فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعُبر عن الأحزاب بالذين كفروا للإيماء إلى أن كفرهم هو سبب خيبتهم العجيبة الشأن.
والباء في {بغيظهم} للملابسة، وهو ظرف مستقرّ في موضع الحال، أي: ردهم مُغيظين.
وإظهار اسم الجلالة دون ضمير المتكلم للتنبيه على عظم شأن هذا الرد العجيب كما تقدم في قوله تعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24].
والغيظ: الحَنق والغضب، وكان غضبهم عظيمًا يناسب حال خيبتهم لأنهم تجشموا كلفة التجمّع والإنفاق وطول المكث حول المدينة بلا طائل وخابت آمالهم في فتح المدينة وأكل ثمارها وإفناء المسلمين، وهم يحسبون أنها منازلة أيام قليلة، ثم غاظهم ما لحقهم من النكبة بالريح والانهزام الذي لم يعرفوا سببه.
وجملة {لم ينالوا خيرًا} حال ثانية.
ولك أن تجعل جملة {لم ينالوا خيرًا} استئنافًا بيانيًا لبيان موجب غيظهم.
و{كفى} بمعنى أغنى، أي: أراحهم من كلفة القتال بأن صرف الأحزاب.
و{كفى} بهذا المعنى تتعدى إلى مفعولين يقال: كفيتُك مُهمك وليست هي التي تزاد الباء في مفعولها فتلك بمعنى: حسب.
وفي قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال} حذف مضاف، أي كلفة القتال، أو أرزاء القتال، فإن المؤمنين كانوا يومئذ بحاجة إلى توفير عددهم وعُددهم بعد مصيبة يوم أُحُد ولو التقوا مع جيش المشركين لكانت أرزاؤهم كثيرة ولو انتصروا على المشركين.
والقول في إظهار اسم الجلالة في قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال} كالقول في {وردّ اللَّه الذين كفروا بغيظهم}.
وجملة {وكان الله قويًا عزيزًا} تذييل لجملة {وردّ الله الذين كفروا} إلى آخرها.
والقوة: القدرة، وقد تقدمت في قوله: {لو أنّ لي بكم قوة} في سورة [هود: 80].
والعزة: العظمة والمنعة، وتقدمت في قوله تعالى: {أخذته العزّة بالإثم} في سورة [البقرة: 206].
وذكر فعل {كان} للدلالة على أن العزة والقوة وصفان ثابتان لله تعالى، ومن تعلُّقات قوته وعزته أن صرف ذلك الجيش العظيم خائبين مفتضحين وألقى بينه وبين أحلافه من قريظة الشك، وأرسل عليهم الريح والقرّ، وهدَى نُعيمًا بن مسعود الغطفاني إلى الإسلام دون أن يشعر قومه فاستطاع النصح للمسلمين بالكَيد للمشركين.
ذلك كله معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
{وَأَنْزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُمْ منْ أَهْل الْكتَاب منْ صَيَاصيهمْ وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرُّعْبَ}.
كان يهود قريظة قد أعانوا الأحزاب وحاصروا المدينة معهم وكان حُيَيّ بنُ أخطب من بني النضير منضمًا إليهم وهو الذي حرّض أبا سفيان على غزو المدينة.
فلما صرف الله الأحزاب أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يغزو قريظة وهم فريق من اليهود يعرفون ببني قريظة وكانت منازلهم وحُصونهم بالجَنوب الشرقي من المدينة تعرف قريتهم باسمهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاد إلى المدينة من الخندق ظُهرًا وكان بصدد أن يغتسل ويَستقر فلما جاءه الوحي بأن يغزو قريظة نادى في الناس أنْ لا يصليَنَّ أحدُكم العصر إلا في بني قريظة.
وخرج الجيش الذي كان بالخندق معه فنزلوا على قرية قريظة واستعصم أهل القرية بحصونهم فحاصرهم المسلمون نحوًا من عشرين ليلة، فلما جهدهم الحصار وخامرهم الرعب من أن يفتح المسلمون بلادهم فيستأصلوهم طمعوا أن يطلبوا أن يسلموا بلادهم على أن يحكّم حكَم في صفة ذلك التسليم.
ويقال لهذا النوع من المصالحة: النزول على حُكم حَكَم، فأرسلوا شَاس بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضون أن ينزلوا على مثل ما نزلت عليه بنو النضير من الجَلاء على أن لهم ما حَملَتْ الإبلُ إلا الحَلَقة، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول ذلك وبعد مداولات نزلوا على حكم سَعْد بن معاذ، فحكم سعد أن تقتل المقَاتلة وتُسبَى النساء والذَّراري وأن تكون ديارهم للمهاجرين دون الأنصار فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكم به سعد كما هو مفصل في السيرة.
