فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكتَابَ فَلَا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقَائه}.
لما قرر الأصول الثلاثة: الرسالة، وبدء الخلق، والمعاد، عاد إلى الأصل الذي بدأ به، وهو الرسالة التي ليست بدعًا في الرسالة، إذ قد سبق قبلك رسل.
وذكر موسى عليه السلام، لقرب زمانه، وإلزامًا لمن كان على دينه؛ ولم يذكر عيسى، لأن معظم شريعته مستفاد من التوراة، ولأن أتباع موسى لا يوافقون على نبوته، وأتباع عيسى متفقون على نبوة موسى.
و{الكتاب} التوراة.
وقرأ الحسن: في مرية، بضم الميم، والظاهر أن الضمير عائد على موسى، مضافًا إليه على طريق المفعول، والفاعل محذوف ضمير الرسول، أي من لقائك موسى، أي في ليلة الإسراء، أي شاهدته حقيقة، وهو النبي الذي أوتي التوراة، وقد وصفه الرسول فقال: «آدم طوال جعد، كأنه من رجال شنوءة حين رآه ليلة الإسراء» قاله أبو العالية وقتادة وجماعة من السلف.
وقال المبرد: حين امتحن الزجاج بهذه المسألة.
وقيل: عائد على الكتاب، فإما مضاف إليه على طريق الفاعل والمفعول محذوف، أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه، وإما بالعكس، أي من لقاء موسى الكتاب وتلقيه.
وقيل: يعود على الكتاب على تقدير مضمر، أي من لقاء مثله، أي: إنا آتيناك مثل ما آتينا موسى، ولقناك بمثل ما لقن من الوحي، فلا تك في شك من أنك لقنت مثله ولقيت نظيره، ونحوه من لقائه قوله: {وإنك لتُلَقّى القرآن}.
وقال الحسن: يعود على ما تضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى، وذلك إن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال: ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله، فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس.
انتهى، وهذا قول بعيد.
وأبعد من هذا، من جعله عائدًا على ملك الموت الذي تقدم ذكره، والجملة اعتراضية.
وقيل: عائد على الرجوع إلى الآخرة، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: {ثم إلى ربكم ترجعون}.
{فلا تكن في مرية لقائه} أي من لقاء البعث، وهذه أنقال كان ينبغي أن ينزه كتابنا عن نقلها، ولكن نقلها المفسرون، فاتبعناهم.
والضمير في {وجعلناه} لموسى، وهو قول قتادة.
وقيل: للكتاب، جعله هاديًا من الضلالة؛ وخص بني إسرائيل بالذكر، لأنه لم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل.
{وجعلنا منهم} أي من بني إسرائيل، {أئمة} قادة يقتدى بهم.
وقرأ الجمهور: {لما صبروا}، بفتح اللام وشد الميم.
وعبدالله وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، ورويس: بكسر اللام وتخفيف الميم.
{وكانوا} يحتمل أن يكون معطوفًا على {صبروا}، فيكون داخلًا في التعليق.
ويحتمل أن يكون عطفًا على {وجعلنا منهم}.
وقرأ عبدالله أيضًا: بما صبروا، بباء الجر، والضمير في منهم ظاهره يعود على بني إسرائيل.
والفصل: يوم القيامة يعم الخلق كلهم.
{أو لم يهد لهم} تقدم الكلام على نحو هذه الآية إعرابًا وقراءة وتفسيرًا في طه، إلا أن هنا: {من قبلهم} و{يسمعون}، وهناك: {قبلَهم}، و{لأولي النهى} ويسمعون، والنهي من الفواصل.
{أو لم يروا أنا نسوق الماء} أقام تعالى الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا، ثم أقامها عليهم بإظهار قدرته وتنبيههم على البعث، وتقدّم تفسير {الجزر} في الكهف، وكل أرض جزر داخلة في هذا، فلا تخصيص لها بمكان معين.
وقال ابن عباس: هي أرض أبين من اليمن، وهي أرض تشرب بسيول لا تمطر.
وقرىء: الجرز، بسكون الراء.
{فنخرج به} أي بالماء، وخص الزرع بالذكر، وإن كان يخرج الله به أنواعًا كثيرة من الفواكه والبقول والعشب المنتفع به في الطب وغيره، تشريفًا للزرع، ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، وأوقع الزرع موقع النبات.
وقدمت الأنعام، لأن ما ينبت يأكله الأنعام أول فأول، من قبل أن يأكل بنو آدم الحب.
ألا ترى أن القصيل، وهو شعير يزرع، تأكله الأنعام قبل أن يسبل؛ والبرسيم والفصفصة وأمثال ذلك تبادره الأنعام بالأكل قبل أن يأكل بنو آدم حب الزرع، أو لأنه غذاء الدواب، والإنسان قد يتغذى بغيره من حيوان وغيره، أو بدأ بالأدنى ثم ترقى إلى الأشرف، وهم بنو آدم.
