فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعلوم أن أهل العلم اختلفوا في طعام كفارة الظهار فقال بعضهم: المجزئ في ذلك هو ما يجزئ في صدقة الفطر، سواء كان هو قوت المكفر أو لا؟ ولا يجزئه غير ذلك ولو كان قوتًا له.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر أقوال أهلم العلم عندي: أن جميع الحبوب التي هي قوت بلد المظاهر يجزئه الإخراج منها، لأنها هي طعام بلده، فيصدق على من أطعم منها المساكين، أنه أطعم ستين مسكينًان فيدخل ذلك في قوله تعالى: {فَإطْعَامُ ستّينَ مسْكينا} [المجادلة: 4] ويؤيذ ذلك أن القرآن أشار إلى اعتبار أوسط قوت أهله في كفارة اليمين في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَة مَسَاكينَ منْ أَوْسَط مَا تُطْعمُونَ أَهْليكُمْ} [المائدة: 89] وهذا مذهب الشافعي واختيار أبي الخطاب من الحنابلة.
الفرع السادس عشر: اعلم أن أكثر العلم على أن الإطعام لا يجب فيه التتابع، لأن الله تعالى أطلقه عن قيد التتابع، ولأن أكثر أهل الأصول، على أن المطلق لا يحمل على المقيد إن اتحد سببهما واختلف حكمهما، كما في هذه المسألة. ولاسيما على القول الأصح في حمل المطلق على المقيد أنه من قبيل القياس، لامتناع قياس فرع على أصل مع اختلافهما في الحكم كما هو معروف في محله.
الفرع السابع عشر: اعلم أن أهل العلم اختلفوا فيما إذا جامع المظاهر زوجته التي ظاهر منها في أثناء الإطعام، هل يلزمه إعادة ما مضى من الإطعام، لبطلانه بالجماع قبل إتمام الإطعام، أو لا يلزمه ذلك؟ فقال بعض أهل العلم: لا يلزمه ذلك لأن جماعة في أثناء ما لا يشترط فيه التتابع، فلم يوجب الاستئناف، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد. وأما مذهب مالك: فهو أنه يستأنف الإطعام لأنه جامع في أثناء كفارة الظهار، فوجب الاستئناف كالصيام والأول أظهر، لأن الواقع من الإطعام قبل جماعة يحتاج بطلانه وإلغاؤه إلى دليل يجب الرجوع إليه وليس موجودًا. والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثامن عشر: إذا قالت المرأة لزوجها أنت عَلَيَّ كظهر أبي، وقالت: إن تزوجت فلانًا، فهو عَلَيَّ كظهر أبي، فهل يكون ذلك ظهارًا منها أو لا؟ فقال أكثر أهل العلم: لا يكون ظهارًا. وهو قول الأئمة الأربعة، وأصحابهم، وإسحاق، وأبي ثور وغيرهم، وقال بعض أهل العلم: تكون مظاهرة وبه قال الزهري والأوزاعي وروي عن الحسن والنخعي. إلا أن النخعي قال: إذا قالت ذلك بعد ما تزوج، فليس بشيء. اهـ. والتحقيق أن المرأة لا تكون مظاهرة، لأن الله جل وعلا لم يجعل لها شيئًا من الأسباب المؤدية لتحريم زوجها عليها، كما لا يخفى.
تنبيه:
اعلم أن الجمهور القائلين: إن المرأة لا تكون مظاهرة. اختلفوا فيما يلزمها إذا قالت ذلك، إلى ثلاثة مذاهب.
الأول: أن عليها كفارة ظهار، وإن كانت غير مظاهرة.
والثاني: أن عليها كفارة يمين.
والثالث: لا شيء عليها، واحتج من قال بأن عليها كفارة ظهار، وهو رواية عن أحمد: بأنها قالت منكرًا من القول وزورًا، فلزمها أن تكفر عنه كالرجل، وبما روى الأثرم بإسناده عن إبراهيم، عن عائشة بنت طلحة قال: إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو عَلَيَّ كظهر أبي، فسألت أهل المدينة، فرأوا أن عليها الكفارة، وبما روى علي بن مسهر عن الشيباني، قال: كنت جالسًا في المسجد، أنا وعبد الله بن معقل المزني، فجاء رجل حتى جلس إلينا فسألته من أنت فقال: أنا مولى عائشة بين طلحة التي أعتقتني عن ظهارها، خطبها مصعب بن الزبير، فقالت: هو عَلَيَّ كظهر أبي إن تزوجته، ثم رغبت فيه، فاستفتت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يومئذ كثير. فأمروها أن تعتق رقبة، وتتزوجه، فأعتقتني وتزوجته. وروى سعيد هذين الأثرين مختصرين اه من المغني. وانظر إسناد الأثرين المذكورين.
