فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ نافع وابن كثير {لاَتَوْهَا} بالقصر أي لفعلوها {وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا} أي بالفتنة، والباء للتعدية أي ما لبثوها وما أخروها {إلاَّ يَسيرًا} أي إلا تلبثًا يسير أو إلا زمانًا يسير وهو مقدار ما يأخذون فيه سلاحهم على ماقيل، وقيل: مقدار ما يجيبون السؤال فيه، وكلاهما عندي من باب التمثيل، والمراد أنهم لو سألهم غيرك القتال وهم في أشد حال وأعظم بلبال لأسرعوا جدًا فضلًا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها كما فعلوا الآن.
والحاصل أن طلبهم الإذن في الرجوع ليس لاختلال بيوتهم بل لنفاقهم وكراهتهم نصرتك، وقال ابن عظية: المعنى ولو دخلت المدينة من أقطارها واشتد الحرب الحقيقي ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم لطاروا إليها ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيرًا قيل قدر ما يأخذون سلاحهم انتهى، فضمير {دَخَلَتْ} عنده عائد على المدينة وباء {بهَا} للظرفية كما هو ظاهر كلامه، وجوز أن تكون سببية والمعنى على تقدير مضاف أي ولم يتلبثوا بسبب حفظها وقيل: يجوز أن تكون للملابسة أيضًا، والضمير على كل تقدير للبيوت وفيه تفكيك الضمائر.
وعن الحسن ومجاهد وقتادة {الفتنة} الشرك.
وفي معناه ما قيل: هي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر، وجعل بعضهم ضميري {دَخَلَتْ} للمدينة وزعم أن المعنى ولو دخلت المدينة عليهم من جميع جوانبها ثم سئلوا الرجوع إلى إظهار الكفر والشرك لفعلوا وما لبثوا بالمدينة بعد إظهار كفرهم إلا يسيرًا فإن الله تعالى يهلكهم أو يخرجهم بالمؤمنين، وقيل: ضمير {كُلَّمَا دَخَلَتْ} للبيوت أو للمدينة وضمير {بهَا} للفتنة بمعنى الشرك والباء للتعدية، والمعنى ولو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأشركوا وما أخروه إلا يسيرًا، وقريب منه قول قتادة أي لو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأعطوه طيبة به أنفسهم وما تحبسوا به إلا يسيرًا، وجوز أن تكون الباء لغير ذلك، وقيل: فاعل الدخول أولئك العساكر المتحزبة، والوجوه المحتملة في الآية كثيرة كما لا يخفى على من له أدنى تأمل، وما ذكرناه أولًا هو الأظهر فيما أرى.
وقرأ الحسن {سولوا} بواو ساكنة بعد السين المضمومة قالوا: وهي من سال يسال كخاف يخاف لغة في سأل المهموز العني، وحكى أبو زيد هما يتساولان، وقال أبو حيان: ويجوز أن يكون أصلها الهمزة لأنه يجوز أن يكون سولوا على قول من يقول في ضرب مبنيًا للمفعول ضرب ثم سهل الهمزة بإبدالها واوًا على قول من قال في بؤس بوس بإبدال الهمزة واوًا لضم ما قبلها.
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو. والأعمش {سيلوا} بكسر السين من غير همزة نحو قيل: وقرأ مجاهد {سيلوا} بواو ساكنة بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلًا من الهمزة.
{وَلَقَدْ كَانُوا عاهدوا الله من قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الادبار} هؤلاءهم الفريق المستأذنون وهم بنو حارثة عند الأكثرين، وقيل: هم بنو سلمة كانوا قد جبنوا يوم أحد ثم تابوا وعاهدوا يومئذ قبل يوم الخندق أن لا يفروا، وعن ابن عباس أنهم قوم عاهدوا بمكة ليلة العقبة أن يمنعوه صلى الله عليه وسلم مما يمنعون منه أنفسهم، وقيل: أناس غابوا عن وقعة بدر فحزنوا على ما فاتهم مما أعطى أهل بدر من الكرامة فقالوا: لئن أشهدنا الله تعالى قتالًا لنقاتلن و{عاهد} أجرى مجرى اليمين ولذلك تلقى بقوله تعالى: {لاَ يُوَلُّونَ الادبار} وجاء بصيغة الغيبة على المعنى ولو جاء كما لفظوا به لكان التركيب لا تولى الأدبار، وتولية الأدبار كناية عن الفرار والانهزام فإن الفار يولى دبره من فر منه {وَكَانَ عَهْدُ الله} عن الوفاء به مجازي عليه وذلك يوم القيامة، والتعبير بالماضي على ما في مجمع البيان لتحقق الوقوع، وقيل: أي كان عند الله تعالى مسؤولًا عن الوفاء به أو مسؤولًا مقتضى حتى يوفى به.
