فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الفريابي وابن عساكر عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحملته ولفعلت. فقال حذيفة: لقد رأيتني ليلة الأحزاب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في ليلة باردة ما قبله ولا بعده برد كان أشد منه، فحانت مني التفاتة، فقال: «ألا رجل يذهب إلى هؤلاء فيأتينا بخبرهم جعله الله معي يوم القيامة» قال: فما قام منه انسان قال: فسكتوا، ثم عاد. فسكتوا، ثم قال: يا أبا بكر، ثم قال: استغفر الله رسوله، ثم قال: إن شئت ذهبت فقال: يا عمر فقال: استغفر الله رسوله، ثم قال: يا حذيفة فقلت: لبيك. فقمت حتى أتيت، وإن جنبي ليضربان من البرد، فمسح رأسي ووجهي، ثم قال: «ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم، ولا تحدث حدثًا حتى ترجع، ثم قال: اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته، حتى يرجع» قال فلان: يكون أرسلها كان أحب إلي من الدنيا وما فيها. قال: فانطلقت، فأخذت أمشي نحوهم كأني أمشي في حمام قال: فوجدتهم قد أرسل الله عليهم ريحًا، فقطعت أطنابهم، وذهبت بخيولهم، ولم تدع شيئًا إلا أهلكته، قال: وأبو سفيان قاعد يصطلي عند نار له، قال فنظرت إليه، فأخذت سهمًا، فوضعته في كبد قوسي قال:- وكان حذيفة راميًا- فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحدثن حدثًا حتى ترجع» قال: فرددت سهمي في كنانتي قال: فقال رجل من القوم: ألا فيكم عين للقوم؟ فأخذ كل بيد جليسه، فأخذت بيده جليسي فقلت: من أنت؟ قال: سبحان الله! أما تعرفني؟ أنا فلان ابن فلان فإذا رجل من هوازن، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فلما أخبرته ضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل، وذهب عني الدفء فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنامني عند رجليه، وألقى علي طرف ثوبه، فإن كنت لألزق بطني وصدري ببطن قدميه، فلما أصبحوا هزم الله الأحزاب، وهو قول: {فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها}.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود} قال: كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقول: فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: «نعم. قولوا: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله بالريح».
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن مجاهد {إذ جاءتكم جنود} قال: الأحزاب. عيينة بن بدر، وأبو سفيان، وقريظة.
{فأرسلنا عليهم ريحًا} قال: يعني ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى اظعنتهم {وجنودًا لم تروها} يعني الملائكة قال: ولم تقاتل الملائكة يومئذ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب قالت: انطلقي فانصري الله ورسوله، فقالت الجنوب: إن الحرة لا تسري بالليل، فغضب الله عليها وجعلها عقيمًا، فأرسل الله عليهم الصبا، فأطفأت نيرانهم، وقطعت أطنابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور، فذلك قوله: {فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها}».
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله: {إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} قالت: كان ذلك يوم الخندق.
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب، فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدوّرة، فكسرت حديدنا وشقت علينا، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول من سلمان، فضرب الصخر ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة، حتى لكأن مصباحًا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبر المسلمون، ثم ضربها الثانية، فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، فكبر وكبر المسلمون، ثم ضربها الثالثة، فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، وكبر وكبر المسلمون، فسألناه فقال: «أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فابشروا بالنصر» فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الأحزاب فقال المسلمون: {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا} وقال المنافقون: ألا تعجبون! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وإنها تفتح لكم، وإنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا، وأنزل القرآن {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا}.
وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزل الله في شأن الخندق، وذكر نعمه عليهم، وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن، ومقالة من تكلم من أهل النفاق {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} وكانت الجنود التي أتت المسلمين. أسد. وغطفان. وسليما. وكانت الجنود التي بعث الله عليهم من الريح الملائكة فقال: {إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} فكان الذين جاؤوهم من أسفل منهم قريشًا، وأسدًا، وغطفان فقال: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا} يقول: معتب بن قشير ومن كان معه على رأيه {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي} يقول أوس بن قيظي ومن كان معه على مثل رأيه {ولو دخلت عليهم من أقطارها} إلى {وإذًا لا تمتعون إلا قليلًا} ثم ذكر يقين أهل الايمان حين أتاهم الأحزاب فحصروهم وظاهرهم بنو قريظة، فاشتد عليهم البلاء، فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب} إلى {إن الله كان غفورًا رحيمًا} قال: وذكر الله هزيمة المشركين، وكفايته المؤمنين، فقال: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم}.