فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}.
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من قنت من نساء نبيه صلى الله عليه وسلم لله ولرسوله، وعمل عملًا صالحًا: أن الله جل وعلا يؤتيها أجرها مرتين، والقنوت: الطاعة، وما وعد الله به جل وعلا من أطاع منهن بإيتائها أجرها مرتين في هذه الآية الكريمة جاء الوعد ينظيره لغيرهن، في غير هذا الموضع، فمن ذلك وعده لمن آمن من أهل الكتاب بنبيه، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بإيتائه أجره مرتين، وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قالوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [القصص: 5154] الآية.
ومن ذلك وعده لجميع المطيعين من أمته صلى الله عليه وسلم بإيتائهم كفلين من رحمته تعالى، وذلك في قوله جل وعلا: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي ضعفين وزادهم وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد: 28]، الآية.
واعلم أن ظاهر هذه الآية الكريمة من سورة الحديد الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الخطاب بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} [الحديد: 28] الآية. عام لجميع هذه الأمة كما ترى، وليس في خصوص مؤمني أهل الكتاب، كما في آية القصص المذكورة آنفًا، وكونه عامًا هو التحقيق إن شاء الله، لظاهر القرآن المتبادر الذي لم يصرف عنه صارف، فما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما من حمله آية الحديد هذه على خصوص أهل الكتاب كما في آية القصص، خلاف ظاهر القرآن، فلا يصح الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وإن وافق ابن عباس في ذلك الضحاك، وعتبة بن أبي حكيم، وغيرهما. واختاره ابن جرير الطبري.
والصواب في ذلك إن شاء الله هو ما ذكرنا، لأن المعروف عند أهل العلم: أن ظاهر القرآن المتبادر منه، لا يجوز العدول عنه، إلا لدليل يجب الرجوع إليه.
وقال ابن كثير: وقال سعيد بن جبير: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، أنزل الله تعالى على نبيه هذه الآية في حق الأمة: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} أي ضعفين وزادهم {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد: 28] ففضلهم بالنور والمغفرة اه نقله عنه ابن جرير، وابن كثير. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في الترجمة، وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك.
ومما ذكرنا من أمثلة ذلك في الترجمة قولنا فيها. ومن أمثلته قول بعض أهل العلم: إن أزواجه صلى الله عليه وسلم لا يدخلن في أهل بيته في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] فإن قرينه السياق صريحة في دخولهن، لأن الله تعالى قال: {يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] ثم قال في نفس خطابه لهن: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} [الأحزاب: 33] ثم قال بعده: {واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 34] الآية.
وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، فلا يصح إخراجها بمخصص، وروي عن مالك أنها ظنية الدخول، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله:
واجزم بإدخال ذوات السبب ** وارو عن الإمام ظنًا تصب

فالحق أنهن داخلات في الآية. اهـ. من ترجمة هذا الكتاب المبارك.
والتحقيق إن شاء الله: أنهن داخلات في الآية، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت.
أما الدليل على دخولهن في الآية، فهو ما ذكرناه آنفًا من أن سياق الآية صريح في أنها نازلة فيهن.
والتحقيق: أن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما هو مقرر في الأصول.
ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت. قوله تعالى في زوجة إبراهيم: {قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} [هود: 73].
وأما الدليل على دخول غيرهن في الآية، فهو أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم: «إنهم أهل البيت ودعا لهم الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرًا» وقد روى ذلك جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأبو سعيد، وأنس، وواثلة بن الأسقع، وأم المؤمنين عائشة، وغيرهم رضي الله عنهم.
وبما ذكرنا من دلالة القرآن والسنة: تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم كلهم.
تنبيه:
فإن قيل: إن الضمير في قوله: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} وفي قوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ضمير الذكور، فلو كان المراد نساء النبي صلى الله عليه وسلم لقيل: ليذهب عنكن ويطهركن.