وأما الذين قالوا: تلزمها كفارة يمين، وهو قول عطاء، فقد احتجوا بأنها حرمت على نفسها زوجها وهو حلال لها، فلزمتها كفارة اليمين اللازمة في تحريم الحلال المذكورة في قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحلَّةَ أَيْمَانكُمْ} [التحريم: 2] بعد قوله: {لمَ تُحَرّم مَآ أَحَلَّ الله لَك} [التحريم: 1]. وأما الذين قالوا: لا شيء عليها، ومنهم الشافعي، ومالكن وإسحاق، وأبو ثور وغيرهم، فقد احتجوا بأنها قالت: منكرًا من القول وزورًا، فلم يوجب عليها كفارة، كالسب والقذف ونحوهما من الأقوال المحرمة الكاذبة.
وأظهر أقوالهم عندنا: أن من يرى في تحريم الحلال كفارة يمين يلزمها على قوله كفارة يمين، ومن يرى أنه لا شيء فيه، فلا شيء عليها على قوله، وقد قدمنا أهل العلم في تحريم الحلال في الحج، وفي هذا المبحث. اهـ.
واعلم أن الذين قالوا: تجب عليها كفارة الظهار، قالوا: لا تجب عليها حتى يجامعها وهي مطاوعة له، فإن طلقها أو مات أحدهما قبل الوطء، أو أكرهها على الوطء فلا كفارة عليها، لأنها يمين، فلا تجب كفارتها قبل الحنث كسائر الأيمان، وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير، لأنه حق له عليها، فلا يسقط بيمينها، ولأنه ليس بظهار انتهى من المغني وهو ظاهر، ولنكتف بما ذكرنا من الأحكام المتعلقة بهذه الآية الكريمة، ومن أراد استقصاء ذلك فهو في كتب فروع المذاهب. اهـ.

.قال الشعراوي:

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لرَجُلٍ منْ قَلْبَيْن في جَوْفه}.
ترتبط هذه الآية بالآيات قبلها، فقد ذكر الله تعالى معسكرين: معسكرًا يحب أنْ يُطاع، فقال تعالى لرسوله {يا أيها النبي اتق الله} [الأحزاب: 1] وقال: {واتبع مَا يوحى إلَيْكَ من رَبّكَ} [الأحزاب: 2] وبينهما معسكر آخر نُهي رسول الله عن طاعته {وَلاَ تُطع الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1].
إذن: نحن هنا أمام معسكرين: واحد يمثل الحق في أجلي معانيه وصوره، وآخر يمثل الباطل، وللقلب هنا دَوْر لا يقبل المواربة، إما أنْ ينحاز ويغلب صاحب الحق، وإما أنْ يغلب جانب الباطل، وما دمت أنت أمام أمرين متناقضين لا يمكن أنْ يجتمعا، فلابد أن تُغلّب الحق؛ لأن الله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه} [الأحزاب: 4] إما الحق وإما الباطل، ولا يمكن أن تتقي الله وتطيع الكافرين والمنافقين؛ لأن القلب الذي يميل ويغلب قلب واحد.
ومعلوم أن القلب هو أهم عضو في الجسم البشري فإذا أصيب الإنسان بمرض مثلًا يصف له الطبيب دواءً، الدواء يُؤخذ عن طريق الفم ويمرُّ بالجهاز الهضمي، ويحتاج إلى وقت ليتمثل في الجسم، فإنْ كانت الحالة أشدَّ يصف حقنة في العضل، فيصبُّ الدواء في الجسم مباشرة، فإنْ كان المرض أشد يُعْطَى حقنة في الوريد لماذا؟
ليصل الدواء المطلوب جاهزًا إلى الدم مباشرة، ليضخه القلب إلى جميع الأعضاء في أسرع وقت. إذن: فالدم هو الذي يحمل خصائص الشفاء والعافية إلى البدن كله، والقلب هو الموتور الذي يؤدي هذه المهمة؛ لذلك عليك أنْ تحتفظ به في حالة جيدة، بأن تملأه بالحق حتى لا يفسده الباطل.
وسبق أنْ أوضحنا أن الحيز الواحد لا يمكن أنْ يسع شيئين في وقت واحد فما بالك إنْ كانا متناقضين؟ وقد مثَّلْنا هذه العملية بالزجاجة الفارغة إنْ أردتَ أن تملأها بالماء لابد أنْ يخرج منها الهواء أولًا ليدخل مكانه الماء.
كذلك الحال في المعاني، فلا يجتمع حق وباطل في قلب واحد أبدًا، وليس لك أنْ تجعل قلبًا للحق وقلبًا للباطل؛ لأن الخالق جعل لك قلبًا واحدًا، وجعله محدودًا لا يسع إلا إيمانك بربك، فلا تزاحمه بشيء آخر.
