فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}.
أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها وكانت ذا حظ من جمال، وهي مشركة وأبو مرثد يومئذ مسلم. فقال: يا رسول الله إنها تعجبني. فأنزل الله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب، فقال: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5].
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخت وأحل من المشركات نساء أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {ولا تنكحوا المشركات} فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] فنكح الناس نساء أهل الكتاب.
وأخرج وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: يعني أهل الأوثان.
وأخرج آدم وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نساء أهل مكة من المشركين، ثم أحل منهم نساء أهل الكتاب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب.
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية، فقال: لا بأس به. فقلت: أليس الله يقول: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؟ قال: إنما ذاك المجوسيات وأهل الأوثان.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن شقيق قال: تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر خل سبيلها، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلى سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب، وتأوّل {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}.
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه عن نافع عن عبد الله بن عمر كان إذا سأل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم الله المشركات على المسلمين، ولا أعرف شيئًا من الإِشراك أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى أو عبد من عباد الله.
وأما قوله تعالى: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}.
أخرج الواحدي وابن عباس من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} قال نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هي يا عبد الله؟ قال: تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله. فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة. فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقها ولأتزوّجها ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله فيهم {ولأمة مؤمنة خير من مشركة}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله سواء معضلًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله: {ولأمة مؤمنة} قال: بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء، فأعتقها وتزوّجها حذيفة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد في مسنده وابن ماجة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، وانكحوهن على الدين، فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن المرأة تنكح على دينها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك».
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة على إحدى خصال: لجمالها، ومالها، ودينها، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تزوّج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلًا، ومن تزوجها لمالها لم يزده إلا فقرًا، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلاَّ دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه».
وأخرج البزار عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عودوا المريض، واتبعوا الجنازة، ولا عليكم أن تأتوا العرس، ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة من أجل حسنها فعل أن لا يأتي بخير، ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة لكثرة مالها فعل مالها أن لا يأتي بخير، ولكن ذوات الدين والأمانة».
وأما قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}.
أخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي قال: النكاح بوليّ في كتاب الله، ثم قرأ: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}.
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي موسى «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بوليّ».
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بوليّ، وفي حديث عائشة: والسلطان ولي من لا ولي له».
وأخرج الشافعي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، وإن استجرأوا فالسلطان ولي من لا ولي له».
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزوّج المرأة المرأة ولا تزوّج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوّج نفسها».
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل».
وأخرج البيهقي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجوز نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل».
وأخرج مالك والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بوليّ مرشد وشاهدي عدل.
وأما قوله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}.
أخرج البخاري وابن ماجة عن سهل بن سعد قال «مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال لا يُستمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».
وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
وأخرج الترمذي والبيهقي في سننه عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات».
وأخرج الحاكم وصححه عن معاذ الجهني «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل إيمانه». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}.
الجمهور على فتح تاء المضارعة، وقرأ الأعمش بضمِّها من: أنكح الرباعي، فالهمزة فيه للتَّعدية، وعلى هذا فأحد المفعولين محذوفٌ، وهو المفعول الأوَّل؛ لأنه فاعلٌ معنّى تقديره: ولا تنكحوا أنفسكم المشركات.
والنِّكاح في الأصل عند العرب: لزوم الشَّيء، والإكباب عليه؛ ومنه: «نَكَحَ المَطَرُ الأَرْضَ»، حكاه ثعلبٌ عن أبي زيد، وابن الأعرابي.
قال الزَّجَّاجيُّ: النّكاح في الكلام بمعنى الوطء، والعقد جميعًا، موضوع ن. ك. ح على هذا التَّرتيب في كلامهم للفرد والشَّيء راكبًا عليه هذا كلام العرب الصَّحيح.
أصله المداخلة؛ ومنه: تناكحت الشَّجر: أي: تداخلت أغصانها؛ ويطلق النِّكاح على العقد؛ كقول الأعشى: الطويل:
وَلاَ تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا ** حَرَامٌ عَلَيْكَ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا

أي: فاعْقِدْ، أو توحَّش، وتجنَّب النِّساء، ويطلق أيضًا على الوطء؛ كقوله: البسيط:
البَارِكِينَ عَلَى ظُهُورِ نِسْوَتِهِمْ ** والنَّاكِحِينَ بِشَطِّ دَجْلَةَ الْبَقَرَا

وحكى الفرَّاء نُكُح المَرْأَةِ بضمِّ النُّون على بناء القُبُل، والدُّبُر، وهو بضعها، فمعنى قولهم: نَكَحَها أي أصاب ذلك الموضع، نحو: كَبَدَهُ، أي أصاب كبده، وقلَّما يقال: ناكحها، كما يقال باضعها.