فالجواب من وجهين: الأول: هو ما ذكرنا من أن الآية الكريمة شاملة لهن ولعلي والحسن والحسين وفاطمة، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها، كما هو معلوم في محله.
الوجه الثاني: هو أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر، ومنه قوله تعالى في موسى: {فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا} [طه: 10]. وقوله: {سَآتِيكُمْ} [النمل: 7]. وقوله: {لعلي آتِيكُمْ} [طه: 10]. والمخاطب امرأته كما قاله غير واحد، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم ** وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردا

وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال: إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لسن داخلات في الآية، يرد عليه صريح سياق القرآن، وأن من قال: إن فاطمة وعليًا والحسن والحسين ليسوا داخلين فيها، ترد عليه الأحاديث المشار إليها.
وقال بعض أهل العلم: إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة والعلم عند الله تعالى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِب عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} الآية، يعني أنه يذهب الرجس عنهم، ويطهرهم بما يأمر به من طاعة الله، وينهى عنه من معصيته، لأن من أطاع أذهب عنه الرجس، وطهره من الذنوب تطهيرًا.
وقال الزمخشري في الكشاف: ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم، وليتصونوا عنها بالتقوى. واستعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطهر، لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما الحسنات فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر، وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده، ونهاهم عنه، ويرغبهم فيما يرضاه لهم، وأمرهم به. وأهل البيت نصب على النداء أو على المدح. وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته.
تنبيه:
اعلم أنه يكثر في القرآن العظيم، وفي اللغة إتيان اللام المكسورة منصوبًا بعدها المضارع بعد فعل الإرادة كقوله هنا: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِب عَنكُمُ الرجس} [الأحزاب: 33] الآية. وقوله: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ} [النساء: 26]. وقوله: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} [الصف: 8] الآية. وقوله تعالى: {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] إلى غير ذلك من الآيات. وكقول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ** تمثل لي ليلى بكل سبيل

وللعلماء في اللام المذكورة أقوال: منها أنها مصدرية بمعنى أن، وهو قول غريب. ومنها: أنها لام كي، ومفعول الإرادة محذوف والتقدير: إنما يريد الله أن يأمركم وينهاكم، لأجل أن يذهب عنكم الرجس: والرجس كل مستقذر تعافه النفوس، ومن أقذر المستقذرات معصية الله تعالى.
قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ}. قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها بيان الأجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة موصول، وذكرنا أن من أمثلة ذلك قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} لأن جملة: الله مبديه صلة الموصول الذي هو ما.
وقد قلنا في الترجمة المذكورة: فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم في نفسه وأبداه الله، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها، حيث أوحى إليه ذلك، وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة، لأن زواجه إياها هو الذي أبداه الله بقوله: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دل عليه القرآن، وهو اللائق بجنابه صلى الله عليه وسلم.
وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسرين من أن ما أخفاه في نفسه صلى الله عليه وسلم وأبداه الله وقوع زينب في قلبه ومحبته لها، وهي تحت زيد، وأنها سمعته، قال سبحان مقلب القلوب إلى آخر القصة، كله لا صحة له، والدليل عليه أن الله لم يبد من ذلك شيئًا، مع أنه صرح بأنه مبدي ما أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى محل الغرض من كلامنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: واختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة، وابن زيد، وجماعة من المفسرين منهم: الطبري: وغيره: إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد، وكان حريصًا على أن يطلقها زيد، فيتزوجها هوإلى أن قال: وهذا الذي كان يخفى في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف يعني قوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37]. اهـ.
ولا شك أن هذا القول غير صحيح، وأنه غير لائق به صلى الله عليه وسلم.
ونقل القرطبي نحوه عن مقاتل، وابن عباس أيضًا. وذكر القرطبي عن علي بن الحسين أن الله أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيدًا سيطلق زينب، وأن الله يزوجها رسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن علم هذا بالوحي قال لزيد: أمسك عليك زوجك. وأن الذي أخفاه في نفسه: هو أن الله سيزوجه زينب رضي الله عنها، ثم قال القرطبي، بعد أن ذكر هذا القول: قال علماؤنا رحمه الله عليهم: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية. وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، والعلماء الراسخين. كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم إلى أن قال: فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد، وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق، فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بحرمته.
