فصل: مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

قالوا ولما كان لباس النساء الحرائر والإماء واحدا وكان من الواجب تمييزهن عنهن لشرفهن وامتهان الإماء إذ ذاك أنزل الله: {يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ وَبَناتكَ وَنساء الْمُؤْمنينَ يُدْنينَ} يضربن ويرخين {عَلَيْهنَّ منْ جَلَابيبهنَّ} أي يغطين أنفسهن بملاءتهن لأن الجلباب هو الملاءة التي تشتمل فيها المرأة فوق ثيابها فتجعل بعضه على رأسها وبعضه على صدرها وظهرها وهو الملفع الكبير الذي يستعمله الآن النساء الدرزيات والبدويات من عترة وشمر وغيرهما وغالب أهل القرى والأرياف والأكراد والعراقيات غير المتمدنات على لغة العامة، ومن فوقه تكون الملحفة في البلاد السورية والعباءة في البلاد العراقية أي من دير الزور إلى البصرة، {ذلكَ} تقريب الملفع لستر الوجه حتى لا يبقى منه إلا ما توجه به طريقها {أَدْنى} أقرب {أَنْ يُعْرَفْنَ} بأنهن حرائر مصونات يتباعد عنهن أهل الفساد ويهابهن كل أحد {فَلا يُؤْذَيْنَ} من قبل أولئك الخبثاء ويجتنبون متابعتهن ولا يظن بهن أنهن إماء مبذولات فلا يتعرض لهن أحد ولا يقذفن بما يقذفن به المشبوهات.
هذه غيرة اللّه عليكم أيها المؤمنون فغاروا على أنفسكم وحافظوا على مروءتكم وصونوا شهامتكم بحفظ نساءكم إن اللّه حي ستير يحب الحي والستر {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحيمًا} (59) يعفو عما سبق منكم إذا رجعتم إليه وامتثلتم أوامره في تحجب نسائكم وغيره.
وفي هذه الآية دلالة صريحة على ستر الوجه خلافا لما يقوله بعضهم لأن المعرفة المنهي عنها لا تحقق إلا بالوجه، ولذلك أمر اللّه تعالى بتقريب الجلباب وإدنائه منه على المرأة لئلا تعرف ولو لم يكن المراد به تغطية الوجه لما بقي لهذا القيد من حاجة، ولا بأس بإبداء العين إذا كان الجلباب ثخينا لتتمكن من النظر إلى طريقها أما إذا كان الغطاء شفافا فلا.
وقد نهى اللّه عن النظر إلى المحرمات كما سيأتي تفصيله في الآية 31 وما بعدها من سورة النور الآتية، قال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان: يغطين وجوههن كلها.
وقال غير واحد إلا عينا واحدة لتنظر بها طريقها، أي إذا لم يكن الغطاء شفافا.
وفي قوله تعالى: {ذلك أدنى} إلخ، دليل واضح على لزوم الستر للوجه، ولا يحول عن هذا القول إلا قليل المروءة والغيرة الذي يريد أن يسوي بين الحرة والجارية والطاهرة والمشبوهة والمسبلة، قال أنس مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة وقال لها يا لكاع أتتشبهين بالحرائر، ألق القناع.
قال هذا عمر لعلمه أنها ممتهنة خسيسة مملوكة، ومن كانت كذلك فإن وجهها وذراعيها ليس بعورة، وليظهر ميزة الحرائر اللائي نص اللّه عليهن في كتابه فلم يبق من حجة لمدعي السفور بعد أمر اللّه تعالى في هذه الآية العامة لنساء النبي وغيرهن، ألا فليتق اللّه الرجال لأنهم هم القوامون على النساء القادرون على منعهن من الخلاعة التي هي أكبر من السفور والوزر عليهم إن لم يفعلوا.
قال تعالى: {لَئنْ لَمْ يَنْتَه الْمُنافقُونَ} عن قذفهم المؤمنين سرا كان أو جهرا {وَالَّذينَ في قُلُوبهمْ مَرَضٌ} فجور وهم الزناة لقوله تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض} أي ريبة زنا من أن يتابعوا النساء ويطلعوا على عوراتهن حبا بإشاعة الفاحشة.
