فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها، فأتته فاطمة، رضي الله عنها، ببرمة فيها خَزيرة، فدخلت بها عليه فقال لها: «ادعي زوجك وابنيك». قالت: فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامةٍ له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله، عز وجل، هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. قالت: فأخذ فضل الكساء فغطاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت: فأدخلت رأسي البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ فقال: إنك إلى خير، إنك إلى خير». في إسناده من لم يسم، وهو شيخ عطاء، وبقية رجاله ثقات.
طريق أخرى: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن أبي المعدل، عن عطية الطُّفَاوِيّ، عن أبيه؛ أن أم سلمة حدثته قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يومًا إذ قال الخادم: إن فاطمة وعليا بالسدّة قالت: فقال لي: «قومي فَتَنَحي عن أهل بيتي». قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريبًا، فدخل علي وفاطمة، ومعهما الحسن والحسين، وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبَّلهما، واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، وقَبَّل فاطمة وقَبَّل عليا، وأغدق عليهم خَميصَة سوداء وقال: «اللهم، إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي». قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله؟ صلى الله عليك. قال: «وأنت».
طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا الحسن بن عطية، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد، عن أم سلمة؛ أن هذه الآية نزلت في بيتها: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قالت: وأنا جالسة على باب البيت فقلت: يا رسول الله، ألستُ من أهل البيت؟ فقال: «إنك إلى خير، أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم» قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم.
طريق أخرى: رواه ابن جرير أيضا، عن أبي كُرَيْب، عن وَكِيع، عن عبد الحميد بن بَهْرَام، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن أم سلمة بنحوه.
طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا خالد بن مَخْلَد، حدثني موسى بن يعقوب، حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله بن وهب بن زَمْعَة قال: أخبرتني أم سلمة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر إلى الله، عز وجل، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي». قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله، أدخلني معهم. فقال: «أنت من أهلي».
طريق أخرى: رواه ابن جرير أيضا، عن أحمد بن محمد الطوسي، عن عبد الرحمن بن صالح، عن محمد بن سليمان الأصبهاني، عن يحيى بن عبيد المكي، عن عطاء، عن عمر بن أبي سلمة، عن أمه بنحو ذلك.
طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا مصعب بن المقدام، حدثنا سعيد بن زربي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عَصيدَة تحملها على طبق، فوضعتها بين يديه فقال: «أين ابن عمك وابناك؟» فقالت: في البيت. فقال: «ادعيهم». فجاءت إلى علي فقالت: أجِبْ رسول الله أنت وابناك. قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مدَّ يده إلى كساء كان على المنامة، فمده وبسطه، وأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمه فوق رءوسهم، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، عز وجل، فقال: «اللهم، هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».
طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن حكيم بن سعد قال: ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة، فقالت: في بيتي نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. قالت أم سلمة: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فقال: «لا تأذني لأحد». فجاءت فاطمة فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها. ثم جاء الحسن فلم أستطع أن أحجبه عن أمه وجده، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، ثم جاء علي فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا فَجَلّلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا». فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط. قالت: فقلت: يا رسول الله، وأنا؟ قالت: فوالله ما أنعم، وقال: «إنك إلى خير».
حديث آخر: قال ابن جرير، حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا محمد بن بشر عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة، رضي الله عنها: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، وعليه مِرْط مُرَحَّل من شَعْر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر، به.
طريق أخرى: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سُرَيج بن يونس أبو الحارث، حدثنا محمد بن يزيد، عن العوام- يعني: ابن حَوْشَب- عن عمٍّ له قال: دخلت مع أبي على عائشة، فسألتها عن علي، رضي الله عنه، فقالت، رضي الله عنها: تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فألقى عليهم ثوبا فقال: «اللهم، هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا». قالت: فدنوت منه فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك؟ فقال: «تَنَحّي، فإنك على خير».
