فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة الأحزاب:
{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق اللَّهَ وَلاَ تُطع الْكَافرينَ وَالْمُنَافقينَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَليمًا حَكيمًا}.
وقوله: {اتَّق اللَّهَ} قال الفراء يقول القائل فيمَ أُمر النبى صَلى الله عليه وسلم بالتقوى.
فالسَّبب في ذلك أنّ أبا سُفيان بن حَرْب وعكرمة بن أبى جهل وأبا الأعور السُّلَمى قدموا إلى المدينة، فنزلوا على عبدالله بن أُبَىّ بن سَلُول ونظرائه من المنَافقينَ، فسَألُوا رسول الله أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون فنزل {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق اللَّهَ} في نقض العهد؛ لأنه كانت بينهم موادَعة فأُمر بأَلاّ ينقض العهد {وَلاَ تُطع الْكَافرينَ} من أهْل مكَّة {وَالْمُنَافقينَ} من أهل المدينة فيما سألوك.
{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئي تُظَاهرُونَ منْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلكُمْ قَوْلُكُم بأَفْوَاهكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدي السَّبيلَ}.
وقوله: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه} إنما جرى ذكر هذا لرجل كان يقال له جَميل بن أوس ويكنى أبا معمرٍ. وكان حَفظًا للحديث كثيرهُ، فكان أهل مكّة يقولون: له قلبان وعقَلان من حفظه فانهزم يوم بدر، فمَرّ بأبى سُفيان وهو في العير، فقال: مَا حالُ الناس يا أبا معمرٍ؟ قال: بين مقتولٍ وهَارب. قال: فما بَالُ إحدى نعليكَ في رجلك والأخرى في يدك؟ قال: لقد ظننت أنهما جميعًا في رجلىّ؛ فعلم كذبهم في قولهم: له قلبان. ثم ضم إليه {وَمَا جَعَلَ}.
وقوله: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئي تُظَاهرُونَ منْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ} أي هذا باطل؛ كما أن قولكم في جَميل باطل. إذا قال الرجل: امرأته عليه كظهر أُمّه فليسَ كذلكَ، وفيه من الكفّارة مَا جَعَل الله. وقوله: {تُظَاهرُونَ} خفيفة قرأهَا يحيى بن وثّاب. وقرأها الحسن {تُظَهّرُونَ} مشدّدةً بغير ألفٍ. وقرأها أهل المدينة {تَظَّهَّرون} بنصب التاء، وكلّ صَوَاب معناه متقارب العرب تقول: عَقّبت وعاقبت، {وَعَقَّدتُمُ الأيمَانَ} و{عَاقَدْتُمْ} {ولا تُصعّرْ خَدَّكَ} و{لا تُصَاعرْ} اللهمّ لا تُرَاءبى، وتُرأبّى. وقد قرأ بذلك قولم فقالُوا: {يُرَاءُونَ} و{يُرَءُّون} مثل يُرَعُّونَ. وقد قرأ بعضهم {تَظَاهَرُونَ} وهو وجه جَيّد لا أعرف إسْناده.
وقوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}.
كان أهل الجاهليّة إذا أعجب أحدَهم جَلَدُ الرجل وظُرْفُه ضمَّه إلى نفسه، وَجَعَل له مثلَ نصيب ذَكَر من ولده من ميراثه. وكانوا يُنسبون إليهم، فيقال: فلان بن فلان للذى أقطعه إليه. فقال الله: {ذَلكُمْ قَوْلُكُم بأَفْوَاهكُمْ}. وهو بَاطل {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} غير مَا قلتم.
{ادْعُوهُمْ لآبَآئهمْ هُوَ أَقْسَطُ عندَ اللَّه فَإن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخوَانُكُمْ في الدّين وَمَوَاليكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيمَآ أَخْطَأْتُمْ به وَلَاكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحيمًا}.
ثم أمرهم فقال: {ادْعُوهُمْ لآبَآئهمْ}.
أى انسُبوهم إلى آبائهم. وقوله: {فَإن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ} فانسبوهم إلى نسبة مواليكم الذين لا تعرفونَ آباءهم: فلان بن عبدالله، بن عبدالرحمن ونحوه.
وقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} فيما لمْ تقصدُوا له منَ الخطأ، إنما الإثم فيما تعمَّدتُم. وقوله: {وَلَاكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ما في موضع خفض مردودة على ما التي مع الخَطأ.
{النَّبيُّ أَوْلَى بالْمُؤْمنينَ منْ أَنْفُسهمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَام بَعْضُهُمْ أَوْلَى ببَعْضٍ في كتَاب اللَّه منَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُهَاجرينَ إلاَّ أَن تَفْعَلُوا إلَى أَوْليَآئكُمْ مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلكَ في الْكتَاب مَسْطُورًا}.
وقوله: {النَّبيُّ أَوْلَى بالْمُؤْمنينَ منْ أَنْفُسهمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.
وفى قراءة عَبْدالله أو أُبىّ: {النَّبيُّ أَوْلَى بالمؤمنينَ من أنفسهم وهو أب لهم} وكذلك كلّ نبىّ. وجرى ذلكَ لأن المسْلمينَ كانوا متواخينَ، وكان الرجل إذا مات عن أخيه الذي آخاه وَرثه دون عَصَبته وقرابته فأنزل الله: {النَّبىّ أَوْلَى منَ} المسْلمينَ بهذه المنزلة، وليس يرثهم، فكيفَ يرث المواخى أخاه! وأنزل {وَأُوْلُو الأَرْحَام بَعْضُهُمْ أَوْلَى ببَعْضٍ} في الميراث {في كتَاب اللَّه} أي ذلكَ في اللوح المحفوظ عند الله.
وقوله: {منَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُهَاجرينَ}. إن شئت جعلت من دخلت ل {أولى} بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين بعضهم ببعض، وإنْ شئت جعلتها- يعنى من- يراد بهَا: وأولو الأرحام مَن المؤمنينَ والمهَاجرينَ أولى بالميراث.
{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا}.
وقوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا}.
يريد: وَأرسَلنا جُنُودًا لم تروها من الملائكة. وهذا يوم الخَنْدق وهو يوم الأحزاب.
{إذْ جَاءُوكُمْ مّن فَوْقكُمْ وَمنْ أَسْفَلَ منكُمْ وَإذْ زَاغَت الأَبْصَارُ وَبَلَغَت الْقُلُوبُ الْحَنَاجرَ وَتَظُنُّونَ باللَّه الظُّنُونَا}.
وقوله: {إذْ جَاءُوكُمْ مّن فَوْقكُمْ}.
ممَّا يلى مكَّة {وَمنْ أَسْفَلَ منكُمْ} ممَّا يلى المدينة. وقوله: {وَإذْ زَاغَت الأَبْصَارُ} زاغت عن كلّ شيء فلم تلتفت إلا إلَى عَدُوّها. وقوله: {وَبَلَغَت الْقُلُوبُ الْحَنَاجرَ} ذُكر أَن الرجل منهم كانت تنتفخ رئته حتى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع. وقوله: {وَتَظُنُّونَ باللَّه الظُّنُونَا} ظنون المنافقينَ.
{هُنَالكَ ابْتُليَ الْمُؤْمنُونَ وَزُلْزلُوا زلْزَالًا شَديدًا}.
ثم قال الله: {هُنَالكَ ابْتُليَ الْمُؤْمنُونَ وَزُلْزلُوا زلْزَالًا شَديدًا}.
يقول: حُرّكُوا تحريكًا إلى الفتنة فعُصمُوا.
{وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبهم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا}.
وقوله: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا}.
وهذا قول مُعَتّب بن قُشير الأنصارى وحده. ذكروا أَن رسول الله صلى الله عَليه وسَلم أخذ معْولًا من سَلْمَان في صخرة اشتدّت عليهم، فضربَ ثلاث ضَرَبات، مع كل واحدة كلَمْع البَرْق. فقال سلمان: والله يا رسول الله لقد رأيتُ فيهنّ عَجَبًا قال فقال النبى عَليه السَّلام: لقد رأيْتُ في الضربة الأولى أبيض المدائن، وفى الثانية قصُورَ اليمن، وفى الثالثة بلاد فارسُ والرُّوم. وليفتحنَّ الله عَلَى أمَّتى مبلغ مَدَاهُنّ. فقال معتتّبٌ حين رَأَى الأحزاب: أيَعدُنا محمَّد أن يُفتح لنا فارسُ والرُّوم وَأَحَدُنا لا يقدر أن يضرب الخَلاءَ فَرَقًا؟ ما وَعدنا الله ورسوله إلا غرورًا.
