فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {يا أيها النبى اتق الله وَلاَ تُطع الكافرين}.
قال مقاتل: وذلك أن أبا سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي، قدموا المدينة بعد أحد، وبعد الهدنة.
فمروا على عبد الله بن أبي المنافق.
فقام معهم عبد الله بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق.
فجاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقالوا له: اترك ذكر آلهتنا.
وقل: إن لها شفاعة في الآخرة ومنفعة لمن عبدها، وندعك وربك.
فشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه ائذن لي في قتلهم فقال: «قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الأَمَانَ» فلم يأذن له بالقتل وأمره بأن يخرجهم من المدينة فقال لهم عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه.
فنزل {مُّنتَظرُونَ يا أيها النبى اتق الله} وقال مقاتل في رواية الكلبي: قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فنزلوا على عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير، وجد بن قيس، فتكلموا فيما بينهم.
فلما اجتمعوا في أمر فيما بينهم، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونه إلى أمرهم، وعرضوا عليه أشياءً فكرهها منهم.
فهمّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون أن يقتلوهم فنزل {مُّنتَظرُونَ يا أيها النبى اتق الله} ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم إلى المدةَ.
{وَلاَ تُطع الكافرين} من أهل مكة {والمنافقين} من أهل المدينة فيما دعوك إليه.
ويقال: إن المسلمين أرادوا أن ينقضوا العهد فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم.
فنزل {مُّنتَظرُونَ يا أيها النبى اتق الله} في نقض العهد.
وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأراده هو وأصحابه.
ألا ترى أنه قال في سياق الآية: {إنَّ الله كَانَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرًا} ثم قال: {إنَّ الله كَانَ عَليمًا} بما اجتمعوا عليه {حَكيمًا} حيث نهاك عن نقض العهد وحكم بالوفاء.
قوله عز وجل: {واتبع مَا يوحى إلَيْكَ من رَبّكَ} يعني: ما في القرآن {إنَّ الله كَانَ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرًا} من وفاء العهد ونقضه {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} يعني: ثق بالله، وفوض أمرك إلى الله تعالى: {وكفى بالله وَكيلًا} يعني: حافظًا وناصرًا.
قرأ أبو عمرو: {بمَا يَعْمَلُونَ} بالياء على معنى الخبر عنهم.
وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة يعني: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قوله عز وجل: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه} قال مقاتل: نزلت في جميل بن معمر، ويكنى أبا معمر.
وكان حافظًا بما يسمع، وأهدى الناس للطريق.
يعني: طريق البلدان وكان مبغضًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يقول: إن لي قلبين.
أحدهما أعقل من قلب محمد فنزل: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه} وكان الناس يظنون أنه صادق في ذلك، حتى كان يوم بدر فانهزم، وهو آخذ بإحدى نعليه في أصبعه، والأخرى في رجله حتى أدركه أبو سفيان بن حرب.
وكان لا يعلم بذلك، حتى أخبر أن إحدى نعليه في أصبعه، والأخرى في رجله.
فعرفوا أنه ليس له قلبان.
ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهى في صلاته، فقال المنافقون: لو أن له قلبين أحدهما في صلاته، والآخر مع أصحابه، فنزل {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه}.
وروى معمر عن قتادة قال: كان رجل لا يسمع شيئًا إلا وعاه.
فقال الناس: ما يعي هذا إلا أن له قلبين.
وكان يسمى ذا القلبين فنزلت هذه الآية.
وروى معمر عن الزهري قال: بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة.
ضرب الله مثلًا يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك، كما لا يكون لرجل آخر من قلبين.
وذكر عن الشافعي أنه احتج على محمد بن الحسن قال: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن} يعني: ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام.
يعني: لا يجوز أن يثبت نسب صبي واحد من أبوين.
ولكن هذا التفسير لم يذعن به أحد من المتقدمين.
فلو أراد به على وجه القياس لا يصح.
لأنه ليس بينهما جامع يجمع بينهما.
وذكر عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أن جارية كانت بين رجلين، جاءت بولد فادعي. اهـ.
