فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{قَدْ يَعْلَمُ الله}.
دخلت قد على الفعل المضارع بمعنى التهديد، وقيل: للتعليل على وجه التهكم {المعوقين منكُمْ} أي الذين يعوّقون الناس عن الجهاد، ويمنعونهم منه بأقوالهم وأفعالهم {والقآئلين لإخْوَانهمْ هَلُمَّ إلَيْنَا} هم المنافقون الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد، وكانوا يقولون لقرابتهم أو للمنافقون مثلهم: هلم إلى الجلوس معنا بالمدينة وترك القتال، وقد ذكر هلم في [الأنعام: 150].
{وَلاَ يَأْتُونَ البأس إلاَّ قَليلًا} البأس القتال، وقليلًا صفة لمصدر محذوف تقديره: إلا إتيانًا قليلًا؛ أو مستثنى من فاعل يأتون: أي إلا قليلًا منهم.
{أَشحَّةً عَلَيْكُمْ} أشحة جمع شحيح بوزن فعيل، معناه يشحن بأنفسهم فلا يقاتلون، وقيل: يشحون بأموالهم، وقيل: معناه أشحة عليكم وقت الحرب، أي يشفقون أن يقتلوا. ونصب {أَشحَّةً} على الحال من القائلين، أو على المعوقين، أومن الضمير في يأتون، أو نُصبَ على الذم {فَإذَا جَاءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ} أي إذا اشتدّ الخوف من الأعداء. نظر إليك هؤلاء في تلك الحالة ولاذوا بك من شدة خوفهم {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يغشى عَلَيْه منَ الموت} عبارة عن شدة خوفهم {فَإذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُمْ بأَلْسنَةٍ حدَادٍ} السلق بالألسنة عبارة عن الكلام بكلام مستكره، ومعنى حداد: فصحاء قادرين على الكلام، وإذا نصركم الله فزال الخوف رجع المنافقون إلى إذايتكم بالسب وتنقيص الشريعة، وقيل: إذا غنمتم طلبوا من الغنائم {أَشحَّةً عَلَى الخير} أي يشحون بفعل الخير وقيل؛ يشحون بالمغانم، وانتصابه هنا على الحال من الفاعل في سلقوكم {لَمْ يُؤْمنُوا فَأَحْبَطَ الله أَعْمَالَهُمْ} ليس المعنى أنها حبطت بعد ثبوتها، وإنما المعنى أنها لم تقبل، لأن الإيمان شرط من قبول الأعمال، وقيل: إنهم نافقوا بعد أن آمنوا، فالإحباط على هذا حقيقة.
{يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُوا} الأحزاب هنا هم كفار قريش، ومن معهم، فالمعنى أن المنافقين من شدة جزعهم يظنون الأحزاب لم ينصرفوا عن المدينة، وهم قد انصرفوا {وَإن يَأْت الأحزاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأعراب} معنى {يَوَدُّوا} يتمنوا، {بَادُونَ} خارجون في البادية، والأعراب هم أهل البوادي من العرب، فمعنى الآية: أنه إن أتى الأحزاب إلى المدينة مرة أخرى؛ تمنى هؤلاء المنافقون من شدة جزعهم أن يكونوا في البادية مع الأعراب، وأن لا يكونوا في المدينة بل غائبين عنها يسألون من ورد عليهم على أنبائكم.
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة تقتدون به صلى الله عليه وسلم في اليقين والصبر وسائر الفضائل، وقرئ أسوة بضم الهمزة والمعنى واحد.
{هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} قيل: إن هذا الوعد ما أعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بحفر الخندق من أن الكفار ينزلون، وأنهم ينصرفون خائبين، وقيل: إنه قول الله تعالى: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء} [البقرة: 214] الآية، فعلموا أنهم يبتلون ثم ينصرون.
{فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} يعني: قتل شهيدًا قال أنس بن مالك: يعني عمي أنس بن النضر، وقيل: يعني حمزة بن عبد المطلب، وقضاء النحب عبارة عن الموت عند ابن عباس وغيره، وقيل: قضى نحبه: وفي العهد الذي عاهد الله عليه، ويدل على هذا ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طلحة ممن قضى نحبه» وهو لم يقتل حينئذ {وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ} المفعول محذوفكم أي ينتظر أن يقضي نحبه، أو ينتظر الشهادة في سبيل الله على قول ابن عباس، أو ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح على القول الآخر.
{وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مّنْ أَهْل الكتاب من صَيَاصيهمْ} الصياصي هي الحصون، ونزلت الآية في يهود بني قريظة، وذلك أنهم كانوا معادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا عهده وصاروا مع قريش، فلما انصرفت قريش عن المدينة حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ؛ فحكم أن يقتل رجالهم ويسبى نساؤهم وذريتهم {فَريقًا تَقْتُلُونَ} يعني الرجال وقتل منهم يومئذ كل من أنبت وكانوا بين ثمانمائة أو تسعمائة {وَتَأْسرُونَ فَريقًا} يعني النساء والذرية.
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} يعني أرض بني قريظة قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا} هذا وعد بفتح أرض لم يكن المسلمين قد وطئوهنا حينئذ، وهي مكة واليمن والشام والعراق ومصر، فأورث الله المسلمين جميع ذلك وما وراءها إلى أقصى المشرق والمغرب، ويحتمل عندي أن يريد أرض بني قريظة، لأنه قال: أورثكم بالفعل الماضي، وهي التي كانوا أخذوها حينئذ، وأما غيرها من الأرضين، فإنما أخذوها بعد ذلك فلو أرادها لقال: يورثكم إنما كررها بالعطف ليصفها بقوله: لم تطأوها: أي لم تدخلوها قبل ذلك.
{يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجكَ إن كُنتُنَّ تُردْنَ الحياة الدنيا وَزينَتَهَا} الآية: سببها أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم تغايرن حتى غمه ذلك وقيل: طلبن منه الملابس ونفقات كثيرة، وكان أزواجه يومئذ تسع نسوة؛ خمس من قريش وهنّ: عائشة بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسودة بنت زمعة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية المخزومي وأربع من غير قريش وهنَّ ميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حييّ من بني إسرائيل وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحًا جَميلًا} أصل: تعال أن يقوله من كان في موقع مرتفع لمن في موضع منخفض، ثم استعملت بمعنى أقبل في جميع الأمكنة؛ {أُمَتّعْكُنَّ} من المتعة وهي الإحسان إلى المرأة إذا طلقت والسراح الطلاق، فمعنى الآية: أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين الطلاق والمتعة إن أرادوا زينة الدنيا، وبين البقاء في عصمته إن أرادوا الآخرة، فبدأ صلى الله عليه وسلم بعائشة: فاختارت البقاء في عصمته، ثم تبعها سائرهن في ذلك، لم يقع طلاق، وقالت: عائشة: خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يعد ذلك طلاقًا وإذا اختارت المخيرة الطلاق: فمذهب مالك أنه ثلاث، وقيل: طلقة بائنة، وقيل: طلقة رجعية ووصف السراج بالجميل: يحتمل أن يريد أن دون الثلاث، أو يريد أنه ثلاث، وجماله: حسن الرعي والثاني وحفظ العهد.
{للْمُحْسنَات منكُنَّ} من للبيان لا للتبعيض، لأن جميعهنّ محسنات.
{بفَاحشَةٍ مُّبَيّنَةٍ} قيل: يعني الزنا، وقيل: يعني عصيان زوجهن عليه الصلاة والسلام، أو تكليفه ما يشق عليه، وقيل: عموم في المعاصي {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضعْفَيْن} أي يكون عذابها في الآخرة مثل عذاب غيرها مرتين، وإنما ذلك لعلوّ رتبتهن، لأن كل أحد يطالب على مقدار حاله، وقرأ أبو عمرو يُضَعَّفُ بالياء ورفع العذاب على البناء للمفعول، وقرأ ابن عامر وابن كثير: نُضَعّفُ ونصب العذاب على البناء للفاعل. اهـ.

.قال الخازن:

{قد يعلم الله المعوقين منكم} أي المثبطين الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} أي ارجعوا إلينا ودعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قيل هم أناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك.
وقيل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إليهم ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدًا وإنا نشفق عليكم فأنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن إبيّ ابن سلول وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا لئن قدر اليوم عليكم لم يستبق منك أحدًا أما ترجعون عن محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ها هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا إيمانًا واحتسابًا وقوله تعالى: {ولا يأتون البأس} يعني الحرب {إلا قليلًا} أي رياس وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرًا.
{أشحة عليكم} أي بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة وصفهم الله بالبخل والجبن {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم} أي في رءوسهم من الخوف والجبن {كالذي يغشى عليه من الموت} أي كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيه أسبابه فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف {فإذا ذهب الخوف} أي زال {سلقوكم} أي آذوكم.
