فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم يقول سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] الرجس بالسِّين هو الرِّجز بالزاي، وهو القذارة، سواء أكانت حسية كالميتة مثلًا، وكالخمر، أو معنوية كالآثام والذنوب، وقد جمعتْها الآية: {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] وقد يُراد بالرجس: النفاق والمرض.
وكلمة أهل تُقال: لعشيرة الرجل، لكنها تُطلَق في عُرْف الاستعمال على امرأته، ومن بقية الاصطلاحات لهذا المعنى ما نقوله الآن حين نذهب لزيارة صديق مثلًا فنقول: معي الأهل أو الجماعة، والبعض يقول: معي الأولاد، ونقصد بذلك الزوجة، لماذا؟ قالوا: لأن أمر المرأة مبنيٌّ على الستر، فإذا كان اسمها مبنيًا على الستر، فكذلك معظم تكليفاتها مبنية على الستر في الرجل، ونادرًا ما يأتي الحكم خاصًا بها.
لذلك، السيدة أسماء بنت عميس زوجة سيدنا جعفر بن أبي طالب، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة، فلما عادت سألتْ: أنزلَ شيء من أمر المرأة في غَيْبَتي؟ فقالوا لها: لم ينزل شيء، فذهبت إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله، ما أعظم خيبتنا وخسارتنا، فليس لنا في الأحكام شيء، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكن مستورات في الرجال».
ومع ذلك نزل القرآن الكريم بقوله تعالى: {إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات والذاكرين الله كَثِيرًا والذاكرات أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
وتلحظ في هذه الآية أيضًا {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] أنها تتحدث عن النساء، لكنها تراعي مسألة سَتْر المرأة فتعود إلى ضمير الذكور {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ} [الأحزاب: 33] ولم تقُلْ عنكُنَّ، كذلك في {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ويصحّ أنه يريد أهلَ البيت جميعًا رجالًا ونساءً.
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}.
قوله تعالى: {واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 34] أي: نساء النبي {مِنْ آيَاتِ الله} [الأحزاب: 34] أي: آيات القرآن الكريم {والحكمة} [الأحزاب: 34] أي: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو: أن عطف الحكمة على آيات الله من عطف الصفة على الموصوف، لكن القول الأول أَوْلَى ما دام أن الأمر فيه سعة.
ومعنى {واذكرن} [الأحزاب: 34] قلنا: إن الذكْر استحضار واستدعاء معلومة من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور، والمعنى: استحضر ذِكْر الله واجعلْه على بالك دائمًا؛ لذلك قال تعالى: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] أي: أكبر من أيِّ عبادة؛ لأن العبادات كما ذكرنا تحتاج إلى استعداد، وإلى وقت، وإلى مشقة، وإلى تفرُّغ وعدم مشغولية.
أمَّا ذكر الله فهو يجري على لسانك في أيِّ وقت، وبدون استعداد أو مشقة، ويلهج به لسانك في أي وقت، وعلى أي حال أنت فيه، واقرأ في ذلك قوله تعالى من سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] فما دام أن الذكر هو أنْ تجعل الله على بالك، فلا يمنعك من ذلك سَعْيٌ ولا عمل؛ لأن الذِّكْر أخف العبادات وأيسَرُها على النفس، وأثقلها في الميزان.
ثم تأمل: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
فمن عظمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن باله لم يَخْلُ لحظة من ذكر ربه أبدًا؛ لذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن نفسه: «تنام عيني، ولا ينام قلبي».
ثم تُختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] اللطف هو الدقِّة في تناول الأشياء وحُسْن تأتِّي الأمور مهما كانت وسائلها ضيقة، وسبق أنْ أوضحنا هذا المعنى وقلنا: إن الأشياء الضارة مثلًا كما لطُفَتْ عَنُفتْ، فالحديد الذي تجعله على النوافذ ليحميك من الذئاب، غير الحديد الذي يحميك من الثعابين، أو من الناموس والذباب.. إلخ؛ لذلك نجد أن أفتك الأمراض تأتي من الفيروسات اللطيفة التي لم تُعرف.
