فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والضمير في قوله: {وما تلبثوا بها إلا يسيرًا} يرجع إلى الفتنة أي لم يلبثوا بإتيان الفتنة أو بإعطائها إلا زمانًا يسيرًا ريثما يكون السؤال والجواب أو لم يقيموها إلا قليلًا ثم تزول وتكون العاقبة للمتقين. ويحتمل عود الضمير إلى المدينة أي وما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا قليلًا فإن الله يهلكهم. قوله: {ولقد كانوا} الآية. عن ابن عباس: عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم. وقيل: هم قوم غابوا عن بدر فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالًا لنقاتلن. وعن محمد بن اسحق: عاهدوا يوم أحد أن لا يفروا بعد أن نزل فيهم ما نزل. ثم ذكر أن عهد الله مسؤول عنه وأن ما قضى الله وقدر من الموت حتف الأنف أو من القتل فهو كائن والفرار منه غير نافع، ولئن فرض أن الفرار منه فتمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتع في مراتع الدنيا إلا زمانًا قليلًا. عن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال: ذلك القليل نطلب. ثم أكد التقرير المذكور بقوله: {قل من ذا الذي يعصمكم} الاية. قال جار الله: لا عصمة إلا من السوء فتقدير الكلام: من يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءًا أو من يصيبكم بسوء إن اراد بكم رحمة فاختصر الكلام كقوله متقلجًا سيفًا ورمحًا. اي ومعتقلًا رمحًا. أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع. والمعوقون الذين يمنعون الناس من نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون واليهود {هلم إلينا} معناه قربوا أنفسكم إلينا وقد مر في الأنعام في قوله: {قل هلم شهداءكم} [الآية: 150] وقوله: {ولا يأتون} معطوف على {القائلين} لأنه في معنى الذين يقولون. وقوله: {إلا قليلًا} أي إلا إتيانًا قليلًا كقوله: {ما قاتلوا إلا قليلًا} لقلة الرغبة. وعوز الجد والأشحة جمع شحيح قيل: معناه أضناء بكم أي يظهرون الإشفاق على المسلمين قبل شدة القتال، فإذا جاء البأس ارتعدت فرائصهم وتدور أعينهم كدوران عين من يغشى عليه من سكرات الموت. وقيل: أراد أنهم يبخلون بأموالهم وأنفسهم فلا يبذلونهما في سبيل الله {فإذا ذهب الخوف} وجمعت الغنائم {سلقوكم} أي بسطوا إليكم ألسنتهم قائلين وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبنا نصرتم وبمكاننا غلبتم عدوكم، فهم عند البأس أجبن قوم وأخذلهم للحق، وأما عند حيازة الغنيمة فأشحهم وأوقعهم والحداد جمع حديد، وكرر اشحة لأن الأول مطلق والثاني مقيد بالخير وهو المال والثواب أو الدين أو الكلام الجميل. {أولئك} المنافقون {لم يؤمنوا} حقيقة وإن آمنوا في الظاهر {فأحبط الله أعمالهم} التي لها صورة الصلاح بأن أعلم المسلمين أحوال باطنهم {وكان ذلك} الذي ذكر من أعمال أهل النفاق {يسيرًا} على الله لا وزن لها عنده أو وكان ذلك الإحباط عليه سهلًا.
