فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال: لأقولن شيئًا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله لقد رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة فوجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة فوجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده قلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين حتى نزلت هذه الآية: {يا أيها النبي قلت لأزواجك إن كنتن} حتى بلغ: {للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليها الآية قالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت: قال: «لا تسألني امرأة منهن إلى أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني معلمًا مبشرًا» قوله واجمًا أي مهتمًا، والواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة وقيل الوجوم الحزن.
قوله: فوجأت عنقها أي دققته وقوله لم يبعني معنتًا العنت المشقة والصعوبة م عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرًا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي فقلت: يا رسول الله، أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنك دخلت من تسع وعشرين؛ أعدهن قال: «إن الشهر تسع وعشرين».
فصل في حكم الآية:
اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن، حتى يقع بنفس الاختيار أم لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم، إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما خيرهن على أنهن إذ اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور، وأنه قال لعائشة: «لا تعجلي حتى تستشيري أبويك» وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق ولو اخترن أنفسهن كان طلاقًا.
التفريع على حكم الآية اختلف أهل العلم في حكم التخيير، فقال عمر وابن مسعود، وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن به قال مالك.
وروي عن علي أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة واحدة، وإذا اختارت نفسها فطلقة بائنة وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا شيء ق عن مسروق قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو الفًا بعد أن تختارني، ولقد سألت عائشة ا، فقالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان طلاقًا وفي رواية فاخترناه فلم يعد ذلك شيئًا.
قوله تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} أي بمعصية ظاهرة قيل: هو كقوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} أي لأن منهن من أتت بفاحشة، فإن الله تعالى صان أزواج الأنبياء عن الفاحشة وقال ابن عباس المراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق {يضاعف لها العذاب ضعفين} أي مثلين وسبب تضعيف العقوبة، لهن لشرفهن كتضعيف عقوبة الحرة على الأمة وذلك لأن نسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الرجال كنسبة الحرة إلى الأمة {وكان ذلك على الله يسيرًا} أي عذابها. اهـ.

.قال النسفي:

{قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين منكُمْ} أي من يعوق عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يمنع وهم المنافقون {والقائلين لإخوانهم} في الظاهر من المسلمين {هَلُمَّ إلَيْنَا} أي قربوا أنفسكم إلينا ودعوا محمدًا وهي لغة أهل الحجاز فإنهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة، وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال وهو صوت سمي به فعل متعد نحو أحضر وقرّب {وَلاَ يَأْتُونَ البأس} أي الحرب {إلاَّ قَليلًا} إلا إتيانًا قليلًا أي يحضرون ساعة رياء ويقفون قليلًا مقدار ما يرى شهودهم ثم ينصرفون {أَشحَّةً} جمع شحيح وهو البخيل نصب على الحال من الضمير في {يَأْتُونَ} أي يأتون الحرب بخلاء {عَلَيْكُمْ} بالظفر والغنيمة {فَإذَا جَاء الخوف} من قبل العدو أو منه عليه السلام {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ} في تلك الحالة {تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} يمينًا وشمالًا {كالذى يغشى عَلَيْه منَ الموت} كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرًا وخوفًا ولواذًا بك.
{فَإذَا ذَهَبَ الخوف} زال ذلك الخوف وأمنوا وحيزت الغنائم {سَلَقُوكُم بأَلْسنَةٍ حدَادٍ} خاطبوكم مخاطبة شديدة وآذوكم بالكلام.
خطيب مسلق فصيح ورجل مسلاق مبالغ في الكلام أي يقولون: وفّروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم {أَشحَّةً عَلَى الخير} أي خاطبوكم أشحة على المال والغنيمة و{أَشحَّةً} حال من فاعل {سَلَقُوكُم} {أوْلَئكَ لَمْ يُؤْمنُوا} في الحقيقة بل بالألسنة {فَأَحْبَطَ الله أعمالهم} أبطل بإضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال {وَكَانَ ذلك} إحباط أعمالهم {عَلَى الله يَسيرًا} هينًا.
{يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُوا} أي لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا مع أنهم قد انصرفوا {وَإن يَأْت الأحزاب} كرة ثانية {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأعراب} البادون جمع البادي أي يتمنى المنافقون لجبنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية حاصلون بين الأعراب ليأمنوا على أنفسهم ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال {يُسْئَلُونَ} كل قادم منهم من جانب المدينة {عَنْ أَنبَائكُمْ} عن أخباركم وعما جرى عليكم {وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ} ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال {مَّا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا} رياء وسمعة.
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} بالضم حيث كان: عاصم أي قدوة وهو المؤتسى به أي المقتدى به كما تقول في البيضة عشرون منًا حديدًا أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد.
أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} أي يخاف الله ويخاف اليوم الآخر أو يأمل ثواب الله ونعيم اليوم الآخر.
قالوا: {لمَنْ} بدل من {لَكُمْ} وفيه ضعف لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب.
وقيل: {لمَنْ} يتعلق ب {حَسَنَةٌ} أي أسوة حسنة كائنة لمن كان {وَذَكَرَ الله كَثيرًا} أي في الخوف والرجاء والشدة والرخاء {وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب} وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه بقوله: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم} إلى قوله: {قَريبٌ} [البقرة: 214] فلما جاء الأحزاب واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد {قَالُوا هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم في آخر تسع ليال أو عشر.
فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك، وهذا إشارة إلى الخطب والبلاء {وَمَا زَادَهُمْ} ما رأوا من اجتماع الأحزاب عليهم ومجيئهم {إلاَّ إيمَانًا} بالله وبمواعيده {وَتَسْليمًا} لقضائه وقدره.
{مّنَ المؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل صدقني سن بكره أي صدقني في سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل.
نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن زيد وحمزة ومصعب وغيرهم {فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} أي مات شهيدًا كحمزة ومصعب.
وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حي من المحدثات لابد له أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره {وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ} الموت أي على الشهادة كعثمان وطلحة {وَمَا بَدَّلُوا} العهد {تَبْديلًا} ولا غيروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة، وفيه تعريض لمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب كما مر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عاهدوا الله من قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار} {لّيَجْزىَ الله الصادقين بصدْقهمْ} بوفائهم بالعهد {وَيُعَذّبَ المنافقين إن شَاء} إذا لم يتوبوا {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ} إن تابوا {إنَّ الله كَانَ غَفُورًا} بقبول التوبة {رَّحيمًا} بعفو الحوبة.
جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبها والسعي في تحصيلها.
{وَرَدَّ الله الذين كَفَرُوا} الأحزاب {بغَيْظهمْ} حال أي مغيظين كقوله: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} ظفرًا أي لم يظفروا بالمسلمين وسماه خيرًا بزعمهم وهو حال أي غير ظافرين {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} بالريح والملائكة {وَكَانَ الله قَويًّا عَزيزًا} قادرًا غالبًا.
{وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم} عاونوا الأحزاب {مّنْ أَهْل الكتاب} من بني قريظة {من صَيَاصيهمْ} من حصونهم الصيصية ما تحصن به.
رُوي أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا سلاحهم، على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: من متابعة قريش.
فقال: يا رسول الله إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فإن الله داقهم دق البيض على الصفا وإنهم لكم طعمة.
فأذن في الناس أن من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة.
فحاصروهم خمسًا وعشرين ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنزلون على حكمي» فأبوا، فقال: «على حكم سعد بن معاذ» فرضوا به فقال سعد: حكمت فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» ثم استنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقًا وقدمهم فضرب أعناقهم وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة.
وقيل: كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير {وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرعب} الخوف وبضم العين: شامي وعلي.
ونصب {فَريقًا} بقوله: {تَقْتُلُونَ} وهم الرجال {وَتَأْسرُونَ فَريقًا} وهم النساء والذراري {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وديارهم وَأَمولَهُمْ} أي المواشي والنقود والأمتعة.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار وقال لهم إنكم في منازلكم {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا} بقصد القتال وهي مكة أو فارس والروم أو خيبر أو كل أرض تفتح إلى يوم القيامة {وَكَانَ الله على كُلّ شيء قَديرًا} قادرًا.
{يا أيّها النبى قُل لأزواجك إن كُنتُنَّ تُردْنَ الحياة الدنيا وَزينَتَهَا} أي السعادة في الدنيا وكثرة الأموال {فَتَعَالَيْنَ} أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطيء، ثم كثر حتى استوى في استعماله الأمكنة، ومعنى {تعالين} أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد الأمرين، ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن كقوله قام يهددني.
