فصل: مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم اللّه ومن يؤذي أولياءه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويفهم من قوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} إلخ، جواز رؤية المخطوبة وهو كذلك، أخرج أبو داود عن جابر قال: قال صلّى اللّه عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له صلّى اللّه عليه وسلم انظر إليها فانّ في أعين الأنصار شيئا.
وأخرج الترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي النبي صلّى اللّه عليه وسلم هل نظرت إليها؟ قلت لا، قال فانظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما.
أي الحب من الدوام.
وفي رواية أن يؤدم بينكما من الادام.
وله أن يرسل من يعتمد عليها من أقاربه لتنظرها وتمحصها وتشم مراقها وفمها وتتكلم معها وتخبره بما تراه، حتى إذا اطمأن لذلك وأحب خطبتها خطبها، وهذا أحد الأعذار التسعة المبيحة للنظر، والثاني الشهادة على فعل الزنى، والثالث لأجل الشهادة على المرأة، الرابع للقاضي النظر للمرأة عند الحكم عليها أو لها، الخامس على الولادة، السادس البكارة في دعوى العنة أو الرد بالعيب، السابع والثامن على الختان والخفض، والتاسع إرادة الشراء في الأمة.
واعلم أن نظر الخطبة ينبغي أن يكون صدفة أو من بيت جارتها أو قريبها أو يريها غيره من غير علم منها، لا أن تعرض له كالدابة إن أعجبته اشتراها وإلا تركها كما يريده من لا خلاق له ولا مروءة عنده ولا شهامة لديه، إذ لا تسمح النفوس الأبية الكريمة بذلك، وقد يقع من بعض الناس لشدة رغبتهم بالخاطب حبا بعلمه أو جاهه أو ماله أو دينه أو صلاحه، والأعمال بالنيات، وإلا فلا يطمح إلى ذلك من غير هذه الأسباب إلا من تقليد الأجانب الذين لا غيرة عندهم ولا حمية لهم الذين يسمحون للخاطب مخالطتها والأكل معها، بل والذهاب معها للنزهة والاعتزال بها عن أهلها والخلوة بها أيضا، لهذا فإنه قد يقع ما يقع بينهما من المفاسد، وإذ ذاك إما يأخذها فيستر عليها أو يتركها فيفضح أمرها وتهمل، وهذا كثير الوقوع في زماننا، أجارنا اللّه وسلمنا منه ومن كل التقاليد المخالفة للشرع والمروءة.
ومما حبذه الآن بعض شبابنا تبادل الخواتم بين المخطوبة والخاطب دلالة على تمام الخطبة، مع أن هذا مما يتشاءم به عند العرب، لأن الخاتم يدل على الضيق وهم يتفاءلون بالسعة، وقيل في ذلك:
واللّه ما ناولت للحب خاتما ** ولا قلما مبرى ولا بست عينه

ولا آلة للقطع توجب فرقة ** فما سبب التفريق بيني وبينه

وانجر هذا التقليد إلى تقليدهم بالزفاف أيضا، إذ صار الزوج ليلة الزواج يأتي بسيارته إلى بيت العرس فيدخل بين النسوة والبنات الأجانب إليها، فيجلس معها ثم يأخذها ويركبها بسيارته ويذهب بها إلى بيته سافرة خالعة بدل أن كانت تزف إلى بيته من قبل النسوة فقط مستورة لا يراها غيره، ثم انجر إلى تقليد آخر، فإنه صبيحة الدخول بها يأخذها ويذهب بها لبلد آخر ويبقى معها شهرا يسمونه شهر العسل بدل أن يبقى في بلده بين أهله وأقاربه يسرون بزواجه ويباركون لهما في بيتهما القريب والبعيد، ويتركون وليمة العرس، ويحرمون من التمتع وأنظار العامة، وتراهما يكشفان الستار ويطرحان العار، ويضع أحدهما يده بيد صاحبه ويمشيان بالأسواق نابذين وصية اللّه وراء ظهورهما بإظهار التبرج ومخالطة الأجانب وطرح المروءة والشهامة، وقد يفعل بعض هذا الذين يذهبون إلى المصايف، وقد يفعلون المنكرات ويظنون أن لا يطلع عليهم أحد من أهل بلدهم، ولا يبالون باطلاع غيرهم كبعض النساء اللاتي لا يبالين بمقابلة الجمال والبدوي والعامل والصائغ والتاجر، ويغطين من جارهن وقريبهن، وكل هذا مخالف للشريعة الغراء التي هي بمصلحة الناس، فهم يخشون الناس ولا يخشون اللّه، وقال صلّى اللّه عليه وسلم: استحيوا من اللّه استحياءكم من رجلين من صالحي قومكم.
وقال استحيوا من اللّه حق الحياء.