وقال أبو علي: فَرَّقَتِ العَرَبُ بين العَقْدِ والوَطْءِ بِفَرْقِ لَطِيفٍ، فإذا قالوا: نَكَحَ فُلاَنٌ فُلاَنَةٌ، أو ابنةَ فلانٍ، أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا: نَكَحَ امرأته، أو زوجته، فلا يريدون غير المجامعة، وهل إطلاقه عليهما بطريق الحقيقة فيكون من باب الاشتراك، أو بطريق الحقيقة والمجاز؟ الظَّاهر: الثاني: فإنَّ المجاز خيرٌ من الاشتراك، وإذا قيل بالحقيقة، والمجاز فأيهما حقيقة؟ ذهب قوم إلى أنَّه حقيقةٌ في العقد واحتجوا بوجوهٍ:
منها: قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ»، وقَّف النِّكاح على الوليّ، والشُّهود، والمراد به العقد، وقوله عليه الصلاة والسلام: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَولَدْ مِنْ سِفَاحٍ» فجعل النّكاح، كالمقابل للسِّفاح.
ومعلومٌ أنَّ السِّفاح مشتملٌ على الوطء، فلو كان النِّكاح اسمًا للوطء، لا متنع كون النِّكاح مقابلًا للسِّفاح، وقال تعالى: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} [النور: 32] ولا يمكن حمله إلاَّ على العقد.
وأيضًا قول الأعشى في البيت المتقدِّم لا يحتمل إلاَّ الأمر بالعقد؛ لأنه قال:
ولاَ تَقْرَبَنَّ جَارَةً

يعني مقاربتها على الطَّريق الَّذي يحرُمُ فاعقدْ وتزوَّج، وإلاَّ فتأيَّم، وتجنَّبِ النِّساء.
وقال الرَّاغب: أصْلُ النِّكَاحِ للعقدِ، ثم اسْتُعِيرَ للجِمَاعِ، ومُحَالٌ أن يَكُونَ في الأَصْلِ للجِمَاعِ، ثم استُعِير لِلْعَقْدِ، لأنَّ أَسْمَاءَ الجِمَاعِ كلَّها كِنَايَاتٌ لاستقباحِهم ذِكْرَه؛ كاستقباحهم تَعاطِيَهُ، ومُحالٌ أن يستعيرَ مَنْ لا يَقْصِدُ فُحْشًا اسمَ مَا لاَ يَسْتَفْظِعُونَهُ لِمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ؛ قال تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء} [النساء: 3].
وقال آخرون: هو حقيقةٌ في الوطء، واحتجوا بوجوه:
منها قوله تعالى: {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] نفي الحل ممتدٌّ إلى غاية النِّكاح، وليس هو العقد؛ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ»؛ فوجب أن يكون هو الوطء.
وأجيب بأن امرأة رفاعة، لم تفهم عند الإطلاق إلاَّ مجرَّد العقد؛ حتى قال لها عليه الصَّلاة والسَّلام: «لاَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ».
ومنه: قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «نَاكِحُ اليَدِ مَلْعُونٌ، وَنَاكِحُ البَهِيمَةِ مَلْعُونٌ» أثبت النِّكاح مع عدم العقدِ. والنِّكاحُ في اللُّغة عبارة عن الضمّ، والمداخلة كما تقدَّم في المطر، والأرض، وتناكح الشَّجر، ونكح النُّعاس عينه، وفي المثل: نَكَحْنَا الفَرى فَسَتَرَى والبيت المتقدم، وقوله: البسيط:
أنكحْتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلةٍ ** تَغَشْمَرَتْ بي إِلَيْكَ السَّهْلَ والجَبَلاَ

والضَّمُّ والوطء في المباشرة أتَمُّ منه في العقد.
وأجيب بأنَّ هذه قرائن صارفةٌ له عن حقيقته.
قوله: {حتى يُؤْمِنَّ} {حَتَّى} بمعنى: إلى فقط، والفعل بعدها منصوب بإضمار أَنْ، أي: إلى أن يؤمنَّ، وهو مبنيٌّ على المشهور لاتصاله بنون الإناث، والأصل: يؤمنن، فأدغمت لام الفعل في نون الإناث.