ورموكم في حالة الأمن {بألسنة حداد} أي ذربة تفعل كفعل الحديد قال ابن عباس معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة، وقيل بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال فلستم بأحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشجع قوم وعند الحرب أجبن قوم {أشحة على الخير} أي يشاحون المؤمنين عند الغنيمة فعلى هذا المعنى يكون المراد بالخير المال {أولئك لم يؤمنوا} أي لم يؤمنوا حقيقة الإيمان وإن أظهروا الإيمان لفظًا {فأحبط الله أعمالهم} أي التي كانوا يأتون بها مع المسلمين قيل هي الجهاد وغيره {وكان ذلك على الله يسيرًا} أي إحباط أعمالهم مع أن كل شيء على الله يسير.
قوله تعالى: {يحسبون} يعني هؤلاء المنافقين {الأحزاب} يعني قريشًا وغطفان واليهود {لم يذهبوا} أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبنًا وفرقًا وقد انصرفوا عنهم {وإن يأت الأحزاب} أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف {يسألون عن أنبائكم} أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم {ولو كانوا فيكم} يعني هؤلاء المنافقين {ما قاتلوا إلا قليلًا} يعني يقاتلون قليلًا يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.
قوله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسنًا وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضًا واستنوا بسنته {لمن كان يرجوا الله} يعني أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله {واليوم الآخر} يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء {وذكر الله كثيرًا} أي في المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} أي قالوا ذلك تسليمًا لأمر الله وتصديقًا بوعده {وصدق الله ورسوله} أي فيما وعدا وهو مقابلة قول المنافقين {ما وعدنا الله إلا غرورًا}.
وقولهم: {وصدق الله ورسوله} ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذه ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله {وما زادهم إلا إيمانًا} أي تصديقًا لله {وتسليمًا} أي لأمره.
قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به {فمنهم من قضى نحبه} أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد {ومنهم من ينتظر} يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء {وما بدلوا} يعني عهدهم {تبديلًا} ق عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحًا من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: من المؤمنين رجال صدقوا ما عدهوا الله عليه إلى آخر الآية.
ق عن خباب بن الأرت قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله.
فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة وكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدت رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه سلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الأذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها النمرة كساء ملون من صوف، وقوله ومنا من أينعت أي أدركت ونضجت له ثمرته، وهذه استعارة لما فتح الله لهم من الدنيا، وقوله يهدبها أي يجتنيها ويقطعها.
عن أبي موسى بن طلحة قال دخلت على معاوية فقال ألا أبشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طلحة ممن قضى نحبه» أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب.
خ عن قيس ابن أبي حازم قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
قوله: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} أي جزاء صدقهم وصدقهم هو الوفاء بالعهد {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} أي فيهديهم إلى الإيمان ويشرح له صدورهم {إن الله كان غفورًا رحيمًا ورد الله الذين كفروا} يعني قريش وغطفان {بغيظهم} أي لم يشف صدروهم بنيل ما أرادوا {لم ينالوا خيرًا} أي ظفرًا {وكفى الله المؤمنون القتال} أي الملائكة والريح {وكان الله قويًا} أي في ملكه {عزيزًا} أي في انتقامه.
قوله تعالى: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وهم بنو قريظة {من صياصيهم} أي من حصونهم ومعاقلهم واحدها صيصية {وقذف في قلوبهم الرعب} أي الخوف {فريقًا تقتلون} يعني الرجال يقال كانوا ستمائة {وتأسرون فريقًا} يعني النساء والذراري يقال كانوا سبعمائة قيل وخمسين.
{وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم تطؤوها} يعني بعد قيل هي خيبر ويقال إنها مكة وقيل فارس والروم وقيل هي كل أرض تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة {وكان الله على كل شيء قديرًا}.
قيل كانت في آخر ذي القعدة سنة خمس.
وعلى قول البخاري المتقدم في غزوة الخندق عن موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع.
قال العلماء بالسير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح في الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم انصرف صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متعممًا بعمامة من إستبرق على بغلة بيضاء عليها رحالة وعليها من قطيفة من ديباج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه فقال جبريل يا رسول الله قد وضعت السلاح؟ قال: نعم قال: جبريل عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن إلا من طلب القوم وروى أنه كان الغبار على وجه جبريل وفرسه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه فقال إن الله تعالى يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهز إليهم فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديًا فأذن أن من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إليهم وابتدرهم الناس، وسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث.