فصل: فصل في الاختلاف في اسم الميسر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في الاختلاف في اسم الميسر:

اختلفوا في أن الميسر هل هو اسم لذلك القمار المعين، أو هو اسم لجميع أنواع القمار، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهاتين الكعبتين فإنهما من ميسر العجم».
وعن ابن سيرين ومجاهد وعطاء: كل شيء فيه خطر فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز، وأما الشطرنج فروي عن علي عليه السلام أنه قال: النرد والشطرنج من الميسر، وقال الشافعي رضي الله عنه: إذا خلا الشطرنج عن الرهان، واللسان عن الطغيان والصلاة عن النسيان، لم يكن حرامًا، وهو خارج عن الميسر، لأن الميسر ما يوجب دفع المال، أو أخذ مال، وهذا ليس كذلك، فلا يكون قمارًا ولا ميسرًا، والله أعلم، أما السبق في الخف والحافر فبالاتفاق ليس من الميسر، وشرحه مذكور في كتاب السبق والرمي من كتب الفقه. اهـ.

.فصل في المراد بالإثم الكبير:

قال الفخر:
الإثم الكبير، فيه أمور أحدها: أن عقل الإنسان أشرف صفاته، والخمر عدو العقل، وكل ما كان عدو الأشرف فهو أخس، فيلزم أن يكون شرب الخمر أخس الأمور، وتقريره أن العقل إنما سمي عقلًا لأنه يجري مجرى عقال الناقة، فإن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل قبيح، كان عقله مانعًا له من الإقدام عليه، فإذا شرب الخمر بقي الطبع الداعي إلى فعل القبائح خاليًا عن العقل المانع منها، والتقريب بعد ذلك معلوم، ذكر ابن أبي الدنيا أنه مر على سكران وهو يبول في يده ويمسح به وجهه كهيئة المتوضىء، ويقول: الحمد لله الذي جعل الإسلام نورًا والماء طهورًا، وعن العباس بن مرداس أنه قيل له في الجاهلية: لم لا تشرب الخمر فإنها تزيد في جراءتك؟ فقال ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله جوفي، ولا أرضى أن أصبح سيد قوم وأمسى سفيههم وثانيها: ما ذكره الله تعالى من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وثالثها: أن هذه المعصية من خواصها أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر، ومواظبته عليها أتم كان الميل إليها أكثر وقوة النفس عليها أقوى.
بخلاف سائر المعاصي، مثل الزاني إذا فعل مرة واحدة فترت رغبته في ذلك العمل، وكلما كان فعله لذلك العمل أكثر كان فتوره أكثر ونفرته أتم، بخلاف الشرب، فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر، كان نشاطه أكثر، ورغبته فيه أتم.
فإذا واظب الإنسان عليه صار الإنسان غرقًا في اللذات البدنية، معرضًا عن تذكر الآخرة والمعاد، حتى يصير من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وبالجملة فالخمر يزيل العقل، وإذا زال العقل حصلت القبائح بأسرها ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «الخمر أم الخبائث» وأما الميسر فالإثم فيه أنه يفضي إلى العداوة، وأيضًا لما يجري بينهم من الشتم والمنازعة وأنه أكل مال بالباطل وذلك أيضًا يورث العداوة، لأن صاحبه إذا أخذ ماله مجانًا أبغضه جدًا، وهو أيضًا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر}.