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَو القتل} أي لن ينفعكم ذلك ويدفع عنكم ما أبرم في الأزل عليكم من موت أحدكم حتف أنفه أو قتله بسيف ونحوه فإن المقدر كائن لا محالة {وَإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَليلًا} أي وإن نفعكم الفرار بأن دفع عنكم ما أبرم عليكم فمتعتم لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعًا قليلًا أو زمانًا قليلًا.
وهذا من باب فرض المحال ولم يقل: ولو نفعكم إخراجًا للكلام مخرج المماشاة أو إذا نفعكم الفرار فمتعتم بالتأخير بأن كان ذلك معلقًا عند الله تعالى على الفرار مربوطًا به لم يكن التمتيع إلا قليلًا فإن أيام الحياة وإن طالت قصيرة، وعمر تأكله ذرات الدقائق وإن كثر قليل، وقال بعض الأجلة: المعنى لا ينفعكم نفعًا دائمًا أو تامًا في دفع الأمرين المذكورين الموت أو القتل بالكلية إذ لابد لكل شخص من موت حتف أنفه أو قتل في وقت معين لا لأنه سبق به القضاء لأنه تابع للمقضي فلا يكون باعثًا عليه بل لأنه مقتضى ترتب الأسباب والمسببات بحسب جرى العادة على مقتضى الحكمة فلا دلالة فيه على أن الفرار لا يغني شيئًا حتى يشكل بالنهي عن الإلقاء إلى التهلكة وبالأمر بالفرار عن المضار، وقوله تعالى: {وَإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَليلًا} يدل على أن في الفرار نفعًا في الجملة إذًا لمعنى لا تمتعون على تقدير الفرار إلا متاعًا قليلًا، وفيه ما فيه فتأمل.
وذكر الزمخشري أن بعض المروانية مر على حائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال: ذلك القليل نطلب وكأنه مال إلى الوجه الثاني أو إلى ما ذكره البعض في الآية؛ وجواب الشرط لإن محذوف لدلالة ما قبله عليه و{أَذنَ} تقدمها هاهنا حرف عطف فيجوز فيها الأعمال والإهمال لكنه لم يقرأ هنا إلا بالإهمال.
وقرىء بالأعمال في قوله تعالى في سورة [الإسراء: 6 7] {وَإذًا لاَّ يَلْبَثُوا خلافك} وقُرئ {لا يُمَتَّعُونَ} بياء الغيبة.
{قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصمُكُمْ مّنَ الله إنْ أَرَادَ بكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بكُمْ رَحْمَةً}.
استفهام في معنى النفي أي لا أحد يمنعكم من الله عز وجل وقدره جل جلاله أن خيرًا وإن شرًا فجعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة مع أنه لا عصمة إلا من السوء لما في العصمة من معنى المنع، وجوز أن يكون في الكلام تقدير والأصل قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوأ أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة فاختصر نظير قوله:
ورأيت زوجك في الوغى ** متقلدًا سيفًا ورمحًا

فإنه أراد وحاملًا أو ومعتقلًا رمحًا، ويجري نحو التوجيه السابق في الآية، وجوز الطيبي أن يكون المعنى من الذي يعصمكم من الله أراد بكم سوأ أو من الذي يمنع رحمة الله منكم إن أراد بكم رحمة، وقرينة التقدير ما في {يَعْصمُكُمْ} من معنى المنع، واختير الأول لسلامته عن حذف جملة بلا ضرورة.
{وَلاَ يَجدُونَ لَهُمْ مّن دُون الله وَليًّا} ينفعهم {وَلاَ نَصيرًا} يدفع الضرر عنهم، والمراد الأولى فيجدوه الخ فهو كقوله:
ولا ترى الضب بها ينجحر

اهـ. وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى فكأنه قيل: لا عاصم لهم ولا ولي ولا نصير أو الجملة حالية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والمراد بالطائفة الذين قالوا: {يا أهل يثرب لا مقامَ لكم فارجعوا} عبدُ الله بن أبيّ ابنُ سَلول وأصحابُه.
كذا قال السدي.
