فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

وعدناك ببسط القول في قصة زواج زيد بن حارثة بزينب بنت جحش وبرا بالوعد ودحضا للأراجيف التي أثارها المتشككون والذين في قلوبهم مرض وهوى نقول: تقدم القول في ترجمة زيد بن حارثة وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم زوجه زينب بنت جحش وكان قد خطبها عليه فكره عبد اللّه وزينب ذلك لظنهما قبل ذلك أن النبي خطبها لنفسه ثم رضيا فأنكحها إياه وساق عنه إليها مهرها ستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر كما يروى، فمن الجدير بالملاحظة أن زينب كانت بنت عمة النبي وربيت تحت نظره وشملها من عنايته ما يشمل البنت من والدها ولو كان للجمال سلطان على قلبه صلى اللّه عليه وسلم كما يزعم المتشككون لكان أقوى سلطانه عليه جمال البكر في روائه ونضرة جدته وقد كان يراها ولم يكن بينه وبينها حجاب ولا يخفى عليه شيء من محاسنها الظاهرة بيد أنه لم يرغبها لنفسه ورغبها لمولاه فكيف يستهويه جمالها ويصيبه سهم حبها بعد أن صارت زوجا لعبد أعتقه وأنعم عليه بالحرية؟
هذا ولم يعرف في الطبائع أن تغلب الشهوة على الإنسان حتى يعشق من هو قريب منه أو من عايشه في صغره، فكيف يسوغ لنا أن ندعي وجود هذه الشهوة في رجل عرف بالعفة والاستقامة طوال عمره وصوت اللّه يهتف في أذنه: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا} بل كيف يسمح لنفسه بالانزلاق إلى هذه الوهدة السحيقة وهو يتهيأ لبث رسالة ونشر تعاليم دين جديد يتغاير مع مألوف قومه ويهدم ما ألفوه من عادات وترسموه من نظم وطقوس؟
الواقع أنه، صلى اللّه عليه وسلم، لم يبال بإباء زينب الاقتران بزيد ورغبتها عنه، وقد كان يعلم حق العلم، أن زواجا يقوم على التنافر أمر يفقد طبيعة الانسجام بين الزوجين التي لابد منها ليسود الوئام بينهما وتستقر الحياة الزوجية على أوطد الدعائم، ولكنه أراد تنفيذ أمر اللّه في محو عادة جاهلية رديئة درج عليها العرب آنذاك وهي إعطاء الدعي جميع حقوق الابن واجراء جميع الاحكام المعتبرة للابن عليه وله حتى في الميراث وحرمة النسب وقد تقدم قوله تعالى بهذا الصدد ناعيا على العرب ما كانوا يدينون به: {ما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل} وليس أحد أجدر من النبي يختصه اللّه بهذا التكليف الذي يبطل تلك العادة ويحمل العرب على التقصي منها، فعمد بوحي منه تعالى إلى خرق هذه العادة وإبطالها فأرغم زينب أن تتزوج بزيد وهو مولاه وصفيه تمهيدا لإقامة شرع جديد وتنفيذ حكم إلهي لا محيد عن تنفيذه، وبعد أن صارت زينب إلى زيد لم يسلس قيادها ولم يلن إباؤها بل شمخت عليه وتعالت، وتعمدت إيلام قلب زوجها، بالتعالي عليه في النسب والحرية فاشتكى زيد ذلك إلى النبي المرة بعد المرة والنبي في خلقه السمح وسجاياه الطاهرة يهدهد من آلام زيد ويقول له {أمسك عليك زوجك واتق اللّه} إلى أن أتى أمر اللّه وغلب على ذلك كله فسمح لزيد بطلاقها بعد أن استحال جو البيت جحيما لا يطاق كما قال تعالى: {لكيلا يكون على المؤمنين من حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر اللّه مفعولا} وأكد ذلك كما يأتي، بقوله: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين وكان اللّه بكل شيء عليما}.
وعلى هذا النحو يمكن القول بصورة جازمة أن اللّه تعالى ذكر نبيه بما وقع منه ليزيده تثبيتا على الحق وليدفع عنه ما حاك في صدور ضعاف العقول فقال: {وإذ تقول للذي أنعم اللّه عليه} بالإسلام {وأنعمت عليه} بالعتق والحرية والاصطفاء بالولاية والمحبة وتزويجه بنت عمتك وتعظه عند ما كان يشكو إليك من إيذاء زوجه: {أمسك عليك زوجك واتق اللّه} واخشه في أمرها فإن الطلاق يشينها وقد يؤذي قلبها وارع حق اللّه في نفسك أيضا فربما لا تجد بعدها خيرا منها، تقول ذلك وأنت تعلم أن الطلاق أمر لابد منه لما ألهمك اللّه أن تمتثل أمره بنفسك لتكون أسوة حسنة لمن معك ولمن يأتي بعدك وإنما غلبك في ذلك الحياء وخشية أن يقولوا: تزوج محمد مطلقة متبناه فأنت في هذا {تخفي في نفسك ما اللّه مبديه} من الحكم الذي ألهمك {وتخشى الناس واللّه} الذي أمرك بذلك كله {أحق أن تخشاه} فكان عليك أن تمضي في الأمر من أول وهلة تعجيلا بتنفيذ كلمته وتقرير شرعه ثم