{وَإذْ قَالَت طَّآئفَةٌ مّنْهُمْ ياأَهْلَ يَثْربَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجعُوا وَيَسْتَأْذنُ فَريقٌ مّنْهُمُ النَّبيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هيَ بعَوْرَةٍ إن يُريدُونَ إلاَّ فرَارًا}.
وقوله: {لاَ مَقَامَ لَكُمْ}.
قراءة العَوامّ بفتح الميم؛ إلا أبا عبدالرحمن فإنه ضَمَّ الميم فقال: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} فمن قال: {لا مَقامَ} فكأنه أراد: لا موضع قيامٍ. ومن قرأ: {لا مُقامَ} كأنه أراد: لا إقامة لكم {فَارْجعُوا}.
كلّ القراء الذين نعرف على تسكين الواو {عَوْرَةٌ} وذُكر عن بعض القراء أَنه قرأ: {عَورة} عَلَى ميزان فَعلة وهو وجه. والعرب تقول: قد أَعور منزلُك إذا بدت منه عَوْرة، وأَعور الفارسُ إذا كان فيه موضع خَلَل للضرب. وأنشدنى أبو ثَرْوانَ:
لَهُ الشَّدَّةُ الأُولى إذا القرنُ أَعورَا

يعنى الأسد. وإنما أرادوا بقولهم: إن بيوتنا عورة أي مُمْكنة للسُرَّاق لخلوتها من الرجال. فأكذبهم الله، فقال: ليست بعورة.
{وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ مّنْ أَقْطَارهَا ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بهَآ إلاَّ يَسيرًا}.
وقوله: {وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ مّنْ أَقْطَارهَا}.
يعنى نواحى المدينة {ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ} يقول: الرجوع إلى الكفر {لآتَوْهَا} يقول. لأعطَوُا الفتنة. فقرأ عاصم والأعمش بتطويل الألف. وقَصَرها أهلُ المدينة: {لأَتَوْهَا} يريد: لفعلوهَا. والذين طَوَّلوا يقولونَ: لمّا وقع عليها السؤال وقع عليها الإعطاء؛ كما تقول: سألتنى حاجَةً فأعطيتُك وآتيتكها.
وقد يكون التأنيث في قوله: {لآتَوْهَا} للفَعْلة، ويكون التذكير فيه جائزًا لو أتى، كما تقول عند الأمرْ يفعله الرجل: قد فعلتَها، أما والله لا تذهب بها، تريد الفَعْلة.
وقوله: {وَمَا تَلَبَّثُوا بهَآ إلاَّ يَسيرًا} يقول: لم يكونوا ليلبثوا بالمدينة إلا قليلًا بعد إعطاء الكفر حتى يهلكوا.
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفرَارُ إن فَرَرْتُمْ مّنَ الْمَوْت أَو الْقَتْل وَإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَليلًا}.
وقوله: {وَإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ}.
مرفوعة؛ لأنَّ فيها الواوَ وإذا كانت الواو كان في الواو فعل مضمر، وكان معنى {إذًا} التأخير، أي ولو فعلوا ذلكَ لا يلبثونَ خلافك إلا قليلًا إذًا. وهى في إحدى القراءتْين {وإذًا لا يَلْبَثوا} بطرح النون يراد بها النصب. وذلك جائز، لأنَّ الفعل متروك فصارت كأنها لأوَّل الكلام، وإن كانت فيها الواو. والعرب تقول: إذًا أكسرَ أنفك، إذًا أضربَكَ، إذًا أغُمَّكَ إذَا أجابوا بها متكلّمًا. فإذا قالوا: أَنا إذًا أضربُكَ رفعوا، وجَعَلوا الفعل أولى باسمه من إذًا؛ كأنَّهُمْ قالوا أضربك إذًا؛ ألا ترى أنهم يقولونَ: أظنُّك قائمًا، فيُعملونَ الظنَّ إذا بدءُوا به وإذا وقع بين الاسم وخبره أبطلوه، وإذا تأخّر بعد الاسم وخبره أبطلوه. وكذلك اليمين يكون لَها جَواب إذا بُدئ بها فيقال: والله إنك لعاقل، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا: أنت والله عاقل. وكذلكَ إذا تأخّرَت لم يكن لها جَواب؛ لأنَّ الابتداء بغيرها. وقد تنصب العربُ بإذًا وهى بين الاسم وخبره في إنَّ وحدها، فيقولون: إنى إذًا أضربَك، قالَ الشاعر:
لا تَترُكنّى فيهُم شطيرًا ** إنى إذًا أهلكَ أوْ أطيرَا

والرفع جائز. وإنما جاز في إنّ ولم يجز في المبتدأ بغير إنّ لأن الفعل لا يكون مقدَّمًا في إنَّ، وقد يكون مقدّمًا لو أسْقطت.
{أَشحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذي يُغْشَى عَلَيْه منَ الْمَوْت فَإذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بأَلْسنَةٍ حدَادٍ أَشحَّةً عَلَى الْخَيْر أوْلَائكَ لَمْ يُؤْمنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلكَ عَلَى اللَّه يَسيرًا}.
وقوله: {أَشحَّةً عَلَيْكُمْ}.
منصوب عَلى القطع، أي منَ الأسْماء التي ذُكرت: ذكر منهم. وإن شئتَ من قوله: {يعوّقونَ} ها هنا عند القتال ويشحّون عن الإنفاق عَلى فقراء المسْلمينَ. وإن شئت من القائلينَ لإخوانهم {هَلُمّ} وهم هَكَذا. وإن شئت منْ قوله: {وَلاَ يأْتُونَ البأسَ إلا قلَيلًا أشحَّةً} يقول: جُبنَاءَ عند البَأْس أشحَّةً عند الإنفاق على فقراء المسْلمينَ. وهو أحبّها إلىّ. والرفع جَائز عَلَى الائتنَاف ولم أسمَعْ أحدًا قرأ به و{أشحَّة} يكون عَلَى الذمّ، مثل ما تنصب على الممدوح عَلَى؛ مثل قوله: {مَلْعُونينَ}.
وقوله: {سَلَقُوكُمْ بأَلْسنَةٍ حدَادٍ}. آذَوكم بالكلام عند الأمن {بأَلْسنَةٍ حدَادٍ} ذَربةٍ. وَالعربُ تقول: صَلَقُوكم. ولا يجوز فىالقراءة لمخالفتها إيّاهُ: أنشدنى بعضهم:
أصْلقَ نَابَاه صيَاح العُصْفورْ ** إنْ زَلّ فوه عن جَواد مئشير

وذلكَ إذا ضربَ النّابُ الناب فسمعْتَ صَوته.
{يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإن يَأْت الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأَعْرَاب يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئكُمْ وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ مَّا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا}.
وقوله: {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئكُمْ}.
عن أنباء العسكر الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأها الحسنُ {يَسَّاءلون} والعَوَامّ على {يَسْألونَ} لأنهم إنما يَسْألون غيرهم عن الأخبار، وليسَ يسأل بعضُهم بعضًا.
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا}.
وقوله: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول اللَّه أُسْوَةٌ}.
كان عاصم بن أبى النَجُود يقرأ: {أُسْوة} برفع الألف في كلّ القرآن وكان يحيى بن وثّاب يرفع بعضًا ويكسر بعضًا. وهما لغتان: الضَمْ في قيس. والحسنُ وَأَهْل الحجاز يقرءونَ {إسْوَةٌ} بالكسر في كلّ القرآن لا يختلفون. ومعنى الأُسوة أنهم تَخلّفوا عنه بالمدينة يوم الخندق وهم في ذلك يحبّون أن يظفر النَّبىُّ صلى الله عليه وسم إشفاقًا على بلدتهم، فقال: لقد كَانَ في رَسُول الله أُسْوة حَسَنة إذ قاتل يوم أُحُد. وذلك أيضًا قوله: {يَحْسَبُون الأحزْابَ لَمْ يَذْهَبُوا} فهم في خَوف وفَرَق {وإنْ يَأْت الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأَعراب} يقول في غير المدينة وفى في قراءة عبدالله: {يحسبونَ الأحزابَ قد ذهبُوا فإذا وجدوهم لم يذهَبُوا وَدُّوا لو أنهم بادُونَ في الأعراب}.
وقوله: {لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} خَصَّ بهَا المؤمنين. ومثله في الخصوص قوله: {فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْن فلاَ إثْمَ عَلَيْه وَمَنْ تَأَخَّر فَلاَ إثمَ عَليه} هذا {لمنْ اتّقَى} قتل الصيَّد.
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا}.
وقوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمنُونَ الأَحْزَابَ}.
صَدَّقوا فقالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} كان النبى عليه السلام قد أخبرهم بمسيرهم إليه فذلك قوله: {وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا} ولو كانت وما زادوهم يريد الأحزاب.
وقوله: {وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا} أي مَا زادهم النظر إلى الأحزاب إلاّ إيمانًا.