فصل: الأحكام الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: هل الآية الكريمة دالة على تحريم الخمر؟

ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} دالة على تحريم الخمر، لأن الله تعالى ذكر فيها قوله: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} وقد حرم الله الإثم بقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم} [الأعراف: 33] الآية وهذا اختيار القاضي أبي يعلى.
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية تقتضي ذم الخمر دون تحريمها، بدليل أن بعض الصحابة شربوا الخمر بعد نزولها- كما مرّ في أسباب النزول- ولو فهموا التحريم لما شربها أحد منهم، وهذه الآية منسوخة بآية المائدة وهذا قول مجاهد، وقتادة، ومقاتل.
قال القرطبي: في هذه الآية ذم الخمر، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى هي آية المائدة [90] {يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان} وعلى هذا أكثر المفسدين.

.الحكم الثاني: ما هي الخمر وهل هي اسم لكل مسكر؟

اختلف العلماء في تعريف الخمر ما هي؟
فقال أبو حنيفة: الخمر الشراب المسكر من عصير العنب فقط، وأما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير، فلا يسمى خمرًا بل يُسمى نبيذًا. وهذا مذهب الكوفيين والنخعي، والثوري، وابن أبي ليلى.
وذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد إلى أن الخمر اسم لكلّ شراب مسكر، سواءً كان من عصير العنب، أو التمر، أو الشعير أو غيره، وهو مذهب جمهور المحدثين وأهل الحجاز.
حجة الكوفيين وأبي حنيفة:
احتج الكوفيون وأبو حنيفة بأن الأنبذة لا تسمى خمرًا، ولا يسمى خمرًا إلا لشيء المشتد من عصير العنب باللغة، والسنة:
أما اللغة: فقول أبي الأسود الدؤلي وهو حجة في اللغة:
دع الخمر تشربْها الغواة فإنني ** رأيت أخاها مغنيًا بمكانها

فإن لا تكنْه أو يكنْها فإنه ** أخوها غذته أمه بلبانها

وأما السنة: فما روي عن أبي سعيد الخدري قال: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال له: أشربت خمرًا؟ قال: ما شربتها منذ حرّمها الله ورسوله، قال: فماذا شربت؟ قال: الخليطين، قال: فحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليطين».
فنفى الشارب اسم الخمر عن الخليطين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليه.
حجة الجمهور:
واستدل الحجازيون وجمهور الفقهاء على أن كل مسكر خمر بما يلي:
أولًا: حديث ابن عمر «كلّ مسكر خمرٌ، وكل مسكر حرامٌ».
ثانيًا: حديث أبي هريرة: «الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة».
ثالثًا: حديث أنس «حرمت الخمر حين حرّمت، وما يُتخذ من خمر الأعناب إلا قليل، وعامة خمرنا البُسْرُ والتمر».
رابعًا: حديث ابن عمر نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والذرة، والخمرُ ما خامر العقل.
خامسًا: حديث أم سلمة «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتّر».
واستدلوا لمذهبهم على أن المسكر يسمى خمرًا باللغة أيضًا وهو أن الخمر سميت خمرًا لمخامرتها للعقل، وهذه الأنبذة تخامر العقل أي تستره وتغيبه فلذلك تسمى خمرًا، فالخمرُ هو السكر من أي شرابٍ كان، لأن السكر يغطي العقل، ويمنع من وصول نوره إلى الأعضاء.
قال الفخر الرازي: فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمّى الخمر هو المسكر، فكيف إذا انضافت الأحاديث الكثيرة إليه؟ لا يقال: إن هذا إثبات للغة بالقياس وهو غير جائز، لأنا نقول: ليس هذا إثباتًا للغة بالقياس بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات.
والترجيح: ونحن إذا تأملنا أدلة الفريقين- ما ذكر منها وما لم يذكر- ترجح عندنا قول الجمهور وأهل الحجاز، فالخمر حرام، وكمل مسكر خمر كما قال عمر رضي الله عنه، وذلك لأن الصحابة لما سمعوا تحريم الخمر فهموا منه تحريم الأنبذة، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشارع، وقد ثبت بالسنة المطهّرة تحريم كل مسكر ومفتّر، وثبت عن أنسٍ أنه كان ساقي القوم في منزل أبي طلحة حين حرمت الخمر، وما كان خمرهم يومئذٍ إلا الفضيخ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهراقوا الشراب وكسروا الأواني، وما كان الفضيخ إلا من نقيع البسر، فما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح المعوّل عليه، لاسيما وأن المتأخرين من الأحناف أفتوا بقول محمد في سائر الأشربة وهو الحق الذي لا محيد عنه.
قال العلامة الألوسي: وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان، وبأي اسم سمي، متى كان بحيث يُسكر حرام، وقليله ككثيره، ويحد شاربه، ويقع طلاقه، ونجاسته غليظة.

