فصل: الإيضاح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإيضاح:

{يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَراحًا جَميلًا} أي يا أيها الرسول قل لأزواجك: اخترن لأنفسكن إحدى خلتين: أولاهما أن تكنّ ممن يحببن لذّات الدنيا ونعيمها والتمتع بزخرفها فليس لكنّ عندى مقام، إذ ليس عندى شيء منها، فأقبلن علىّ أعطكن ما أوجب اللّه على الرجال للنساء من المتعة عند فراقهم إياهن بالطلاق، تطييبا لخاطرهن وتعويضا لهن عما لحقهن من ضرر بالطلاق، وهى كسوة تختلف بحسب الغنى والفقر واليسار والإقتار كما قال تعالى: {وَمَتّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسع قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتر قَدَرُهُ مَتاعًا بالْمَعْرُوف حَقًّا عَلَى الْمُحْسنينَ} ثم أسرحكن وأطلقن على ما أذن اللّه به وأدّب به عباده بقوله: {إذا طَلَّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنَّ لعدَّتهنَّ} وكان عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ تسع نسوة: خمس من قريش: عائشة وحفصة وأمّ حبيبة وسودة وأم سلمة رضى اللّه عنهن وأربع من غير القرشيات: زينب بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحرث الهلالية، وصفيّة بنت حيىّ بن أخطب النضيرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
وحين نزلت هذه الآية عرض عليهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك وبدأ بعائشة وكانت أحبّ أهله إليه فخيّرها وقرأ عليها القرآن فاختارت اللّه ورسوله والدار الآخرة، ففرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم تابعها بقية نسائه.
ثم ذكر ثانية الخلتين فقال: {وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للْمُحْسنات منْكُنَّ أَجْرًا عَظيمًا} أي وإن كنتن تردن رضا اللّه ورضا رسوله وثواب الدار الآخرة فأطعنهما فإن اللّه أعد للمحسنات منكن في أعمالهن القولية والفعلية ثوابا عظيما تستحقر الدنيا وزينتها دونه، كفاء إحسانهن.
والخلاصة- أنتنّ بين أحد أمرين: أن تقمن مع الرسول وترضين بما قسم لكن وتطعن اللّه، وأن يمتعكن ويفارقكن إن لم ترضين بذلك.
وبعد أن خيرهن واخترن اللّه ورسوله- أتبع ذلك بعظتهن وتهديدهن إذا هن فعلن ما يسوء النبي صلى اللّه عليه وسلم وأوعدهن بمضاعفة العذاب فقال: {يا نساءَ النَّبيّ مَنْ يَأْت منْكُنَّ بفاحشَةٍ مُبَيّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضعْفَيْن وَكانَ ذلكَ عَلَى اللَّه يَسيرًا} أي من يعص منكن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ويطلب ما يشق عليه ويضق به ذرعا ويغتم لأجله- يضاعف لها العذاب يوم القيامة ضعفين، أي تعذب ضعفى عذاب غيرها، لأن قبح المعصية منهن أشد، ومن ثم كان ذم العقلاء للعالم العاصي أشد منه للجاهل العاصي، وكان ذلك سهلا يسيرا على اللّه الذي لا يحابى أحدا لأجل أحد، إذ كونهن نساء رسوله ليس بمغن عنهن شيئا، بل هو سبب لمضاعفة العذاب.
روى أن رجلا قال لزين العابدين رضى اللّه عنه: إنكم أهل بيت مغفور لكم، فغضب وقال: نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى اللّه في أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم من أن نكون كما قلت، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر، ولمسيئنا ضعفين من العذاب وقرأ هذه الآية والتي بعدها. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

{يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزينَتَها فَتَعالَيْنَ}.
المرأة والرجل في بيت النبوة:
يكثر المفسرون في إيراد أسباب النزول لهذه الآيات. ومن هذه الأسباب أن أزواج النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه، قد وجدن في المعيشة التي كن يعشنها مع النبي، ضيقا في العيشة، لاقين فيه كثيرا من الضيق، ووددن لو أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، أخرجهن من هذا العيش الخشن إلى حياة يجدن فيها بعض ما يجد غيرهن من النساء، من لين، ورقه. وتمضى الرواية، فتقول إن نساء النبي جئن إليه مجتمعات بهذا الطلب، وأنه صلى اللّه عليه وسلم وجد شيئا من الضيق بهن، فنزل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ إنْ كُنْتُنَّ} الآية.
وهذا الخبر وما يدور في مداره، هو في نظرنا غير معقول على صورته تلك، وإن كان قد ورد في كتب السنة الصحاح، مثل صحيح مسلم.