وقال الأكثر: هو أوس بن قَيظي أحدُ بني حارثة، وهو والد عَرابة بن أوس الممدوح بقول الشمّاخ:
رأيت عرابةَ الأوْسيَّ يسمو ** إلى الخيرات منقطع القرين

في جماعة من منافقي قومه.
والظاهر هو ما قاله السُدّي لأن عبد الله بن أبَيّ رأس المنافقين، فهو الذي يدعو أهل يثرب كلّهم.
وقوله: {لا مقام لكم} قرأه الجمهور بفتح الميم وهو اسم لمكان القيام، أي: الوجود.
وقرأه حفص عن عاصم بضم الميم، أي: محلّ الإقامة.
والنفي هنا بمعنى نفي المنفعة فلما رأى هذا الفريق قلة جدوى وجودهم جعلها كالعدم، أي لا فائدة لكم في ذلك، وهو يروم تخذيل الناس كما فعل يوم أُحُد.
و{يثرب} اسم مدينة الرسول، وقال أبو عبيدة يثرب: اسم أرض والمدينة في ناحية منها، أي: اسم أرض بما فيها من الحوائط والنخل والمدينة في تلك الأرض.
سميت باسم يثرب من العمالقة، وهو يثرب بن قانية الحفيد الخامس لإرَم بن سام بن نوح.
وقد روي عن البراء بن عازب وابن عباس أن النبي نهى عن تسميتها يثرب وسماها طَابة.
وفي قوله: {يا أهل يثرب لا مقام لكم} محسّنٌ بديعيّ، وهو الاتزان لأن هذا القول يكون منه مصراع من بحر السريع من عَروضه الثانية المخبُولة المكشوفة إذ صارت مفعولات بمجموع الخبل والكشف إلى فَعَلن فوزنه مستفعلن مستفعلن فَعَلن.
والمراد بقوله: {فريق منهم} جماعة من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وليسوا فريقًا من الطائفة المذكورة آنفًا، بل هؤلاء هم أوس بن قيظي وجمع من عشيرته بني حارثة وكان بنو حارثة أكثرهم مسلمين وفيهم منافقون، فجاء منافقوهم يعتذرون بأن منازلهم عورة، أي: غير حصينة.
وجملة {ويستأذن فريق} عطف على جملة {قالت طائفة} وجيء فيها بالفعل المضارع للإشارة إلى أنهم يلحُّون في الاستئذان ويكررونه ويجددونه.
والعورة: الثغر بين الجبلين الذي يتمكن العدو أن يتسرب منه إلى الحي، قال لبيد:
وأجَنَّ عوراتت الثغور ظَلامُها.
والاستئذان: طلب الإذن وهؤلاء راموا الانخذال واستحيَوا.
ولم يذكر المفسرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم.
وذكر أهل السير أن ثمانين منهم رجعوا دون إذنه.
وهذا يقتضي أنه لم يأذن لهم وإلا لما ظهر تميزهم عن غيرهم، وأيضًا فإن في الفعل المضارع من قوله: {يستأذن} إيماء إلى أنه لم يأذن لهم وستَعلم ذلك، ومنازل بني حارثة كانت في أقصى المدينة قرب منازل بني سَلمة فإنهما كانا حيين متلازمين قال تعالى: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} [آل عمران: 122] هما بنو حارثة وبنو سلمة في غزوة أُحُد.
وفي الحديث: أن بني سَلمة راموا أن ينقلوا منازلهم قرب المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم» أي خُطاكم.
فهذا الفريق منهم يعتلُّون بأن منازلهم بعيدة عن المدينة وآطامها.
والتأكيد بحرف {إنَّ} في قولهم: {إن بيوتنا عورة} تمويه لإظهار قولهم: {بيوتنا عورة} في صورة الصدق.
ولما علموا أنهم كاذبون وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم كذبهم جعلوا تكذيبه إياهم في صورة أنه يشك في صدقهم فأكدوا الخبر.
وجملة {وما هي بعورة إلى قوله مسؤول} [الأحزاب: 15] معترضة بين جملة {يستأذن فريق منهم} الخ وجملة {لنينفعكم الفرار} [الأحزاب: 16].
فقوله: {وما هي بعورة} تكذيب لهم فإن المدينة كانت محصنة يومئذ بخندق وكان جيش المسلمين حارسها.
ولم يقرن هذا التكذيب بمؤكد لإظهار أن كذبهم واضح غير محتاج إلى تأكيد.
{وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ منْ أَقْطَارهَا ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا إلَّا يَسيرًا (14)}.