وقرأ أبو حيوة، وأبو بكر في رواية: يأكل، بالياء من أسفل.
وقرأ الجمهور: {يبصرون}، بياء الغيبة؛ وابن مسعود: بتاء الخطاب.
وجاءت الفاصلة: {أفلا يبصرون}، لأن ما سبق مرئي، وفي الآية قبله مسموع، فناسب: {أفلا يسمعون}.
ثم أخبر تعالى عن الكفرة، باستعجال فصل القضاء بينهم وبين الرسول على معنى الهزء والتكذيب.
و{الفتح} الحكم، قاله الجمهور، وهو الذي يترتب عليه قوله: {قل يوم الفتح} الخ، ويضعف قول الحسن ومجاهد: فتح مكة، لعدم مطابقته لما بعده، لأن من آمن يوم فتح مكة، إيمانه ينفعه، وكذا قول من قال: يوم بدر.
{ولا هم ينظرون} أي لا يؤخرون عن العذاب.
ولما عرف غرضهم في سؤالهم على سبيل الهزء، وقيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا، فكأن قد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم، فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم في حلول العذاب، فلم تنظروا، فيوم منصوب بلا ينفع.
ثم أمر بالإعراض عنهم وانتظار النصر عليهم والظفر بهم.
{إنهم منتظرون} للغلبة عليكم لقوله: {فتربصوا إنا معكم متربصون} وقيل: إنهم منتظرون العذاب، أي هذا حكمهم، وإن كانوا لا يشعرون.
وقرأ اليماني: منتظرون، بفتح الظاء، اسم مفعول؛ والجمهور: بكسرها، اسم فاعل، أي منتظر هلاكهم، فإنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم، يعني: إنهم هالكون لا محالة، أو: وانتظر ذلك، فإن الملائكة في السماء ينتظرونه. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{إنَّمَا يُؤْمنُ بآياتنا} يعني: يصدق بآياتنا.
يعني: بالعذاب {الذين إذَا ذُكّرُوا بهَا} يعني: وعظوا بها.
يعني: بآيات الله عز وجل: {خَرُّوا سُجَّدًا} على وجوههم {وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ} يقول: وذكروا الله عز وجل بأمره {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبرُونَ} عن السجود كفعل الكفار.
ويقال: {الذين إذَا ذُكّرُوا} يعني: دعوا إلى الصلوات الخمس أتوها فصلوها، ولا يستكبرون عنها.
قوله عز وجل: {تتجافى جُنُوبُهُمْ} قال مقاتل: نزلت في الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد.
فإذا صلوا المغرب كرهوا أن ينصرفوا، مخافة أن تفوتهم صلاة العشاء في الجماعة فكانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء ويقال: الذي يصلي العشاء والفجر بجماعة.
وقال أنس بن مالك: الذي يصلي ما بين المغرب والعشاء وهو صلاة الليل كما جاء في الخبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَكْعَةٌ في اللَّيْل خَيْرٌ منْ ألْف رَكْعَةٍ في النَّهَار» قال أبو الليث رحمه الله: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا السراج قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا أبو معاوية عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسحاق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد العبسية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القيَامَة في صَعيدٍ وَاحدٍ، فيسمعهمُ الدَّاعي وَيَنْقُدُهُمْ البَصَرُ، ثُمَّ يُنَادي مُنَادٍ سَيَعْلَمُ أَهْلُ الجَمْع اليَوْمَ مَنْ أوْلَى بالكَرَم فَأيْنَ الَّذينَ يَحْمَدُونَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلّ حَالٍ؟ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَليلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغَيْر حسَاب ثُمَّ يُنَادي مُنَادٍ: أَيْنَ الَّذينَ لا تُلْهيهمْ تجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذكْر الله؟ فَيَقُومُونَ، وَهُمْ قَليلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغَيْر حسَابٍ ثُمَّ يُنَادي مُنَادٍ: أيْنَ الَّذينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن المَضَاجع؟ وَهُمْ قَليلٌ فَيَدْخَلُونَ الجَنَّةَ بغَيْر حسَابٍ ثُمَّ يُؤْمَرُ بسَائر النَّاس فَيُحَاسَبُونَ».
فذلك قوله عز وجل: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع} يعني: يصلون بالليل ويقومون عن فرشهم {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} خوفًا من عذابه، وطمعًا في رحمته {وَممَّا رزقناهم يُنفقُونَ} يعني: يتصدقون من أموالهم يعني: صدقة التطوع، لأنه قرنه بصلاة التطوع ويقال: يعني: الزكاة المفروضة.
والأول أراد به العشاء والفجر ثم بيَّن ثوابهم فقال عز وجل: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفىَ لَهُم} يعني: ما أعدّ لهم {مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} يعني: من الثواب في الجنة.