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة بن الزبير ومحمد بن كعب القرظي قالا: قال معتب بن قشير: كان محمدًا يرى أن يأكل من كنز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط، وقال أوس بن قيظي في ملأ من قومه من بني حارثة {إن بيوتنا عورة} وهي خارجة من المدينة: إئذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا وذرارينا، فأنزل الله على رسوله حين فرغ منهم ما كانوا فيه من البلاء يذكر نعمته عليهم، وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم، ومقالة من قال من أهل النفاق، {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} فكانت الجنود: قريشًا، وغطفان، وبني قريظة. وكانت الجنود التي أرسل عليهم مع الريح الملائكة {إذ جاءُوكم من فوقكم} بنو قريظة {ومن أسفل منكم} قريش، وغطفان. إلى قوله: {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا} يقول: معتب بن قشير وأصحابه {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب} يقول: أوس بن قيظي ومن كان معه على ذلك من قومه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال: لما كان حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق، عرض لنا في بعض الجبل صخرة عظيمة شديدة لا تدخل فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول، وألقى ثوبه وقال: «بسم الله، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر. أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع ثلثًا آخر فقال: الله أكبر. أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور المدائن البيض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله. فقطع بقية الحجر وقال: الله أكبر. أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إذ جاءُوكم من فوقكم} قال عيينة بن حصن {ومن أسفل منكم} قال: سفيان بن حرب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة في قوله: {إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} قال: كان ذلك يوم الخندق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} قال: نزلت هذه الآية يوم الأحزاب، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا فخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن معه من الناس حتى نزلوا بعفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عيينة بن حصن أخو بني بدر بغطفان ومن تبعه حتى نزلوا بعفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتبت اليهود أبا سفيان فظاهروه، فبعث الله عليهم الرعب والريح. فذكر أنهم كانوا كلما بنوا بناء قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا نارًا أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كل حي يقول: يا بني فلان هلم إلي. حتى إذا اجتمعوا عنده قال: النجاة. النجاة. أتيتم لما بعث الله عليهم الرعب.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إذ جاءُوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن في أهل نجد {ومن أسفل منكم} قال: أبو سفيان بن حرب في أهل تهامة، ومواجهتهم قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وإذ زاغت الأبصار} قال: شخصت الأبصار.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وبلغت القلوب الحناجر} قال: شخصت من مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {وبلغت القلوب الحناجر} قال: فزعها ولفظ ابن أبي شيبة قال: إن القلوب لو تحركت أو زالت خرجت نفسه، ولكن إنما هو الفزع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وتظنون بالله الظنونا} قال: ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمدًا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق أنه سيظهر على الدين كله.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وتظنون بالله الظنونا} قال: هم المنافقون يظنون بالله ظنونًا مختلفة. وفي قوله: {هنالك ابتلي المؤمنون} قال: محصوا. وفي قوله: {وإذ يقول المنافقون} تكلموا بما في أنفسهم من النفاق، وتكلم المؤمنون بالحق والإيمان {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال: لما حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين جهد شديد، فمكثوا ثلاثًا لا يجدون طعامًا حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرًا من الجوع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قال المنافقون يوم الأحزاب حين رأوا الأحزاب قد اكتنفوهم من كل جانب، فكانوا في شك وريبة من أمر الله قالوا: إن محمدًا كان يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا حتى ما يستطيع يبرز أحدنا لحاجته. فأنزل الله: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، واجتمعت قريش، وكنانة، وغطفان، فاستأجرهم أبو سفيان بلطيمة قريش، فاقبلوا حتى نزلوا بفنائه، فنزلت قريش أسفل الوادي، ونزلت غطفان عن يمين ذلك، وطليحة الأسدي في بني أسد يسار ذلك، وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم تحصن بالمدينة، وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق، فبينما هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول في صفا، فطارت منه كهيئة الشهاب من النار في السماء، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك، فرأى ذلك سلمان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله قد رأيت خرج من كل ضربة كهيئة الشهاب، فسطع إلى السماء فقال: لقد رأيت ذلك؟ فقال: نعم يا رسول الله قال: تفتح لكم أبواب المدائن، وقصور الروم، ومدائن اليمن، ففشا ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب: أيعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح لنا مدائن اليمن، وبيض المدائن، وقصور الروم وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل، هذا والله الغرور. فأنزل الله تعالى في هذا {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهمْ ريحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}.
ذكرُ نعمة الله مُقابَلَتُها بالشكر، ولو تذكرتَ ما دَفَعَ عنك فيما سَلَفَ لهانت عليك مقاساةُ البلاء في الحال، ولو تذكرتَ ما أولاكَ في الماضي لَقَرُبَتْ من قلبك الثقةُ في إيصال ما تؤمّلُه في المستقبل.
ومن جملة ما ذكَّرهم به: {إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} كم بلاءٍ صَرَفَه عن العبد وهو لم يشعر! وكم شُغْلٍ كان يقصده فصَدَّه ولم يعلم! وكم أمرٍ عَوَّقَه والعبدُ يَضجُّ وهو سبحانه يعلم أَن في تيسيره له هلاكَ العبد فمَنَعَه منه رحمةً به، والعبدُ يتَّهمُ ويضيق صَدْرُه بذلك!.
{إذْ جَاءُوكُمْ منْ فَوْقكُمْ وَمنْ أَسْفَلَ منْكُمْ وَإذْ زَاغَت الْأَبْصَارُ وَبَلَغَت الْقُلُوبُ الْحَنَاجرَ وَتَظُنُّونَ باللَّه الظُّنُونَا (10)}.
أحاط بهم سُرَادقُ البلاء، وأَحدقَ بهم عَسْكرُ العدوّ، واستسلموا للاجتياح، وبلغت القلوبُ الحناجرَ، وتَقَسَّمَتْ الظنونُ، وداخَلَتْهُم كوامنُ الارتياب، وبدا في سويدائهم جَوَلانُ الشكّ.
{هُنَالكَ ابْتُليَ الْمُؤْمنُونَ وَزُلْزلُوا زلْزَالًا شَديدًا (11)}.
ثم أزال عنهم جملتها، وقَشَعَ عنهم شدَّتها، فانجاب عنهم سحابُها، وتفرَّقَتْ عن قلوبهم همومُها، وتَفَجَّرَتْ ينابيعُ سكينتهم.
{وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبهمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا (12)}.
صَرَّحوا بالتكذيب- لما انطوت عليه قلوبُهم- حين وجدوا للمقال مجالًا. اهـ.