فقالا: إنه ابنهما يرثهما ويرثانه.
ثم قال عز وجل: {وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائى تظاهرون منْهُنَّ أمهاتكم} قرأ عاصم {تظاهرون} بضم التاء وكسر الهاء والألف.
وقرأ ابن عامر: {تظاهرون} بنصب التاء والهاء وتشديد الظاء.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: {تُظْهرُونَ} بنصب التاء والهاء بغير ألف والتشديد.
وقرأ حمزة والكسائي {تظاهرون} بنصب التاء والتخفيف مع الألف.
وهذه كلها لغات.
يقال: ظاهر من امرأته، وتظاهر، وتظهر بمعنى واحد.
وهو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي.
فمن قرأ: {تُظْهرُونَ} بالتشديد، فالأصل تظهرون، فأدغم إحدى التاءين في الظاء وشددت.
من قرأ: {تظاهرون} فالأصل يتظاهرون فأدغمت إحدى التاءين.
ومن قرأ بالتخفيف حذف إحدى التاءين، ولم يشدد للتخفيف كقوله: {تُسْأَلُونَ} والأصل تتساءلون، والآية نزلت في شأن أوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته وذكر حكم الظهار في سورة المجادلة.
ثم قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} نزلت في شأن زيد بن حارثة حين تبنّاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكما لا يجوز أن يكون لرجل واحد قلبان، فكذلك لا يجوز أن تكون امرأته أمه، ولا ابن غيره يكون ابنه.
ثم قال: {ذَلكُمْ قَوْلُكُم بأفواهكم} يعني: قولكم الذي قلتم زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم أنتم قلتموه بألسنتكم {والله يَقُولُ الحق} يعني: يبيّن الحق، ويأمركم به كي لا تنسبوا إليه غير النسبة {وَهُوَ يَهْدى السبيل} يعني: يدلّ على طريق الحق.
يقال: يدلّ على الصواب بأن تدعوهم إلى آبائهم.
وروى أبو بكر بن عياش عن الكلبي قال: كان زيد بن حارثة مملوكًا لخديجة بنت خويلد، فوهبته خديجة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وتبناه، فكانوا يقولون زيد بن محمد فنزل قوله: {ادعوهم لابَائهمْ} يعني: انسبوهم لآبائهم.
فقالوا: زيد بن حارثة {هُوَ أَقْسَطُ عندَ الله} يعني: أعدل عند الله عز وجل: {ادعوهم لابَائهمْ هُوَ أَقْسَطُ} يعني: إن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم {فَإخوَانُكُمْ في الدين} أي: قولوا ابن عبد الله وابن عبد الرحمن {ومواليكم} يعني: قولوا مولى فلان.
وكان أبو حذيفة أعتق عبدًا يقال له: سالم وتبناه، فكانوا يسمونه سالم بن أبي حذيفة.
فلما نزلت هذه الآية سموه سالمًا مولى أبي حذيفة.
ثم قال: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيمَا أَخْطَأْتُمْ به} يعني: أن تنسبوهم إلى غير آبائهم قبل النهي.
ويقال: ما جرى على لسانهم بعد النهي، لأن ألسنتهم قد تعودت بذلك {ولكن} الجناح فيما {مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} يعني: قصدت قلوبكم بعد النهي.
وروي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمرو عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تَجَاوَزَ الله عَنْ أمَّتي الخَطَأَ وَالنّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرهُوا عَلَيْه».
وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه حلف باللات والعزى ناسيًا.
فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن ينفث عن يساره ثلاثًا، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
ثم قال: {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحيمًا} يعني: غفورًا لمن أخطأ ثم رجع {رَّحيمًا} بهم.
قوله عز وجل: {النبى أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ} يعني: ما يرى لهم رأيًا فذلك أولى وأحسن لهم من رأيهم.
ويقال: معناه النبي أرحم بالمؤمنين من أنفسهم {وأزواجه أمهاتهم} يعني: كأمهاتهم في الحرمة.