ويقال: من طيبة النفس.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: أعْدَدْتُ لعبَادي الصَّالحينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَرٍ».
قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفىَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ}.
قال مقاتل: قيل لابن عباس، ما الذي أخفي لهم؟ قال: في جنة عدن ما لم يكن في جناتهم.
قرأ حمزة {مَّا أُخْفىَ} بسكون الياء.
وقرأ الباقون: بنصبها.
فمن قرأ بالسكون فهو على معنى الخبر عن نفسه.
فكأنه قال: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفىَ لَهُم} ومن قرأ بالنصب فهو على فعل ما لم يسم فاعله على معنى أفعل.
وقرىء في الشاذ {وَمَا أُخْفىَ} يعني: {وَمَا أُخْفىَ الله عَزيزٌ عَرَّفَهَا لَهُمْ} ثم قال: {جَزَاء بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يعني: جزاء لأعمالهم.
قوله عز وجل: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} يعني: لا يستوون عند الله عز وجل في الفضل.
نزلت الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط.
وذلك أنه جرى بينهما كلام.
فقال الوليد لعلي: بأي شيء تفاخرني؟ أنا والله أحد منك سنانًا، وأبسط منك لسانًا، وأملأ منك في الكتيبة عينًا.
يعني: أكون أملأ مكانًا في العسكر.
فقال له علي رضي الله عنه: اسكت فإنك فاسق فنزل {أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا لاَّ يَسْتَوُونَ}.
وقال الزجاج: نزلت في عقبة بن أبي معيط قال: ويجوز في اللغة لا يستويان ولم يقرأ.
والقراءة: {لاَّ يَسْتَوُونَ} ومعناهما: لا يستوي المؤمنون والكافرون.
ثم بيّن مصير كلا الفريقين فقال تعالى: {أَمَّا الذين ءامَنُوا} أي: أقروا بالله ورسوله والقرآن {وَعَملُوا الصالحات} يعني: الطاعات {فَلَهُمْ جنات المأوى نُزُلًا} يعني: يأوي إليها المؤمنون.
ويقال: يأوي إليها أرواح الشهداء، وهو أصح في اللغة.
ثم قال: {نُزُلًا} يعني: رزقًا والنزل في اللغة هو الرزق ويقال: {نُزُلًا} يعني: منزلًا {بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يعني: بأعمالهم.
ثم بيّن مصير الفاسقين فقال: {وَأَمَّا الذين فَسَقُوا} يعني: عصوا ولم يتوبوا {فَمَأْوَاهُمُ النار} فسقوا يعني: نافقوا وهو الوليد بن عتبة ومن كان مثل حاله {فَمَأْوَاهُمُ النار} يعني: مصيرهم إلى النار ومرجعهم إليها {كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا منْهَا} يعني: من النار {أُعيدُوا فيهَا} ويقال: إن جهنم إذا جاشت، ألقتهم في أعلى الباب.
فطمعوا في الخروج منها، فتلقاهم الخزنة بمقامع فتضربهم، فتهوي بهم إلى قعرها {وَقيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ} وقال في آية أُخرى: {فاليوم لاَ يَمْلكُ بَعْضُكُمْ لبَعْضٍ نَّفْعًا وَلاَ ضَرًّا وَنَقُولُ للَّذينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النار التي كُنتُم بهَا تُكَذّبُونَ} [سبأ: 42] بلفظ التأنيث.
لأنه أراد به النار وهي مؤنثة.
وهاهنا قال: {الذي كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ} بلفظ التذكير لأنه أراد به العذاب وهو مذكر.
ثم قال عز وجل: {وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الادنى} وهو المصيبات والقتل والجوع {دُونَ العذاب الاكبر} وهو عذاب النار يعني: إن لم يتوبوا.
ويقال: {العذاب الادنى} هو السحر للفاسقين، والعذاب الأكبر النار إن لم يتوبوا.
ويقال: {العذاب الادنى} عذاب القبر.
وقال إبراهيم: يعني: سنين جدب أصابتهم.
وقال أبو العالية: مصيبات في الدنيا {لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} يعني: يتوبون.
قوله عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن ذُكّرَ بئايات رَبّه} يعني: وعظ بآيات ربه القرآن {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} يعني: عن الإيمان بها فلم يؤمن بها {إنَّا منَ المجرمين مُنتَقمُونَ} بالعذاب يعني: منتصرون.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} يعني: أعطينا موسى التوراة {فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَائه} قال مقاتل: يعني: فلا تكن في شك من لقاء موسى التوراة.
فإن الله عز وجل ألقى عليه الكتاب.
وقال في رواية الكلبي: {فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ} من لقاء موسى عليه السلام، فلقيه ليلة أُسري به في بيت المقدس يعني: لقي النبي صلى الله عليه وسلم موسى هناك.