وهذا بمناسبة المقام على الإطلاق فيكون المراد بهم الذين في قلوبهم شك وضعف يقين وشبهة اعتقاد في الإسلام {وَالْمُرْجفُونَ في الْمَدينَة} بنشر أخبار سوء كاذبة عن أحوال المؤمنين ليوقعوا الاضطراب في قلوبهم ويثبطوهم عن الخروج مع حضرة الرسول، ولذلك أقسم اللّه بقوله تعالى: {لَنُغْريَنَّكَ بهمْ} أي واللّه لنسلطنك عليهم ونأمرنك بقتلهم والتحرش بهم، وهذا القسم الجليل في الأصناف الثلاثة على أنهم إذا لم يرجعوا عنها ويتركوها يهلكهم اللّه على يد رسوله، ثم عطف على جواب القسم قوله: {ثُمَّ لا يُجاورُونَكَ فيها} أي المدينة {إلَّا قَليلًا} (60) بقدر مدة ارتحالهم عنها ولا شك أن الجلاء أمر عظيم ما فوقه إلا القتل، وكثيرا ما يفضل القتل عليه لما فيه من المذلة والاحتفار والهوان.
{مَلْعُونينَ} هؤلاء الأصناف الثلاثة مطرودين {أَيْنَما ثُقفُوا} وجدوا وأدركوا فإن لم يتوبوا ويؤمنوا {أُخذُوا} قبض عليهم وأسروا فإن أصروا عذبوا {وَقُتّلُوا تَقْتيلًا} (61) كثيرا بدلالة التشديد {سُنَّةَ اللَّه في الَّذينَ خَلَوْا منْ قَبْلُ} أي أن أخذ أمثال هؤلاء وقتلهم وإجلاءهم إن يبقوا مصرين على حالهم هي عادة اللّه في خلقه السالفين {وَلَنْ تَجدَ لسُنَّة اللَّه تَبْديلًا} (62) أبدا بل تبقى مطردة جارية مجراها لا يحول دونها شيء.
ولما كان المشركون حينما كان حضرة الرسول في مكة يديمون سؤالهم عن الساعة استهزاء لأنهم لا يعتقدون وجودها صار اليهود يسألونه عنها أيضا امتحانا لأنهم يعرفونها من المغيبات ويعتقدون بها، أنزل اللّه تعالى: {يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَن السَّاعَة} متى تكون {قُلْ} يا سيد الرسل لهؤلاء {إنَّما علْمُها عنْدَ اللَّه} لا علم لي بها ولا لأحد غيري {وَما يُدْريكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَريبًا} (63) وهذا تهديد وإسكات والإتيان يذكر بالظاهر بدل المضمر تعظيم لشأنها، راجع الآية 177 من سورة الأعراف في ج 1 وأول سورة النبأ في ج 2 وما ترشدك إليه في بحث الساعة.
{إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافرينَ} بوجود الساعة الذين ينكرون اليوم الآخر والحياة الآخرة {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعيرًا} (64) تحرقهم وسيبقون {خالدينَ فيها أَبَدًا لا يَجدُونَ وَليًّا وَلا نَصيرًا}.
(65) يمنعهم من عذابها ويخلصهم وينقذهم من بلائها، وإن هؤلاء الجاحدين سيصدقون فيها {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النَّار} وإذ ذاك {يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} (66) فصدقناه ولم نكفر بما جاءنا به ولم نجحد ما أخبرنا به {وَقالُوا} أتباع الكفرة {رَبَّنا إنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا} بإنكار هذا اليوم لأنهم موهوا علينا إنكاره وجحده {فَأَضَلُّونَا السَّبيلَا} (67) إذ يقولون لنا لا بعث ولا حساب ولا عقاب ولا ثواب، وكذلك لم نتبع الهدى الذي جاء به رسلك {رَبَّنا آتهمْ} الآن جزاء إضلالهم إيانا في الدين {ضعْفَيْن منَ الْعَذاب} لإضلالنا وإضلال أنفسهم وانتقم لنا منهم {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبيرًا} (68) كثيرا بأبلغ ألفاظه، وبعد أن أبدوا عذرهم ولم ينفعهم أظهروا أسفهم وندمهم ولات حين مندم فزجوا في النار وأطبقت عليهم أبوابها وتزايد عليهم عذابها.