وحُسْن التأتِّي للأمور يعني التغلغل في الأشياء مهما دَقَّتْ، فقد تُضطر مثلًا لأنْ تُدخِل يدك في شيء ضيق لتتناول شيئًا بداخله، فلا تستطيع، فتستعيَن على ذلك بالولد الصغير؛ لأن يده ألطف من يدك، أو تستعين على ذلك بآلة أدقّ لتؤدي بها هذا الغرض.
ووَصْف اللطيف يُتمِّمه وصف الخبير، فإذا كان اللطيف يعني الدقة في تناول الأشياء وحُسْن التأتِّي، فالخبرة تعني معرفة الموضع، فاللطف لا يتأتي إلا بالخبرة. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {يا أيها النبي قُل لأزواجك}.
قيل: هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدّمها من المنع من إيذاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد تأذّى ببعض الزوجات.
قال الواحدي: قال المفسرون: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئًا من عرض الدنيا، وطلبن منه الزيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهنّ على بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهنّ شهرًا، وأنزل الله آية التخيير هذه، وكنّ يومئذ تسعًا: عائشة وحفصة وأمّ سلمة وأمّ حبيبة وسودة هؤلاء من نساء قريش، وصفية الخيبرية وميمونة الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
ومعنى {الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا} سعتها ونضارتها ورفاهيتها والتنعم فيها {فَتَعَالَيْنَ} أي أقبلن إليّ {أُمَتّعْكُنَّ} بالجزم جوابًا للأمر، أي أعطكنّ المتعة، وكذا {أسرّحكنّ} بالجزم، أي أطلقكنّ وبالجزم في الفعلين قرأ الجمهور، وقرأ حميد الخراز بالرفع في الفعلين على الاستئناف، والمراد بالسراح الجميل هو الواقع من غير ضرار على مقتضى السنة.
وقيل: إن جزم الفعلين، على أنهما جواب الشرط، وعلى هذا يكون قوله: {فتعالين} اعتراضًا بين الشرط والجزاء {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة} أي الجنة ونعيمها {فَإِنَّ الله أَعَدَّ للمحسنات مِنكُنَّ} أي اللاتي عملن عملًا صالحًا {أَجْرًا عَظِيمًا} لا يمكن وصفه، ولا يقادر قدره وذلك بسبب إحسانهن، وبمقابلة صالح عملهنّ.
وقد اختلف العلماء في كيفية تخيير النبيّ صلى الله عليه وسلم أزواجه على قولين: القول الأوّل: أنه خيرهنّ بإذن الله في البقاء على الزوجية أو الطلاق، فاخترن البقاء، وبهذا قالت عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي والزهري وربيعة.
والقول الثاني: أنه إنما خيرهنّ بين الدنيا فيفارقهنّ، وبين الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهنّ في الطلاق، وبهذا قال عليّ والحسن وقتادة، والراجح الأوّل.
واختلفوا أيضًا في المخيرة إذا اختارت زوجها هل يحسب مجرّد ذلك التخيير على الزوج طلقة أم لا؟ فذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا يكون التخيير مع اختيار المرأة لزوجها طلاقًا لا واحدة ولا أكثر.
وقال علي وزيد بن ثابت: إن اختارت زوجها فواحدة بائنة، وبه قال الحسن والليث. وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك.
والراجح الأوّل لحديث عائشة الثابت في الصحيحين قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدّه طلاقًا.
ولا وجه لجعل مجرّد التخيير طلاقًا، ودعوى أنه كناية من كنايات الطلاق مدفوعة بأن المخير لم يرد الفرقة لمجرّد التخيير، بل أراد تفويض المرأة وجعل أمرها بيدها، فإن اختارت البقاء بقيت على ما كانت عليه من الزوجية، وإن اختارت الفرقة صارت مطلقة.
واختلفوا في اختيارها لنفسها هل يكون ذلك طلقة رجعية، أو بائنة؟ فقال بالأوّل عمر وابن مسعود وابن عباس وابن أبي ليلى والثوري والشافعي. وقال بالثاني عليّ وأبو حنيفة وأصحابه، وروي عن مالك.