{أُمَتّعْكُنَّ} أعطكن متعة الطلاق وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا المفوضة قبل الوطء {وَأُسَرّحْكُنَّ} وأطلقكن {سَرَاحًا جَميلًا} لا ضرار فيه أردن شيئًا من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن، فغم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فبدأ بعائشة رضي الله عنها وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اختار جميعهن اختيارها.
وروي أنه قال لعائشة: «إني ذاكر لك أمرًا ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك» ثم قرأ عليها القرآن فقالت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
وحكم التخيير في الطلاق أنه إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أن تقع تطليقة بائنة، وإذا اختارت زوجها لم يقع شيء.
وعن علي رضي الله عنه: إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة {وَإن كُنتُنَّ تُردْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة فَإنَّ الله أَعَدَّ للمحسنات منكُنَّ} من للبيان لا للتبعيض.
{أَجْرًا عَظيمًا يانساء النبى مَن يَأْت منكُنَّ بفاحشة} سيئة بليغة في القبح {مُّبَيّنَةٍ} ظاهر فحشها.
من بيّن بمعنى تبين وبفتح الياء: مكي وأبو بكر.
قيل: هي عصيانهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهن.
وقيل: الزنا والله عاصم رسوله من ذلك {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب} {يضاعف لَهَا العذاب} مكي وشامي {يضاعف} أبو عمرو ويزيد ويعقوب {ضعْفَيْن} ضعفي عذاب غيرهن من النساء لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل، لأن المعصية من العالم أقبح ولذا فضل حد الأحرار على العبيد ولا يرجم الكافر {وَكَانَ ذلك} أي تضعيف العذاب عليهن {عَلَى الله يَسيرًا} هينًا. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين منكُمْ} المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون. {والقائلين لإخوانهم} من ساكني المدينة. {هَلُمَّ إلَيْنَا} قربوا أنفسكم إلينا وقد ذكر أصله في الأنعام. {وَلاَ يَأْتُونَ البأس إلاَّ قَليلًا} إلا إتيانًا أو زمانًا أو بأسًا قليلًا، فإنهم يعتذرون ويتثبطون ما أمكن لهم، أو يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون إلا قليلًا كقوله: {مَّا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا} وقيل إنه من تتمة كلامهم ومعناه لا يأتي أصحاب محمد حرب الأحزاب ولا يقاومونهم إلا قليلا.
{أَشحَّةً عَلَيْكُمْ} بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر أو الغنيمة، جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل {يَأْتُونَ} أو {المعوقين} أو على الذم. {فَإذَا جَاء الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} في أحداقهم. {كالذى يغشى عَلَيْه} كنظر المغشي عليه أو كدوران عينيه، أو مشبهين به أو مشبهة بعينه. {مّنَ الموت} من معالجة سكرات الموت خوفًا ولواذًا بك. {فَإذَا ذَهَبَ الخوف} وحيزت الغنائم. {سَلَقُوكُم} ضربوكم. {بأَلْسنَةٍ حدَادٍ} ذربة يطلبون الغنيمة، والسلق البسط بقهر باليد أو اللسان. {أَشحَّةً عَلَى الخير} نصب على الحال أو الذم، ويؤيده قراءة الرفع وليس بتكرير لأن كلا منهما مقيد من وجه. {أوْلَئكَ لَمْ يُؤْمنُوا} إخلاصًا. {فَأَحْبَطَ الله أعمالهم} فأظهر بطلانها إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل أو أبطل تصنعهم ونفاقهم. {وَكَانَ ذلك} الإحباط. {عَلَى الله يَسيرًا} هينًا لتعلق الإرادة به وعدم ما يمنعه عنه.
{يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُوا} أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا، وقد انهزموا ففروا إلى داخل المدينة. {وَإن يَأْت الأحزاب} كرة ثانية. {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ في الأعراب} تمنوا أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الأعراب. {يُسْأَلُونَ} كل قادم من جانب المدينة. {عَنْ أَنبَائكُمْ} عما جرى عليكم. {وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ} هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال. {مَّا قَاتَلُوا إلاَّ قَليلًا} رياء وخوفًا من التعيير.