فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {قد يعلم الله المعووقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا ييأتون البأس إلا قليلًا أشحة عليكم} أي الذين يثبطون المسلمين ويقولون تعالوا إلينا ولا تقاتلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وفيه وجهان أحدهما: أنهم المنافقون الذين كانوا يقولون للأنصار لا تقاتلوا وأسلموا محمدًا إلى قريش وثانيهما: اليهود الذين كانوا يقولون لأهل المدينة تعالوا إلينا وكونوا معنا وهلم بمعنى تعال أو احضر ولا تجمع في لغة الحجاز وتجمع في غيرها فيقال للجماعة هلموا وللنساء هلمن، وقوله: {وَلاَ يَأْتُونَ البأس إلاَّ قَليلًا} يؤيد الوجه الأول وهو أن المراد منهم المنافقون وهو يحتمل وجهين أحدهما: {لاَ يَأْتُونَ البأس} بمعنى يتخلفون عنكم ولا يخرجون معكم وحينئذٍ قوله تعالى: {أَشحَّةً عَلَيْكُمْ} أي بخلاء حيث لا ينفقون في سبيل الله شيئًا وثانيهما: لا يأتون البأس بمعنى لا يقاتلون معكم ويتعللون عن الاشتغال بالقتال وقت الحضور معكم، وقوله: {أَشحَّةً عَلَيْكُمْ} أي بأنفسهم وأبدانهم.
ثم قال تعالى: {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرًا}.
إشارة إلى غاية جبنهم ونهاية روعهم، واعلم أن البخل شبيه الجبن، فلما ذكر البخل بين سببه وهو الجبن والذي يدل عليه هو أن الجبان يبخل بماله ولا ينفقه في سبيل الله لأنه لا يتوقع الظفر فلا يرجو الغنيمة فيقول هذا إنفاق لا بدل له فيتوقف فيه، وأما الشجاع فيتيقن الظفر والاغتنام فيهون عليه إخراج المال في القتال طمعًا فيما هو أضعاف ذلك، وأما بالنفس والبدن فكذلك فإن الجبان يخاف قرنه ويتصور الفشل فيجبن ويترك الإقدام، وأما الشجاع فيحكم بالغلبة والنصر فيقدم، وقوله تعالى: {فَإذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُم} أي غلبوكم بالألسنة وآذوكم بكلامهم يقولون نحن الذين قاتلنا وبنا انتصرتم وكسرتم العدو وقهرتم ويطالبونكم بالقسم الأوفر من الغنيمة وكانوا من قبل راضين من الغنيمة بالإياب، وقوله: {أَشحَّةً عَلَى الخير} قيل الخير المال ويمكن أن يقال معناه أنهم قليلو الخير في الحالتين كثيرو الشر في الوقتين في الأول يبخلون، وفي الآخر كذلك.
ثم قال تعالى: {أوْلَئكَ لَمْ يُؤْمنُوا فَأَحْبَطَ الله أعمالهم وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسيرًا} يعني لم يؤمنوا حقيقة وإن أظهروا الإيمان لفظًا فأحبط الله أعمالهم التي كانوا يأتون بها مع المسلمين وقوله: {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسيرًا} إشارة إلى ما يكون في نظر الناظر كما في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} [الروم: 27] وذلك لأن الإحباط إعدام وإهدار، وإعدام الأجسام إذا نظر الناظر يقول الجسم بتفريق أجزائه، فإن من أحرق شيئًا يبقى منه رماد، وذلك لأن الرماد إن فرقته الريح يبقى منه ذرات، وهذا مذهب بعض الناس والحق هو أن الله يعدم الأجسام ويعيد ما يشاء منها، وأما العمل فهو في العين معدوم وإن كان يبقى يبقى بحكمه وآثاره، فإذا لم يكن له فائدة واعتبار فهو معدوم حقيقة وحكمًا فالعمل إذا لم يعتبر فهو معدوم في الحقيقة بخلاف الجسم.
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} أي من غاية الجبن عند ذهابهم كانوا يخافونهم وعند مجيئهم كانوا يودون لو كانوا في البوادي ولا يكونون بين المقاتلين مع أنهم عند حضورهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ مَّا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوّقينَ منكُمْ} يعني المثبطين من المنافقين، قيل إنهم عبد الله بن أُبي وأصحابه.
{وَالْقَائلينَ لإخْوَانهمْ هَلُمَّ إليْنَا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم المنافقون قالوا للمسلمين ما محمد إلا أكلة رأس وهو هالك ومن معه فهلم إلينا.
الثاني: أنهم اليهود من بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين هلم إلينا أي تعالوا إلينا وفارقوا محمدًا فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحدًا.
الثالث: ما حكاه ابن زيد أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من عند يوم الأحزاب فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال: أنت هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف، فقال له أخوه كان من أبيه وأمه. هلّم إليّ قد تُبع بك وبصاحبك أي قد أحيط بك وبصاحبك، فقال له: كذبت والله لأخبرنه بأمرك وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجده قد نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوّقينَ منكُمْ وَالْقَائلينَ لإخْوَانهمْ هَلُمَّ إلَيْنَا}.
{وَلاَ يَأْتُونَ البََأْسَ إلاَّ قَليلًا} فيه وجهان:
أحدهما: لا يحضرون القتال إلا كارهين وإن حضروه كانت أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين قاله قتادة.
الثاني: لا يشهدون القتال إلا رياء وسمعة، قاله السدي، وقد حكي عن الحسن في قوله تعالى: {وَلاَ يَذْكُرُونَ إلاَّ قَليلًا} إنما قل لأنه كان لغير الله عز وجل.
قوله تعالى: {أَشحَّةً عَلَيكُمْ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.
الثاني: بالقتال معكم، قاله ابن كامل.
الثالث: بالغنائم إذا أصابوها، قاله السدي.
الرابع: أشحة بالنفقة في سبيل الله، قاله قتادة.
{فَإذَا جَاءَ الْخَوفُ} فيه قولان:
أحدهما: إذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل، قاله السدي.
الثاني: الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب، قاله ابن شجرة.
{رَأيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ إليَكَ} خوفًا من القتال على القول الأول، ومن النبي صلى الله عليه وسلم على القول الثاني.
{تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذي يُغْشَى عَلَيه منَ الْمَوت} يحتمل وجهين:
أحدهما: تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة.
الثاني: تدور أعينهم لشدة خوفهم حذرًا أن يأتيهم القتل من كل جهة.
{فَإذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بأَلْسنَةٍ حدَادٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أي رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد أي شديدة ذربة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ السَّالقَةَ وَالخَارقَةُ وَالحَالقَةَ» يعني بالسالقة التي ترفع صوتها بالنياحة والخارقة التي تخرق ثوبها في المصيبة وبالحالقة التي تحلق شعرها.
الثاني: معناه آذوكم بالكلام الشديد. والسلق الأذى، قاله ابن قتيبة. قال الشاعر:
ولقد سلقن هوازنا ** بنواهلٍ حتى انحنينا

وقال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره وفي سلقهم بألسنةٍ حداد وجهان:
أحدهما: نزاعًا في الغنيمة، قاله قتادة.
الثاني: جدالًا عن أنفسهم، قاله الحسن.
{أَشحَّةً عَلَى الْخَيْر} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على قسمة الغنيمة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: على المال ينفقونه في سبيل الله، قاله السدي.
الثالث: على النبي صلى الله عليه وسلم بظفره.
{أَوْلَئكَ لَمْ يُؤْمنُوا} يعني بقلوبهم.
{فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها.
{وَكَانَ ذَلكَ عَلَى اللَّه يَسيرًا} فيه وجهان:
أحدهما: وكان نفاقهم على الله هينًا.
الثاني: وكان إحباط عملهم على الله هينًا.
قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَاب لَمْ يَذْهَبُوا} يعني أن المنافقين يحسبون أبا سفيان وأحزابه من المشركين حين تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلوبين لم يذهبوا عنه وأنهم قريب منهم ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنهم كانواعلى ذلك لبقاء خوفهم وشدة جزعهم.