موقع هذه الآية زيادة تقرير لمضمون جملة {وما هي بعورة إنْ يريدون إلا فرارًا} [الأحزاب: 13] فإنها لتكذيبهم في إظهارهم التخوف على بيوتهم، ومرادهم خذل المسلمين.
ولم أجد فيما رأيت من كلام المفسرين ولا من أهل اللغة مَن أفصَحَ عن معنى الدُخول في مثل هذه الآية وما ذكروا إلاّ معنى الولوج إلى المكان مثل ولوج البيوت أو المدن، وهو الحقيقة.
والذي أراه أن الدخول كثر إطلاقه على دخول خاص وهو اقتحام الجيش أو المغيرين أرضًا أو بلدًا لغزْو أهله، قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} إلى قوله: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدَّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدُّوا على أدباركم} [المائدة: 21]، وأنه يُعدّى غالبًا إلى المغزوّين بحرف على.
ومنه قوله تعالى: {قال رجلان من الذين يخافون أنعَمَ الله عليهما ادْخُلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} إلى قوله: {قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا} [المائدة: 24] فإنه ما يصلح إلا معنى دخول القتال والحرب لقوله: {فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} لظهور أنه لا يراد: إذا دخلتم دخول ضيافة أو تَجول أو تجسس، فيفهم من الدخول في مثل هذا المقام معنى الغزو والفتح كما نقول: عام دخول التتار بغداد، ولذلك فالدخول في قوله: {ولو دُخلت عليهم} هو دخول الغزو فيتعين أن يكون ضمير {دُخلت} عائدًا إلى مدينة يثرب لا إلى البيوت من قولهم: {إن بيوتنا عورة} [الأحزاب: 13]، والمعنى: لو غُزيت المدينة من جوانبها. إلخ.
وقوله: {عليهم} يتعلق ب {دُخلت} لأن بناء {دُخلت} للنائب مقتض فاعلًا محذوفًا.
فالمراد: دخول الداخلين على أهل المدينة كما جاء على الأصل في قوله: {ادخلوا عليهم الباب} في سورة العقود (23).
والأقطار: جمع قُطر بضم القاف وسكون الطاء وهو الناحية من المكان.
وإضافة أقطار وهو جمع تفيد العموم، أي: من جميع جوانب المدينة وذلك أشد هجوم العدوّ على المدينة كقوله تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفلَ منكم} [الأحزاب: 10].
وأسند فعل {دُخلت} إلى المجهول لظهور أن فاعل الدخول قوم غزاة.
وقد أبدى المفسرون في كيفية نظم هذه الآية احتمالات متفاوتة في معاني الكلمات وفي حاصل المعنى المراد، وأقربها ما قاله ابن عطية على غموض فيه، ويليه ما في الكشاف.
والذي ينبغي التفسير به أن تكون جملة {ولو دُخلت عليهم} في موضع الحال من ضمير {يريدون} [الأحزاب: 13] أو من ضمير {وما هي بعورة} زيادة في تكذيب قولهم: {إن بيوتنا عورة} [الأحزاب: 13].
والضمير المستتر في {دُخلت} عائد إلى المدينة لأن إضافة الأقطار يناسب المدن والمواطن ولا يناسب البيوت.
فيصير المعنى: لو دَخَل الغزاة عليهم المدينة وهم قاطنون فيها.
و{ثم} للترتيب الرتبي، وكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالواو لا ب {ثم} لأن المذكور بعد {ثم} هنا داخل في فعل شرط {لو} ووارد عليه جوابها، فعدل عن الواو إلى {ثم} للتنبيه على أن ما بعد {ثم} أهم من الذي قبلها كشأن {ثم} في عطف الجُمل، أي: أنهم مع ذلك يأتون الفتنة، و{الفتنة} هي أن يفتنوا المسلمين أي: الكيد لهم وإلقاء التخاذل في جيش المسلمين.
ومن المفسرين من فسَّر الفتنة بالشرك ولا وجه له ومنهم من فسرها بالقتال وهو بعيد.
والإتيان: القدوم إلى مكان.
وقد أشعر هذا الفعل بأنهم يخرجون من المدينة التي كانوا فيها ليفتنوا المسلمين وضمير النصب في {أتوها} عائد إلى {الفتنة} والمراد مكانها وهو مكان المسلمين أي لأتوا مكانها ومظنتها.
وضمير بها للفتنة، والباء للتعدية.
وجملة {وما تلبثوا بها} عطف على جملة {لأتوها}.