الحديث، لأن الحياء من الإيمان، قاتل اللّه هؤلاء وقاتل أولياءهن، وهذا بعض ما سرى إلينا من الأجانب وحبذه بعض شبابنا ومن فقد الأخلاق الكريمة من غيرهم، فالأمر للّه الواحد القهار.
ثم شرع جل شأنه يؤدب المؤمنين عما لا يليق وقوعه منهم بقوله عز قوله: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} من قبله {إلى طَعامٍ غَيْرَ ناظرينَ إناهُ} وقته أي إدراكه ونضجه {وَلكنْ إذا دُعيتُمْ فَادْخُلُوا فَإذا طَعمْتُمْ فَانْتَشرُوا} إلى منازلكم أو غيرها أي اخرجوا عنه وتفرقوا لا تبقوا جالسين {وَلا} تديموا الجلوس {مُسْتَأْنسينَ لحَديثٍ} بعضكم {إنَّ ذلكُمْ} الدخول قبل الإذن والانتظار لنضج الطعام عنده، والجلوس بعد الطعام للسمر أو غيره، كل ذلك {كانَ يُؤْذي النَّبيَّ} وما كان لكم أن تؤذوه بشيء من ذلك ولا غيره، وهو لا يريد أن يبادركم بالمنع والخروج {فَيَسْتَحْيي منْكُمْ} أن يجابهكم بذلك {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيي منَ الْحَقّ} لأنه بصالحكم لذلك بينه لكم بقصد تأديبكم {وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعًا} غرضا ما تريدونه من النساء {فَسْئَلُوهُنَّ منْ وَراء حجابٍ} لا تدخلوا عليهن من أجله وليكن سؤالكم برفق وتؤدة ولين {ذلكُمْ} الطلب من خلف الستار على الوجه المار ذكره {أَطْهَرُ لقُلُوبكُمْ} من أن يقع فيها من وساوس الشيطان ودسائسه بشأنهن {وَقُلُوبهنَّ} وطهر أيضا لأن الخواطر القلبية قد لا يخلو منها أحد لاسيما ما ينشأ من النظر إلا من عصمه اللّه {وَما كانَ لَكُمْ} أيها المؤمنون {أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه} في شيء من الأشياء {وَلا أَنْ تَنْكحُوا أَزْواجَهُ منْ بَعْده أَبَدًا} لأنهن محرمات عليكم على التأييد كحرمة أمهاتكم واعلموا {إنَّ ذلكُمْ} كله مما يؤذي حضرة الرسول وإن أذاه {كانَ عنْدَ اللَّه عَظيمًا} (53) فيعاقب عليه بأعظم العذاب وهذا من إعلام تعظيم اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم وإيجاب حرمة وقاره حيا وميتا، تشير هذه الآية إلى ما يطيب خاطر الرسول ويسرّ قلبه ويستفرغ شكره ويشرح صدره وتطمئن نفسه.
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال إنه كان ابن عشر سنين فقدم النبي صلّى اللّه عليه وسلم المدينة، قال فكانت أم هانئ توافيني على خدمة رسول اللّه، فخدمته عشر سنين، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في مبنى رسول اللّه بزينب بنت جحش حين أصبح يعني النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم بها عروسا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام، ثم خرجوا وبقي رهط عند النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فأطالوا المكث، فقام النبي فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى النبي ومشت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة، ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب النبي صلّى اللّه عليه وسلم بيني وبينه بالستر، وأنزل اللّه الحجاب.
قال تعالى: {إنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} في صدوركم أيها الناس ولم تنطقوا به مما يتعلق بالنبي وغيره من كل ما تتصورونه بقلوبكم أو يخطر على بالكم {فَإنَّ اللَّهَ كانَ} ولم يزل {بكُلّ شيء} يقع في كونه علنا أو سرا {عَليمًا} (54) لا يخفى عليه شيء، وانه لابد أن يعاقبكم على سيئه ويكافئكم على حسنه إن شاء، قالوا إن طلحة بن عبد اللّه التميمي قال إن محمدا يأخذ بنات عمنا يعني عائشة، لأن أبا بكر من بني تيم بن مرة ثم يمنعنا من الدخول على نسائه ويحجبهن عنا، لئن مات لأتزوجنها، فنزلت.
وهذا الخبر قد لا يكون صحيحا، لأن أحدا من الأصحاب المخلصين لا يخطر بباله هذا ولا يحوك في نفسه ولا يتردد في صدره ولا يحرك به لسانه، بل قد ترجف بوادره من ذكره وترتعد فرائضه من التحدث فيه ويقشعر شعره من سماعه، اللهم إلا أن يكون منافقا، وطلحة هذا غير طلحة المبشر بالجنة، وحاشاه من هذه الوصمة، بل هو رجل شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، ذكره الحافظ السيوطي.
