فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: في سورة عيسى قدم ما للإنسان أولًا فما الحكمة؟
أجيب: بأن السياق فيها لطعام الإنسان الذي هو نهاية الزرع حيث قال: {فلينظر الإنسان إلى طعامه}.
ثم قال: {فأنبتنا فيها حبًا}.
وذكر من طعامه من العنب وغيره ما لا يصلح للأنعام فقدمه، وهذا السياق لمطلق إخراج الزرع، وأول صلاحه إنما هو لأكل الأنعام ولا يصلح للإنسان. ولما كانت هذه الآية مبصرة قال: {أفلا يبصرون} هذا فيعلموا أنا نقدر على إعادتهم بخلاف الآية الماضية فإنها كانت مسموعة فقال: {أفلا يسمعون}.
ثم لما بين الرسالة والتوحيد بين الحشر بقوله تعالى: {ويقولون} أي: مع هذا البيان الذي ليس معه خفاء {متى هذا الفتح} أي: يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم ويوم نصرهم عليهم وقيل: هو يوم بدر، وعن مجاهد والحسن يوم فتح مكة {إن كنتم صادقين} أي: عريقين في الصدق بالإخبار بأنه لابد من وقوعه حتى نؤمن إذا رأيناه.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل} أي: لهؤلاء الجهلة {يوم الفتح} أي: الذي تستهزئون به وهو يوم القيامة {لا ينفع الذين كفروا} أي: غطوا آيات ربهم التي لا خفاء بها، سواء في ذلك أنتم وغيركم ممن اتصف بهذا الوصف {إيمانهم} لأنه ليس إيمانًا بالغيب {ولا هم ينظرون} أي: يمهلون في إيقاع العذاب بهم لحظة ما من منتظر ما، فإن قيل: قد سألوا عن وقت الفتح فكيف ينطبق هذا الكلام جوابًا عن سؤالهم؟
أجيب: بأنه كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالًا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء، فأجيبوا على حسب ما علم من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم: لا تستعجلوا بعد ولا تستهزؤا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم في إدارك العذاب فلم تنظروا.
فإن قيل: فمن فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر كيف يستقيم على تفسيره أن لا ينفعهم الإيمان وقد نفع الطلقاء يوم فتح مكة وناسًا يوم بدر، أجيب: بأن المراد أن المقتولين منهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه حال إدراك الغرق وقوله تعالى: {فأعرض عنهم} أي: لا تبال بتكذيبهم {وانتظر} أي: إنزال العذاب بهم {إنهم منتظرون} أي: بك حادث موت أو قتل فيستريحون منك، كان ذلك قبل الأمر بقتالهم وقيل: انتظر عذابهم بيقينك إنهم منتظرونه بلفظهم استهزاء كما قالوا {فأتنا بما تعدنا}.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة الم تنزيل في الركعة الأولى، وهل أتى على الإنسان أي: في الركعة الثانية وعن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ تبارك، والم تنزيل، ويقول: «هما يفضلان على كل سورة في القرآن بسبعين حسنة ومن قرأهما كتب له سبعون حسنة ورفع له سبعون درجة».
وعن أبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الم تنزيل أعطي من الأجر كمن أحيا ليلة القدر» وقول البيضاوي تبعًا للزمخشري عنه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام» قال شيخ شيخنا ابن حجر: لم أجده. والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب} أي التوراة {فَلاَ تَكُن} يا محمد {في مرْيَةٍ} أي شك، وريبة {مّن لّقَائه} قال الواحدي: قال المفسرون: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت، ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسري به.
وهذا قول مجاهد والكلبي والسديّ.
وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها.
وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب.
قاله الزجاج.
وقال الحسن: إن معناه: ولقد آتينا موسى الكتاب فكذّب وأوذي، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى، فيكون الضمير في لقائه على هذا عائدًا على محذوف، والمعنى: من لقاء ما لاقى موسى.
قال النحاس: وهذا قول غريب.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، فلا تكن في مرية من لقائه، فجاء معترضًا بين {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب} وبين {وجعلناه هُدًى لّبَني إسراءيل} وقيل: الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقوله: {وَإنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان} [النمل: 6] والمعنى: أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره، وما أبعد هذا، ولعلّ الحامل لقائله عليه قوله: {وجعلناه هُدًى لّبَني إسراءيل} فإن الضمير راجع إلى الكتاب.
وقيل: إن الضمير في {لقائه} عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله: {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي لا تكن في مرية من لقاء الرجوع، وهذا بعيد أيضًا.
واختلف في الضمير في قوله: {وجعلناه} فقيل: هو راجع إلى الكتاب، أي جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل، قاله الحسن وغيره.
وقال قتادة: إنه راجع إلى موسى، أي وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل.
{وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً} أي قادة يقتدون به في دينهم، وقرأ الكوفيون: {أئمة} قال النحاس: وهو لحن عند جميع النحويين، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة، ومعنى {يَهْدُونَ بأَمْرنَا} أي يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا، أي بأمرنا لهم بذلك، أو لأجل أمرنا.
وقال قتادة: المراد بالأئمة: الأنبياء منهم.
وقيل: العلماء {لَمَّا صَبَرُوا} قرأ الجمهور: {لما} بفتح اللام وتشديد الميم، أي حين صبروا، والضمير للأئمة، وفي {لما} معنى: الجزاء، والتقدير: لما صبروا جعلناهم أئمة.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف وورش عن يعقوب ويحيى بن وثاب بكسر اللام وتخفيف الميم، أي جعلناهم أئمة لصبرهم، واختار هذه القراءة أبو عبيد مستدلًا بقراءة ابن مسعود: {بما صبروا} بالباء، وهذا الصبر هو صبرهم على مشاقّ التكليف والهداية للناس، وقيل: صبروا عن الدنيا {وَكَانُوا بئاياتنا} التنزيلية {يُوقنُونَ} أي يصدّقونها، ويعلمون أنها حق، وأنها من عند الله؛ لمزيد تفكرهم، وكثرة تدبرهم.
{إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ} أي يقضي بينهم ويحكم بين المؤمنين والكفار {يَوْمَ القيامة فيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلفُونَ} وقيل: يقضي بين الأنبياء، وأممهم، حكاه النقاش.
{أَوَ لَمْ يَهْد لَهُمْ} أي أو لم يبين لهم، والهمزة للإنكار، والفاعل ما دلّ عليه {كَمْ أَهْلَكْنَا من قَبْلهمْ مّنَ القرون} أي أو لم نبين لهم كثرة إهلاكنا من قبلهم.
قال الفراء: كم في موضع رفع ب {يهد}.
وقال المبرد: إن الفاعل: الهدى المدلول عليه ب {يهد}، أي أو لم يهد لهم الهدى.
وقال الزجاج: {كم} في موضع نصب ب {أهلكنا}، قرأ الجمهور: {أو لم يهد} بالتحتية، وقرأ السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب بالنون، وهذه القراءة واضحة.
قال النحاس: والقراءة بالياء التحتية فيها إشكال؛ لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ل {يهد}؟ ويجاب عنه بأن الفاعل هو ما قدّمنا ذكره، والمراد بالقرون: عاد وثمود ونحوهم، وجملة: {يَمْشُونَ في مساكنهم} في محل نصب على الحال من ضمير لهم، أي والحال أنهم يمشون في مساكن المهلكين ويشاهدونها، وينظرون ما فيها من العبر، وآثار العذاب.
ولا يعتبرون بذلك.
وقيل: يعود إلى المهلكين، والمعنى: أهلكناهم حال كونهم ماشين في مساكنهم، والأوّل أولى {إنَّ في ذَلكَ} المذكور {لآيَاتٍ} عظيمات، {أَفَلاَ يَسْمَعُونَها}، ويتعظون بها.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الماء إلَى الأرض الجرز} أي أو لم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لا تنبت إلا بسوق الماء إليها.
وقيل: هي اليابسة، وأصله من الجرز وهو: القطع أي التي قطع نباتها لعدم الماء، ولا يقال للتي لا تنبت أصلًا كالسباخ جرز لقوله: {فَنُخْرجُ به زَرْعًا} قيل: هي أرض اليمن.
وقيل: أرض عدن.
وقال الضحاك: هي الأرض العطشى.
وقال الفراء: هي الأرض التي لا نبات فيها.
وقال الأصمعي: هي الأرض التي لا تنبت شيئًا.
قال المبرد: يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام.
وقيل: هي مشتقة من قولهم رجل جروز: إذا كان لا يبقي شيئًا إلا أكله، ومنه قول الراجز:
خب جروز وإذا جاع بكى ** ويأكل التمر ولا يلقي النوى

وكذلك ناقة جروز: إذا كانت تأكل كل شيء تجده.
وقال مجاهد: إنها أرض النيل؛ لأن الماء إنما يأتيها في كل عام {فَنُخْرجُ به}، أي بالماء {زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أنعامهم} أي من الزرع كالتبن والورق ونحوهما مما لا يأكله الناس {وَأَنفُسهمْ} أي يأكلون الحبوب الخارجة في الزرع مما يقتاتونه، وجملة: {تَأْكُلُ منْهُ أنعامهم} في محلّ نصب على الحال {أَفَلاَ يُبْصرُونَ} هذه النعم ويشكرون المنعم ويوحدونه، لكونه المنفرد بإيجاد ذلك.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إن كُنتُمْ صادقين} القائلون هم الكفار على العموم، أو كفار مكة على الخصوص، أي متى الفتح الذي تعدونا به، يعنون بالفتح: القضاء والفصل بين العباد، وهو يوم البعث الذي يقضي الله فيه بين عباده، قاله مجاهد وغيره.