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول، وأسند إلى علي بن الحسين قوله: فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرًا من الجواهر ودرًا من الدرر أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه، أن ستكون هذه من أزواجك، فكيف قال بعد ذلك لزيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَك} [الأحزاب: 37]، وأخذتك خشية الناس أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه، والله أحق أن تخشاه. انتهى محل الغرض منه.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ها هنا آثارًا عن بعض السلف رضي الله عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفحًا لعدم صحتها، فلا نوردها إلى آخر كلامه. وفيه كلام علي بن الحسين الذي ذكرنا آنفًا.
قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في هذه المسألة: هو ما ذكرنا أن القرآن دل عليه، وهو أن الله اعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بأن زيدًا يطلق زينب، وأنه يزوجها إياه صلى الله عليه وسلم، وهي في ذلك الوقت تحت زيد، فلما شكاها زيد إليه صلى الله عليه وسلم قال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَك} [الأحزاب: 37] فعاتبه الله على قوله: أمسك عليك زوجك بعد علمه أنها ستصير زوجته هو صلى الله عليه وسلم وخشي مقالة الناس أن يقولوا: لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد.
والدليل على هذا أمران:
الأول: هو ما قدمنا من أن الله جل وعلا قال: {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} وهذا الذي أبداه الله جل وعلا، هو زواجه إياها في قوله: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} ولم يبد جل وعلا شيئًا مما زعموه أنه أحبها، ولو كان ذلك هو المراد لأبداه الله تعالى كما ترى.
الأمر الثاني: أن الله جل وعلا صرح بأنه هو الذي زوجه إياها، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِم} [الأحزاب: 37] الآية فقوله تعالى: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَج} تعليل صريح لتزويجه إياها لما ذكرنا، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها التي كانت سببًا في طلاق زيد لها كما زعموا، ويوضحه قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا} الآية، لأنه يدل على أن زيد قضى وطره منها، ولم تبق له بها حاجة، فطلقها باختياره. والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}.
معنى {يَقْنُتْ} [الأحزاب: 31] أي: يخضع لله تعالى الخضوع التام، ويخشع ويتذلَّل لله في دعائه، واختار الحق سبحانه القنوت؛ لأنه سبحانه لا يحب من الطائع أنْ يُدِلَّ على الناس بطاعته؛ لذلك يقول العارفون: رُبَّ معصية أورثت ذلًا وانكسارًا، خير من طاعة أورثتْ عِزًَّا واستكبارًا.
أو {وَمَن يَقْنُتْ} [الأحزاب: 31] أي: بالغ في الصلاح، وبالغ في الورع حتى ذهب إلى القنوت، وهو الخضوع والخشوع.
والنتيجة {نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] فالآية السابقة تقرر مضاعفة العذاب لمن تأتي بالفاحشة، وهذه تقرر مضاعفة الأجر لمن تخضع لله وتخشع وتعمل صالحًا.
{وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] أي: أعددناه وجهّزناه لها من الآن، فهو ينتظرها.
وحين تتأمل الأسلوب القرآني في هاتين الآيتين تطالعك عظمة الأداء، فحين ذكر الفاحشة ومضاعفة العذاب جاء الفعل {يُضَاعَفْ} [الأحزاب: 30] مبنيًا لما لم يُسَمَّ فاعله، أما في الكلام عن القنوت لله، فقال: {نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا} [الأحزاب: 31] فجاء الفعل مُسْندًا إلى الحق سبحانه مباشرة، وكأن الحق سبحانه لم يُرِدْ أنْ يواجه بذاته في مقام العذاب، إنما واجه العذاب فقط.