قال في الكشاف: لأن أعمالهم حقيقة بالإحباط تدعو إليه الدواعي ولا يصرف عنه صارف. ويمكن أن يقال: إعدام الجواهر هين على الله فإعدام الإعراض ولاسيما بمعنى عدم اعتبار نتائجها أولى بأن يكون هينًا. ثم قرر طرفًا آخر من جبنهم وهو أنهم {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} وقد ذهبوا فانصرف المنافقون إلى المدينة منهزمين بناء على هذا الحسبان. ومن جملة جبنهم وضعف احتمالهم أنه {أن يأت الأحزاب} كرة ثانية تمنوا {أنهم بادون} أي خارجون إلى اليد وحاصلون فيما بين الأعراب حذرًا من عيان القتال فيكون حالهم إذ ذاك أنهم {يسألون عن أنبائكم} قانعين من العيان بالأثر ومن الحضور بالخبر {ولو كانوا فيكم} ولم ينصرفوا إلى المدينة وكان قتال لم يقاتلوا {إلا قليلًا} إبداء للعذر على سبيل الرياء والضرورة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإذْ قَالَتْ طَائفَةٌ منْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْربَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجعُوا}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإذ قالت طائفة منهم} قال: من المنافقين.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن المبارك عن هارون بن موسى قال: أمرت رجلًا فسأل الحسن رضي الله عنه {لا مُقام لكم} أو {لا مَقام لكم} قال: كلتاهما عربية قال ابن المبارك رضي الله عنه: المقام: المنزل حيث هو قائم. والمقام: الاقامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لا مقام لكم} قال: لا مقاتل لكم ههنا، ففروا ودعوا هذا الرجل.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {لا مقام لكم فارجعوا} فروا ودعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مالك وأحمد وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون: يثرب. وهي المدينة. تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديدة».
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة. هي طابة. هي طابة».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدعونها يثرب، فإنها طيبة يعني المدينة، ومن قال: يثرب، فليستغفر الله ثلاث مرات. هي طيبة. هي طيبة. هي طيبة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} قال: إلى المدينة عن قتال أبي سفيان {ويستأذن فريق منهم النبي} قال: جاءه رجلان من الأنصار ومن بني حارثة، أحدهما يدعى أبا عرابة بن أوس، والآخر يدعى أوس بن قيظي، فقالا: يا رسول الله {إن بيوتنا عورة} يعنون أنها ذليلة الحيطان، وهي في أقصى المدينة، ونحن نخاف السرق فائذن لنا فقال الله: {ما هي بعورة إن يريدون إلا فرارًا}.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {ويستأذن فريق منهم النبي} قال: هم بنو حارثة قالوا: بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إن الذين قالوا بيوتنا عورة يوم الخندق: بنو حارثة بن الحارث.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن بيوتنا عورة} نخاف عليها السرق.
{وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ منْ أَقْطَارهَا ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا إلَّا يَسيرًا (14)}.
أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها} قال: لأعطوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على المدينة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ولو دخلت عليهم من أقطارها} قال: من نواحيها {ثم سئلوا الفتنة لآتوها} قال: لو دعوا إلى الشرك لأجابوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولو دخلت عليهم من أقطارها} قال: من أطرافها {ثم سئلوا الفتنة} يعني الشرك.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولو دخلت عليهم من أقطارها} أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة {ثم سئلوا الفتنة} قال: الشرك {لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرًا} يقول: لأعطوه طيبة به أنفسهم {وما تلبثوا بها إلا يسيرًا} {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} قال: كان ناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله سبحانه أهل بدر من الفضيلة والكرامة قالوا: لئن أشهدنا الله قتالًا لنقاتلن، فساق الله إليهم ذلك حتى كان في ناحية المدينة. فصنعوا ما قص الله عليكم. وفي قوله: {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم} قال: لن تزدادوا على آجالكم التي أجلكم الله، وذلك قليل وإنما الدنيا كلها قليل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الربيع بن خثيم رضي الله عنه في قوله: {وإذًا لا تمتعون إلا قليلًا} قال: ما بينهم وبين الأجل.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {قد يعلم الله المعوقين منكم} قال: المنافقين يعوقون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {قد يعلم الله المعوقين منكم} قال: هذا يوم الأحزاب، انصرف رجل من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال له: أنت هاهنا في الشواء والرغيف والنبيذ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف. قال: هلم الي لقد بلغ بك وبصاحبك- والذي يحلف به- لا يستقي لها محمد أبدًا قال: كذبت- والذي يحلف به- وكان أخاه من أبيه وأمه، والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم بأمرك، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره، فوجده قد نزل جبريل عليه السلام بخبره، {قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلًا}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قد يعلم الله المعوقين منكم} قال: هؤلاء أناس من المنافقين كانوا يقولون: لاخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك {والقائلين لإخوانهم} أي من المؤمنين {هلم إلينا} أي دعوا محمدًا وأصحابه فإنه هالك ومقتول {ولا يأتون البأس إلا قليلًا} قال: لا يحضرون القتال إلا كارهين. وان حضروه كانت أيديهم من المسلمين، وقلوبهم من المشركين.
{أَشحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذي يُغْشَى عَلَيْه منَ الْمَوْت}.
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أشحة عليكم} بالخير المنافقون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {أشحة عليكم} قال: في الغنائم، إذا أصابها المسملون شاحوهم عليها قالوا بألسنتهم: لستم باحق بها منا قد شهدنا وقاتلنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك} قال: إذا حضروا القتال والعدو {رأيتهم ينظرون إليك} أجبن قوم، وأخذله للحق {تدور أعينهم} قال: من الخوف.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {تدور أعينهم} قال: فرقا من الموت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {سلقوكم} قال: استقبلوكم.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {سلقوكم بألسنة حداد} قال: الطعن باللسان قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الأعشى وهو يقول:
فيهم الخصب والسماحة والنج ** دة فيهم والخاطب المسلاق

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد} قال: أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة. أعطونا. أعطونا. إنا قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {أشحة على الخير} قال: على المال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وكان ذلك على الله يسيرًا} يعني هينًا. والله أعلم.
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإنْ يَأْت الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الْأَعْرَاب يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائكُمْ وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ مَا قَاتَلُوا إلَّا قَليلًا (20)}.
أخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} قال: يحسبونهم قريبًا لم يبعدوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} قال: كانوا يتحدثون بمجيء أبي سفيان وأصحابه، وإنما سموا الأحزاب لأنهم حزبوا من قبائل الأعراب على النبي صلى الله عليه وسلم {وإن يأت الأحزاب} قال: أبو سفيان وأصحابه {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} يقول: يود المنافقون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإن يأت الأحزاب} قال: أبو سفيان وأصحابه {يودوا لو أنهم بادون} يقول: يود المنافقون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} قال: هم المنافقون بناحية المدينة، كانوا يتحدثون بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: أما هلكوا بعد، ولم يعلموا بذهاب الأحزاب، قد سرهم أن جاءهم الأحزاب أنهم بادون في الاعراب مخافة القتال.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يسألون عن أنبائكم} قال: عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما فعلوا.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف والخطيب في تالي التلخيص عن أسد بن يزيد أن في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه {يسألون عن أنبائكم} السؤال بغير ألف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوّقينَ منْكُمْ وَالْقَائلينَ لإخْوَانهمْ هَلُمَّ إلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلَّا قَليلًا (18)}.
هم الذين كانوا يمتنعون بأنفسهم عن نصرة النبي عليه السلام، ويمنعون غيرهم ليكون جمعُهم أكثرَ وكيدُهم أخفى، وهم لا يعلمون أنّ الله يُطْلعُ رسولَه عليه السلام عليهم ثم ذَكَرَ وَصْفَهم.
{أَشحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ}.
قوله جلّ ذكره: {أَشحَّةً عَلَيْكُمُ فَإذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ تّدُورُ أَعْيُنُهُمْ كالَّذى يُغْشَى عَلَيْه منَ المَوت فَإذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُم بأَلْسنَةٍ حدَادٍ}.
إذا جاء الخوفُ طاشت من الرعب عقولهم، وطاحت بصائرهم، وتعطلت عن النصرة جميعُ أعضائهم، وإذا ذهبَ الخوْفُ زَيَّنوا كلامَهم، وقدّموا خداعهم، واحتالوا في أحقاد خستهم. أولئك هذه صفاتهم؛ لم يباشر الإيمانُ قلوبهم، ولا صدقوا فيما أظهروا من ادعائهم واستسلامهم.