فإذا كان نساء النبي المحرمات على الأمة لا يسألن إلا من وراء حجاب وقد نهين عن التخضع بالقول كما مر في الآية 32، فنساؤنا الجائز زواجهن أولى بذلك.
وإن هذا وما تقدم دليل كاف على ستر الوجه، ولبحثه صلة في الآية 31 من سورة النور الآتية فراجعها.
وبعد نزول هذه الآية قال آباء النساء وذووهن، ونحن يا رسول اللّه نكلمهن أيضا من وراء حجاب؟ فأنزل الله: {لا جُناحَ عَلَيْهنَّ في آبائهنَّ وَلا أَبْنائهنَّ وَلا إخْوانهنَّ وَلا أَبْناء إخْوانهنَّ وَلا أَبْناء أَخَواتهنَّ وَلا نسائهنَّ} بالدخول عليهن ونظرا لعموم الآية يدخل فيها الكتابيات أيضا.
ويخرج الكافرات لأنهن لسن من نساء المؤمنين ولأنهن غير أمينات عليهن، إذ قد ينتقلن صفاتهن لأزواجهن وغيرهم لأنهن لا دين لهن، فلا يجوز اطلاعهن على عورات المؤمنات، ولا دخول الحمام معهن، لما فيه من بدو العورات فيطلعن عليهن، وقد عدّ الفقهاء نظر الكافرة المسلمة كنظر الرجل الأجنبي {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ} ظاهر الآية من العبيد والإماء كما نقل ابن عباس، وإليه ذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة إنه خاص بالإماء على ما قاله الخفاجي.
وقال أبو حيان انه صلّى اللّه عليه وسلم أمر بضرب الحجاب دونه أي أنس المار ذكره آنفا، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها تيهان.
والآية مطلقة فتشمل الإماء الكافرات وغيرهن، وإنما جاز ذلك لحاجة الخدمة، ومما يؤيده العطف على النساء، إذ يفهم منه أن العبد الذكر ليس له ذلك، ومما يوافق عموم الآية أن عبد عائشة كان يدخل عليها، وقد أوصت بأنه إذا ماتت ووضعها في قبرها فهو حرّ، ولكن أين نساؤنا من عائشة، وأين خدمنا من خادمها؟ ويوشك أن يكون خفيا، والآية يدخل فيها الخفيّ وغيره.
ثم إن اللّه تعالى حذرهن في المحافظة على ما أنزله بحقهن فقال: {وَاتَّقينَ اللَّهَ} أيها النساء واحتطن بما أوصاكن اللّه من المحافظة على الحجاب وغيره، ويشعر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب بالتشديد على الاستتار من الأجانب وعدم لين الكلام معهم مما يؤدي إلى الغنج، لاسيما وقد أعقبه بقوله: {إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلّ شَيْءٍ شَهيدًا} (55) يعلم خطرات القلوب ويرى ما في دخائلها كما يعلم حركات الجوارح، فالظاهر والخفي في علمه سواء.
روى البخاري ومسلم عن أنس أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث، قلت يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل {وَاتَّخذُوا منْ مَقام إبْراهيمَ مُصَلًّى} وقلت يا رسول اللّه يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلم في الغيرة فقلت {عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ} الآية، فنزلت.
هذا من كمال إيمانه رضي اللّه عنه، ولا شك أن المؤمن ينظر بنور اللّه، فليحذر ذو القلب أن يخطر بباله غير ذلك أو يتخيل خلاف ما هنالك، فإن كلام اللّه أزلي والقرآن مدوّن في لوحه كما هو لا ينزل على غير النبي لأجل أحد، ولا يخطر قبل نزوله على النبي في بال أحد، راجع الآية 92 من الأنعام في ج 2 واعقل ما ذكرناه فيها وتدبره.
قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيّ} الصلاة من اللّه ثناء ورحمة، ومن الملائكة رجاء واستغفار، ومن الناس دعاء وتضرع {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه وَسَلّمُوا تَسْليمًا} (56) حيوه بتحية الإسلام كلما ذكر، وهذا الأمر للوجوب، فيجب على كل مؤمن أن يصلي عليه ولو في العمر مرة.

.مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم اللّه ومن يؤذي أولياءه:

روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية، إن النبي صلّى اللّه عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول اللّه قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ورويا عن أبي حميد الساعدي بزيادة وعلى أزواجه وذريته.
وروى مسلم عن ابن مسعود البدري بزيادة في العالمين.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من صلّى علي واحدة صلّى اللّه عليه بها عشرا.
وأخرج الترمذي في رواية أنس زيادة وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات.
وله عن أبي طلحة أن رسول اللّه قال: أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا.
وله عن ابن مسعود قال: إن للّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام.
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من سره أن يكتال له بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت فليقل أللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
فعلى من أراد هذا الأجر العظيم وأن يسلم عليه النبي الكريم، فليكثر من الصلاة والسلام على الرسول الحليم بإحدى هذه الصفات، لأن العمل بالوارد أفضل من غيره وأكثر ثوابا وأعظم أجرا.