ثم إن اللّه تعالى لمح لعباده بعدم التصدي لأذية الرسول بذكر ما وقع من اليهود لسيدنا موسى عليه السلام، فقال عز قوله: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذينَ آذَوْا مُوسى} فتؤذون رسولكم بما يصدر منكم من القول والفعل فإن اللّه تعالى يغضب لأذيته فتؤذون من أجله وذلك أن جماعة من بني إسرائيل رموه بأنه آدر لأنه كان حين يغتسل يغتسل بثوبه لشدة حيائه بحضور قومه، ثم إنه ذات يوم لم يكن عنده أحد فنزع ثوبه ووضعه على حجر ونزل ليغتسل، فلما عاد ليلبسه فر الحجر به فتبعه وكانوا يراقبونه فنظروا إليه فلم يجدوا فيه بأسا، فظهر كذبهم، ثم إنهم اتهموه بقتل هرون فأكذبهم اللّه إذ أراهم إياه جبريل عليه السلام كما سيأتي في الآية 26 من سورة المائدة، ثم أغروا به المومسة بأن تعزو له مواقعتها كما سبقت القصة في الآية 82 من سورة القصص في ج 1 فكذبتهم بما ألقى اللّه في قلبها {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ ممَّا قالُوا} في حقه راجع الآية 48 المارة، وفي هذه الآية تحذير للمؤمنين بأن لا يتجاسروا على ما فيه أذية رسولهم ولا يتهموه بشيء مخالف أو سيىء ولا يظنوا به حيفا لأحد فإن اللّه تعالى يبرؤه مما يجرءون أو يتفوهون عليه به لأنه كريم على ربه مثل موسى الذي يقول ربه في حقه {وَكانَ عنْدَ اللَّه وَجيهًا} (69) مقبولا موقرا عظيما، وان محمدا أكبر وجاهة وأجل حرمة عند ربه وأعظم درجة وأقرب منزلة منه وأزيد فضلا من الرسل كافة، وما جاء عنه صلّى اللّه عليه وسلم من قوله لا تفضلوني على موسى، هو من قبيل هضم النفس والتحدث بالنعمة، وإلا فهو يعلم بإعلام اللّه إياه أنه أفضل وأكمل خلق اللّه الرسل فمن دونهم.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} من أن يقع منكم شيء يغضب اللّه ورسوله {وَقُولُوا قَوْلًا سَديدًا} (70) صوابا عدلا وإياكم والخوض فيما لا يعنيكم وإنكم إذا امتثلتم وانقدتم إلى اللّه.
{يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظيمًا} (71) في الآخرة لا يضاهيه فوز.
ولما أرشد اللّه كمل عباده إلى مكارم الأخلاق وبين عظيم شأن طاعته وطاعة رسوله أعقبه ببيان ما يوجب ذلك وصعوبة الوصول إليه بقوله عز قوله: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ} التي ملاكها طاعة اللّه ورسوله، وجماعها امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وقوامها مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فيدخل فيها الامتثال لكل شيء حسن والاجتناب عن كل شيء، كالوفاء بالوعود والعهود وعدم نقضها والغدر فيها وأداء الودائع والأمانات والكف عن كتمها والمماطلة بأدائها ومنع الحواس عن غير ما خلقت لها وصرفها فيما أباحه اللّه تعالى ووضع الشهوات في محالها المباحة وكفها عما حرم اللّه وغير ذلك.
وكان هذا العرض {عَلَى السَّماوات وَالْأَرْض وَالْجبال} ليحملنها وخص اللّه تعالى هذه الثلاثة دون غيرها لكمال شدتها وصلابتها فامتنعن لأنهن وإن كن في غاية القوة إلا أن أمانه اللّه فوق ذلك، ولهذا حكى حالهن بقوله: {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْملْنَها} خوف الإضاعة فيكنّ قد خنّها لأن حملها عبارة عن خيانتها لتحقق عدم القيام بها كما يريده اللّه وأن عدم القيام بأوامره خيانة كالإقدام على نواهيه {وَأَشْفَقْنَ منْها} خفن من أن لا يقمن بها فلا يؤدينها كما أراده اللّه منهن فيلحقهن عذابه وينلهن عقابه {وَحَمَلَهَا الْإنْسانُ} لفظ عام في آدم وغيره إلى قيام القيامة، فالإنسان المركب من اللحم والدم والعظم على ما هو عليه في غاية الضعف بالنسبة لتلك أقدم على حملها مع وهنه، وتلك الأجرام العظيمة أبت أن تقدم على حملها، وما ذلك إلا لأنه كما ذكر اللّه {إنَّهُ كانَ} ولم يزل {ظَلُومًا} لنفسه {جَهُولًا} (72) لخطأه جهولا لما يراد منه جهولا بعاقبته إلا من وفقه اللّه لرشده.
هذا ولما كان ما من عموم إلا وخص منه البعض فإن الأنبياء والكاملين من خلق اللّه مستثنون من ذلك، لأنهم هم الآمرون الناهون بلسان اللّه تعالى.
روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان قال: حدثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر أصل قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال ينلم الرجل النومة فتقبض الأمانة من قبله فيظل أثرها مثل الوكت أي الأثر اليسير ثم ينام الرجل النومة فيقبض الأمانة من قبله فيظل أثرها مثل المجل أي غلظ الجلد من أثر العمل كجمر دحرجته على رجلك فتنقض فتراه منبترا منتفخا وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله تمثيلا لهم فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال من حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه أي رئيسه الذي يصدر عن رأيه ولا يمضي أمرا دونه والوالي الذي ينصف من التعدي ومن ولي أمر قوم فهو ساع عليهم وأما اليوم فما كنت لأبايع فيكم إلا فلانا وفلانا.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في مجلس يحدث القوم فجاء اعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى صلى اللّه عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول اللّه، قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول اللّه؟ قال إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة.
قال تعالى: {ليُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنافقينَ وَالْمُنافقات وَالْمُشْركينَ وَالْمُشْركات} الذين ماتوا على ما هم عليه من نفاق وشرك، ولم يتوبوا ونقضوا عهد اللّه المأخوذ عليهم بطاعته وطاعة رسوله، وخانوا ما ائتمنوا عليه للّه ولخلقه ولم يوفوا بما وعدوا {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمنينَ وَالْمُؤْمنات}.
فيرحمهم ويحسن إليهم ويتفضل عليهم لوفائهم بما عاهدوا اللّه عليه وآمنوا بما بلغهم عن رسوله وصدقوا بما جاءهم من عنده {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحيمًا} (73) لأمثالهم من عباده، ولا يزال كذلك.
هذا آخر سورة الأحزاب وهي بحذافيرها كما أنزلها اللّه على رسوله بواسطة أمينه، فمن قال إن الأرضة أكلت قسما منها وهي في بيت عائشة، وان الكتاب دونوا ما وجدوه منها فهو ملحد منافق قد افترى على اللّه ورسوله بما قال وكلامه مردود عليه من وجوه، أولا إذا كان طرأ على شيء منها في بيت عائشة فهل طرأ على ما كان عند الكتاب من النسخ، لأنهم كانوا يكتبون لرسول اللّه ويحتفظون بنسخ عندهم، ثانيا هل رفعت من قلوب الحفاظ الذين كانوا يحفظون القرآن كما تلقوه من حضرة الرسول ويتدارسونه بينهم صباح مساء، ثالثا هل يخفى ذلك على الخلفاء الراشدين الذين يقرأون القرآن آناء الليل وأطراف النهار وهلا اطلعوا عليه حينما نقلوا الصحف من بيت عائشة إلى بيت حفصة إلى أن أعطاها الخليفة عثمان إلى القراء الأمناء حين نسخوه على المصاحف والإسلام ناشر رواقه، رابعا أغفل هذا الخبيث عن قوله تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحافظُونَ} الآية 9 من سورة الحجر ج 2 ويتفوه بذلك مع تعهد اللّه بحفظه وهل يشك في هذا العهد إلا كافر مارق؟ ألا لا يلتفت إلى أقوال هؤلاء لأنهم لا أمانة لهم ولا صدق عندهم وهم أشبه باليهود الذين يحرفون كلام اللّه بعد ما عقلوه، قاتلهم اللّه وأضرابهم وجعل سجين مأواهم ومثواهم.
هذا وقد أشرنا في المقدمة في بحث النزول وفي الآية المذكورة آنفا والآية 42 من سورة حم السجدة في ج 2 إلى ما يتعلق بهذا البحث فراجعه.
ويوجد ثلاث سور محتومة بما ختمت به هذه السورة من اللفظ العظيم هذه والأنعام والمزمل.
هذا واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اهـ.