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا}.
يحسبون الأحزابَ لم يذهبوا، ويخافون من عَوْدهم، ويفزعون من ظلّ أنفسهم إذا وقعوا على آثارهم، ولو اتفق هجومُ الأعداءُ عليكم ما كانوا إلا في حرز سيوفهم ودرية رماحهم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {اتق الله} من التكوين وكان عليه السلام متقيًا من الأزل إلى الأبد، وكذا الكلام فيما يتلوه من النواهي والأوامر {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} لأن القلب صدف درة المحبة ومحبة الله لا تجتمع مع محبة الدنيا والهوى وغيرهما، فالقلب واحد كما أن المحبة واحدة والمحبوب واحد {وما جعل أزواجكم أمهاتكم} و{وأدعياءكم أبناءكم} فيه أن الحقائق لا تنقلب لا عقلًا ولا طبعًا ولا شرعًا {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} من معرفة الأنساب فإن النسب الحقيقي ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه النسب الباقي كما قال: «كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي» فحسبه الفقر ونسبه النبوة {ولكن ما تعمدت قلوبكم} بقطع الرحم عن النبوة بترك سنته وسيرته {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} لأنهم لا يقتدرون على توليد أنسهم في النشأة الثانية كما لم يقدروا على توليد أنفسهم في النشأة الأولى، وكان أبوهم أحق بهم من أنفسهم في توليدهم من صلبه وأزواجه وهن قلوبهم أمهاتهم لأنه يتصرف في قلوبهم تصرف الذكور في الإناث بشرط كمال التسليم ليقع من صلب النبوة نطفة الولاية في ارحام القلوب، وإذا حملوا النطفة صانوها عن الآفات لئلا تسقط بأدنى رائحة من روائح حب الدنيا وشهواتها فيرتدوا على أعقابهم. وبعد النبي صلى الله عليه وسلم سائر أقارب الدين بعضهم أولى ببعض لأجل التربية ومن المؤمنين بالنشأة الأخرى والمهاجرين عن أوطان البشرية إلا إذا تزكت النفس بالأخلاق الحميدة وصارت من الأولياء بعد أن كانت من الأعداء فيعمل معها معروفًا برفق من الإزهاق {وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم} في الأزل {ومنك} يا محمد أولًا بالحبيبية {ومن نوح} بالدعوة ومن إبراهيم بالخلة ومن موسى بالمكالمة ومن عيسى بن مريم بالعبدية، وغلطنا الميثاق بالتأييد والتوثيق {ليسأل الصادقين} سؤال تشريف لا سؤال تعنيف.
والصدق أن لا يكون في أحوالك شوب ولا في أعمالك عيب، ولا في اعتقادك ريب، ومن أمارته وجود الإخلاص من غير ملاحظة المخلوق وتصفية الأحوال من غير مداخلة إعجاب، وسلامة القول من المعاريض، والتباعد عن التلبيس فيما بين الناس، وإدامة التبري من الحول والقوة، بل الخروج من الوجود الحقيقي {إذ جاءتكم جنود} الشياطين وصفات النفس الدنيا وزينتها {من فوقكم} وهي الآفات السماوية {ومن أسفل منكم} وهي المتولدات البشرية. أو {من فوقكم} وهي الدواعي النفسانية في الدماغ، {ومن أسفل منكم} هي الدواعي الشهوانية {فأرسلنا عليهم ريحًا} من نكبات قهرنا {وجنودًا لم تروها} من حفظنا وعصمتنا {وعاهدوا الله من قبل} الشروع في الطلب أنهم لا يولون أدبارهم عند الجهاد مع الشيطان والنفس لإخوانهم وهم الحواس والجوارح كونوا أتباعًا لنا والله أعلم. اهـ.