وذلك لأمور:
أولا: أن نساء النبىّ كنّ في هذا المستوي الرفيع، من شفافية الروح، وصفاء النفس، يملأ قلوبهن الإيمان باللّه. وكيف لا يكون هذا شأنهن، وهن يرين وحي السماء ينزل في بيوتهن، ورسول للّه يملأ بأنفاسه الطاهرة الطيبة حجراتهن؟ وأين إذن ما يكون للرسول الكريم من نفحات وبركات إذا لم تنل أقرب الناس إليه، وأكثرهن مخالطة له، وحياة معه؟
ثانيا: كان رسول اللّه- صلوات اللّه وسلامه عليه- الأسوة الحسنة، لنسائه وللمؤمنين جميعا، في تلك الحياة المتواضعة التي كان يحياها في مطعمه، وملبسه، ومنامه. فقد كان- صلوات اللّه وسلامه عليه- ينام على حشية من ليف، ربّما ثناها في الليلة الباردة ليتغطى ببعضها، كما كان له وسادة من ليف أيضا. وكانت تمرّ به الليالى ذوات العدد، لا يوقد في بيته نار، كما تحدث بذلك السيدة عائشة. ومعنى هذا أن لا خبز يخبز، ولا لحم ينضج. وكان- صلوات اللّه وسلامه عليه- يخيط ثوبه، ويخصف نعله، فكيف- مع هذا- تجد واحدة من نسائه لسانا تحدّث به الرسول هذا الحديث عن العيش اللّين، والحياة الرافهة؟ ثم كيف يتحول هذا الحديث إلى أن يكون بهذا الصوت الجماعى الجهير؟
ثالثا: في حياة أزواج النبىّ مواقف تشهد لهن بهذه العظمة الإنسانية، التي كانت من بعض نفحات الرسول، وبركاته عليهن. فكنّ بهذا جديرات بأن يكنّ زوجات لواحد الإنسانية وعظيمها، وكن على ما أشار إليهن سبحانه وتعالى بقوله: {وَالطَّيّباتُ للطَّيّبينَ وَالطَّيّبُونَ للطَّيّبات}.
فهذه أم حبيبة رضي الله عنها إحدى أزواج النبىّ، وبنت أبى سفيان- ينزل عليها أبوها قبل أن يدخل في الإسلام، وقد جاء إلى المدينة، ممثلا لقريش، ليلقى النبىّ في شئون بين المسلمين، وبين مشركى قريش.
نقول: نزل أبو سفيان عند ابنته أم حبيبة رضي الله عنها فلما أراد أن يجلس على حشية كانت هناك، ردّته أم حبيبة بغير شعور، وبلا رفق. وعجب أبوها لهذا أشدّ العجب، واستحال كيانه كلّه علامة إنكار تطلب تفسيرا لهذا الأمر الغريب. وتلقاه أمّ حبيبة بما يكاد يذهب بعقله: «أنت مشرك نجس لا تمس فراش رسول اللّه!!» ولم يصدّق أبو سفيان ما سمعت أذنه، كما لم يصدق ما رأت عينه، وخيّل إليه أنه في حلم مزعج. ولكن الواقع كان أقوى من أن تعيش في ظله الأحلام طويلا، فصحا الرجل صحوة مذعورة، وانطلق مسرعا ليهرب من هذا الموقف الذي كاد يختنق فيه.
وأم حبيبة هذه على شظف العيش الذي كانت تنعم في ظله بهناءة الروح، وروح النفس- لم تر أن تنعم وحدها بهذه النعمة العظيمة التي تجدها في رحاب رسول اللّه، وألا يكون لأحتها رملة بنت أبى سفيان حظ من هذا الخير الوفير، فتعرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن يتزوج أختها، فتقول:
يا رسول اللّه. هل لك في أختى بنت أبى سفيان؟ فيقول الرسول الكريم: «أفعل ماذا؟» فتقول: تتزوجها! فيقول- صلوات اللّه وسلامه عليه: «أو تحبين؟» فتقول: «لست بمخلية وأحبّ من يشاركنى في الخير أختى!» فيجيبها الرسول الكريم: «فإنها لا تحلّ لى» والمثل في أم المؤمنين حبيبة بنت أبى سفيان يغنينا عن كثير من الأمثلة التي نجدها في سيرة أزواج النبي رضي الله عنهن وما بلغ بهن زهدهن في متاع الحياة الدنيا، وترفعهن عن زخارفها وزينتها، من مكانة لم تكن إلا للمصطفيات من عباد اللّه- إذا كانت أم حبيبة بنت سيد قريش، وصاحب غيرها ونفيرها.