زاده بيانا بقوله: {فلما قضى زيد منها وطرا} أي حاجة بالزواج {زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} لترتفع الوحشة من نفوس المؤمنين ولا يجدوا في أنفسهم حرجا من أن يتزوجوا نساء كنّ من قبل زوجات لأدعيائهم {وكان أمر اللّه مفعولا}. هذا هو التعليل الصحيح، والتفسير القويم، لهذه القصة وأما ما رووه من أن النبي مرّ ببيت زيد وهو غائب فرأى زينب فوقع منها في قلبه شيء فقال: سبحان مقلب القلوب فسمعت زينب التسبيحة فنقلتها إلى زيد فوقع في قلبه أن يطلقها إلى آخر هذا الهراء الذي يترفع النبي عنه فقد فنده المحققون من العلماء وقال الإمام أبو بكر بن العربي: انه لا يصح وان الناقلين له المحتجين به على مزاعمهم في فهم الآية لم يقدروا مقام النبوة حق قدره، ولم تصب عقولهم من معنى الصحة كنهها، وأطال ابن العربي في ذلك إلى أن يقول: فأما قولهم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه فباطل فإنه كان معها في كل وقت وموضع ولم يكن حينئذ حجاب فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج وقد وهبته نفسها وكرهت غيره فلم يخطر ذلك بباله، فكيف يتجدد هوى لم يكن؟ حاشا لذلك القلب المطهّر من هذه العلاقة الفاسدة وقد قال سبحانه: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه} والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين؟ ولم يخالف هذا في المطلقات فكيف في المنكوحات المحبوسات إلى أن يقول: فإن قيل لأي معنى قال له: أمسك عليك زوجك وقد أخبره اللّه أنها زوجته؟ قلنا أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه اللّه به من رغبته فيها أو رغبة عنها فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها، فإن قيل كيف يأمره بإمساكها وقد علم أن الفراق لابد منه وهذا تناقض؟ قلت: بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة كإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن اللّه يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما وهذا من نفيس العلم فاقبلوه.
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول: إنما عتب اللّه عليه من أجل أنه قد أعلمه بأنه ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد أمسك عليك زوجك وأخذتك خشية الناس أن يقولوا تزوج زوجة ابنه واللّه أحق أن تخشاه. وقال النحاس: قال بعض العلماء ليس هذا من النبي صلى اللّه عليه وسلم خطيئة، ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار وقد يكون الشيء ليس بخطيئة إلا أن غيره أحسن منه وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن به الناس. وروي عن علي بن الحسين أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان قد أوحى اللّه إليه أن زيدا يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج اللّه إياها فلما شكا زيد للنبي صلى اللّه عليه وسلم خلق زينب وانها لا تطيعه وأعلمه بأنه يريد طلاقها قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: اتق اللّه في قولك وأمسك عليك زوجك وهذا هو الذي أخفي في نفسه وخشي رسول اللّه أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه لو أمره بطلاقها فعاتبه اللّه على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه اللّه تعالى وأعلمه أن اللّه أحق بالخشية.
وقال الأستاذ الإمام محمد عبده: أما واللّه لولا ما أدخل الضعفاء والمدلسون من مثل هذه الرواية ما خطر ببال مطلع على الآية الكريمة شيء مما يرمون إليه فإن نصّ الآية ظاهر جليّ لا يحتمل معناه التأويل ولا يذهب إلى النفس منه إلا أن العتاب كان على التمهل في الأمر والتريث به وان الذي كان يخفيه في نفسه هو ذلك الأمر الإلهي الصادر إليه بأن يهدم تلك السعادة المتأصلة في نفوس العرب وأن يتناول المعول لهدمها بنفسه كما قدر له أن يهدم أصنامهم بيده لأول مرة عند فتح مكة وكما هو شأنه في جميع ما نهى عنه من عاداتهم وهذا الذي كان يخفيه في نفسه كان اللّه مبديه بأمره الذي أوحاه إليه في كتابه وبتزويجه زوجة من كانوا يدعونه ابنا له ولم يكن يمنعه من من إبداء ما أبدى اللّه إلا حياء الكريم وتؤدة الحليم مع العلم بأنه سيفعل لا محالة لكن مع معاونة الزمان.

.[سورة الأحزاب: الآيات 38- 40]:

{ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمًا (40)}.

.الإعراب:

{ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} استئناف مسوق لنفي الحرج عنه صلى اللّه عليه وسلم في زواجه بزينب وهي امرأة زيد الذي تبناه وما نافية وكان فعل ماض ناقص وعلى النبي خبر كان المقدم ومن حرف جر زائد وحرج مجرور لفظا منصوب محلا على أنه اسم كان المؤخر وفيما صفة لحرج وجملة فرض اللّه صلة لما.
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} سنة اللّه اسم موضوع موضع المصدر لأن السنة بمعنى الطريقة والسيرة وتأتي أيضا بمعنى الطبيعة والشريعة والوجه أو دائرته، وهذا ما جنح إليه الزمخشري في إعرابه واختار غيره أن يكون نصبا على المصدر أو على نزع الخافض أي كسنة اللّه في الأنبياء الذين من قبل وسيأتي مزيد من القول في هذا الصدد في باب الفوائد، وفي الذين متعلقان بمحذوف حال أي متبعة وجملة خلوا صلة الذين ومن قبل متعلقان بخلوا وكان أمر اللّه كان واسمها وقدرا خبرها ومقدورا صفة لازمة للتأكيد كيوم أيوم وليل أليل وظل ظليل. {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ} الذين لك أن تجعلها صفة للأنبياء أي في الأنبياء الذين خلوا من قبل والذين يبلغون رسالات اللّه ولك أن تقطعها فتعربها خبرا لمبتدأ محذوف أي هم الذين وجملة يبلغون صلة ورسالات اللّه مفعول يبلغون.
{وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا} ويخشونه فعل مضارع وفاعل ومفعول به ولا نافية ويخشون فعل مضارع وفاعل وإلا أداة حصر ولفظ الجلالة مفعول يخشون وكفى فعل ماض والباء حرف جر زائد واللّه فاعل كفى محلا وحسيبا تمييز أو حال.
{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ} ما نافية وكان محمد كان واسمها وأبا أحد خبرها ومن رجالكم صفة لأحد.
{وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمًا} الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف، ورسول اللّه عطف على أبا أحد أو نصب على تقدير كان لدلالة كان السابقة عليها أي ولكن كان رسول اللّه، وخاتم النبيين عطف على رسول اللّه، والخاتم هو الطابع بفتح التاء وكسرها وكان واسمها وخبرها وبكل شيء متعلقان بعليما.

.البلاغة:

في قوله: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} الآية فن التلفيف، وفي محيط المحيط: التلفيف عند البلغاء هو التناسب وهو عبارة عن إخراج الكلام مخرج التعليم بحكم أو أدب لم يرد المتكلم ذكره وإنما قصد ذكر حكم داخل في عموم الحكم المذكور الذي صرح بتعليمه، وأوضح من هذا أن يقال انه جواب عام عن نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة إلى بيانها كلها فيعدل المجيب عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع إلى جواب عام يتضمن الإبانة على الحكم المسئول عنه وعن غيره مما تدعو الحاجة إلى بيانه فإن قوله: {ما كان محمد} إلخ جواب عن سؤال مقدر وهو قول قائل: أليس محمدا أبا زيد بن حارثة؟ فأتى الجواب يقول: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، وكان مقتضى الجواب أن يقول: ما كان محمد أبا زيد وكان يكفي أن يقول ذلك ولكنه عدل عنه ترشيحا للإخبار بأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم خاتم النبيين ولا يتم هذا الترشيح إلا بنفي أبوته لأحد من الرجال فإنه لا يكون خاتم النبيين إلا بشرط أن لا يكون له ولد قد بلغ فلا يرد أن له الطاهر والطيب والقاسم لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ثم احتاط لذلك بقوله من رجالكم فأضاف الرجال إليهم لا إليه فالتف المعنى الخاص في المعنى العام وأفاد نفي الأبوة الكلية لأحد من رجالهم وانطوى في ذلك نفي الأبوة لزيد ثم أن هناك تلفيفا آخر وهو قوله ولكن رسول اللّه فعدل عن لفظ نبي إلى لفظة رسول لزيادة المدح لأن كل رسول نبي ولا عكس على أحد القولين فهذا تلفيف بعد تلفيف.

.الفوائد:

المفعول المطلق والمصدر:
المفعول المطلق هو الحاصل بالمصدر أي الأثر لا المصدر الذي هو التأثير فإطلاق المصدر على المفعول بضرب من المسامحة وعدم التمييز بين التأثير والأثر وإيضاح ذلك أن صيغ المصادر موضوعة للأثر الحاصل بتأثير الفاعل المسمى بلفظ المصدر كما أنها موضوعة لإيقاع ذلك الأثر وإلا يلزم التجوز في كل مفعول مطلق ولا سبيل إليه لوجود أمارة الحقيقة من تبادر معناه من غير حاجة إلى القرينة وفي عدم التمييز بين التأثير والأثر وإن صرح به ابن سينا نظرا لأنهما من مقولتين مختلفتين فالأول من مقولة الفعل والثاني من مقولة الانفعال وقال بعض المحققين: الاتحاد أمر موجود لكن لا ينافي الاختلاف بحسب المفهوم فإن الضوء الحاصل من الشمس في البيت أمر موجود لكن إذا نسب إلى الشمس يسمى اضاءة وإذا نسب إلى البيت يسمى استضاءة.

