بالفعل في برهة من الزمان هي مقدار ألف سنة، والمراد: طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان.
وقيل: يدبر أمر الحوادث اليومية بإثباتها في اللوح المحفوظ فتنزل بها الملائكة، ثم تعرج إليه في زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا.
وقيل: يقضي قضاء ألف سنة، فتنزل به الملائكة، ثم تعرج بعد الألف لألف آخر.
وقيل: المراد: أن الأعمال التي هي طاعات يدبرها الله سبحانه وينزل بها ملائكته ثم لا يعرج إليه منها إلا الخالص بعد مدّة متطاولة لقلة المخلصين من عباده.
وقيل: الضمير في: {يعرج} يعود إلى الملك، وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق، وقد جاء صريحًا في قوله: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه} [المعارج: 4] والضمير في إليه يرجع إلى السماء على لغة من يذكرها، أو إلى مكان الملك الذي يرجع إليه وهو الذي أقرّه الله فيه.
وقيل: المعنى: يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة، وقيل: المعنى: أن الملك يعرج إلى الله في يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة؛ لأن ما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام، فمسافة النزول من السماء إلى الأرض والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام، وقد رجّح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير.