فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يسدل الستار على ذلك المشهد ليرفعه عن مشهد آخر، في ظل آخر، وفي جو آخر، له عطر آخر تستروح له الأرواح وتخفق له القلوب. إنه مشهد المؤمنين. مشهدهم خاشعين مخبتين عابدين، داعين إلى ربهم وقلوبهم راجفة من خشية الله، طامعة راجية في فضل الله. وقد ذخر لهم ربهم من الجزاء ما لا يبلغ إلى تصوره خيال:
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.
وهي صورة وضيئة للأرواح المؤمنة، اللطيفة، الشفيفة الحساسة المرتجفة من خشية الله وتقواه، المتجهة إلى ربها بالطاعة المتطلعة إليه بالرجاء، في غير ما استعلاء ولا استكبار. هذه الأرواح هي التي تؤمن بآيات الله، وتتلقاها بالحس المتوفز والقلب المستيقظ والضمير المستنير.
هؤلاء إذا ذكروا بآيات ربهم {خروا سجدًا} تأثرًا بما ذكروا به، وتعظيمًا لله الذي ذكروا بآياته، وشعورًا بجلاله الذي يقابل بالسجود أول ما يقابل، تعبيرًا عن الإحساس الذي لا يعبر عنه إلا تمريغ الجباه بالتراب {وسبحوا بحمد ربهم}. مع حركة الجسد بالسجود. {وهم لا يستكبرون}. فهي استجابة الطائع الخاشع المنيب الشاعر بجلال الله الكبير المتعال.
ثم مشهدهم المصور لهيئتهم الجسدية ومشاعرهم القلبية في لمحة واحدة. في التعبير العجيب الذي يكاد يجسم حركة الأجسام والقلوب:
{تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا}.
إنهم يقومون لصلاة الليل. صلاة العشاء الآخرة. الوتر. ويتهجدون بالصلاة، ودعاء الله. ولكن التعبير القرآني يعبر عن هذا القيام بطريقة أخرى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}. فيرسم صورة المضاجع في الليل تدعو الجنوب إلى الرقاد والراحة والتذاذ المنام. ولكن هذه الجنوب لا تستجيب. وإن كانت تبذل جهدًا في مقاومة دعوة المضاجع المشتهاة. لأن لها شغلًا عن المضاجع اللينة والرقاد اللذيذ. شغلا بربها. شغلا بالوقوف في حضرته. وبالتوجه إليه في خشية وفي طمع يتنازعها الخوف والرجاء. الخوف من عذاب الله والرجاء في رحمته. والخوف من غضبه والطمع في رضاه والخوف من معصيته والطمع في توفيقه. والتعبير يصور هذه المشاعر المرتجفة في الضمير بلمسة واحدة، حتى لكأنها مجسمة ملموسة: {يدعون ربهم خوفًا وطمعًا}. وهم إلى جانب هذه الحساسية المرهفة، والصلاة الخاشعة، والدعاء الحار يؤدون واجبهم للجماعة المسلمة طاعة لله وزكاة. {ومما رزقناهم ينفقون}.
هذه الصورة المشرفة الوضيئة الحساسة الشفيفة ترافقها صورة للجزاء الرفيع الخاص الفريد. الجزاء الذي تتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة، والإعزاز الذاتي، والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بهذه النفوس:
{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.
تعبير عجيب يشي بحفاوة الله سبحانه بالقوم؛ وتوليه بذاته العلية إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة مما تقر به العيون.
هذا المذخور الذي لا يطلع عليه أحد سواه والذي يظل عنده خاصة مستورًا حتى يكشف لأصحابه عنه يوم لقائه! عند لقياه! وإنها لصورة وضيئة لهذا اللقاء الحبيب الكريم في حضرة الله.
يا لله! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه! وكم ذا يغمرهم سبحانه بفضله! ومن هم كائنًا ما كان عملهم وعبادتهم وطاعتهم وتطلعهم حتى يتولى الله جل جلاله إعداد ما يدخره لهم من جزاء، في عناية ورعاية وود واحتفال؟ لولا أنه فضل الله الكريم المنان؟!.
وأمام مشهد المجرمين البائس الذليل؛ ومشهد المؤمنين الناعم الكريم، يعقب بتلخيص مبدأ الجزاء العادل، الذي يفرق بين المسيئين والمحسنين في الدنيا أو الآخرة؛ والذي يعلق الجزاء بالعمل، على أساس العدل الدقيق:
{أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلًا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}.
وما يستوي المؤمنون والفاسقون في طبيعة ولا شعور ولا سلوك، حتى يستووا في الجزاء في الدنيا وفي الآخرة سواء. والمؤمنون مستقيمو الفطرة متجهون إلى الله، عاملون على منهاجه القويم. والفاسقون منحرفون شاردون مفسدون في الأرض لا يستقيمون على الطريق الواصل المتفق مع نهج الله للحياة، وقانونه الأصيل. فلا عجب إذن أن يختلف طريق المؤمنين والفاسقين في الآخرة، وأن يلقى كل منهما الجزاء الذي يناسب رصيده وما قدمت يداه.
{أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى} التي تؤويهم وتضمهم {نزلا} ينزلون فيه ويثوون، جزاء {بما كانوا يعملون}.
{وأما الذين فسقوا فمأواهم النار}. يصيرون إليها ويأوون. ويا سوءها من مأوى خير منه التشريد! {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} وهو مشهد فيه حركة المحاولة للفرار والدفع للنار. {وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}. فهو التقريع زيادة على الدفع والتعذيب.
ذلك مصير الفاسقين في الآخرة. وليسوا مع هذا متروكين إلى ذلك الموعد. فالله يتوعدهم بالعذاب في هذه الدنيا قبل عذاب الآخرة:
{ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} لكن ظلال الرحمة تتراءى من وراء هذا العذاب الأدنى؛ فالله سبحانه وتعالى لا يحب أن يعذب عباده إذا لم يستحقوا العذاب بعملهم، وإذا لم يصروا على موجبات العذاب. فهو يوعدهم بأن يأخذهم بالعذاب في الأرض {لعلهم يرجعون}. وتستيقظ فطرتهم، ويردهم ألم العذاب إلى الصواب. ولو فعلوا لما صاروا إلى مصير الفاسقين الذي رأيناه في مشهدهم الأليم.
فأما إذا ذكروا بآيات ربهم فأعرضوا عنها وجاءهم العذاب الأدنى فلم يرجعوا ولم يعتبروا فإنهم إذن ظالمون {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها} وإنهم إذن يستحقون الانتقام في الدنيا والآخرة: {إنا من المجرمين منتقمون}. ويا هوله من تهديد. والجبار المتكبر هو الذي يتوعد هؤلاء الضعاف المساكين بالانتقام الرعيب!.
وتنتهي تلك الجولة مع مصائر المجرمين والصالحين، وعواقب المؤمنين والفاسقين، ومشاهد هؤلاء وهؤلاء في اليوم الذي يشكون فيه ويستريبون. ثم يأخذ سياق السورة في جولة جديدة مع موسى وقومه ورسالته. جولة مختصرة لا تزيد على إشارة إلى كتاب موسى عليه السلام الذي جعله الله هدى لبني إسرائيل؛ كما جعل القرآن كتاب محمد صلى الله عليه وسلم هدى للمؤمنين. وإلى التقاء صاحب القرآن مع صاحب التوراة على الأصل الواحد والعقيدة الثابتة. وإلى اصطفاء الصابرين الموقنين من قوم موسى ليكونوا أئمة لقومهم إيحاء للمسلمين في ذلك الحين بالصبر واليقين. وبيانًا للصفة التي تستحق بها الإمامة في الأرض والتمكين:
{ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}.
وتفسير هذه العبارة المعترضة: {فلا تكن في مرية من لقائه} على معنى تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق الذي جاء به؛ وتقرير أنه الحق الواحد الثابت الذي جاء به موسى في كتابه؛ والذي يلتقي عليه الرسولان ويلتقي عليه الكتابان. هذا التفسير أرجح عندي مما أورده بعض المفسرين من أنها إشارة إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام في ليلة الإسراء والمعراج. فإن اللقاء على الحق الثابت، والعقيدة الواحدة، هو الذي يستحق الذكر، والذي ينسلك في سياق التثبيت على ما يلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من التكذيب والإعراض، ويلقاه المسلمون من الشدة واللأواء. وكذلك هو الذي يتسق مع ما جاء بعده في الآية: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}. للإيحاء للقلة المسلمة يومذاك في مكة أن تصبر كما صبر المختارون من بني إسرائيل، وتوقن كما أيقنوا، ليكون منهم أئمة للمسلمين كما كان أولئك أئمة لبني إسرائيل. ولتقرير طريق الإمامة والقيادة، وهو الصبر واليقين.
أما اختلاف بني إسرائيل بعد ذلك فأمرهم فيه متروك إلى الله:
{إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}.
وبعد هذه الإشارة يأخذ السياق المكذبين في جولة مع مصارع الغابرين:
{أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون}؟
ومصارع الغابرين من القرون تنطق بسنة الله في المكذبين، وسنة الله ماضية لا تتخلف ولا تحابي. وهذه البشرية تخضع لقوانين ثابتة في نشوئها ودثورها، وضعفها وقوتها. والقرآن الكريم ينبه إلى ثبات هذه القوانين، واطراد تلك السنن، ويتخذ من مصارع القرون، وآثار الماضين، الدارسة الخربة، أو الباقية بعد سكانها موحشة. يتخذ منها معارض للعبرة، وإيقاظ القلوب، وإثارة الحساسية، والخوف من بطش الله وأخذه للجبارين. كما يتخذ منها معارض لثبات السنن والنواميس. ويرفع بهذا مدارك البشر ومقاييسهم، فلا ينعزل شعب أو جيل في حدود الزمان والمكان؛ وينسى النظام الثابت في حياة البشر، المطرد على توالي القرون. وإن كان الكثيرون ينسون العبرة حتى يلاقوا نفس المصير!.
وإن للآثار الخاوية لحديثًا رهيبًا عميقًا، للقلب الشاعر، والحس المبصر، وإن له لرجفة في الأوصال، ورعشة في الضمائر، وهزة في القلوب. ولقد كان العرب المخاطبون بهذه الآية ابتداء يمشون في مساكن عاد وثمود ويرون الآثار الباقية من قرى قوم لوط. والقرآن يستنكر أن تكون مصارع هذه القرون معروضة لهم؛ وأن تكون مساكن القوم أمامهم، يمرون عليها ويمشون فيها؛ ثم لا يستجيش هذا قلوبهم، ولا يهز مشاعرهم، ولا يستثير حساسيتهم بخشية الله، وتوقي مثل هذا المصير؛ ولا يهدي لهم ويبصرهم بالتصرف المنجي من استحقاق كلمة الله بالأخذ والتدمير:
{إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون}.
يسمعون قصص الغابرين الذين يمشون في مساكنهم، أو يسمعون هذا التحذير، قبل أن يصدق بها النذير، ويأخذهم النكير!.
وبعد لمسة البلى والدثور، وما توقعه في الحس من رهبة وروعة، وما تثيره في القلب من رجفة ورعشة. يلمس قلوبهم بريشة الحياة النابضة في الموات؛ ويجول بهم جولة في الأرض الميتة تدب فيها الحياة، كما جال بهم من قبل في الأرض التي كانت حية فأدركها البلى والممات:
{أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعًا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون}.
فهذه الأرض الميتة البور، يرون أن يد الله تسوق إليها الماء المحيي؛ فإذا هي خضراء ممرعة بالزرع النابض بالحياة. الزرع الذي تأكل منه أنعامهم وتأكل منه أنفسهم. وإن مشهد الأرض الجدبة والحيا يصيبها فإذا هي خضراء. إن هذا المشهد ليفتح نوافذ القلب المغلقة لاستجلاء هذه الحياة النامية واستقبالها؛ والشعور بحلاوة الحياة ونداوتها؛ والإحساس بواهب هذه الحياة الجميلة الناضرة؛ إحساس حب وقربى وانعطاف؛ مع الشعور بالقدرة المبدعة واليد الصناع، التي تشيع الحياة والجمال في صفحات الوجود.
وهكذا يطوّف القرآن بالقلب البشري في مجالي الحياة والنماء، بعدما طوّف به في مجالي البلى والدثور، لاستجاشة مشاعره هنا وهناك، وإيقاظه من بلادة الألفة، وهمود العادة؛ ولرفع الحواجز بينه وبين مشاهد الوجود، وأسرار الحياة، وعبر الأحداث، وشواهد التاريخ.
وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة بعد هذا المطاف الطويل. فيحكي استعجالهم بالعذاب الذي يوعدون؛ وشكهم في صدق الإنذار والتحذير. ويرد عليهم مخوفا محذرا من تحقيق ما يستعجلون به، يوم لا ينفعهم إيمان، ولا يمهلون لإصلاح ما فات.
ويختم السورة بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إن كُنتُمْ صَادقينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لَا يَنفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (29) فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وَانتَظرْ إنَّهُم مُّنتَظرُونَ (30)} إلى الإعراض عنهم، وتركهم لمصيرهم المحتوم:
{ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون}.
والفتح هو الفصل فيما بين الفريقين من خلاف؛ وتحقق الوعيد الذي كان يخدعهم أنه لا يجيئهم من قريب؛ وهم غافلون عن حكمة الله في تأخيره إلى أجله الذي قدره، والذي لا يقدمه استعجالهم ولا يؤخره. وما هم بقادرين على دفعه ولا الإفلات منه.
{قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون}.
سواء كان هذا اليوم في الدنيا. إذ يأخذهم الله وهم كافرون، فلا يمهلهم بعده، ولا ينفعهم إيمانهم فيه. أو كان هذا اليوم في الآخرة إذ يطلبون المهلة فلا يمهلون:
وهذا الرد يخلخل المفاصل، ويزعزع القلوب. ثم يعقبه الإيقاع الأخير في السورة:
{فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون}.
وفي طياته تهديد خفي بعاقبة الانتظار، بعد أن ينفض الرسول صلى الله عليه وسلم يده من أمرهم، ويدعهم لمصيرهم المحتوم.
وتختم السورة على هذا الإيقاع العميق، بعد تلك الجولات والإيحاءات والمشاهد والمؤثرات، وخطاب القلب البشري بشتى الإيقاعات التي تأخذه من كل جانب، وتأخذ عليه كل طريق. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكتَابَ فَلَا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقَائه وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لبَني إسْرَائيلَ (23)}.
أخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلًا طوالًا جعدًا كأنه من رجال شنوأة، ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن جهنم والدجال في آيات أراهن الله إياه قال: {فلا تكن في مرية من لقائه} فكان قتادة يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل».
وأخرج الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند صحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «{فلا تكن في مرية من لقائه} من لقاء موسى ربه {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} قال: جعل موسى هدى لبني إسرائيل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {فلا تكن في مرية من لقائه} قال: من لقاء موسى قيل: أو لقي موسى؟ قال: نعم. ألا ترى إلى قوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45].
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {فلا تكن في مرية من لقائه} قال: من أن تلقى موسى.
وأخرج الحاكم عن مالك أنه تلا {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} فقال: حدثني الزهري أن عطاء بن يزيد حدثه عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «ما رزق عبد خيرًا له أوسع من الصبر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وجعلنا منهم أئمة} قال: رؤساء في الخير سوى الأنبياء {يهدون بأمرنا لما صبروا} قال: على ترك الدنيا. والله أعلم.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلَى الْأَرْض الْجُرُز فَنُخْرجُ به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصرُونَ (27)}.
أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} قال: الجرز التي لا تمطر إلا قطرًا لا يغني عنها شيئًا إلا ما يأتيها من السيول.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلى الأرض الجرز} قال: أرض باليمن.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إلى الأرض الجرز} قال: هي التي لا تنبت هن أبين ونحوها من الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {إلى الأرض الجرز} قال: السمطاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {إلى الأرض الجرز} قال: إلى الأرض الميتة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {إلى الأرض الجرز} قال: قرى فيما بين اليمن والشام.
وأخرج أبو بكر وابن حبان في كتاب الغرر عن الربيع بن سبرة قال: الأمثال أقرب إلى العقول من المعاني، ألم تسمع إلى قوله: {أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز} ألم تر؟ ألم يروا.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صَادقينَ (28)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قال الصحابة أن لنا يوم يوشك أن نستريح فيه ونتنعم فيه. فقال المشركون {متى هذا الفتح إن كنتم صادقين} فنزلت.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين} قال: يوم بدر فتح النبي صلى الله عليه وسلم فلم {ينفع الذين كفروا إيمانهم} بعد الموت.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {قل يوم الفتح} قال: يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قل يوم الفتح} قال: يوم القضاء. وفي قوله: {وانتظر إنهم منتظرون} قال: يوم القيامة. اهـ.