وقال الفراء والقتيبي: هو فتح مكة.
قال قتادة: قال أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم للكفار: إن لنا يومًا ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم، يعنون يوم القيامة، فقال الكفار: متى هذا الفتح؟ وقال السديّ: هو يوم بدر، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون للكفار: إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم، و{متى} في قوله: {متى هذا الفتح} في موضع رفع، أو في موضع نصب على الظرفية.
ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيب عليهم، فقال: {قُلْ يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} وفي هذا دليل على أن يوم الفتح هو يوم القيامة؛ لأن يوم فتح مكة ويوم بدر هما مما ينفع فيه الإيمان.
وقد أسلم أهل مكة يوم الفتح، وقبل ذلك منهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعنى {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} لا يمهلون ولا يؤخرون، و{يوم} في {يوم الفتح} منصوب على الظرفية، وأجاز الفراء الرفع {فَأَعْرضْ عَنْهُمْ} أي عن سفههم وتكذيبهم ولا تجبهم إلا بما أمرت به {وانتظر إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} أي وانتظر يوم الفتح، وهو يوم القيامة، أو يوم إهلاكهم بالقتل، إنهم منتظرون بك حوادث الزمان من موت أو قتل أو غلبة كقوله: {فَتَرَبَّصُوا إنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} [التوبة: 52] ويجوز أن يراد: إنهم منتظرون لإهلاكهم، والآية منسوخة بآية السيف.
وقيل: غير منسوخة، إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال.
وقرأ ابن السميفع: {إنهم منتظرون} بفتح الظاء مبنيًا للمفعول، ورويت هذه القراءة عن مجاهد وابن محيصن.
قال الفراء: لا يصح هذا إلا بإضمار، أي إنهم منتظر بهم.
قال أبو حاتم: الصحيح الكسر، أي انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلًا طويلًا جعدًا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن جهنم والدجال في آيات أراهنّ الله إياه» قال: {فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَائه} فكان قتادة يفسرها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى {وجعلناه هُدًى لّبَني إسراءيل} قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل.
وأخرج الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند، قال السيوطي: صحيح، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَائه} قال: من لقاء موسى، قيل: أو لقي موسى؟ قال: نعم، ألا ترى إلى قوله: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا من قَبْلكَ من رُّسُلنَا} [الزخرف: 45].
وأخرج الفريابي، وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الماء إلَى الأرض الجرز} قال: الجرز التي لا تمطر إلا مطرًا لا يغني عنها شيئًا إلا ما يأتيها من السيول.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: {إلَى الأرض الجرز} قال: أرض باليمن.
قال القرطبي في تفسيره: والإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إن كُنتُمْ صادقين} قال: يوم بدر فتح للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت. اهـ.

.قال القاسمي:

{إنَّمَا يُؤْمنُ بآيَاتنَا الَّذينَ إذَا ذُكّرُوا بهَا} أي: وعظوا: {خَرُّوا سُجَّدًا} لسرعة قبولهم لها بصفاء فطرتهم، وذلك تواضعًا لله وخشوعًا، وشكرًا على ما رزقهم من الإسلام: {وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبرُونَ} أي: عن الانقياد لها، كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة، قال تعالى: {إنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبرُونَ عَنْ عبَادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخرينَ} [غافر: 60] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع} أي: ترتفع وتتنحى عن الفرش ومواضع النوم. والجملة مستأنفة لبيان بقية محاسنهم، وهم المتهجدون بالليل: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أي: داعين له: {خَوْفًا} من عذابه: {وَطَمَعًا} في رحمته: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ} أي: من المال: {يُنفقُونَ} أي: في وجوه البرّ والحسنات.
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفيَ لَهُم} أي: ما ذخر، وأُعدّ أي: لهؤلاء الذين عددت مناقبهم: {مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} أي: مما تقر به عينهم من طيبة النفس والثواب والكرامة في الجنة: {جَزَاء بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: في الدنيا من الأعمال الصالحة.
{أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا} أي: كافرًا جاحدًا: {لَّا يَسْتَوُونَ} أي: في الآخرة بالثواب والكرامة، كما لم يستووا في الدنيا بالطاعة والعبادة، ثم فصّل مراتب الفريقين بقوله: {أَمَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحَات فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا} أي: ثوابًا: {بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا منْهَا أُعيدُوا فيهَا} وكقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا منْهَا منْ غَمٍّ أُعيدُوا فيهَا} [الحج: 22]، كناية عن دوام عذابهم واستمراره: {وَقيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّذي كُنتُم به تُكَذّبُونَ} أي: يقال لهم ذلك، تشديدًا عليهم، وزيادة في غيظهم، وتقريعًا وتوبيخًا.