والراجح الأوّل، لأنه يبعد كل البعد أن يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه على خلاف ما أمره الله به، وقد أمره بقوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وروي عن زيد بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها فثلاث طلقات، وليس لهذا القول وجه.
وقد روي عن عليّ: أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء، وإذا اختارت زوجها فواحدة رجعية.
ثم لما اختار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله أنزل فيهنّ هذه الآيات تكرمة لهنّ وتعظيمًا لحقهنّ فقال: {يانساء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة مُّبَيّنَةٍ} أي ظاهرة القبح واضحة الفحش، وقد عصمهنّ الله عن ذلك وبرأهنّ وطهرهنّ {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} أي يعذبهنّ مثلي عذاب غيرهنّ من النساء إذا أتين بمثل تلك الفاحشة؛ وذلك لشرفهنّ وعلوّ درجتهنّ وارتفاع منزلتهنّ.
وقد ثبت في هذه الشريعة في غير موضع أنّ تضاعف الشرف وارتفاع الدرجات يوجب لصاحبه إذا عصى تضاعف العقوبات.
وقر أبو عمرو: {يضعف} على البناء للمفعول، وفرق هو وأبو عبيد بين يضاعف ويضعف، فقالا: يكون يضاعف ثلاثة عذابات ويضعف عذابين.
قال النحاس: هذه التفرقة التي جاء بها لا يعرفها أحد من أهل اللغة، والمعنى في يضاعف ويضعف واحد، أي يجعل ضعفين، وهكذا ضعف ما قالاه ابن جرير {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيرًا} لا يتعاظمه ولا يصعب عليه.
{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالحا} قرأ الجمهور: {يقنت} بالتحتية، وكذا قرءوا: {يأت منكنّ} حملًا على لفظ من في الموضعين، وقرأ الجحدري ويعقوب وابن عامر في رواية وأبو جعفر بالفوقية حملًا على المعنى، ومعنى {من يقنت} من يطع، وكذا اختلف القراء في {مبينة} فمنهم من قرأها بالكسر، ومنهم من قرأها بفتح الياء كما تقدّم في النساء.
وقرأ ابن كثير وابن عامر: {نضعف} بالنون ونصب العذاب، وقرىء: {نضاعف} بكسر العين على البناء للفاعل {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} قرأ حمزة والكسائي بالتحتية، وكذا قرأ: {يعمل} بالتحتية، وقرأ الباقون: {تعمل} بالفوقية، {ونؤت} بالنون.
ومعنى إتيانهنّ الأجر مرّتين: أنه يكون لهنّ من الأجر على الطاعة مثلا ما يستحقه غيرهنّ من النساء إذا فعلن تلك الطاعة.
وفي هذا دليل قويّ على أن معنى {يضاعف لها العذاب ضعفين} أنه يكون العذاب مرّتين لا ثلاثًا؛ لأن المراد إظهار شرفهنّ ومزيتهنّ في الطاعة والمعصية بكون حسنتهنّ كحسنتين، وسيئتهنّ كسيئتين، ولو كانت سيئتهنّ كثلاث سيئات لم يناسب ذلك كون حسنتهنّ كحسنتين، فإن الله أعدل من أن يضاعف العقوبة عليهنّ مضاعفة تزيد على مضاعفة أجرهن {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} زيادة على الأجر مرّتين {رِزْقًا كَرِيمًا}.
قال المفسرون: الرزق الكريم هو: نعيم الجنة، حكى ذلك عنهم النحاس.
ثم أظهر سبحانه فضيلتهنّ على سائر النساء تصريحًا، فقال: {يانساء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} قال الزجاج: لم يقل: كواحدة من النساء؛ لأن أحد نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة.
وقد يقال: على ما ليس بآدميّ كما يقال: ليس فيها أحد لا شاة، ولا بعير.
والمعنى: لستنّ كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف.