الثاني: تصنعًا للرياء واستدامة التخوف.
{وَإنَ يَأْت الأَحْزَابُ} يعني أبا سفيان وأصحابه من المشركين.
{يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأَعرْاب} أي يود المنافقون لو أنهم في البادية مع الأعراب حذرًا من القتل وتربصًا للدوائر.
{يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائكُمْ} أي عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون: أما هلك محمد وأصحابه، أما غلب أبو سفيان وأحزابه.
{وَلَوْ كَانُوا فيكُم مَا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا} فيه وجهان:
أحدهما: إلا كرهًا.
الثاني: إلا رياءً. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم وبخهم بأن الله يعلم {المعوقين} وهم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك، ويسعون على الدين، وتقول عاقني أمر كذا وعوّقني إذا بالغت وضعفت الفعل، وأما القائلون فاختلف الناس في حالهم، فقال ابن زيد وغيره أراد من كان من المنافقين، يقول لإخوانه في النسب وقرابته {هلم إلينا} أي إلى المنازل والأكل والشرب وترك القتال، وروي أن جماعة منهم فعلت ذلك، وروي أن رجلًا من المؤمنين رجع إلى داره فوجد أخًا له منافقًا بين يديه رغيف وشواء وتين، فقال له: تجلس هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال، فقال له أخوه: هلم إلى ما أنا فيه يا فلان ودعنا من محمد فقد والله هلك وما له قبل بأعدائه، فشتمه أخوه وقال: والله لأعرفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الآية قد نزلت. وقالت فرقة بل أراد من كان من المنافقين يداخل كفار قريش من العرب فإنه كان منهم من داخلهم وقال لهم {هلم إلينا} أي إلى المدينة فإنكم تغلبون محمدًا وتستأصلونه، فالإخوان على هذا هم في الكفر والمذهب السوء، و{هلم} معناه: الدعاء إلى الشيء، ومن العرب من يستعملها على حد واحد للمذكر المؤنث والمفرد والجميع، وهذا على أنها اسم فعل، هذه لغة أهل الحجاز، ومنه من يجريها مجرى الأفعال فيلحقها الضمائر المختلفة فيقول هلم وهلمي وهلموا، وأصل {هلم} هالمم نقلت حركة الميم إلى اللام فاستغني عن الألف وأدغمت الميم في الميم لسكونها فجاء {هلم} وهذا مثل تعليل رد من أردد، و{البأس} القتال، و{إلا قليلًا} معناه إلا إتيانًا قليلًا، وقلته يحتمل أن يكون لقصر مدته وقلة أزمنته، ويحتمل أن يكون لخساسته وقلة غنائه وأنه رياء وتلميع لا تحقيق.
{أَشحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذي يُغْشَى عَلَيْه منَ الْمَوْت}.
{أشحة} جمع شحيح ونصبه على الحال من {القائلين} [الأحزاب: 18]، أو من فعل مضمر دل عليه {المعوقين} [الأحزاب: 18]، أو من الضمير في {يأتون} [الأحزاب: 18] أو على الذم، وقد منع بعض النحاة أن يعمل في هذه الحال {المعوقين} [الأحزاب: 18] و{القائلين} [الأحزاب: 18] لمكان التفريق بين الصلة والموصول بقوله: {ولا يأتون البأس} [الأحزاب: 18] وهو غير داخل في الصلة، وهذا الشح قيل هو بأنفسهم يشحون على المؤمنين بها، وقيل هو بإخوانهم، وقيل بأموالهم في النفقات في سبيل الله، وقيل بالغنيمة عند القسم. والصواب تعميم الشح أن يكون بكل ما فيه للمؤمنين منفعة. وقوله تعالى: {فإذا جاء الخوف} قيل معناه فإذا قوي الخوف من العدو وتوقع أن يستأصل جميع أهل المدينة لاذ هؤلاء المنافقون بك {ينظرون} نظر الهلع المختلط كنظر الذي {يغشى عليه} {فإذا ذهب} ذلك {الخوف} العظيم وتنفس المخنق سلقوا أي خاطبوا مخاطبة بليغة، يقال خطيب سلاق ومسلاق ومسلق ولسان أيضًا كذلك إذا كان فصيحًا مقتدرًا، وقرأ ابن أبي عبلة {صلقوكم} بالصاد ووصف الألسنة بالحدة لقطعها المعاني ونفوذها في الأقوال، وقالت فرقة معنى قوله تعالى: {فإذا جاء الخوف} أي إذا كان المؤمنون في قوة وظهور وخشي هؤلاء المنافقون سطوتك يا محمد بهم رأيتهم يصانعون وينظرون إليك نظر فازع منك خائف هلع، فإذا ذهب خوفك عنهم باشتغالك بعدو ونحوه كما كان مع الأحزاب {سلقوكم} حينئذ، واختلف الناس في المعنى الذي فيه يسلقون، فقال يزيد بن رومان وغيره: ذلك في أذى المؤمنين وسبهم وتنقص الشرع ونحو هذا، وقال قتادة: ذلك في طلب العطاء من الغنيمة والإلحاح في المسألة.
قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان يترتبان مع كل واحد من التأويلين المتقدمين في الخوف، وقالت فرق السلق هو في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمخاتلة، وقوله تعالى: {أشحة} حال من الضمير في {سلقوكم} وقوله: {على الخير} يدل على عموم الشح في قوله أولًا {أشحة عليكم} وقيل في هذا معناه {أشحة} على مال الغنائم، وهذا مذهب من قال إن {الخير} في كتاب الله تعالى حيث وقع فهو بمعنى المال، وقرأ ابن أبي عبلة {أشحةٌ} بالرفع، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم {لم يؤمنوا} ولا كمل تصديقهم، وجمهور المفسرين على أن هذ الإشارة إلى منافقين لم يكن لهم قط إيمان، ويكون قوله: {فأحبط الله} أي أنها لم تقبل قط، فكانت كالمحبطة، وحكى الطبري عن ابن زيد عن أبيه قال نزلت في رجل بدري نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني {فأحبط الله} عمله في بدر وغيرها.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا فيه ضعف، والإشارة ب {ذلك} في قوله: {وكان ذلك على الله يسيرًا} يحتمل أن تكون إلى إحباط عمل هؤلاء المنافقين، ويحتمل أن تكون إلى جملة حالهم التي وصف من شحهم ونظرهم وغير ذلك من أعمالهم، أي أن أمرهم يسير لا يبالي به ولا له أثر في دفع خير ولا جلب شر.
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا}.
الضمير في {يحسبون} للمنافقين، والمعنى أنهم من الجزع والفزع بحيث رحل {الأحزاب} وهزمهم الله تعالى وهؤلاء يظنون أنها من الخدع وأنهم {لم يذهبوا} بل يريدون الكرة إلى غلب المدينة، ثم أخبر تعالى عن معتقد هؤلاء المنافقين أن ودهم لو أتى الأحزاب وحاصروا المدينة أن يكونوا هم قد خرجوا إلى البادية في جملة {الأعراب} وهم أهل العمود والرحيل من قطر إلى قطر، ومن كان من العرب مقيمًا بأرض مستوطنًا فلا يمسون أعرابًا وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف {لو أنهم بُدّى في الأعراب} شديدة الدال منونة وهو جمع باد كغاز وغزى، وروي عن ابن عباس {لو أنهم بدوا} وقرأ أهل مكة ونافع وابن كثير والحسن {يسألون} أي من ورد عليهم، وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش {يسلون} خفيفة بغير همز على نحو قوله: {سل بني إسرائيل} [البقرة: 211] وقرأ الجحدري وقتادة والحسن بخلاف عنه {يساءلون} أي يسأل بعضهم بعضًا. قال الجحدري {يتساءلون} ثم سلى الله تعالى عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا لما أغنوا ولما {قاتلوا إلا قتالًا قليلًا} لا نفع له، قال الثعلبي هو قليل من حيث هو رياء من غير حسبة ولو كان الله لكان كثيرًا. اهـ.