حديث آخر: قال ابن جرير حدثنا المثنى، حدثنا بكر بن يحيى بن زَبّان العَنزيّ، حدثنا منْدَل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ، وفي علي، وحسن، وحسين، وفاطمة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}» قد تقدم أن فضيل بن مرزوق رواه عن عطية، عن أبي سعيد، عن أم سلمة، كما تقدم. وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العِجْلي، عن عطية، عن أبي سعيد موقوفا، فالله أعلم.
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا بُكَيْر بن مسمار قال: سمعت عامر بن سعد قال: قال سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه، ثم قال: «رب، هؤلاء أهلي وأهل بيتي».
حديث آخر: وقال مسلم في صحيحه: حدثني زُهَير بن حرب، وشُجاع بن مَخْلَد جميعا، عن ابن عُلَيَّة- قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثني أبو حَيَّان، حدثني يزيد بن حَيَّان قال: انطلقت أنا وحُصَين بن سَبْرَةَ وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتَ حديثه، وغزوتَ معه، وصليتَ خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا؛ حَدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا بن أخي، والله لقد كَبرَت سِنِّي، وقدم عهدي، ونسيتُ بعض الذي كنتُ أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حَدّثتكُم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلّفونيه. ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خُمًّا- بين مكة والمدينة- فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وَذَكّر، ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، وأولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به». فَحَثّ على كتاب الله وَرَغَّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذَكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي» ثلاثا. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصّدَقة بعده. قال: ومَنْ هم؟ قال هم آل علي، وآل عَقِيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرِمَ الصدقة؟ قال: نعم.
ثم رواه عن محمد بن بَكَّار بن الريَّان، عن حسان بن إبراهيم، عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حَيَّان، عن زيد بن أرقم، فذكر الحديث بنحو ما تقدم، وفيه: فقلنا له: مَنْ أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعَصبَته الذين حُرموا الصدقة بعده.
هكذا وقع في هذه الرواية، والأولى أولى، والأخذ بها أحرى. وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه، إنما المراد بهم آله الذين حُرموا الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آله، وهذا الاحتمال أرجح؛ جمعا بينها وبين الرواية التي قبلها، وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت، فإن في بعض أسانيدها نظرًا، والله أعلم. ثم الذي لا يشك فيه من تَدَبَّر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أي: اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة. قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق أَوْلاهُنَّ بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
قال بعض العلماء، رحمه الله: لأنه لم يتزوج بكرا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه، فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه الرتبة العلية. ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته، فقرابته أحق بهذه التسمية، كما تقدم في الحديث: «وأهل بيتي أحق». وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال: «هو مسجدي هذا». فهذا من هذا القبيل؛ فإن الآية إنما نزلت في مسجد قُباء، كما ورد في الأحاديث الأخر. ولكن إذا كان ذاك أسّسَ على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بِتَسمِيَته بذلك، والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا أبو عَوَانة، عن حُصَين بن عبد الرحمن، عن أبي جميلة قال: إن الحسن بن علي استُخلفَ حين قُتِل علي، رضي الله عنهما قال: فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد، وحسن ساجد قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه، فمرض منها أشهرا، ثم بَرَأ فقعد على المنبر، فقال: يا أهل العراق، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قال: فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يَحِنّ بكاء.
وقال السُّدِّي، عن أبي الديلم قال: قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام: أما قرأت في الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؟ قال: نعم، ولأنتم هم؟ قال: نعم.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} أي: بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة، وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك، أعطاكن ذلك وخصكن بذلك.
قال ابن جرير، رحمه الله: واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} أي: ذا لطف بكن، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة. وهي السنة، خبيرًا بكنَّ إذ اختاركن لرسوله أزواجًا.
وقال قتادة: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} قال: يمتنُّ عليهن بذلك. رواه ابن جرير.