ثم قيد هذا الشرف العظيم بقيد فقال: {إِنِ اتقيتن} فبين سبحانه أن هذه الفضيلة لهنّ إنما تكون بملازمتهنّ للتقوى، لا لمجرّد اتصالهنّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد وقعت منهنّ ولله الحمد التقوى البينة، والإيمان الخالص، والمشي على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته.
وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي: إن اتقيتنّ فلستنّ كأحد من النساء.
وقيل: إن جوابه: {فَلاَ تَخْضَعْنَ} والأوّل أولى.
ومعنى {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} لا تلنّ القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المريبات من النساء، فإنه يتسبب عن ذلك مفسدة عظيمة، وهي قوله: {فَيَطْمَعَ الذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجور وشك ونفاق، وانتصاب {يطمع} لكونه جواب النهي. كذا قرأ الجمهور. وحكى أبو حاتم أن الأعرج قرأ: {فيطمع} بفتح الياء وكسر الميم.
قال النحاس: أحسب هذا غلطًا، ورويت هذه القراءة عن أبي السمال وعيسى بن عمر وابن محيصن، وروي عنهم: أنهم قرءوا بالجزم عطفًا على محل فعل النهي {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} عند الناس بعيدًا من الريبة على سنن الشرع، لا ينكر منه سامعه شيئًا، ولا يطمع فيهنّ أهل الفسق والفجور بسببه.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرأ الجمهور: {وقرن} بكسر القاف من وقر يقر وقارًا، أي سكن، والأمر منه قر بكسر القاف، وللنساء قرن: مثل عدن وزنّ.
وقال المبرد: هو من القرار، لا من الوقار، تقول: قررت بالمكان بفتح الراء، والأصل: اقررن بكسر الراء فحذفت الراء الأولى تخفيفًا كما قالوا في ظللت: ظلت، ونقلوا حركتها إلى القاف، واستغنى عن ألف الوصل بتحريك القاف.
وقال أبو علي الفارسي: أبدلت الراء الأولى ياء كراهة التضعيف كما أبدلت في قيراط ودينار، وصار للياء حركة الحرف الذي أبدلت منه، والتقدير: اقيرن، ثم تلقى حركة الياء على القاف كراهة تحريك الياء بالكسر فتسقط الياء لاجتماع الساكنين، وتسقط همزة الوصل لتحريك ما بعدها فيصير قرن.
وقرأ نافع وعاصم بفتح القاف. وأصله: قررت بالمكان: إذا أقمت فيه بكسر الراء، أقرّ بفتح القاف كحمد يحمد، وهي لغة أهل الحجاز، ذكر ذلك أبو عبيد عن الكسائي، وذكرها الزجاج، وغيره.
قال الفراء: هو كما تقول هل حست صاحبك، أي هل أحسسته؟ قال أبو عبيد: كان أشياخنا من أهل العربية ينكرون القراءة بالفتح للقاف، وذلك لأن قررت بالمكان أقرّ لا يجوّزه كثير من أهل العربية.
والصحيح قررت أقرّ بالكسر، ومعناه: الأمر لهنّ بالتوقر والسكون في بيوتهنّ، وأن لا يخرجن، وهذا يخالف ما ذكرناه هنا عنه عن الكسائي وهو من أجلّ مشايخه.
وقد وافقه على الإنكار لهذه القراءة أبو حاتم فقال: إن {قرن} بفتح القاف لا مذهب له في كلام العرب.
قال النحاس: قد خولف أبو حاتم في قوله إنه لا مذهب له في كلام العرب، بل فيه مذهبان: أحدهما: حكاه الكسائي، والآخر: عن عليّ بن سليمان.
فأما المذهب الذي حكاه الكسائي فهو ما قدّمناه من رواية أبي عبيد عنه، وأما المذهب الذي حكاه عليّ بن سليمان، فقال: إنه من قررت به عينًا أقرّ. والمعنى: واقررن به عينًا في بيوتكنّ.
قال النحاس: وهو وجه حسن. وأقول: ليس بحسن ولا هو معنى الآية، فإن المراد بها أمرهنّ بالسكون والاستقرار في بيوتهنّ، وليس من قرّة العين.