قوله: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ}.
قال أبو مسلمٍ: اللام في قوله: {وَلأَمَةٌ} تشبه لام القسم في إفادة التَّوكيد.
سوَّغ الابتداء بأَمَة شيئان: لام الابتداء والوصف.
وَأصْل أمة: أمَوٌ، فحذفت لامها على غير قياسٍ، وعوَّض منها تاء التَّأنيث كقُلَة، وثُبَة يدلُّ على أنَّ لامها واوٌ رجوعها في الجمع؛ قال الكلابيُّ: البسيط:
أمَّا الإِمَاءُ فَلاَ يَدْعُونَنِي وَلَدًا ** إِذَا تَدَاعَى بَنُو الإِمْوَانِ بالعَارِ

ولظُهُورها في المصدرِ أيضًا، قالوا: أَمَةٌ بيّنة الأُمُوَّة وأَقَرَّت له بالأُمُوَّة.
وهل وزنها فَعَلة بتحريكِ العين، أو فَعْلة بسكونها؟ قولان، أظهرهما الأَوَّلُ، وكان قياسُها على هذا أن تُقلَبَ لامُها ألفًا لتحرُّكها وانفتاحِ ما قبلَها كفتاة وقَناة، ولكن حُذِفت على غير قياس.
والثاني: قال به أبو الهيثم، فإنَّهُ زعم أنَّ جمع الأمة أَمْوٌ، وأنَّ وزنها فعلة بسكون العين، فيكون مثل نخلٍ، ونخلةٍ، فأصلها أَمْوَة، فحذفوا لامها إذْ كانت حرف لين، فلمَّا جمعوها على مثل: نخلةٍ ونَخْلٍ لزمهم أن يقولوا: أَمَة، وأَم، فكرهوا أن يجعلُوها حرفين، وكَرِهُوا أن يَرُدُّوا الواو المحذوفة لمَّا كانت آخر الاسم، فقدَّموا الواو وجعلُوه ألفًا بين الهمزة والميم، فقالوا: أام.
وما زعمه ليس بشيء إذ كان يلزمُ أن يكون الإعرابُ على الميم، كما كان على لامِ نَخْلٍ، وراء تَمْر، ولكنه على التَّاءِ المحذوفةِ مقدَّرٌ كما سيأتي بيانُهُ.
وجُمِعت على إِمْوان كما تقدَّم، وعلى إماء، والأصلُ: إمَاؤٌ، نحو رقبةٍ، ورِقاب، فقُلِبَت الواو همزةً لوقوعها طرفًا بعد ألفٍ زائدةٍ ككساء.
وفي الحديث: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ» وعلى آمٍ، قال الشَّاعر: مجزوء الكامل:
تَمْشِي بِهَا رُبْدُ النَّعَا ** مِ تَمَاشِيَ الآمِ الزَّوَافِرْ

والأَصْلُ أَأْمُوٌ بهمزتين، الأُولى مفتوحةٌ زائدةٌ، والثَّانيةُ ساكِنَةٌ هي فاءُ الكلمة نحو: أكمة، وأَأْكُم، فوقعت الواو طرفًا مضمومًا ما قبلها في اسمٍ مُعربٍ ولا نظيرَ لهُ، فقُلبت الواو ياءً والضَّمَّة كَسْرةً لتصِحَّ الياءُ، فصار الاسمُ من قبيلِ المنقوصِ نحو: غازٍ وقاضٍ، ثمَّ قُلِبَت الهمزةُ الثَّانيةُ ألِفًا، لسكونها بعد أُخرى مفتوحةٍ، فتقولُ: جاءَ آمٌ، ومررت بآمٍ، ورأيت آميًا، تقدِّرُ الضَّمَّة والكسرة وتُظْهِرُ الفتحة، ونظيرُهُ في هذا القلبِ مجموعًا: أَدْلٍ وأَجْرٍ جمعُ دَلْوٍ وجَرْوٍ وهذا التَّصريف الذي ذكرناهُ يرُدُّ على أبي الهيثم قوله المتقدّم، أعني كونه زعمَ أن آميًا جمع أَمْوَة بسكونِ العينِ، وأَنَّهُ قلب، إِذ لو كان كذلك لكانَ ينبغي أَنْ يُقالَ جاء آمٌ، ومررت بآمٍ، ورأيت آمًا، وجاء الآم ومررتُ بالآم، فتُعْربَ بالحركات الظاهرة.