قال ابن عرفة: قال ابن عطية، والشيخ الزمخشري: لما نزلت هاته الآية شربها قوم وتركها آخرون. قام بعض الشاربين فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أسقط لا فنزلت: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى} قال ابن عرفة: هذا نصّ على أنّ لفظ التأثيم في قوله عز وجلّ: {قُل فِيهمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} غير ملزوم للتحريم لأنّ الصحابة رضي الله عنهم لم ينتهوا عنها بهذه الآية فيستفاد منه الجواب عن السؤال المورود على قول الفقهاء: إنّ اتّخاذ السترة للمصلي سنة، مع قولهم: إن تركها وصلى حيث لا يأمن المرور فمر عليه أحد أثِمَ. قال: وكنّا أجبنا عنه بأنه إنما أثم بالتعرّض للمرور والمرور معا لأنه لو لم يمر عليه أحد لما أثم.
قال ابن عرفة: وحكي ابن عطية في الإثم وجوها:
الأول: أن يراد في استعمالها بعد النهي إثم كبير.
ابن عرفة ما قلناه إلا على هذا.
الثاني: أن يراد خلال السّوء الّتي فيها وهي السباب والافتراء وذهاب العقل. وعن سعيد بن جبير: لما نزلت كرهها قوم للإثم وشربها قوم للمنافع.
قال ابن عرفة: ويؤخذ من الآية أنها إذا تعارضت مصلحة ومفسدة واستويا لا ينبغي الفعل لأن الصحابة لما نزلت الآية لم ينتهوا كلهم عن شرب الخمر.
فقال: نعم، بل هو من باب أحرى.
قال: وهذا هو الذي ذكر فيه الأصوليون عن علي بن أبي طالب أنه قال: من شرب الخمر هذى وإذا هذى افترى فأرى عليه حد المُفتري.
قلت: ذكره العلامة ابن التلمساني في المسألة الثانية من الباب التاسع. قال: وساعده عمر وغيره.
قال ابن عرفة: وهذا هو اعتبار جنس العلة في عين الحكم لأن الهذيان مظنة الافتراء باعتبار جنس المظنة في عين حد الخمر فجعله ثمانين بعد ما كان أربعين قياسا على حد القذف.
قلت: وذكر ابن التلمساني هذا في المسألة الثانية من الباب التاسع ومثله باعتبار جنس المشقة في إسقاط قضاء الرّكعتين عن المسافر قياسا على إسقاط القضاء على الحائض.
قال ابن عرفة: وجعله الأصوليون من القياس في الأسباب وقياس الكفارات من القياس في المقادير الذي لهم فيه قولان.
قال: وهذا اجتهاد من الصحابة لفهمهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ حده لشاربه أربعين اجتهاد لا نصّ، وكذا ما ورد أنه ضربه بالجريد فخافوا اختلاف المجتهدين وأجمعوا على هذا الحد فكان قطعا للنزاع.
ابن عطية: عن بعضهم حرمت الخمرة بهذه الآية لقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغي بِغَيْرِ الحق} واقتضت هذه الآية أنّ الخمرة فيها الإثم فيستنتج التحريم، ثم أبطله هو بأنّ التّحريم حينئذ صار بمجموع الآيتين لا أنّه بهذه وحدها لأن هذه إنّما فيها الإثم فقط لا التحريم، وكذا قال القرطبي.
قال ابن عرفة: والميسر من اليسر واليسار، اليسار بالنسبة إلى آخذه لأنه يحدث له يسرا، واليسار بالنسبة إلى معطيه لأنه مذهب يساره.
ابن عطية: عن ابن عباس ومجاهد هم وغيرهما: كل قمار ميسر من نرد وشطرنج حتى لعب الأطفال بالجوز.
قال ابن عرفة: إنما ذلك إذا كان بالمخاطرة بشيء يعطيه المغلوب، فأما بغير خطار فجائز.
وقد أجاز الإمام مالك في العتبية للرجل أن يشتري الكعاب لولده يلعب بها.
وكان ابن عبد السلام يقول: في السّبك أنّه مركب من النّرد والشطرنج فلا يجوز لأنه من المقامرة.
قلت: وقد ذكر اللّخمي في كتاب الأشربة أنّ الخمر إنمّا حرم بالكتاب.
وذكر ابن عطية في سورة المائدة أنه إنّما حرم بالسنة.
ونقل لي: أن القاضي ابن عبد السلام أنكره وأنهم نظروه في جامع مقدمات ابن رشد فوجدوه موافقا لابن عطية ولم أجده أنا فلعله في البيان.
وخرج الترمذي أن عمر بن الخطاب قال: اللّهم بيّن لنا في الخمر؟ فنزلت آية البقرة.
فقال: اللهم بين لنا في الخمر؟ فنزلت آية النساء: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى}.
فقال: اللّهم بيّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ فنزلت آية العقود إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ}. فقال عمر: انتهينا انتهينا.
خرجه الترمذي عن أبي ميسرة عن عامر بن شرحبيل عن عمر ب. قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ}.
ابن عرفة: تضمنت الآية أنّ للموصى في خلطه بمال اليتيم ثلاث حالات: النظر في المصلحة، والنظر في المفسدة، والنظر المطلق.
والأول مستفاد من قوله: {قٌلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ}.
والثاني من قوله: {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح}.
والثالث من لفظ {إِخْوَانُكُمْ} فإنه يقتضي التساوي.
والظاهر أن {خير} مبتدا {واصلاح} خبر لتكون الخبرية محصورة فيه.
ولو جعلنا {اصلاح} مبتدأ و{خير} خبرا لاحتمل أمرين: أحدهما: أن يراد أن الفساد خير لأن المختلقات يمكن اجتماعها في شيء واحد.
والثاني: أن الكفارات خير.
قوله تعالى: {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح}.
في الآية سؤال وهو أن القاعدة في التمييز أن يميز القليل من الكثير وتقرر في الوجود وفي الشرع أن الفساد أكثر من الصلاح.
قال الله في سورة غافر: {إِنَّ الساعة لأَتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ}.
قال ابن عرفة: والجواب أنه باعتبار الطلب لا باعتبار الوجود الخارجي فنبه بالآية على أنّ المطلوب تكثير الصّلاح وتقليل الفساد حتى يكون في الوجود أكثر من الفساد.
قيل لابن عرفة: أو إشارة إلى عموم علم الله تعالى ما قلتموه في السؤال إنما يكون في المخلوقين لقصورهم وعجز إدراكهم، فيكون تمييز القليل من الكثير أهون عليهم من العكس.
قلت: أو يجاب بأن الآية خرجت مخرج التخويف فالمناسب فيها تعلق العلم والقدرة بالمفسد ليميز من المصلح. انتهى.
قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ الله لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
قال ابن عرفة: وهي حجة لأهل السنة في قوله: إن تكليف ما لا يطاق جائز غير واقع.
قيل له: قد تقدم لكم أن الشرط يتركب من المحال؟ فقال: إن الآية خرجت مخرج التمدح بكمال قدرة الله تعالى والامتنان على خلقه بتيسير التكليف، والتَّمدح إنما يكون بالجائز.
وهذا نظير جواب الجزري المتقدم في {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ}. اهـ.

.بحوث تتعلق بالآية:

.مشكلة الخمر في العالم:

الخمر من أعقد المشكلات التي يجأر منها الغرب ويبحث عن حل لكن دون جدوى فهذا السيناتور الأمريكي وليم فولبرايت يقول عن مشكلة الخمر: لقد وصلنا إلى القمر ولكن أقدامنا مازالت منغمسة في الوحل، إنها مشكلة حقيقية عندما نعلم أن الولايات المتحدة فيها أكثر من 11 مليون مدمن خمر وأكثر من 44 مليون شارب خمر.
وقد نقلت مجلة لانست البريطانية مقالًا بعنوان الشوق إلى الخمر جاء فيه إذا كنت مشتاقًا إلى الخمر فإنك حتمًا ستموت بسببه.
إن أكثر من 200 ألف شخص يموتون سنويا في بريطانيا بسبب الخمر.
وينقل البروفسور شاكيت أن 93% من سكان الولايات المتحدة يشربون الخمر وأن 40% من الرجال يعانون من أمراض عابرة بسببه و5% من النساء و10% من الرال يعانون من أمراض مزمنة معندة.