وقال عطية العَوْفي في قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} يعني: لطيف باستخراجها، خبير بموضعها. رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: وكذا روى الربيع بن أنس، عن قتادة. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقرأ الجمهور: {وقِرْن} بكسر القَافِ، وقرأ نافعُ وعاصِمُ: {وقَرْن} بالفتح، فأما الأولى فيصح أن تكونَ من الوَقار، ويصحُّ أن تَكُونَ من القَرَارِ، وأما قراءة الفتح فعلى لغة العرب قَرِرْتُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَقِرَ بفتح القاف في المكان، وهي لغة ذكرها أبو عبيد في الغريب المصنف وذكرها الزَّجاجُ وغيره، فأمرَ اللّه تعالى في هذه الآية نسَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بملازَمةِ بيُوتِهن، ونَهاهُنَّ عن التبرجِ؛ والتبرّجُ إظهَارُ الزينَةِ والتَّصَنُّعُ بِهَا، ومنه الروجُ لظهُورها وانكشافِها للعيون، واخْتَلَفَ الناسُ في {الجاهلية الأولى} فقالَ الشعبي: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، وقيل: غيرُ هذا.
قال ع: والذي يظهر عندي؛ أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقنها فَأَمِرْنَ بالنَّقْلَةِ عن سِيرَتِهنَّ فِيها، وهي ما كانَ قَبْل الشَّرْعِ مِن سِيرةِ الكَفَرَةِ، وجَعْلِها أولى بالإضافة إلى حالةِ الإسْلام، وليس المعنى. أن ثُمَّ جاهليةً أخِرَة، و{الرجس} اسم يقعُ على الإثم وعلى العذابِ وعلى النَجَاسَات والنقائِص، فأذْهَبَ اللّه جميعَ ذلك عن أهْل البَيْتِ، قالت أم سلمةَ نزلت هذه الآية في بَيْتي؛ فدعا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عليّا وفاطِمَةَ وحَسَنَا وحُسَيْنا فَدَخَلَ مَعَهم تَحْت كساءِ خيبري، وقال: «هؤلاءِ أهل بيتي، وقرأ الآية، وقَال اللَّهمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتِ إلى خَيْرَ» والجمهورُ على هذا، وقال ابن عباس وغيره: أهل البيتِ: أزواجه خاصة، والجمهور على ما تقدم.
قال ع: والذي يظهر لي: أن أهل البيت أزواجه وبنتُه وبنوها وزوجُها أعنى عليًّا، ولفظ الآية: يقتضي أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن.
قال ص: و{أَهْلَ البيت} منصوبٌ على النداءِ أو على المدْحِ أو على الاخْتِصَاصِ وَهُوَ قَلِيلٌ في المخاطب، وأكْثَرُ ما يكونُ في المتكلِّم، كقوله الرجز:
نَحْنُ بَنَاتِ طَارِقْ ** نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ

انتهى.
واسْتَصْوَبَ ابنُ هشامٍ نصبَه على النداء، قاله في المغني: وقوله تعالى: {واذكرن} يُعْطِي أنْ أهْل البيتِ نساؤه، وعلى قول الجمهور: هي ابتداء مخاطبةِ والحكمةُ السّنّةُ، فقولُه: {واذكرن} يحتمل مَقْصِدَيْنِ: كِلاهما مَوْعِظَة أحدُهمَا: أن يريدَ تَذَكَّرْنَه، واقْدِرْنَه قَدْرَه، وفَكِّرْنَ فِي أنّ مَنْ هذِهِ حَالُه يَنْبَغِي أن تَحْسُنَ أَفْعَالُه، والثاني: أن يُرِيْدَ: {اذكرن} بمعنى: احْفَظْنَ واقْرَأْنَ وَأَلْزِمْنَهُ أَلسنتَكنَّ.
ت: ويحتمل أن يُرَادَ ب {اذكرن} إفشاؤه ونشرُه للناس، واللّه أعلم. وهذا هو الذي فهمُه ابنُ العربيِّ من الآية، فإنَّه قال: أمر اللّه أزواجَ رسولهِ أن يُخْبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن وبما يَرَيْنَ من أفعالِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأقواله، حتى يبلغَ ذلك إلى الناسِ، فيعملوا بما فيه ويَقْتَدُوا به، انتهى. وهوَ حسن وهو ظاهر الآية وقد تقدم له نحو هذا في قوله تعالى: {وَإِنِ امرأة خافت مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] الآية. ذكره في أحكام القرآن. اهـ.