والتَّفضيلُ في قوله: {خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ} إمَّا على سبيل الاعتقاد، لا على سبيل الوجود، وإمَّا لأنَّ نكاحَ المؤمنةِ يشتملُ على منافع أُخرويَّة، ونكاحَ المشركةِ الحُرَّة يشتملُ على منافِعَ دنْيَويّةٍ، هذا إذا التزَمنا بِأَنَّ أَفْعَلَ لابد أن يدُلَّ على زيادةٍ ما، وإلاَّ فلا حاجة إلى هذا التأويل، كما هو مذهبُ الفرَّاءِ وجماعةٌ.
وقوله: {مِّن مُّشْرِكَةٍ} يحتمِلُ أن يكُونَ {مُشْرِكَةٍ} صفةً لمحذوفٍ مدلولٍ عليه بمقابِلِهِ، أي: مِنْ حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ، أو مدلولٌ عليه بلفظِهِن أي: مِنْ أَمَةٍ مشركةٍ، على حسب الخلاف في قوله: {وَلأَمَةٌ} هل المُراد المَمْلُوكةُ للآدميين، أو مطلقُ النِّسَاء، لأنهنَّ مِلكٌ لله تعالى؛ كما قال عليه السلام: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاء اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ» وكذلك الخلافُ في قوله: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ}.
وقال بعضهم وَلأَمَةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ ولا حاجة إلى هذا التقدير، لأن اللَّفظ مطلق.
وأيضًا فقوله: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} يدُلُّ على صفة الحُرِّيَّة؛ لأَنَّ التَّقدير: ولو أعجبتكم بحسنها، أو مالها، أو حرّيتها، أو نسبها، فكُلُّ ذلك داخِلٌ تحت قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}.
قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}، وقوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} هذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نصب على الحالِ، وقد تقدَّم أنَّ لَوْ هذه في مثل هذا التَّركيب شرطيّةٌ بمعنى: إِنْ نحو: رُدُّوا السَّائل، ولو بظَلْفٍ مُحْرَقٍ، وأنَّ الواوَ لِلْعَطفِ على حالٍ محذوفةٍ، التَّقديرُ: خيرٌ من مشركةٍ على كُلِّ حالٍ، ولو في هذه الحال، وأنَّ هذا يكون لاستقصاءِ الأَحوالِ، وأنَّ ما بعد لَوْ هذه إِنَّمَا يأتِي وهو مُنافٍ لِمَا قبلَه بوجهٍ ما، فالإِعجابُ مُنافٍ لحُكْم الخَيْريَّة، ومُقْتَضٍ جوازِ النِّكَاحِ لرغبةِ النَّاكِح فيها.
وقال أبو البقاء: لَوْ هنا بمعنى إِنْ وكذا كُلُّ موضع وقع بعد لَوْ الفعلُ الماضِي، وكان جوابُها مُتقدِّمًا عليها، وكونها بمعنى إِنْ لا يشترط فيه تقدُّمُ جوابها؛ ألا تَرَى أنَّهم قالوا في قوله تعالى: {لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ} [النساء: 9] إنَّها بمعنى: إنْ مع أَنَّ جوابها وهو: خَافُوا مُتأخِّرٌ عنها، وَقَدْ نَصَّ هو على ذلك في آيةِ النِّسَاءِ قال في خافُوا: وهو جوابُ لَوْ ومعناها إنْ.
و{والمغفرة} الجمهور على جَرِّ {والمغفرة} عطفًا على {الجَنَّةِ} و{بِإِذْنِهِ} مُتعلِّقٌ ب {يَدْعُو} أي: بتسهيلهِ، وتيسيره، وتوفيقه، وقيل بقضائه وإرادته.
وفي غير هذه الآيةِ تقدَّمَت المَغْفِرَة على الجنة: {سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [الحديد: 21] و{وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [آل عمران: 133]، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المغفرة سببٌ في دُخُولِ الجَنَّةِ، وإنما أُخِّرَت هنا للمقابلة، فإنَّ قبلَها {يَدْعُو إِلى النَّارِ}، فقدَّم الجَنَّةَ ليقابِلَ بها النَّارَ لفظًا، ولتشوُّقِ النُّفوس إليها حين ذكر دعاءَ اللهِ إليها، فأتى بالأَشْرَفِ.
وقرأ الحسن {والمغفرة بِإِذْنِهِ} على الابتداءِ والخبرِ، أي: حاصِلةٌ بإذنِهِ.
ويبين آياته للناس لعلَّهم يتذكَّرُون، أي: أوامره، ونواهيه. اهـ. باختصار.