فليس بصحّ بعد هذا أن يسمع لقول يقال بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شكون يوما من ضيق العيش في جناب الرسول، وأن واحدة منهن مدت عينها إلى شيء وراء هذا العالم الروحي الذي كانت تعيش فيه، وتجد منه ما يملأ عليها وجودها سعادة ورضا.
وعلى هذا نستطيع أن ننظر في الآيات السابقة، من غير أن نقف على أسباب النزول التي قيل إنها لا بست نزولها، وحسبنا أن نأخذ بعض ما يعطيه منطوق هذه الآيات من دلالات، وما لهذه الدلالات من علاقة بالآيات السابقة أو اللاحقة لها.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَراحًا جَميلًا وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للْمُحْسنات منْكُنَّ أَجْرًا عَظيمًا}- هو خطاب للنبىّ، وأمر له من ربه، أن يلقى نساءه بهذا القول الذي أمره ربه أن يلقاهن به، وأن يعرف رأيهن فيه، وموقفهن منه: {إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَراحًا جَميلًا وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للْمُحْسنات منْكُنَّ أَجْرًا عَظيمًا}. إنه تخيير لهن من الرسول- بأمر ربه- بين أن يطلق الرسول سراحهن ويمتعهن متعة المطلقات، لتأخذ كل واحدة منهن حظها الذي تقدر عليه من متاع الحياة الدنيا خارج بيت النبوة، وبين أن يرضين الحياة مع رسول اللّه، على تلك الحال التي هن فيها.
فى بيت النبي!.
وفي هذا التخيير دلالة واضحة، وإشارة صريحة إلى ما ينبغى أن تقوم عليه الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة. فليس للرجل أن يحمل المرأة على الحياة معه، وهى متكرهة لهذه الحياة، غير راغبة فيها، حتى ولو كانت تلك الحياة على أعلى مستوى من الكمال والإحسان. فأيّا ما كان واقع الأمر في الحياة الزوجية، فإن ذلك لا يحرم المرأة حقها في اختيار الحياة التي ترضاها لنفسها، وتجد فيها ما تستريح له، ولو كان على غير جادة الطريق. إنها كائن رشيد يحمل أمانة التكليف، ويتلقى جزاء ما يعمل من خير أو شر. إن المرأة كالرجل في حمل التكليف، وفي الثواب والعقاب، وإن في إمساكها في بيت الزوجية على غير ما تريد، حجرا على إرادتها، واعتداء على إنسانيتها.
ولو أنه كان من تدبير الشريعة الإسلامية، أن تجعل للرجل سلطانا مطلقا على المرأة يمسكها به في بيت الزوجية، من غير رضاها- لكان أولى الناس جميعا بذلك، هو رسول اللّه- صلوات اللّه وسلامه ورحمته وبركاته عليه- فإنه لن تجد المرأة أبدا ظلا كهذا الظل الطيب الكريم، تأوى إليه، وتغذّى فيه إنسانيتها بأنوار السماء، وتعطر منه روحها بأنفاس النبوة وكمالاتها.
إن في إلزام المرأة وقهرها أن تحيا في هذا الوضع الكريم في بيت النبوة، هو خير محض لها، وإحسان عظيم إليها، وربح خالص لا شك فيه لها. ومع هذا، فإن اللّه سبحانه أمر رسوله الكريم، بتخيير نسائه، وإعطائهن هذا الحق الذي لهن، والذي ربما كان يمنعهن الدين ومقام الرسول في نفوسهن، من النظر إليه، أو التفكير فيه! فجاء هذا العرض وذلك التخيير، أمرا من السماء، يرفع عنهن الحرج، ويفسح لهن الطريق إلى ما يردن.
وطبيعى أن يكون هذا موقف الإسلام من المرأة، ومن تحرير مشاعرها من كل خوف، وإخلاء وجدانها من كل قيد، في الصلة التي تقوم بينها وبين الرجل.
وهذا التحرير لإرادة المرأة، وإعطائها الحق في الإمساك بعقد الحياة الزوجية أو نقضها. فوق أنه اعتراف بحق الجانب الإنسانى في المرأة، وحراسة من كل عارض يعرض له- في الوقت نفسه- هو اعتراف ضمنى بقداسة الرابطة الزوجية، ورفعها إلى مستوى العقيدة الدينية. سواء بسواء.
فالعلاقة التي تقيمها الشريعة الإسلامية بين الزوجين علاقة مقدّسة، لها حلالها، ولها خطرها، في بناء المجتمع، وفي تماسك وحداته. إنها علاقة نفوس، واتصال أرواح، وارتباط مشاعر، وتلاقى قلوب. ولن يكون ذلك على كماله وتمامه، أو على شيء من الكمال والتمام، إذا لا بسه شيء من القهر أو الإكراه، أو الحرج.