وذكر عن أبي أنه كان يقرأ: {النبى أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ} وهو أب لهم {وأزواجه أمهاتهم} {وَأُوْلُو الارحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ} قال في رواية الكلبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس.
فكان يؤاخي بين الرجلين.
فإذا مات أحدهما ورثه الباقي منهما دون عصبته وأهله.
فمكثوا في ذلك ما شاء الله حتى نزلت هذه الآية: {وَأُوْلُو الارحام بَعْضُهُمْ أولى ببَعْضٍ}.
{فى كتاب الله منَ المؤمنين والمهاجرين} الذين آخى بينهم فصارت المواريث بالقرابات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَنَا وَليُّ كُلّ مُسْلمٍ فَمَنْ تَرَكَ مالًا فَلوَرَثَته، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَإلَى الله وَإلَى رَسُوله» فأمر بصرف الميراث إلى العصبة.
ثم قال تعالى: {إلاَّ أَن تَفْعَلُوا إلى أَوْليَائكُمْ مَّعْرُوفًا} يعني: إلا أن يوصي له بثلث ماله.
وقال مقاتل: كان المهاجرون والأنصار يرثون بعضهم من بعض بالقرابة، ولا يرث من لم يهاجر إلا أن يوصي للذي لم يهاجر.
ثم نسخ بما في آخر سورة الأنفال.
ثم قال: {كَانَ ذلك في الكتاب مَسْطُورًا} يعني: هكذا كان مكتوبًا في التوراة.
ويقال: في اللوح المحفوظ.
ويقال: في القرآن.
قوله عز وجل: {وَإذْ أَخَذْنَا منَ النبيين ميثَاقَهُمْ} وهو الوحي الذي أوحى إليهم أن يدعوا الخلق إلى عبادة الله عز وجل، وأن يصدق بعضهم بعضًا.
ويقال: الميثاق الذي أخذ عليهم من ظهورهم.
ويقال: كل نبي أمر بأن يأمر من بعده بأن يخبروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى ينتهي إليه.
ثم قال: {وَمنْكَ وَمن نُّوحٍ} في هذا تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد ذكر جملة الأنبياء عليهم السلام ثم خصّه بالذكر قبلهم، وكان آخرهم خروجًا.
ثم ذكر نوحًا لأنه كان أولهم.
ثم ذكر إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم صلوات الله عليهم لأن كل واحد منهم كان على أثر بعض.
فقال: {وإبراهيم وموسى وَعيسَى ابن مَرْيَمَ} ثم قال: {وَأَخَذْنَا منْهُمْ ميثاقا غَليظًا} يعني: عهدًا وثيقًا أن يعبدوا الله تعالى، ويدعوا الخلق إلى عبادة الله عز وجل، وأن يبشروا كل واحد منهم بمن بعده.
ثم قال عز وجل: {لّيَسْأَلَ الصادقين عَن صدْقهمْ} يعني: أخذ عليهم الميثاق لكي يسأل الصادقين عن صدقهم.
يعني: يسأل المرسلين عن تبليغ الرسالة.
ويسأل الوفيّين عن وفائهم.
وروي في الخبر: أنه يسأل القلم يوم القيامة.
فيقول له: ما فعلت بأمانتي؟ فيقول: يا رب سلمتها إلى اللوح.
ثم جعل القلم يرتعد مخافة أن لا يصدقه اللوح.
فيسأل اللوح بأن القلم قد أدى الأمانة، وأنه قد سلم إلى إسرافيل.
فيقول لإسرافيل: ما فعلت بأماتني التي سلمها إليك اللوح؟ فيقول: سلمتها إلى جبريل.
فيقول لجبريل عليه السلام: ما فعلت بأمانتي.
فيقول: سلمتها إلى أنبيائك.
فيسأل الأنبياء عليهم السلام فيقولون: قد سلمناها إلى خلقك، فذلك قوله تعالى: {لّيَسْأَلَ الصادقين عَن صدْقهمْ} {وَأَعَدَّ للكافرين عَذَابًا أَليمًا} يعني: الذين كذبوا الرسل قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُوا اذكروا نعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} يعني: احفظوا منة الله عليكم بالنصرة.