ويُرْوَى أنه كان في العرب رجل اسمه جميل بن أسد الفهري وكان مشهورًا باللسَن والذكاء، فكان يقول: إن لي قلبين، أعقل بواحد منهما مثل ما يعقل محمد، فشاء الله أنْ يراه أبو سفيان وهو منهزم بعد بدر، فيقول له: يا جميل، ما فعل القوم؟ قال: منهم مقتول ومنهم هارب، قال: وما لي أراك هكذا؟ قال: مالي؟ قال: نعل في كفّك، ونعل في رجْلك، قال: والله لقد ظننتهما في رجلي، فضحك أبو سفيان وقال له: فأين قلباك؟
وإذا كان القلب هو المضخة التي تضخ الدم إلى كل الجوارح والأعضاء حاملًا معه الغذاء والشفاء والعافية، كذلك حين تستقر عقائد الخير في القلب، يحملها الدم كذلك إلى الجوارح والأعضاء، فتتجه جميعها إلى طاعة الله، فالرّجْل تسعى إلى الخير، والعين لا تنظر إلا إلى الحلال، والأذن تسمع القول فتتبع أحسنه، واللسان لا ينطق إلا حقًا.
فكل الجوارح إذن لا تنضح إلا الحق الذي تشرَّبته من طاقات الخير في القلب.
لذلك يُعلّمنا سيدنا رسول الله هذا الدرس، فيقول: «إن في الجسد مضغة، إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجسد كله، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
ثم يأخذ الحق سبحانه من مسألى اجتماع المتناقضين في قلب واحد مقدمة للحديث عن قضايا المتناقضات التي شاعتْ عند العرب، فيقول سبحانه: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهرُونَ منْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ} [الأحزاب: 4].
وقد شاع في الجاهلية حين يكره الرجل زوجته، يقول لها: أنت عليَّ كظهر أمي، ومعلوم أن ظهر الأم مُحرَّم على الابن حرمة مؤبدة، لذلك كانوا يعتبرون هذه الكلمة تقع موقع الطلاق، فلما جاء الإسلام لم يجعلها طلاقًا، إنما جعل لها كفارة كذب؛ لأن الزوجة ليست أمًا لك، وحدد هذه الكفارة إما: عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينًا، أو صيام ستين يومًا.
وهذه المسألة تناولتها سورة قد سمع {الذين يُظَاهرُونَ منكُمْ مّن نّسَآئهمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتهمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ وَإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مّنَ القول وَزُورًا} [المجادلة: 2] أي: كذبًا، لأن الزوجة لا تكون أمًا.
فالحق سبحانه جاء بمتناقض، وأدخل فيه متناقضًا آخر، فكما أن القلب الواحد لا تجتمع فيه طاعة الله وطاعة الكافرين والمنافقين، فكذلك الزوجة لا تكون أبدًا أمًا، فهي إما أم، وإما زوجة.
كذلك وُجد عند العرب تناقض آخر في مسألة التبني، فكان الرجل يستوسم الولد الصغير، أو يرى فيه علامات النجابة فيتبناه، فيصير الولد ابنًا له، يختلط ببيته كولده، ويرثه كما يرثه ولده، وله عليه كل حقوق الابن.
وهذه متناقضة أيضًا كالسابقة، فكما أن الرجل لا يكون له قلبان، وكما أن الزوجة لا تكون أمًا بحال، كذلك المتبنَّى لا يكون ولدًا، فيقول سبحانه: {وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4].
الدعيُّ: هو الذي تدعى أنه ابنٌ وليس بابن، وكان هذا شائعًا عند العرب، وأراد الله سبحانه أنْ يبطل هذه العادة، ومثلها مسألة الظّهار، فألغى القرآن هذه العادات، وقال: ضعوا كل شيء موضعه، فجعل للظهار كفارة، ونهى عن التبني بهذه الصورة.
والحق سبحانه ساعةَ يريد أنْ يلغي حكمًا يقدم صاحب الدعوى نفسه ليطبق هو أمام الناس؛ لذلك جعل سيدنا رسول الله يبدأ بنفسه، ويبطل التبني الذي عنده.
تعلمون أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج من السيدة خديجة، وكان لها منزلة عند رسول الله، وقد اشترى لها حكيم بن حزام عبدًا من سوق الرقيق هو زيد بن حارثة، وكان من بني كلب، سرقه اللصوص من أهله، وادعوْا أنه عبد فباعوه، ثم أهدتْه السيدة خديجة لسيدنا رسول الله، فصار مولىً لرسول الله، يخدمه طيلة عدة سنوات، وما بالكم بمَنْ يكون في خدمة رسول الله؟
لقد أحبَّ زيدٌ رسول الله، وعَشق خدمته، وقال عن معاملته صلى الله عليه وسلم له: لقد خدمتُ رسول الله عشر سنين، فما قال لشيء فعلتُه: لمَ فعلتَه، ولا لشيء تركتُه لمَ تركتَه.