قال أهل العلم: إن الصلاة خاصة بالأنبياء، والترضي بالأصحاب، والترحم والسلام بسائر الأمة.
وهناك آيات تدل على خلاف ذلك بجواز إطلاق لفظ الصلاة أو السلام على الانفراد على غير الأنبياء، أما جمعهما فلا يجوز أبدا.
ومما يدل على إفراد الصلاة دون السلام على غير الأنبياء قوله تعالى: {هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائكَتُهُ} المارة في الآية 43، ومنها قوله تعالى: {أُولئكَ عَلَيْهمْ صَلَواتٌ منْ رَبّهمْ وَرَحْمَةٌ} الآية 157 من البقرة المارة.
وجاء عنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: اللهم صل على آل أبي أوفى.
وكان يصلي على من يأتيه بالصدقة امتثالا لقوله تعالى: {خُذْ منْ أَمْوالهمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهمْ بها وَصَلّ عَلَيْهمْ} الآية 103 من سورة التوبة الآتية، تأمل وتيقظ تفز وتنجح.
قال تعالى: {إنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بكل ما يسمى أذى قل أو كثر قولا أو فعلا رمزا أو إشارة {لَعَنَهُمُ اللَّهُ في الدُّنْيا وَالْآخرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا مُهينًا} (57) لهم يلقونه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ووصفه بالإهانة يدل على شدة عقابه وكبير عذابه، ألا فليتق اللّه الذين يؤذون آل البيت لأنه يؤدي لإيذاء حضرة الرسول في قبره الشريف، كيف وقد قال حبهم إيمان وبغضهم كفر.
وقال صلّى اللّه عليه وسلم: من أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم.
هذا في العرب كافة فكيف بآله صلّى اللّه عليه وآله وسلم، فاتقوا اللّه أيها الناس فيهم واعلموا أن كل من يؤذي اولياء اللّه فكأنما آذى الرسول ومن آذى الرسول فكأنما آذى اللّه واستحق هذه اللعنة وهذا العذاب راجع الآية 61 من سورة يونس، واعلم أن اللّه تعالى منزه من أن يلحقه أذى ما من خلقه، ومعنى إيذائه مخالفة أوامره قولا أو فعلا أو إشارة، فكل من خالف أمر اللّه أو عمل ما نهى اللّه عنه فقد آذاه ومنه نسبة الولد والصاحبة والشريك إليه تعالى عن ذلك وإنكار البعث ونسبة ما يقع في ملكه للدهر أو للنجوم أو لأحد من خلقه ونسبة الكذب لرسوله أو السحر أو الكهانة أو الشعر، والسخرية والاستهزاء بأوليائه أو التعرض لهم والإنكار عليهم، كله مما يؤذي اللّه تعالى ورسوله.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال اللّه تعالى من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ومن أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم «يقول اللّه عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فيقول لن يعيدني كما بدأني، وأما شتمه إياي لقوله اتخذ اللّه ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد».
روى البخاري ومسلم عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال اللّه عز وجل «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار».
راجع الآية 24 من سورة الدخان ج 2 فيما يتعلق بهذا.
ورويا عنه قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول «قال اللّه عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرّة وليخلقوا حبة أو شعرة» ولهذا عدوا تصوير ذي الروح وتجسيمه من المنهيات الكبائر.
قال تعالى: {وَالَّذينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُؤْمنات بغَيْر مَا اكْتَسَبُوا} من الإثم وهذا مقيد ببراءة المؤذى، أما إذا كان يحق القصاص فهو واجب، وإن كان بغير حق فهو حرام مطلقا ممنوع فعله، وكذلك نسبة شيء لم يعمله قولا كان أو فعلا أو إشارة لغيره وهو فاعله ممنوع وحرام، راجع الآية 112 من سورة النساء الآتية، أما إيذاء اللّه ورسوله فهو حرام مطلقا، لأنه بغير حق وهؤلاء المؤذون {فَقَد احْتَمَلُوا بُهْتانًا} افتراء محضا لأنهم نسبوا إليهم شيئا لم يفعلوه {وَإثْمًا مُبينًا} (58) فوق ذلك البهتان، ولذلك فإن اللّه سيجازيهم فوق جزائهم جزاء فعلهم، ومثله لبهتهم، راجع الآية 81 من سورة النحل في ج 2.
وهذه الآية عامة يدخل فيها كل مؤذ لغيره بغير حق.
وما قيل إنها نزلت في أناس يؤذون عليا أو فيمن يتبعون النساء عند خروجهن إلى المبترز فإن سكتت لاحقوها وإن زجرتهم رجعوا، فعلى فرض صحته لا يقيدها فيهم، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.