.[سورة الأحزاب: الآيات 41- 48]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} كلام مستأنف مسوق لبيان أن الذكر ليس له حدود ينتهي إليها ويقف عندها إذ ما من عبادة إلا ولها حدود معلومة ورسوم مرسومة، ما عدا الذكر فانه يتجاوز حدود الزمان والمكان. واذكروا اللّه فعل أمر وفاعل ومفعول به وذكرا مفعول مطلق وكثيرا صفة.
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فعل أمر وفاعل ومفعول به وبكرة ظرف لأول النهار متعلق بسبحوه، وأصيلا عطف على بكرة وهو ظرف لآخر النهار وسيأتي سر تخصيصهما وتخصيص التسبيح بالذكر في باب البلاغة.
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} تعليل لما تقدم من الأمر بالذكر والتسبيح وهو مبتدأ والذي خبره وجملة يصلي صلة الموصول وعليكم متعلقان بيصلي وملائكته عطف على الضمير المستكن في يصلي.
{لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} اللام للتعليل ويخرجكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل مستتر والكاف مفعول به والجار والمجرور متعلقان بيخرجكم وكان الواو اعتراضية وكان واسمها المستتر وبالمؤمنين متعلقان برحيما ورحيما خبرها والاعتراض بمثابة التقرير لمضمون ما تقدم.
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} استئناف مسوق لبيان ما أعد لهم في الآجلة، وتحيتهم مبتدأ والهاء مضاف لتحية من إضافة المصدر إلى مفعوله أي يحيون يوم لقائه بسلام والظرف متعلق بمحذوف حال وجملة يلقونه في محل جر باضافة الظرف إليها وسلام خبر تحيته والواو استئنافية وأعد فعل ماض وفاعل مستتر يعود على اللّه ولهم متعلقان بأعد وأجرا مفعول به وكريما صفة.
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}.
إن واسمها وجملة أرسلناك خبرها وشاهدا حال مقدرة وسيأتي ذكر الحال المقدرة وسرها في باب الفوائد ومبشرا ونذيرا عطف على شاهدا.
{وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا} وداعيا عطف أيضا على شاهدا والى اللّه متعلقان بداعيا وبإذنه حال وسيأتي سر هذه الاستعارة في باب البلاغة.
وسراجا منيرا عطف أيضا والكلام تشبيه بليغ سيأتي حكمه في باب البلاغة.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} عطف على ما تقدم وبشر فعل أمر والمؤمنين مفعول به وبأن متعلقان ببشر ولهم خبر أن ومن اللّه حال وفضلا اسم إن المؤخر وكبيرا صفة لفضلا.
{وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ} عطف على ما تقدم ولا ناهية وتطع فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت والكافرين مفعول به والمنافقين عطف على الكافرين ودع أذاهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به من باب إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله فيكون المعنى على الأول دع أذيتهم إياك من غير مجازاة وعلى الثاني دع ما آذوك ولا تؤاخذهم حتى تؤمر بذلك وقد جاء الأمر بعد ذلك بالقتال {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا} عطف على ما تقدم وعلى اللّه متعلقان بتوكل وكفى فعل ماض والباء زائدة واللّه فاعل كفى محلا ووكيلا تمييز أو حال وقد تقدم نظيره.

.البلاغة:

التخصيص:
خص البكرة والأصيل في قوله: {وسبحوه بكرة وأصيلا} بالذكر لإظهار فضلهما والتنويه بهما لأن العبادة فيهما آكد على الإنسان كما خص التسبيح وهو من أنواع الذكر ليبين فضله على سائر الأذكار، روى الترمذي في خطابه صلى اللّه عليه وسلم لجويرية أم المؤمنين: «ألا أعلمك كلمات تقولينها: سبحان اللّه عدد خلقه، ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» قال الجلال السيوطي في التعليق على هذا الحديث: سئلت قديما عن إعراب هذه الألفاظ ووجه النصب فيها فأجبت بأنها منصوبة على الظرف بتقدير قدر.
وقد نص سيبويه على أن من المصادر التي تنصب على الظرف قولهم زنة الجبال ووزن الجبل وقد صنف الجلال السيوطي كتابا لطيفا سماه رفع السنة عن نصب الزنة وقيل بل يعربان نصبا على المصدرية وعليها فقدره بعضهم أعد تسبيحه بعدد خلقه وقدره آخرون: سبحته تسبيحا يساوي خلقه عند التعداد، قال ابن حجر في المشكاة:
والأول أوضح وأعربه آخرون نصبا بنزع الخافض. هذا وللنووي كتاب لطيف في الأذكار اسمه: الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار فارجع إليه.