وفي يوم من الأيام، رآه واحد من بني كَلْب في طرقات مكة، فأخبر أهله به، فأسرع أبو زيد إلى مكة يبحث عن ولده، فدلُّوه عليه، وأنه عند محمد، فذهب إلى سيدنا رسول الله، وأخبره خبر ولده، وطلب منه أنْ يعود معه إلى بني كلب.
ولكن، ما كان رسول الله ليتخلَّى عن خادمه الذي يحبه كل هذا الحب، فقال لأبيه: خيّره، فإن اختاركم فخذوه، وإن اختارني فأنا له أبٌ، فلما خيَّروه- قال سيدنا زيد: والله ما كنت لأختار على رسول الله أحدًا.
عندها أحب رسول الله أن يكافئه على هذا الموقف، وعلى تمسّكه بخدمته، فتبنّاه كما تتبنى العرب، وسمَّوْه بعدها: زيد بن محمد.
فلما أراد الحق سبحانه أنْ يبطل التبني بدأ بمتبنَّى رسول الله، ليكون هو القدوة لغيره في هذه المسألة، فكيف أبطل الله تعالى هذه البنوة؟
كان سيدنا رسول الله قد زوَّج زيدًا من ابنة عمته زينب بنت جحش، أخت عبدالله بن جحش، وقد تعب رسول الله في إقناع عبدالله وزينب بهذه الزيجة التي رفضتها زنيب، تقول: كيف أتزوج زيدًا وهو عبد وأنا سيدة قرشية؟
ثم تزوجته إرضاءً لرسول الله، وعملًا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمنٍ وَلاَ مُؤْمنَةٍ إذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة منْ أَمْرهمْ} [الأحزاب: 36].
لكنها بعد الزواج تعالتْ عليه، أنها من السادة، وهو من العبيد، فكَره زيد ذلك، ولم يُطقْ فأحبَّ أنْ يطلقها، فذهب إلى رسول الله وشكا إليه ما كان من زينب، وعرض عليه رغبته في طلاقها.
فقال له رسول الله: أمسك عليك زوجك، فعاوده مرة أخرى فقال له: أمسك عليك زوجك فعاوده زيد، عندها علم رسول الله أن رغبتهما في الطلاق، وكراهيتهما للحياة الزوجية أمر قدري، أراده الله لحكمة، ولأمر تشريعي جديد، شاء الله أنْ يُوقع البغض بين زيد وزينب، فبُغْض زينب لزيد كان تعاليًا واستكبارًا، وبُغْض زيد لزينب كان اعتزازًا بالنفس.
ولكي يبطل الحق سبحانه تبنَّي رسول الله لزيد قضى بأن يتزوَّج رسول الله من زينب بعد طلاقها من زيد، ومعلوم أن امرأة الابن تحرم على أبيه، فزواج سيدنا رسول الله من زينب يعني أن زيدًا ليس ابنًا لرسول الله، ويبطل عادة التبني، والأثر المترتب على هذه العادة.
وقد أحسَّ رسول الله بشيء في نفسه، وتردَّد في هذا الزواج مخافة أنْ يقول الناس، إن محمدًا أوعز إلى زيد أنْ يُطلّق زينب ليتزوجها هو، كما يقول بعض المستشرقين الآن، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يضمر حبَّ زينب في نفسه، وهذا كلها افتراءات على رسول الله، فالذي يحب امرأة لا يسعى جاهدًا لأنْ تتزوج من غيره، وحين يريد زوجها أنْ يُطلّقها لا يقول له: أمسكْ عليك زوجك.
ثم لا ينبغي لأحد أنْ يخوض فيما أخفاه رسول الله في نفسه، من أنه عاشق أو مُحبٌّ، لكن انظر فيما أبداه الله، فالذي أبداه الله هو الذي يُخفيه رسول الله، واقرأ: {وَتُخْفي في نَفْسكَ مَا الله مُبْديه وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاه} [الأحزاب: 37].
إذن: الذي كان يُخفيه رسول الله هو أنه يخاف أنْ تتكلَّم به العرب، وأنْ تقول فيه ما لا يليق به في هذه المسألة.
ويقول تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] لماذا؟ {لكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاج أَدْعيَآئهمْ} [الأحزاب: 37].
وهكذا قرَّر الحق سبحانه مبدأ إبطال التبني في شخص رسول الله.
والحق سبحانه حينما يبطل عادة التبني إنما يبطل عادة ذميمة، تُقوّض بناء الأسرة، وتهدم كيانها، تؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع الحقوق، فالولد المتبنّي يعيش في الأسرة كابنها، تعامله الأم على أنه ابنها، وهو غريب عنها، كذلك البنت تعامله على أنه أخوها، وهو ليس كذلك، وفي هذا من الفساد مَا لا يخفى على أحد.