والشريعة الإسلامية، التي تأبى أن يستجيب لها أحد بغير رضاه، أو يدخل إليها داخل عن طريق القهر والقسر. حتى ليقول اللّه سبحانه، لنبيه الكريم: {لا إكْراهَ في الدّين} (256 البقرة) ويقول له: {أَفَأَنْتَ تُكْرهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمنينَ} (99: يونس). ويقول له: {لَسْتَ عَلَيْهمْ بمُصَيْطرٍ} (22: الغاشية) ويقول له: {وَقُل الْحَقُّ منْ رَبّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} (29: الكهف) هذه الشريعة التي تقف هذا الموقف من دعوتها، ليس غريبا عليها أن تقف هذا الموقف من المرأة، ومن إمساكها على الحياة الزوجية.
ولا ندرى كيف أخذت المرأة هذا الموضع الذليل المهين في الأسرة الإسلامية، وفي علاقتها بالرجل، حتى لقد كادت- في وقت ما- تتحول إلى متاع من أمتعة الرجل. فيمسكها كارهة له، بل ويمسكها وهو كاره لها. كيدا، وإعناتا!! ولا ندرى من أين جاءت تلك القوانين المعنونة بعنوان الدين، تحكم على المرأة بالطاعة، وتدخلها بالقوة القاهرة هذا البيت البدعىّ المعروف ببيت الطاعة؟ وأية طاعة تلك التي تقوم على سلطان القانون، وضربات السياط؟ وهل لسلطان القانون- أي قانون- أن يقيم في النفوس ولاء، وفي القلوب حبا ومودة ورحمة؟ والحياة الزوجية، في شريعة الإسلام، إنما ملاكها الرحمة والمودة، كما يقول سبحانه وتعالى: {وَمنْ آياته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ منْ أَنْفُسكُمْ أَزْواجًا لتَسْكُنُوا إلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (21: الروم) لقد فهم الطلاق في الإسلام، بعد عصر النبوة والخلافة الراشدة- على أنه حق مطلق للزوج، وهو فهم خطأ. فللطلاق دواع وأسباب إذا لم تجتمع له، كان عملا عدوانيا، يؤثّمه الإسلام، ويبغض مرتكبه. إنه رخصة لا تباح إلا عند الضرورة، ومحظور لا يحل إلا عند الحرج، وفي هذا يقول الرسول الكريم: «أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق». فهو حلال بغيض، لا يستعمل إلا بقدر ما يدفع الضرر، ويرفع الحرج. تماما كحلّ الميتة ولحم الخنزير، عند الاضطرار.
وعن هذا الفهم الخاطئ للطلاق، قام مفهوم آخر، هو خطأ أيضا، لأن ما بنى على الخطأ خطأ.
وهذا المفهوم، هو أنه ليس للمرأة في ربط الحياة الزوجية أو حلّها أي شى ء! إن الأمر كله في يد الرجل. إن شاء أبقى على الحياة الزوجية، وإن شاء قطعها.
ولو نظر ناظر إلى الشريعة الإسلامية من خلال هذا المفهوم الخاطئ للطلاق، وما تفرع منه، لساء ظنه بها، ولاتهم الإسلام في عدالة أحكامه، وإنسانية تشريعه.
والحق أن الإسلام قطع على الناس وساوس الظنون به، وأخرس ألسنة الذين يتهمونه في عدالة أحكامه، وإنسانية تشريعه، في أي موقع من مواقع الحياة، سواء بين المرأة والرجل، أو بين الناس والناس جميعا، مؤمنين وغير مؤمنين.
أتريد لهذا شاهدا، فيما بين المرأة والرجل؟
استمع إلى قوله تعالى: {وَإن امْرَأَةٌ خافَتْ منْ بَعْلها نُشُوزًا أَوْ إعْراضًا فَلا جُناحَ عَلَيْهما أَنْ يُصْلحا بَيْنَهُما صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضرَت الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإنْ تُحْسنُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللَّهَ كانَ بما تَعْمَلُونَ خَبيرًا وَلَنْ تَسْتَطيعُوا أَنْ تَعْدلُوا بَيْنَ النّساء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَميلُوا كُلَّ الْمَيْل فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَة وَإنْ تُصْلحُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحيمًا وَإنْ يَتَفَرَّقا يُغْن اللَّهُ كُلًّا منْ سَعَته وَكانَ اللَّهُ واسعًا حَكيمًا} [النساء: 128- 130].
فالقضية في هذه الآيات الثلاث، هي قضية المرأة، والشأن الأول فيها هو شأن المرأة.