.الحكم الثالث: ما هي أنواع الميسر المحرّم؟

اتفق العلماء على تحريم ضروب القمار، وأنها من الميسر المحرّم لقوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} فكل لعب يكون فيه ربح لفريق وخسارة لآخر هو من الميسر المحرم، سواءً كان اللعب بالنرد، أو الشطرنج أو غيرهما، ويدخل فيه في زماننا مثل اليانصيب سواء منه ما كان بقصد الخير اليانصيب الخيري أو بقصد الربح المجرد فكله ربح خبيث «وإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا».
قال صاحب (الكشاف): وفي حكم الميسر أنواع القمار، من النرد والشطرنج وغيرهما، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهاتين اللعبتين المشئومتين فإنهما من ميسر العجم».
وعن علي رضي الله عنه: أن النرد والشطرنج من الميسر.
وعن ابن سيرين: كل شيء فيه خطر فهو من الميسر.
قال صاحب روح المعاني: وفي حكم الميسر جميع أنواع القمار من النرد، والشطرنج، وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب، والقرعة في غير القسمة، وجميع أنواع المخاطرة والرهان.
أما النرد فمحرم بالاتفاق لقوله عليه السلام: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله».
وأما الشطرنج: فقد أباحه الإمام الشافعي بشروط ذكرها الإمام الفخر حيث قال: وقال الشافعي رضي الله عنه: إذا خلا الشطرنج عن الرهان، واللسان عن الطغيان، والصلاة عن النسيان، لم يكن حرامًا، وهو خارج عن الميسر، لأن الميسر ما يوجب دفع المال، أو أخذ مال، وهذا ليس كذلك، فلا يكون قمارًا ولا ميسرًا.
وأما السبق في الخيل والدواب، والرميُ بالنصَال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من كتب الفقه وليس هنا محل تفصيلها والله تعالى أعلم.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
حرم الله الخمر والميسر، لما فيهما من الأضرار الفادحة، والمفاسد الكثيرة، والآثام التي تتولد من هاتين الرذيلتين سواءً في النفس أو البدن أو العقل أو المال.
فمن مضار الخمر أنه يذهب العقل حتى يهذي الشارب كالمجنون، ويفقد الإنسان صحته ويخرّب عليه جهازه الهضمي، فيحدث التهابات في الحلق، وتقرحات في المعدة والأمعاء، وتمددًا في الكبد، ويعيق دورة الدم، وقد يوفقها فيموت السكّير فجأة، وقد أثبت الطب الحديث ضرر الخمر الفادح في الجسم والعقل حتى قال بعض أطباء ألمانيا: اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات، والبيمارستانات مستشفى الأمراض العقلية والسجون.
ويكفي الخمر شرًا أنها أم الخبائث كما ورد في الحديث الشريف.
وأما مضار الميسر فليست بأقل من مضار الخمر، فهو يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويفسد المجتمع بتعويد الناس على البطالة والكسل، بانتظار الربح بدون كد ولا تعب، ويهدّم الأسر ويخرّب البيوت، فكم من أسرة تشرّدت وتحطمت وافتقرت بعد أن كانت تعيش بين أحضان الثروة والغنى بسبب مقامرة أربابها، فكان في ذلك الدمار والهلاك لتلك الأسر المنكوبة، كما انتهى الأمر بالكثير من اللاعبين إلى قتل أنفسهم بالانتحار، أو الرضا بعيشة الذل والمهانة.
ولا تزال الأيام تظهر من مضار الخمر والميسر ما لم يكن معروفًا من قبل، فيتجلى لنا صدق وصف الكتاب الكريم: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91]. اهـ.

.سؤال: لم وصف الإصلاح ب {لهم} دون الإضافة، فلم يقل إصلاحهم؟

الجواب: وصف الإصلاح ب {لهم} دون الإضافة إذ لم يقل إصلاحهم لئلا يتوهم قصره على إصلاح ذواتهم لأن أصل إضافة المصدر أن تكون لذات الفاعل أو ذات المفعول فلا تكون على معنى الحرف، ولأن الإضافة لما كانت من طرق التعريف كانت ظاهرة في عهد المضاف فعدل عنها لئلا يتوهم أن المراد إصلاح معين كما عدل عنها في قوله: {ايتوني بأخ لكم من أبيكم} [يوسف: 59] ولم يقل بأخيكم ليوهمهم أنه لم يرد أخًا معهودًا عنده، والمقصود هنا جميع الإصلاح لا خصوص إصلاح ذواتهم فيشمل إصلاح ذواتهم وهو في الدرجة الأولى ويتضمن ذلك إصلاح عقائدهم وأخلاقهم بالتعليم الصحيح والآداب الإسلامية ومعرفة أحوال العالم، ويتضمن إصلاح أمزجتهم بالمحافظة عليهم من المهلكات والأخطار والأمراض وبمداواتهم، ودفع الأضرار عنهم بكفاية مؤنهم من الطعام واللباس والمسكن بحسب معتاد أمثالهم دون تقتير ولا سرف، ويشمل إصلاح أموالهم بتنميتها وتعهدها وحفظها. ولقد أبدع هذا التعبير، فإنه لو قيل إصلاحهم لتوهم قصره على ذواتهم فيحتاج في دلالة الآية على إصلاح الأموال إلى القياس ولو قيل قل تدبيرهم خير لتبادر إلى تدبير المال فاحتيج في دلالتها على إصلاح ذواتهم إلى فحوى الخطاب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال أبو حيان:

قيل: وجعلهم إخوانًا لوجهين: أحدهما: أخوة الدين، والثاني: لانتفاعهم بهم، إما في الثواب من الله تعالى وإما بما يأخذونه من أجرة عملهم في أموالهم، وكل من نفعك فهو أخوك.
وقال الباقر لشخص: رأيتك في قوم لم أعرفهم، فقال: هم إخواني، فقال: أفيهم من إذا احتجت أدخلت يدك في كمه فأخذت منه من غير استئذان؟ قال: لا، قال: إذن لستم بإخوان.
وفي قوله: {فإخوانكم} دليل على أن أطفال المؤمنين مؤمنون في الأحكام لتسمية الله تعالى إياهم إخوانًا لنا. اهـ.