ومعنى {ظاهروهم} ناصروهم وأعانوهم، وتقدم في قوله تعالى: {ولم يظاهروا عليكم أحدًا} في سورة براءة (4).
والإنزال: الإهباط، أي: من الحصون أو من المعتصمات كالجبال.
والصياصي: الحصون، وأصلها أنها جمع صيصَيَة وهي القَرْن للثَّوْر ونحوه.
قال عبد بني الحسحاس:
فأصبحت الثيرانُ غرقَى وأصبحت ** نساءُ تميم يلتقطن الصَّيَاصيا

أي: القرون لبيعها.
كانوا يستعملون القرون في مناسج الصوف ويتخذون أيضًا منها أوعية للكحل ونحوه، فلما كان القرن يدافع به الثوْر عن نفسه سمي المَعقل الذي يعتصم به الجيش صيصية والحصونُ صياصيَ.
والقذف: الإلقاء السريع، أي: جعل الله في قلوبهم الرعب بأمره التكويني فاستسلموا ونزلوا على حكم المسلمين.
والفريق الذين قُتلوا هم الرجال وكانوا زهاء سبعمائة والفريق الذين أُسروا هم النساء والصبيان.
والخطاب من قوله: {فريقًا تقتلون} إلى آخره. للمؤمنين تكملة للنعمة التي أنبأ عنها قوله: {يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذْ جاءَتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا} [الأحزاب: 9] الآية، أي: فأهلكنا الجنود وردهم الله بغيظهن وسلطكم على أحلافهم وأنصارهم.
وتقديم المفعول في {فريقًا تقتلون} للاهتمام بذكره لأن ذلك الفريق هم رجال القبيلة الذين بقتلهم يتم الاستيلاء على الأرض والأموال والأسرى، ولذلك لم يقدم مفعول {تأسرون} إذ لا داعي إلى تقديمه فهو على أصله.
وقوله: {وأرضًا لم تطؤوها} أي: تنزلوا بها غزاةً وهي أرض أُخرى غير أرض قريظة وصفت بجملة {لم تَطَؤُوها} أي: لم تمشوا فيها.
فقيل: إن الله بشرهم بأرض أخرى يرثونها من بعد.
قال قتادة: كنا نحدث أنها مكة.
وقال مقاتل وابن رومان: هي خيبر، وقيل: أرض فارس والروم.
وعلى هذه التفاسير يتعين أن يكون فعل {أورثكم} مستعملًا في حقيقته ومجازه؛ فأما في حقيقته فبالنسبة إلى مفعوله وهو {أرضهم وديارهم وأموالهم} وأما استعماله في مجازه فبالنسبة إلى تعديته إلى {أرضًا لم تطؤوها} أي: أن يورثكم أرضًا أخرى لم تطؤوها، من باب: {أتى أمر الله} [النحل: 1] أو يُؤوَّل فعل {أورثكم} بمعنى: قَدَّر أن يُوَرّثكم.
وأظهر هذه الأقوال أنها أرض خيبر فإن المسلمين فتحوها بعد غزوة قريظة بعام وشهر.
ولعلّ المخاطبين بضمير {أورثكم} هم الذين فتحوا خيبر لم ينقص منهم أحد أو فقد منه القليل ولأن خيبر من أرض أهل الكتاب وهم ممن ظاهروا المشركين فيكون قصدُها من قوله: {وأرضًا} مناسبًا تمام المناسبة.
وفي التذييل بقوله: {وكان الله على كل شيء قديرًا} إيماء إلى البشارة بفتح عظيم يأتي من بعده.
وعندي: أن المراد بالأرض التي لم يَطؤوها أرض بني النضير وأن معنى {لم تطؤوها} لم تفتحوها عنوة، فإن الوطء يطلق على معنى الأخذ الشديد، قال الحارث بن وَعْلَة الذهلي:
وطَأَتَنا وَطْئًا على حَنَق ** وَطْءَ المقيَّد نابت الهَرْم

ومنه قوله تعالى: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم} [الفتح: 25]، فإن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بغَيْظهمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}.
الغيظ: احتدام حقد القلب على مقابل منافس، والمعنى: أن الله تعالى ردَّ الكافرين والغيظ يملأ قلوبهم؛ لأنهم جاءوا وانصرفوا دون أنْ ينالوا من المسلمين شيئًا {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25] ليس الخير المطلق، إنما لم ينالوا الخير في نظرهم، وما يبتغونه من النصر على المسلمين، فهو خير لهم وإنْ كان شرًا يُرادَ بالإسلام.
وقد رد الله الكافرين إلى غير رَجْعة، ولن يفكروا بعدها في الهجوم على الإسلام؛ لذلك قال سيدنا رسول الله بعد انصرافهم خائبين: «لا يغزونا أبدًا، بل نغزوهم نحن» وفعلًا كان بعدها فتح مكة.
وقوله تعالى: {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25] أي: أن ردَّ الكافرين لم يكُنْ بسبب قوتكم وقتالكم، إنما تولَّى الله ردَّهم وكفاكم القتال، صحيح كانت هناك مناوشات لم تصل إلى حجم المعركة، ولو حدثت معركة بالفعل لكانت في غير صالح المؤمنين؛ لأنهم كانوا ثلاثة آلاف، في حين كان المشركون عشرة آلاف.
إذن: كانت رحمة الله بالمؤمنين هي السبب الأساسي في النصر؛ لذلك ذُيلت الآية بقوله تعالى: {وَكَانَ الله قَويًّا عَزيزًا} [الأحزاب: 25] قويًا ينصركم دون قتال منكم، وعزيزًا: أي يغلب ولا يُغلب.
هذا ما كان من أمر قريش وحلفائها، أما بنو قريظة فيقول الله فيهم: {وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم}.
معنى {ظَاهَرُوهُم} [الأحزاب: 26] أي: عاونوهم {من صَيَاصيهمْ} [الأحزاب: 26] أي: من حصونهم وقلاعهم {وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرعب} [الأحزاب: 26] أي: الخوف وهو جندي من جنود الله، وهذا الرعب الذي ألقاه الله في قلوب الكافرين هو الذي فرَّقهم، ولم يجعل لكثرة العدد لديهم قيمة، وما فائدة أعداد كثيرة خائفة مذعورة {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهمْ} [المنافقون: 4].
ألم يُحدّثنا صحابة رسول الله أنهم كانوا يستعملون السواك، فظن الكفار أنهم يسنُّون أسنانهم ليأكلوهم، هذا هو الرعب الذي نصر الله به عباده المؤمنين.
ومعنى {فَريقًا تَقْتُلُونَ} [الأحزاب: 26] أي: المقاتلين الذين يحملون السلاح {وَتَأْسرُونَ فَريقًا} [الأحزاب: 26] وهم النساء والذراري وغيرهم ممَّنْ لا يحملون السلاح.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}.
معنى {وَأَوْرَثَكُمْ} [الأحزاب: 27] أي: أعطاكم أرضَ وديار وأموال أعدائكم من بعد زوالهم وانهزامهم {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27] أي: أماكن جديدة لم تذهبوا إليها بعد، والمراد بها خيبر، وكأن الله يقول لهم: انتظروا فسوف تأخذون منهم الكثير {وَكَانَ الله على كُلّ شَيْءٍ قَديرًا} [الأحزاب: 27].
وهكذا انتهى التعبير القرآني من قصة الأحزاب.
وينبغي علينا الآن أنْ نستعرض القصة بفلسفة أحداثها، وأن نتحدث عَمَّا في هذه القصة من بطولات، ففيها بطولات متعددة، لكل بطل فيها دور.
وتبدأ القصة حين ذهب كل من حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكانا من قريظة، ذهبا إلى قريش في أماكنها، وقالوا: جئناكم لنتعاون معكم على إبطال دعوة محمد، فأتُوا أنتم من أسفل، وننزل نحن من أعلى، ونحيط محمدًا ومن معه ونقضي عليهم.
وكان في قريش بعض التعقُّل فقالوا لحيي بن أخطب وصاحبه: أنتم أهل كتاب، وأعلم بأمر الأديان فقولوا لنا: أديننا الذي نحن عليه خير أم دين محمد؟ فقال: بل أنتم أصحاب الحق.
سمعتْ قريش هذا الكلام بما لديها من أهواء، وكما يقال: آفة الرأي الهوى؛ لذلك لم يناقشوه في هذه القضية، بل نسجوا على منواله، ولم يذكروا ما كان من أهل الكتاب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يستفتحون على الكافرين برسول الله ويقولون لهم: لقد أطلَّ زمان نبي جديد نتبعه ونقتلكم به قَتْلَ عاد وإرم، لقد فات قريشًا أنْ تراجع حيي بن أخطب، وأن تسأله لماذا غيَّرتم رأيكم في محمد؟
ثم جاء القرآن بعد ذلك، وفضح هؤلاء وهؤلاء، فقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إلَى الذين أُوتُوا نَصيبًا مّنَ الكتاب يُؤْمنُونَ بالجبت والطاغوت وَيَقُولُونَ للَّذينَ كَفَرُوا هؤلاء أهدى منَ الذين آمَنُوا سَبيلًا} [النساء: 51].
فكانت هذه أول مسألة تغيب فيها العقول، ويفسد فيها الرأي، فتنتهز قريش أول فرصة حين تجد مَنْ يناصرها ضد محمد ودعوته، ومن هنا اجتمع أهل الباطل من قريش وأحلافها من بني فزارة، ومن بني مرة، ومن غطفان وبني أسد والأشجعيين وغيرهم، اجتمعوا جميعًا للقضاء على الدين الوليد.
ثم كانت أولى بطولات هذه المعركة، لرجل ليس من العرب، بل من فارس عبدة النار والعياذ بالله، وكأن الحق سبحانه يُعد لنصرة الحق حتى من جهة الباطل، إنه الصحابي الجليل سلمان الفارسي، الذي قضي حياته جَوَّالًا يبحث عن الحقيقة، إلى أنْ ساقتْه الأقدار إلى المدينة، وصادف بعثة رسول الله وآمن به.
وكان سلمان أول بطل في هذه المعركة، حين أشار على رسول الله بحفر الخندق، وقال: يا رسول الله كنا- يعني في فارس- إذا حَزَبنا أمرُ القتال خندقنا يعني: جعلنا بيننا وبين أعدائنا خندقًا، ولاقت هذه الفكرة استحسانًا من المهاجرين ومن الأنصار، فأراد كل منهم أن يأخذ سلمان في صَفّه، فلما تنازعا عليه، قال سيدنا رسول الله لهم «بل سلمان منا آل البيت» وهذا أعظم وسام يوضع على صدر سلمان رضي الله عنه.
وهذه الفكرة دليل على أن الحق سبحانه يُجنّد حتى الباطل لخدمة الحق، فنحن لم يسبق لنا أنْ رأينا خندقًا ولا أهل الفارسي الذين جاءوا بهذه الفكرة، لكن ساقها الله لنا، وجعلها جُنْدًا من جنوده على يد هذا الصحابي الجليل، لنعلم كما قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبه} [الأنفال: 24].
وقد أوضحنا هذا المعنى في قصة فرعون الذي كان يذبح الأطفال بعد النبوءة التي سمعها، ثم يأتيه طفل على غير العادة يحمله إليه الماء، وهو في صندوقه، ولا يخفي على أحد أنَّ أهله قصدوا بذلك إبعاده عن خطر فرعون، ومع ذلك حال الله يبين فرعون وبين ما في قلبه، فأخذ الولدَ وربَّاه في بيته.
وقد أحسن الشاعر الذي عبَّر عن هذا المعنى، فقال:
إذاَ لَمْ تُصَادفْ في بنَيكَ كَافرٌ ** فَقَد كَذَب الراجي وَخَاب المُؤمّلُ

فَمُوسىَ الذي ربَّاه جبْريلُ كَافرٌ ** ومُوسىَ الذي ربَّاهُ فرعَوْنُ مُرْسَلُ

البطل الثاني في هذه المعركة رجل يُدْعَى نعيم بن مسعود الأشجعي، جاء لرسول الله يقول: يا رسول الله لقد مال قلبي للإسلام، ولا أحد يعلم ذلك من قومي، فقال له رسول الله: «وما تغني أنت؟ ولكن خذّل عنا» أي: ادفع عنا القوم بأيّ طريقة، أبعدهم عنّا، أو ضلّلهم عن طريقنا، أو قُلْ لهم أننا كثير ليرهبونا. إلخ.
هذا رجل كان بالأمس كافرًا، فماذا فعل الإيمان في قلبه، وهو حديث عهد به؟ نظر نُعَيْم، فرأى قريشًا وأتباعها يأتون من أسفل، وبني قريظة وأتباعهم يأتون من أعلى، فأراد أنْ يدخل بالدسيسة بينهما، فذهب لأبي سفيان، وقال: يا أبا سفيان، أنا صديقكم، وأنتم تعلمون مفارقتي لدين محمد، ولكني سمعت هَمْسًا أن بني قريظة تداركوا أمرهم مع محمد، وقالوا: إن قريشًا وأحلافهم ليسوا مقيمين في المدينة مثلنا، فإنْ صادفوا نصرًا ينتصرون، وإنْ صادفوا هزيمة فروا إلى بلادهم، ثم يتركون بني قريظة لمحمد؛ لذلك قرروا ألاَّ يقاتلوا معكم إلاَّ أنْ تعطوهم عشرة من كبرائكم ليكونوا رهائن عندهم.